الثلاثاء، 2 سبتمبر 2008

" انتظروا النساء .. "



لما كان الرجوع للحق فضيلة ، فانا مدينة باعتذار علني للحركة النسائية المصرية ونشيطاتها الفاعلات الرائدات الطليعيات وزميلاتي وصديقاتي ورفيقات الدرب الطويل الصعب اللاتي منحن قضية النساء وحقوقهن الاجتماعية الوقت والجهد والاهتمام وسهر الليالي ..
والامر يبدأ بمقال نشرته في هذه الصفحة منذ عده اسابيع قلت فيه " الي السيدات والانسات المواطنات المصريات الغاضبات من التجاهل الاجتماعي الشامل للنساء ------ اناشدكن عدم الغضب !!! فالغضب لايجدي ولن يغير من الواقع المرير شيئا " وقتها كان الغضب يحتل نفسي والحسرة علي مااراه ونعيشه جميعا " تلتم" عيناي فلم اري مخرجا واقعيا قريبا لما نحن وقتها ، حيث استعرضت في ذلك المقال الاسباب الكريهة التي رأيتها مقدمات طبيعيه للتجاهل الاجتماعي الشامل للنساء واختتمت مقالي بتأكييد سلبي علي ان " هذا المجتمع لايمكن ان يسمح لنساءه بالخروج عن الاطر التقليدية العائلية والاسرية -------- وصياغة مستقبل الوطن!!! " ثم انهيت المقال ب " واذكر نفسي واذكرهن جميعا بحقيقة واقعنا الكئيب الذي نعيشه فعلا وسنعيشه لسنوات طويلة قادمة وحتي تتغير الدنيا!!"
والحقيقة انني وقت كتابه تلك المقالة كنت غاضبة غاضبة ادور في اطر فارغه من الافكار السلبية فلم يقودني عقلي او تفكيري لاي اتجاه ايجابي يمكنني من الاحتجاج علي – وليس فقط الغضب من – مايحدث في هذا المجتمع ، فجاءت مقالتي كما قرأتموها غاضبه جريحه لاتحمل ملمحا مستقبليا يساعد النساء علي تجاوز ذلك التجاهل الاجتماعي الشامل .. وقتها كنت اتصور ان حالي هو حال بقية النساء وان غضبي غضبهن واننا سنعيش جميعا سنوات طويلة " حتي تتغير الدنيا " وتصورت اننا جميعا معتقلات في لحظة عجز - لانملك سبيلا للفكاك منها - موجع مؤسس علي انكار غير مقبول لدور ووجود وكيان المرأة المصرية ذاتها ..
لكن الايام مرت وهدأ غضبي السلبي وتجاوزته بوعي عاقل قادني لبحث جدي عن السبل الممكنه لمداوة الاثار الموجعه لسياط التجاهل وجروح الاستبعاد المجتمعي للنساء لكن مقالتي قد خرجت اليكم ولم يعد في امكاني استردادها منكم وابتلاعها ثانية في جوفي !! فكرت في اعاده طرح الامر عليكم لكن " بعد العيد ما ينفتش كحك " والعيد كان قد مر !! فروضت نفسي علي الصبر وانتظرت ان تأتي اللحظة الملهمة لاعاده مناقشة الامر معكم ، وهاهو "العيد" ولحظته أتت وباسرع مما كنت اتصور وبشكل متوهج ومبهج ومثير للتفائل !!!
ففي مواجهة السياسه العمدية باقصاء النساء واستبعادهن من الانتخابات التشريعية الاخيرة بما لذلك من اثار مستقبلية سلبية وردا عليه ذلك انتفضت النساء وقررن الدفاع عن حقوقهن المجتمعيه بأنفسهن دون اعتماد علي ايه اطراف خارجية من القوي والتيارات والجماعات السياسية التي تتجاذب اطراف الهم العام في المجتمع المصري..
حيث بدأت انتفاضة النساء بطابور طويل من السيدات المستقلات اللاتي تقدمن – ورغم كل الصعوبات – للترشيح للانتخابات النيابية ، ززجن بأنفسهن في اتون المعركة الانتخابية ليس فقط في العاصمة وبقية والمناطق الحضرية بل وفي ريف مصر وصعيده القبلي القاسي ، عشرات النساء المستقلات خلقن معا وبشكل عفوي وبدون اتفاق مسبق ظاهرة مجتمعية جديدة لنري ولاول مرة سيدات مستقلات عن الاحزاب السياسية يخضن معركة انتخابية شرسة في مواجهه الوف الرجال المسلحين بملايين الجنيهات المدعومين بالمساندة الحزبية والقبلية والعائلية المحمين بانحياز الدولة او قوة البلطجية ، سيدات يخضن تلك المعركة العنيفة عاريات من الدعم الحزبي ومحرومات غالبا من الدعم الاسري والعائلي ومحاصرات بالموروثات الاجتماعية العتيقة ، سيدات يخضن تلك المعركة الانتخابية وهن يعرفن مسبقا ان فرص نجاحهن تكاد تكون منعدمه ، لكنهن رغم كل الصعاب آثرن خوضها لدعم وجودهن في المجتمع وايصال صوتهن للجميع صرخة احتجاج علي التجاهل المقصود للنساء المصريات بما يحمله من رسالة كريهه بغيضة فهمتها النساء ورفضتها بشكل ايجابي فاعل ، وكان طابور المرشحات المستقلات وتجربتهن القاسية خطوة في طريق الغضب الايجابي الذي شقته النساء بديلا وحيدا للدفاع عن كينونتها في مواجهه مجتمع يحاول اسكاتنا وخنق اصواتنا المحتجة علي التجاهل والاستبعاد .. وقد نجحت النساء المستقلات في الانتخابات التشريعية نجاحا لم تقر به الصناديق الزجاجية ولا الاوراق التي بداخلها ، نجاحا شهدت به الجماهير التي التفت حول تلك النساء واحترمتها وسمعت صوتها وناقشتها وايدتها في رفض التجاهل الاجتماعي الشامل لها ودعمتها وساندتها في جولاتها الانتخابية وحمتها من الشائعات والاقاويل الباطله وتبرعت لها بقروشها القليلة وفي النهاية منحتها اصواتها الغالية – علي قلة عددها - رصيدا قيما تعتز به الحركة النسائية المصرية شهادة وجود مؤثر فاعل في مجتمع تتجاهل نخبه السياسية تلك الحركة النسائية لكن لاتقوي علي عزلها عن الناس ولا حجبها عنهم ..
وقبل ان تخمد نيران المعركة الانتخابية انتفضت النساء ثانية حيث دعي منتدي "الجمعيات النسائية من اجل التغيير" لندوة لتقييم وضع المرأة في الانتخابات الاخيرة ، وهي الندوة التي حضرها حشد متنوع من النساء المصريات علي اختلافهن ، نساء جئن من القري والمدن البعيدة يحملن " من اجل التغيير" افكارهن وتجاربهن وخبراتهن في تلك المعركة ويناقشن مع رابطه المرأة العربية الجهه الداعية للندوة واصدقاءها تقرير اعدته المنظمات النسائية الثلاث المكونه للمنتدي عن تلك الانتخابات وموقف المرأة فيها وموقف المرأة منها وقد تناقشت النساء طويلا حول تفاصيل ذلك التقرير وعلي الرغم من مرارة الحديث والسلبيات التي شابت الانتخابات والتي عركتها النساء اولا واساسا الا ان التفائل المستقبلي طغي علي لغه المناقشة والحوار حيث نفضت الحاضرات غضبهن وتحررن من اسرهن المعجز وشمخن للمستقبل ببصرهن بسؤال هام " حنعمل ايه" معا وبتوحيد كل الجهود والنوايا الطيبة والافكار الخلاقة " حنعمل ايه " وعلي الرغم من ان الندوة انتهت قبل ان تجيب الحاضرات علي السؤال ، الا انه سبقي في ذاكرة كل منهن محفزا علي التفكير الايجابي موحدا لكل جهودهن من اجل مستقبل ووطن تتواجد فيه النساء شقائق للرجال ومتساوين معهم في الواجبات والحقوق ..
وبسرعه وقبل انعقاد الجلسه الاولي لبرلمان المستقبل الخالي من اصوات النساء ، رفعت النساء المصريات صوتهن عاليا وصرخن "حركة نسائية ديقراطية من اجل وطن حر " شعارا لمؤتمر "الحركة النسائية المصرية المعاصرة - الآفاق والتحديات – " الذي دعت له مؤسسة المرأة الجديدة وبدأ يوم 18 الحالي وقد مثل هذا المؤتمر في توقيته وجدول اعماله الرد البليغ المؤثر الايجابي المتميز في مواجهه الاقصاء المجتمعي المتعمد للنساء ، حيث حضرت وشاركت في ذلك المؤتمر وجلساته المتعاقبة الكثيرة عشرات بل مئات الناشطات المهتمات بقضايا النساء علي اختلاف منابعهن الفكرية والسياسية يجمعهن هم واحد هو وضع المرأة في هذا المجتمع وحالها والطريق الذي ستسير عليه وصولا لمستقبلها في علآقه هذا كله بالوطن المنشود الوطن الحر.. وقد شهد المؤتمر في ايامه الثلاث مناقشات ساخنه متحمسة بين روافد وفصائل وجمهور واصدقاء الحركة النسائية المصرية رجالا ونساء ، مناقشات حامية الوطيس في كل جلساته تعبر عن بنود وقضايا جدول اعماله الذي يعبر عن شجون النساء وهمومهن في لحظة دقيقة من عمر الوطن تتزايد فيها التخوفات من الاطاحه بحقوق النساء ومكتسباتها الحالية - تلك الحقوق التي ناضلت نساء كثيرات رائدات طليعيات للحصول عليها واقتناصها ، تلك الحقوق التي مازالت في وجه نظر الكثير من الناشطات حقوقا ناقصه ، يلزم المزيد من بذل الجهد لاستكمالها وصولا الي المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة وانهاء التمييز المجتمعي الحاصل ضد النساء – فتناقشت النساء معا حول علاقة الدوله بالنساء وعلاقتها بالحركة النسائية وعلاقه القوي السياسية المختلفة بالحركة النسائية وتساؤلوا هل تدعمنا تلك القوي ، هل تعرقلنا ، هل تتعاون معنا رغم الاختلاف ، هل تتبني مطالبنا ، هل --- وهل ---- وهل --- ؟؟ تساءلوا ماذا سنفعل غدا ، وتناقشوا في صورة الغد الذي يرضيهم او يتفقوا عليه ، تساءلوا اين نحن من جمهور النساء في عشوائيات العاصمة وقري الدلتا ونجوع الصعيد ؟؟واين مطالبنا من قضاياهم ؟؟واين مشاكلهم من حواراتنا ؟؟ تناقشت الحاضرات في علاقة المرأة بسوق العمل بالتنظميات النقابية بمؤسسات القطاع العام ومشاكل الخصخصة ، تناقشت الحاضرات وتجادلت بقوة حول برنامج الحركة النسائية في المستقبل ماهي القضايا التي نعطيها اولوية اهتمامنا وكل جهدنا ومعظم وقتنا ، تناقشت الحاضرات حول القانون وتطبيقاته وحول الاعراف الاجتماعيه والموروث واثرهما علي مستقبلنا ، حول الدين واعاده قراءه نصوصه واستنهاض قيمه السامية واختلفت الحاضرات حول كل القضايا واختلفوا واختلفوا ، لكنهم اتفقوا علي شيء واحد جمعهم وسيستمر في تجميعهم لسنوات وسنوات " نحن نحلم بوطن حر يسمح تحت سماءه بحركه نسائية ديمقراطية " وقد عاش المؤتمر ايامه الثلاث في اجواء حماسية مبعثها ايمان كل الحاضرات بأنهن اصحاب قضيه عادله حقيقية ومبعثها التواصل المستمر لاجيال الحركة النسائية سيدات وانسات من اعمار مختلفه يجلسن معا يناقشن بقلوب شابه متحمسة كل قضاياهن فنري عزيزة حسين بجوارها الدكتورة صالحه عوض ومعهن شاهنده مقلد ووداد ديمتري وعواطف والي غيرهن من الرائدات اللاتي بذلن النفيس الغالي لاثبات الوجود في مجتمع عتيق محافظ اعترف بمكانتهن الاجتماعيه المرموقة اقرارا بادوارهن الاجتماعيه المتميزة لصالح المجتمع كله نساءا ورجال ، وبجوار الرائدات نري اجيالا متعاقبة من النساء فريدة النقاش والدكتورة اميرة سنبل والدكتورة سلوي شعراوي ونوله درويش والدكتورة عايده سيف الدولة والدكتورة فؤاده هدية وامينه النقاش والدكتورة امال عبد الهادي والدكتورة دينا الخواجه والدكتورة اميمة ابو بكر وامل محمود وراجية عمران والدكتورة اصلاح جاد وسهام نجم ونهاد ابو القمصان و الدكتورة هاله شكر الله والدكتورة هانية الشلقامي ورحمة رفعت وغيرهن كثيرات وكثيرات ممن لم تسعفني الذاكرة باسمائهن وممن تعجز مقالتي عن ذكرهن سيدات متميزات ناجحات في مجال اعمالهن ووظائفهن ، ناجحات متميزات في اسرهن ومع اطفالهن ، سيدات منتجات مبدعات ، هن نجوم تسطع في سماء الوطن الذي يشرفه ان يكون من بين بناته هذه النسوة ويشرفهن انهن ينتمين لهذا الوطن ، سيدات يحملن الوطن في عيونهم والحلم في قلوبهن والعزيمة في نفوسهن يشققن بسواعدهن طريقا واضحا للمستقبلا ، وبجانب كل هؤلاء نري فتيات شابات ترتسم علي وجوههن الابتسامات المتفائلة منهن من حضرن من جنوب الوادي ومنهن من اتت من قلب الدلتا ومنهن من حملت علي ذراعها طفلتها الصغيرة وجلست بكل انتباه ووعي تناقش بحماس هموم النساء وقضايا الوطن تحلم مع كل الحاضرات المشاركات في هذا المؤتمر بمستقبل تعيشه ابنتها الصغيرة خاليا من الاقصاء والاستبعاد والتجاهل والقهر والتمييز المنفر والاضطهاد غير المبرر ،تحلم ونحن معها بمستقبل تعيشه ابنتها الصغيرة وجميع ابنائكم اناثا وذكورا مواطنين كاملين الاهلية لهم نفس الحقوق ونفس الواجبات شركاء في الوطن الحر ..
السطر الاخير - الي كل الصديقات والزميلات رفيقات الدرب الصعب الطويل ، الي نساء الحركة النسائية المصرية السائرات علي الدرب الشائك ممهدات الطريق الوعر للمستقبل الجميل اعتذر لكم عن غضبي الاهوج ويأسي الاحمق واوكد لكم ثقتي في المستقبل بكم ومعكم ..
السطر بعد الاخير- الي جميع النساء اللاتي يحلمن بوطن حر ويحلمن بمكانا تحت شمسه الدافئة ، ننتظركم معنا ، رجاءا لاتطيلوا انتظارنا ..
الكلمة الاخيرة – الي من تجاهل النساء وحاول استبعادهن " انتظروا النساء ... انتظروا النساء " ..
ا لاربعاء 21 ديسمبر 2005


ليست هناك تعليقات: