كان يوما حارا وكنت مرهقه و"زهقانه" وكانت رآسي تدق كالساعه الخربه يتصاعد ضغطها وينزل بسبب العرق السيال والرطوبه الخانقه والاحساس بالحصار الذي لا اعرف طريقه ناجعه لكسر حلقاته القابضه علي روحي وعقلي .. كنت احس حصارا لااعرف سبيلا لكسر حلقاته والفكاك منه ، كل طرق التفكير التقليديه تقودني لنفس النتيجه التي لا احبها !! قررت الهروب من المشكله التي تآكل رآسي و رميت جسدي المتهالك فوق " الكنبه " والقيت برآسي علي " مسندها " وفتحت التلفزيون بحثا عن تسليه او تلهيه او "زن" مملل يدفعني هربا من رتابته لنوم عزيز المنال !!! تراقصت امام عيني الالوان وتداخلت في اذني الاصوات وانا اضغط بسرعه ضغطات متتابعه علي " التحكماوي " - كما يقول صديقي العزيز الدكتور حازم الرفاعي بعد ان اضناه البحث عن كلمه عربيه يصف بها " الريموت كنترول "- انتقل بسرعه بين القنوات يزداد انزعاجي وصداع رآسي واحساسي بالحر الخانق ، اقف علي احدي قنوات عرض الافلام السينمائيه الاجنبيه انتظر بدايه الفيلم القادم اتابع الاعلانات الرتيبه التي تعرضها و.... يلتصق جفناي ببعضهما واسمع صوت انفاسي العاليه .. وانام .... افتح عينيي علي ضجه و جلبه واصوات ارتطام مصحوبه بحديث حماسي عالي النبرات محرض ... انتبه لما يحدث امامي علي الشاشه ... اراه امامي مبتسما ابتسامه هادئه " روبن ويليمز " ذلك الممثل القدير المتميز الذي لا يخرج علي الشاشه عاده الا كي يرسل لنا نحن مشاهديه رساله عميقه تستحق الانتباه الي مضمونها .. لذا .. انتبهت اكثر وتسللت اليقظه لعقلي الغافي .. رآيت امامي فصلا دراسيا في مدرسه ثانويه محافظه يرتدي تلاميذها البذلات الرسميه ورابطه العنق الداكنه تحس السكون يلف اجواهها وكآننا في معبد خالي من زواره تري مبانيها العتيقه كئيبه اضاءتها خافته تسمع حفيف الاشجار في حوشها وكآننا في مقابر بلا جنازات يلفها صمت الموت !!! رآيت امامي فصل دراسي في تلك المدرسه يجلس علي مقاعده مجموعه من التلاميذ الشباب كآنهم هرمين يحملون هموم الدنيا فوق رؤسهم الشابه يرتسم علي وجوههم هما وقلقا وارتباك تحسهم اسري مقاعدهم اسري مدرسيهم اسري المصالح المستقبليه التي اجبرتهم علي الجلوس صامتين مؤدبين علي تلك المقاعد !!! رآيت امامي قسمات الاستغراب علي ملامحهم وهم يتابعون مدرس "ماده الشعرالكلاسيكي " يعتلي مكتبه قافزا في الهواء يناشدهم محاكاته ورؤيه الدنيا من موقع اخر غير الذي اعتادوا عليه وسكنوه له وتعودوا علي الوقوف فيه مترهلين يائسين غاضبين لا حول لهم ولا قوه !! رآيته يدفعهم دفعا للتمرد علي النظره التقليديه للدنيا يصرخ فيهم "انظروا الآن إلى الحياة، ألا ترون كم هي مختلفة، ألا ترون كم هو رائع ومذهل وجميل أن تنظروا إليها من زاوية أخرى " رآيته يحرضهم علي الانطلاق في الحياه ويدفعهم للتمرد علي قواعدها الصارمه المآلوفه ويؤكد لهم بتجربه عمليه بسيطه ان الحياه ممكن رؤيتها من مواقع مختلفه وبطرق مختلفه كآنه يرفع الغمامه من فوق اعينهم وعقولهم ويدفعهم للتحرر والتمرد ويحرضهم علي كسر القوالب الجامده والاطر التقليديه !!! قفزت الكاميرا اسرع واسرع علي وجوه التلاميذ المرتبكين ترصد خوفهم من المدرس كآنهم لا يصدقوا دعوته لهم يحسونها كمينا سيعاقبوا علي الاستجابه له يكذبوا اعينهم وهي تراه مبتسما متحررا منطلقا يعتلي مكتبه يلوح لهم بذراعيه كآنه طائر حر طليق لا يصدقوا تغريده الحر ودعوته الحماسيه للاحتذاء به ينظرون لبعضهم البعض نظرات قلق كآن كل منهم يسآل الاخر " هل مانراه حقيقي ؟؟ هل نقلده ؟؟ هل نقوي علي التحرر من القيود التي تكبلنا ؟" تعود الكاميرا لوجه المدرس بقسماته المنسبطه انسجاما مع افكاره المتمرده يبذل كل طاقته لتحريض تلاميذه علي الخروج من شرانقهم الحريريه المحتجزين فيها تحت مزاعم واهيه " مصلحتك ومستقبلك و... الافضل لك !!" ولا يتركنا المخرج طويلا في حاله القلق التي حاصرنا بها فسرعان ما يتشجع احد التلاميذ ويقفز فوق مكتبه ويلحق به الثاني والثالث والرابع و.. الاخير .. نراهم فوق مكاتبهم مبتسمين سعداء متحررين ونري علي وجوههم راحه اكبر وسعاده اكبر وحيويه اكبر !!! وسرعان ما يصطحبنا المخرج في رحله حياتهم اثر التغيير الذي لحق بهم فنري احدهم فنان ممثل مبدع والثاني محب معطاء شجاع يقتحم قلب محبوبته ويمنحها حبه بسخاء جميل والثالث والرابع والخامس يقرآون الشعر ويتذوقون الادب وينتقدون طرق التفكير السائده ويتحررون من سطوتها .. هكذا كانت رساله الفيلم اطلاق العنان للتفكير الحر المتحرر من القوالب الجامده المتحدي للانماط السائده الراسخه القويه العتيه القابضه علي القلوب والانفس والعقول باعتباره طريق السعاده وطريق التحقق وطريق النجاح الحقيقي في الحياة ... ورغم ان المخرج حاصر المدرس المبدع واوقعه في محاكمه مكارثيه من سلطات المدرسه العليا التي تربصت به وانتظرت خطآ تلصقه به وتحمله نتائجه وصولا للاطاحه به وابعاده وشروره وتفكيره الحر من طريق التلاميذ ومن المدرسه كلها ورغم ان المخرج كشف نقاط ضعف التلاميذ وهشاشه انفسهم ودفعهم خضوعا للسلطه القاهره للوشايه بالمدرس بل والادعاء عليه بما لم يفعله تخليصا لانفسهم من عقاب عنيف يدمر مستقبلهم جميعه الا انه اوضح بشكل جلي تعاطفهم معه واعجابهم به وخجلهم منه وامتنانهم له حين غير نظرتهم للحياه وغيرهم وكسر بداخلهم للابد سطوه التقاليد والاعراف والقواعد الجامده واطلق العنان لعقولهم المتمرده ولانفسهم الحيه وقلوبهم النابضه للتعامل مع الحياه بالطريقه التي تمنحهم السعاده والتحقق ... وكان مشهد مؤثر له عظيم الاثر حين انتفض التلاميذ من مقاعدهم وتمردوا علي ضعفهم وجبنهم واعربوا للمدرس الراحل عنهم عن اسفهم تجاهه وغضبهم من انفسهم لما اقترفوه في حقه حين باعوه ومكنوا سلطه المدرسه من رقبته فاذ بهم يعتلوا مكاتبهم الواحد تلو الاخر يرفعون يدهم بالتحيه له معبرين عن الاعتذار والاسف والامتنان العميق !!! فتحولت لحظه الهزيمه التي تمتنها سلطه المدرسه للمدرس وافكاره وتمرده الجميل لحظه انتصار وفرح اكدت له صحه منهجه وصحه سلوكه مع تلاميذه بل وافصحت له ان الارض الجدباء قد اثمرت زهورا ورياحين وان تعبه لم يذهب سدي وان تلاميده قد تحرروا من اسر الجمود والسكون والخضوع الابدي وانه قد فتح له بوابه علي الحياه الحقيقيه تستحق جهده وعناءه بل وتهون عليه الظلم العنيف الذي اعتبره ثمنا رخيصا لتحرر هؤلاء التلاميذ !!! انتهي الفيلم فاحسست الحر تبدد والخنقه التي كنت احس بها ذهبت وان الجو " جميل " وان عقلي ينتبه وينشط وجسدي يتحرر من قيوده واثقاله ... احستت ان مشكلتي التي كانت تؤرقني قد حلت وكدت اعتلي الكنبه التي اجلس عليها احلق في سماء الغرفه انظر للدنيا من زاويه جديده ونظره جديده تمنحني انطلاق في التفكير وصفاء في الذهن وسعاده حقيقيه .... امتننت للمخرج والممثلين ولكاتب السيناريو وفريق العمل واحسستهم زراع للصحراء انبتوا في جدبها الاشجار العملاقه الخضراء تظلل علي التائهين وتهون عليهم رحله طريقهم الشاق في الارض المقفره .. امتننت لهم واحسست للمره المليون بقيمه الفن الجميل حين يهون علي النفوس المتعبه احمالها ويمنحها بطريق جميل وبسيط ومؤثر السعاده الحقه .... امتننت لهم وقد منحوني سبيل التحرر من القيود والاسمال الباليه التي تلتصق بعقلي تكبله وتعوقه وتعذبني وتمنيت لو منحنا الله في كل مؤسسه تعليميه وموقع عمل وقناه تلفزيونيه رجل او امرآه مثل هذا المدرس بطل الفيلم تكون مهمته الساميه هي تحرير الفكر واطلاق العنان للقدرات الكامنه بانفس البشر وفتح البوابات المغلقه امام افكارهم وتفكيرهم يتحدوا العادات الباليه والتقاليد السخيفه والقواعد الصارمه ، تمنيت لو يمنحنا الله في كل موقع رجل او امرآه مثل هذا المدرس يري في نفوس البشر المحاصره بالقيود الثقيله والاغلال الصدئه يري فيهم الامكانيات الضخمه والمواهب الجميله والطاقات العظيمه فيساعدهم علي اطلاقها والتمتع بجمالها ، تمنيت لو منحنا الله في كل موقع شخص انسان يحب الحياه ويري مكامن جمالها ويؤمن بان السبيل الوحيد للاستمتاع بها ونفع بشرها هو اطلاق العنان للتفكير الحر المتحرر من القوالب الجامده و الانماط السائده .. يحب الحياه فيمنحها حبه وطاقاته المبدعه ويحرر بشرها من اثقال التاريخ والجغرافيا ويطلق سراحهم من الموروث الراسخ والنقل البغيض ويمنحهم لحظات السعاده الدافئه التي تهون عليهم الصعوبات والمشاكل .... تمنيت من الله ان يمنحنا في كل موقع شخص مسئول يتمرد علي الزاويه الضيقه التي حاصرته الدنيا فيها فينتفض يعتلي مكتبه او مقعده او نافذه بيته او شباك سيارته ويحاول ان يري الحياه من زاويه اخري ولايكتفي بمحاولاته الشخصيه بل يمنح وبسخاء من نفسه للاخرين كل العون كي يروا الحياه بطريقه جديده سعيده متحررين من كل الاثقال التي تزيد الحر حراره وتزيد البرد بروده وترخي البدن وتسطح العقل وتكتم النفس .... تمنيت من الله ان يمنحنا من يحب الحياة فلا يتركها الا وبصمته فوق صفحتها البيضاء عون للبشر علي حب الحياه اكثر واكثر هؤلاء الابطال الحقيقيين الذين يبذلون مجهودا عظيما في كل لحظه من حياتهم ويسعون جاهدين لترك اثرا واضحا علي الدنيا وحياه بشرها غير مبالين بحصار اصحاب السلطه والنفوذ وملاك مفاتيح الجنه ومصدري الاحكام الجاهزه بالادانه والعقاب لا يثنيهم العقاب والحصار والمنع الكريهه عن المحاوله المستمره مره واثنين وثلاث لاطلاق ارواح البشر الاسيره ومنح عقولهم متعه التفكير الحر والانطلاق المتمرد .. اغلقت التلفزيون واحسست في رقبتي دين لاناس لا اعرفهم ساعدوني واسعدوني وحملوني رسالتهم الجميله عبئا محببا لانشر اريجها الفواح بين البشر وهانا اسدد الدين واشكرهم !!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق