السبت، 6 سبتمبر 2008

" غضبت .. وحزنت .. وبكيت..

منذ وعيت علي عالم السياسة وانا اكره الرئيس العراقي صدام حسين واعتبره – وفقا لمعايير موضوعية - نموذجا للحاكم العربي الديكتاتور الذي انفرد – هو وحزبه - بالحكم في بلاده فاذ به يصنع فيها ما يشاء غير مكترث بالاخرين رافضا لافكارهم ناكرا لحقهم في الوجود وأكم طالعنا وقرأنا شهادات موثقة عن انعدام الديمقراطية وانتشار الاستبداد السياسي والهيمنه البوليسية والبطش بالمعارضين وقمع المخالفين واحتجازهم في غياهب السجون طويلا بغير محاكمات .. وحين دخلت العراق الحرب ضد ايران بعد انتصار ثروة الخميني روج الكثيرين من اهل السياسة بأن صدام حسين حارب الثورة الاسلامية لصالح امريكا العدو الرئيسي لتلك الثورة بزعم الدفاع عن الجزر العربية السليبة التي استولي عليها الشاه ولم يتذكرها صدام الا بعد انتصار الخوميني !! وهي اقاويل لها الف معني مشين لكن صدام حسين – لم يكترث بها - وأمن بتلك الحرب باعتبارها دفاعا عن كل العرب وحماية للحدود الشرقية للوطن العربي من تهديدات الهيمنه الايرانية !! وبعدها غزا صدام حسين الكويت واحتلها سمعنا من دافع عن مسلكه باعتباره تصحيحا قوميا للآخطاء الآستعمارية التاريخية التي قسمت اراضي العرب ورسمت بينها الحدود المصطنعة باعتبار ان الكويت كانت جزءا من لواء البصرة وارض العراق وان اجتزائها من الوطن الام كان فعلا استعماريا واضحا بقصد تقسيم ثروات العرب واضعاف شوكتهم ، وقال بعض المحللين ان صدام الذي كان يحارب ايران لصالح امريكا حسب ادعاءاتهم قد استأذنها في غزو الكويت – وهي قول له الف معني مشين - وانها خدعته عن طريق الوزيرة اولبريت التي زينت له غزو الكويت ووعدته بعدم التدخل ضده ان نجح ، وقال بعض المحللين ان العراق ومن خلفها العرب قد ازدادت قوتهم العسكرية بعد الحرب الايرانية التي خاضتها وطورت فيها ومن خلالها جيوشها وقوتها العسكرية الضاربة مما هدد ويهدد اسرائيل التي باتت صاحبة مصلحة واضحة في ضرب تلك القوة العسكرية وتدميرها وان كمين " غزو الكويت " الذي استدرج فيه صدام حسين وجيوشه – بخديعه امريكية - ليس الا تكتيك اسرائيلي امريكي لضرب العرب وقوتهم العسكرية!!! وانقسم العرب امام حرب "بوش الاب" وحلفاءه ضد العراق ، ورأي بعضهم ان صدام حسين قد اخطأ في غزو الكويت لكن الجريمة الاكبر هي السماح للجيوش الاجنبية بحصار العراق وضربها لما في ذلك من تدمير واهدار للقوة العربية وضرب العرب ذاتهم و" انا واخويا علي ابن عمي وانا وابن عمي علي الغريب" ورأي البعض الاخر ان صدام حسين يشكل خطرا علي جيرانه العرب وانه بعد ان حربه وعدوانه علي ايران سينقلب عليهم يحتلهم ويفرض سيطرته عليهم !! وظللت اكره صدام حسين!!! وقامت الحرب بين امريكا وحلفاءها وبين صدام حسين والعراق تحريرا للكويت وانتهت بغزو حدود العراق وفقدانها السيادة والقوة العسكرية والاستقلال الحقيقي وتصور الكثيرين ان جيوش الحلفاء ستسقط صدام حسين ونظامه "المستبد" الذي روجت امريكا لاسقاطه بحجج كثيرة معظمها حق يراد بها باطل كانعدام الديمقراطية والاستبداد بالحكم وارتكابه لجرائم القتل الجماعي للاكراد والشيعه وبقيه طوائف الشعب العراقي وتهديده العسكري السافر لاسرائيل و تهديده المستتر لعروش الجيران !!! لكن الجيش الامريكي وحلفاءه لم يٍسقط صدام حسين ولا نظام حكمه وفشل الحصار البري والجوي والتكنولوجي والعسكري والتجويع وحرمان اطفال العراق من اللبن والادوية ومنعهم من بيع البترول واثارة القلاقل في الجنوب والشمال فشل هذا كله في اسقاط صدام حسين !!! وبقيت اكره صدام حسين واتمني ان يتمكن الشعب العراقي واحزابه السياسيه من اسقاطه لكنه بقي صامدا في موقعه !!! ومرت سنوات وسنوات وغادر "بوش الاب" وجرت في النهر مياة كثيرة وبقيت العراق محاصرة يدفع شعبها ثمنا باهظا لسياسات حاكمه المستبد وظللت اكره صدام حسين !!! و حين قرر " بوش الابن" ومؤسساته العسكرية وقوات المارينز - بعد 11 سبتمبر - ان يغزو العراق ويدخل ضدها ويدخلها في حرب عسكرية - استعمارية في المقام الاول - بزعم البحث عن اسلحة الدمار الشامل التي تحوزها العراق وتخفيها وتخيف بها جيرانها الالداء ، ورغم كراهيتي لصدام حسين لم "ابلع" الوجبة المسممة التي اعدتها امريكا وبريطانيا وحلفاءها لنا نحن الشعوب المتشوقة للديمقراطية وتداول السلطة ولم اقبل القرارات الجائرة للامم المتحدة ولم اصدق حماس دولها المصوتين بقوة وتصميم ضد العراق ومع غزوها وحربها وتدميرها باعتبارهم – تلك الدول المصوته علي قرارت غزو العراق– هم ذاتهم اصحاب المعايير المزدوجة التي هاجموا العراق ونددوا بقوتها العسكرية المخيفة وصمتوا عن اسرائيل ودفنوا رؤوسهم في الرمال فلم يسمعوا عن سلاحها النووي !! وحين جمعت امريكا ونظمت فلول المعارضة العراقية في الداخل والخارج ورفعوا جميعهم صوتهم يرثون الديمقراطية الغائبة في العراق لم اصدق امريكا ولم اشتري بضاعتها الفاسدة وهي التي اغمضت عينيها عن وأد الديمقراطية عمدا وقتل فرسانها واغتيال رافعي الويتها في العديد من البلدان الحليفة!!! حين قرر " بوش الابن " محاربة العراق وتجريدها من اسلحة الدمار الشامل – التي ثبت بعد الغزو والحرب والاحتلال والتفتيش الدقيق عدم وجودها لدي العراق – احسست غصه في حلقي ومرارة في قلبي وغضبا جارفا يتملكني من تلك ال " امريكا " التي منحت نفسها رتبة الراعي الرسمي للديمقراطية العالمية وامسكت بعصاها تطارد مخالفيها وتضربهم كالصغار في رياض الاطفال تهذيبا واصلاحا وارسلت مفتشيها يفتشون بلادنا ويقلبونها رأسا علي عقب ثم ارسلت جنودها يضربون شعبنا بالقنابل التلفزيونية العنقودية والفسفور الابيض ويستوقفون الرجال شكا وينتهكون اعراض النساء تفتيشا ونصبت نفسها قاضيا وجلادا فحاكمتنا وحكمت علينا واوقعت علينا بيدها العقوبه الظالمة الغاشمة !! احسست غصه في حلقي ومرارة في قلبي وغضبا جارفا يتملكني من تلك ال" امريكا " التي تصورت ان غضبنا من صدام حسين واعتراضاتنا علي ديكتاتوريته وخلافنا من افكاره ستبرر لها – بتأييد منا - اجتياح بلادنا وغزوها وضربها وضرب شعبنا وتدمير قوتنا واهانه كرامتنا !!! لذا حين سقطت بغداد وسارت الدبابات الامريكية الغازية في شوارعها ترفع اعلام النصر الامريكي بكيت بالدمع الحار ليس دفاعا عن صدام حسين ولكن حزنا علي العراق وشعبها ، بكيت بالدمع الحار حزنا علي العرب جميعا ومااصابهم والهوان الامريكي الذي شربوه – في جماجم شهدائنا وقتلانا – في صحة الجيش الامريكي حتي الثمالة ، بكيت بالدمع الحار حزنا علي الايام السوداء التي عشناها فرأينا الجندي الامريكي هو الذي يأخذنا من ايدينا ويقودنا محميين بسلاحه وخوذته لطريق الديمقراطية المفروش بجثث الشهداء وسياده الوطن وكرامة العرب اجمعين !!! لذا لم افهم ولم اقبل – ابدا - شعور بعض العراقين وبعض العرب الذي احتفلوا بتحرير العراق من نظام صدام حسين وفرحوا اكثر لاحتلالها بالقوات الامريكية ورفعوا اعلامهم الايدلوجية فوق فوهات المدافع الامريكية الغازية وتحت حمايتها !! لم افهم ابدا شعورهم المبتهج وسبب فرحتهم و"بغداد" احدي العواصم العربية تسقط في يد الاعداء وتدك بواباتها وتنهار اسوارها تحت الخطي الغليظة لقوات المارينز يسيرون في شوارعنا بزهو عسكري بغيض يدهسون اطفالنا وكبريائنا وتاريخنا وعروبتنا ويرفعون اعلام "العم سام" فوق جامعتنا العربية !!! لم افهم ابدا مبررات بعض العراقيين والعرب للاحتفال بسقوط بغداد في القبضة الامريكية باعتباره السبيل الوحيد للتخلص من الديكتاتور الطاغية صدام حسين ، لم افهم كيف هانت عليهم انفسهم و ماتت النخوة في نفوسهم وتبلدت مشاعرهم الوطنية فاذ بهم يمنحون ال " امريكا " الحق في غزو بلادنا ان خالفناها والحق في تهذيبنا واصلاحنا ان رفضنا قيمها والحق في احتلال مدنا وسلب كرامتنا ان تصرفنا علي نحو لايعجبها ... وبقيت – بعد احتلال العراق - احتفظ برأي الموضوعي ضد صدام حسين وحكمه للعراق لكن جزء من قلبي انحاز له بعد ان قويت المعارضة العراقية العسكرية للاحتلال الامريكي وقيل من ضمن ما قيل عن تلك المعارضة انها من رجال نظام صدام حسين وانه قائدهم ، بقيت احتفظ برأي الموضوعي ضد صدام حسين لكن غضبي وكراهيتي انصبت ضد امريكا وحلفاءها ولم اقبل ابدا ان نقف في بغداد المحتلة تحت تهديد اسلحتهم المخيفة في طابور الرعايا نتلقي الادب بعصاهم ونتعلم التاريخ من كتبهم ونتعلم القراءة من الشمال لليمين !!!!
لذا حين قبضت قوات الاحتلال الامريكي علي صدام حسين واخرجوه من مخبأه امام الشاشات اشعث الشعر يفحصون اسنانه واذنه احسست المهانة الرهيبة علي كل العرب وبكيت حتي جف الدمع في المقالي ليس حزنا علي صدام حسين ولكن حزنا علينا نحن الذين عجزنا عن ممارسة الديمقراطية بايدينا وعجزنا عن تداول السلطة والاعتراف بالاخر وتقبله وافكاره ووجوده فقبلنا وفرحنا وهللنا ل "المحلل" الامريكي الذي امتطي جواده وجاءنا منقذا لنا ولاوطاننا !!! وقد تابعت مثل الملايين محاكمه صدام حسين علي احدي جرائمه في حق الانسانية – كما قالت امريكا - ولفت نظري اثناء جلسات المحاكمة قوة صدام حسين وهجومه العاتي علي قضاة المحكمة التي انعقدت في حماية القوات الامريكية !!! لفت نظري ان صدام حسين رغم السجن والحبس والاحتجاز لم يقبل الاحتلال الامريكي لبلاده ولم يقبل المحاكمه في ظل الاحتلال العسكري لوطنه وفي النهاية لم يخشي الموت ولم يهاب الاعدام ولكنه طلب الموت رميا بالرصاص باعتباره عسكريا اسير في يد قوات الاحتلال ، لفت نظري انه تحدث امام المحكمة حديثه الاخير للشعب والامة كرئيس للعراق وقع في اسر القوات الغازية لبلاده وطالب بجلاءها وكنت اوافقه الرأي فأنه ليس من حق الامريكان احتلال بلادنا استجلابا للديمقراطية التي ناضلنا من اجلها وسنظل نناضل وليس من حق الامريكان غزو بلادنا بجنودهم ذوي الوجوه الحمراء دفاعا عن حريتنا السليبة او شعوبنا المقهورة ، وليس من حق الامريكان ان يرفعوا عصاهم في وجوهنا ووجوه حكامنا تهذيبا وعقابا لاننا لانري مصلحتنا مثلما يروها او لاننا لانسمع كلامهم كما ، وليس من حق الامريكان ان يقبضوا علي حكامنا العرب او يحتجزوا رؤسائنا العرب بدلا منا ونيابة عنا مهما كانت اخطائهم او جرائهم ومهما غضبنا منهم او اعترضنا عليهم لان تلك ال "امريكا" ليست وكيلة عنا وليست وصية علينا وليست الممثلة للضمير العالمي وليست المدافعة الحقيقية عن حقوق شعوبنا واستقلالها لانها " تري القشة في عيني ولاتري الشجرة في عين اسرائيل " !!!! لذا غضبت و حزنت وبكيت حين قررت امريكا اعدام صدام حسين في اليوم الاول من ايام عيد الاضحي ،حزنت وبكيت لان امريكا اعدمت رئيس من رؤسانا العرب ولو كنا لانحبه ولانحترم سياساته ونرفضها ، غضبت وحزنت لانني احسست الهوان واحد حكامنا العرب – مهما كنت اختلف معه او اكرهه – قد وقف علي منصه الاعدام في بلده التي تحتلها القوات الامريكية الغازية ، حزنت وبكيت لان امريكا ارسلت لنا رساله نحن العرب انها صاحبة الامر والنهي في حياتنا وحياة اوطاننا وحياة شعوبنا وان يدها الطويلة وعصاها المدببة ومقصلتها الحادة ومشنقتها القوية ستطولنا جميعا !!! حزنت وبكيت ليس فقط علي صدام حسين ولكن علي العرب ومااصابهم وما سيصيبهم !! غضبت من امريكا التي غيرت مشاعري ضد صدام حسين الذي وقف وانشوطة الاعدام حول رقبته بثبات وقوة ملفتين للنظر يستقبل الموت بشجاعة ندر وجودها فاذ بكل الكراهية الموضوعية التي كنت احملها له تتبدد ويجرفني الحزن العميق عليه وعلي حالنا ... غضبت وحزنت وبكيت .... ومازلت غاضبه ومازلت حزينه ومازلت ابكي !!! الفقرة الاخيرة – رغم انف امريكا وعملاءها وتابعيها وبمناسبه عيد الاضحي ورأس السنه الميلادية وميلاد السيد المسيح .. كل سنه وكل العرب بخير وسلام ..

ليست هناك تعليقات: