ارجوكم لاتغضبوا مني ولاتكرهوني !!! ارجوكم لاتلقوا بالجريدة بعيدا عنكم وتحاملوا علي انفسكم واكملوا قراءة كلماتي الموجعة جدا الجارحة جدا الغاضبه جدا وصدقوني ان بركاني الذي سينفجر في وجوهكم وتعبيراتي المريرة ومشاعري السوداء منبعهم الوحيد منتهي الحب لهذا الوطن ومنتهي الغضب علي الحال الذي آلت اليه معيشتنا وايامنا ومنتهي القلق علي مستقبلنا الذي لم اعد اعرف له معالم او ملامح او شكل مفهوم او مقبول او ممكن تحمله!!!! وصدقوني ، لقد صمت طويلا !! لكن حبي للوطن – واه من هذا الحب الموجع – وحبي لابناء هذا الشعب وايماني المطلق بقدراتهم العاتية وهم بناة الحضارة وصناع الايام العظيمة وتفائلي المستمر بالمستقبل والغد الاتي وطبيعتي المقاتلة الرافضة للاستسلام والخنوع والراحة الابدية انتشلني من صمتي ومن يأسي ومن خضوعي لما نعيشه ودفعني دفعنا لالقاء حجري الغاضب في البحيرات الراكدة ووخزني فافقت من غيبوبتي العمدية فجلست اكتب لكم علني اوقظ فيكم الغضب الجميل واشحذ هممكم النبيلة واعيد اليكم الاحاسيس المرهفة الانسانية التي افترستها الايام الصعبة والظروف القاسية والمحن التي تحيط بنا وتحاصرنا وتقبض علي انفاسنا تكتمها !!!
ارجوكم لاتغضبوا مني او تكرهوني وافقئوا عيني قبل ان تعاتبوني علي انني لم اعد اري في مدينتنا الكبيرة الا الفوضي الشاملة تضرب في حياتنا كالاعاصير العاتية تدمرنا !! ارجوكم افقئوا عيني قبل ان تكرهوني فانا لم اعد اري الحياة في عاصمتنا الا حياة عشوائية تسودها شريعه الغاب وينظمها العبث والارتجال الغبي بلا قوانين وبلا نظم وبلا تخطيط وبلا مستقبل يتصارع فيها البشر علي أي شيء وعلي كل شيء كالحيوانات البرية بلا تهذيب وبلا مشاعر وبلا قواعد ويعيش فيها الناس يكذبون خوفا ويتملقون نفاقا ويصمتون يأسا ويتراجعون عمدا ويتنازلون عن حقوقهم الواحد تلو الاخر ببلادة ويسخرون من مشاكلهم وواقعهم المرير ومن انفسهم هوانا وكمدا كأنهم هبطوا علي هذا الوطن من الازمنه السحيقة بدائيين بلا اخلاق نبيلة وبلا مباديء قيمة وبلا مثل عليا وبلا تراث ثمين وبلا اهداف راقية لايعرفون الفارق بين الصواب والخطأ لايميزون بين الخير والشر لا يشغلون عقولهم الفارغة الا بالاكل والشرب والتكاثر واخراج الفضلات والنوم العميق ، بشر يضيعون الوقت ولايعيشوه و"اهي ايام وبنقضيها " فاقدين الامل متبلدي الاحساس عاجزين متنازلين عن انسانيتهم كأن سنوات اعمارهم عبئا ثقيلا لامعني له ولا فائده منه لايقون علي تحمله ولا يستطيعون التخلص منه فيحرقوه امام اعينهم ثانيه تلو الاخري و" سلامتك ، الله يسلمك"!!!!
ارجوكم لاتغضبوا مني ولاتكرهوني وافقئوا عيني انني لم اعد اري احياء عاصمتنا الا كتل من المباني القبيحة التي شيدها بشرا مقاولين و"معلمين" اغتصبوا لانفسهم حق البناء بلا تعليم وبلا هندسة وبلا " دوشة راس" فجاءت مبانيهم خليطا من القبح المعماري والخلل الانشائي والالوان الفجة والتشطيبات الداخليه والخارجية المروعة ، مباني اقيمت بالتجاهل للتخطيط العمراني وخطوط التنظيم والشوارع المستقيمة اقيمت بالتجاهل للحكومه وقوانين البناء وقرارات الازاله ،مباني صنعت خصيصا للفقراء ومتوسطي الحال والشباب المقبل علي الزواج فعاشوا ايامهم كئيبة بلا مياة تصل لشققهم رغم "المواتير " التي اشتروها بالتقسيط المرهق وبلا صرف صحي معتمدين علي المجارير الاهلية المسدودة دائما في حارات ترابية ضيقة لاتعرف اسفلت الحكومة ولم تسمع عن الحكومه ذاتها !!!! مباني غير ادمية قبيحه صنعها اناس لايفكرون الا في الاستيلاء علي اموال السكان البسطاء ونقودهم القليلة بحيل المقدم والخلو وعقود القانون الجديد ، اناس لا يحبون سكانهم ولايحترموهم ولايكترثوا بمشاعرهم ولااحلامهم المجهضة ولا قدر الجهد الذي بذلوه لادخار تلك المبالغ املا في تحقيق الحلم الوحيد البسيط العيش في شقه ادمية في شارع نظيف تصلها المرافق كهرباء وصرف صحي ومياة نقية !!! مباني معيبة خطيرة مهددة بالانهيار والهدد وقتل السكان والجيران يمر امامها ويفحصها كل يوم موظفين ومهندسين ورجال للحكومه تجاوزوا عن عيوبها الفنية الخطيرة واصموا آذانهم عن شكاوي السكان وصراخ الجيران بنقود الاكراميات و"النبي قبل الهدية " موظفين يكرهون سكانها ولايهتمون بمعاناتهم ولايفكرون في امرهم او امر العاصمة او مستقلبنا جميعا وكأن بينهم وبيننا ثأر ان يحيلوا حياتنا بالتعايش مع القبح والبقاء تحت وطأة الخطر جحيما كريها عقابا لنا ان ولدنا في ازمانهم وعشنا في ايامهم ووقعنا في قبضتهم وتحت امرتهم وتحت سطوه قوانيهم ولوائحهم وتعليماتهم الداخلية !!!
ارجوكم لاتغضبوا مني ولا تكرهوني وافقئوا عيني لانني لم اعد اري الا الفوضي وقد عمت احياءنا السكنيه المنظمة الهادئة فتبدل حالها وحالنا !!! بعد ان سمحوا للمحلات التجارية والمطاعم والقهاوي " والكافيهات " وورش تصليح السيارات وورش النجارة ومحلات " الفراخ " بالتجاور مع مساكنا ومنحوا ملاكها ومستأجريها تصاريح ادارية تمنحهم طوال العمر مركزا قانونيا لايمكن المساس به فاذا باعاصير الازعاج المدمرة المدوية تصم أذننا مابين ضجيج الرواد وصخب النداءات و"خبط ورقع " الماكينات والالات و" تنزيل البضاعة وتحميلها " واذ بنا نختنق في منازلنا ومن خلف نوافذنا المغلقة بادخنة وابخرة المطاعم وروائح فحم الشيشة وشي اللحوم واذا بالارصفة تسرق لصالح المحلات وزبائنها وتكديس صناديق بضاعتها وكراسي رواد المقاهي و"نصبة الشيش " فنفقد اماننا وهدوئنا وراحة بالنا ونضج بالشكوي والصراخ و"لاحياة لمن تنادي" !!!
ارجوكم لاتغضبوا مني ولا تكرهوني وافقئوا عيني انني لم اعد اري في احياءنا اشجارا او زهورا او حدائق غناء بل اري فقط تلال القمامة عبارة عن اكوام من الاكياس السوداء الممزقة نهشتها القطط وعبثت بمحتوياتها "العرس " واخرجت من جوفها قاذوراتها اوراق ممزقة وزجاجات فارغة و وزجاج مكسر وبقايا "طبيخ " متعفن ذو روائح نفاذة كريهه وحفاضات الاطفال المفتوحة تكشف عن فضلاتهم المتحجرة وفوط صحية ملقاة باهمال مقزز تظللها سحب طنانة من الذباب والناموس والهاموش وتجري في دهاليزها الصراصير والخنافس والسحالي والابراص ، لم اعد اري الا تلال الزبالة تحتل كل ناصية من نواصي شوارعنا واحياءنا تحيط بالصناديق الحديدية التي خصصتها الحكومه لجمع الزباله فتحولت لمركز لتجميع القمامة وبعثرتها تتكاثر فيها القوارض اللعينه وتخرج منها علي منازلنا تحاصرنا وتتجول بين ارجلنا وتترك فضلاتها الصغيرة بين كتبنا وفي دواليب ملابسنا تذكارا قبيحا عفنا علي زمن اجبرنا علي العيش فيه بلا احساس متنازلين عن ادميتنا وعن انسانيتنا فتساوينا والدواب نأكل ونعيش ونخرج فضلاتنا ونتنزه في امكنه قذرة لانشعر من فرط بلادتنا بقذارتها !! ارجوكم لاتغضبوا مني فلست انا من حول احياءنا السكنية لخرابات قذرة ولست انا من كدس تلال القمامة امام منازلكم !!!
ارجوكم لاتغضبوا مني ولاتكرهوني وافقئوا عيني انني لم اعد اري شوارع العاصمة الا جراجات ضخمة مكدسه بالسيارات المتنافرة ملاكي وتاكسي ونقل عام و"ميكروباظ " وعربيات جيش و " التوك توك " ، سيارات لايعرف معظمها طريق ادارة المرور بعضها يسير معوج الشاسية يترنح كالسكاري وبعضها بلا نوافذ و بلا فوانيس وبعضها بلا لوحات معدنية لم تستوقفهم لجان الامن والمتانة ولا ولن تراهم كمائن الشرطة التي تحتل مداخل العاصمة وطرقها الاستراتيجية ، سيارات لاتسير في طريقها بل تقف بسبب الزحام المروع وساعات الذروة الدائمة في الشوارع وعلي الكباري وفي الطرق السريعة متعاقبة الواحد تلو الاخر حتي تحترق مواتيرها وتخرج عوادمها السوداء الخانقة في وجوهنا جميعا تلوث سماء العاصمة وتحجب الشمس والنجوم ولون السماء ، سيارات يقودها بشر حصلوا علي رخص القيادة بالمحبة والمعارف و" ماليش بركة الا انت " بشر لم يتعلموا ان القياده فن وذوق واخلاق ولايعرفون الفارق بين قواعد القيادة علي الطريق السريع او شوارع المدينة ، يسيرون بسرعة وروعونة يتخطوا السيارات من الحارات اليمني ويغلقون الحارات اليسري بطئا ويطلقون الالات التنبيه " عمال علي بطال " ويسيرون بضمير مستريح عكس اتجاه الشارع و" يركنون " في منتصفه ، بشر لايعرفون عن القيادة الا " مسك الدركسيون " ولايعرفون عن قواعدها الا " كسر الاشارات " والاحمر زي الاخضر زي كله ولايعرفون عن عساكر المرور الا " صباح الفل " و"نهاره ابيض " بشر " فهلوية " علمتهم قواعد الحياة في العاصمة ان مخالفة القواعد أي قواعد وكل قواعد شطارة و ان كسر الاشارة العمدي براعة وان مراوغة الردار والهروب من كمائنه تميز وان حوداث الطريق قضاء وقدر لافكاك منه ، بشر قادرين علي مخالفة القانون وتهديد رجاله ان لزم الامر و" ماتعرفش انا مين " تتحكم فيهم عقد النقص والعجرفة الكاذبة والقول المأثور " اللي ليه ظهر ما يضربش علي بطنه"!!!! فاذا بشوارعنا التي نسير فيها ويتحرك فيها اطفالنا وبناتنا وعجائزنا ونسائنا الطيبات عائدات من السوق تتحول لسيرك كبير لاعبيه من السائقين المستهترين القتلة فاقدي الاحساس بالمسئولية منعدمي الضمير يسيرون علي الحبل ويقفزون في الهواء ويتصادمون بسيارتهم بقوة واندفاع وجنون ومرح يكسرونها ويصيبون المشاة ويقتلوهم و" اللي مكتوب علي الجبين لازم تشوفه العين !!! " ...
ارجوكم لاتغضبوا مني او تكرهوني وافقئوا عيني قبل ان تلومني علي انني حين امر او ادخل مكانا أي مكان في هذه العاصمة - باستثناء فنادق الخمسة نجوم وبعض الشركات والمستشفيات الخاصه – فلا تقع عيني الا علي التراب الخانق القذر ضيفا ثقيلا يحتل كل الامكنه ، تراب يفترش الطرقات والمكاتب والمكتبات والاسانسيرات والسلالم ، تراب يحتل النوافذ والبلكونات ومداخل العمارات الفخمة ويجاورك في عيادات الدكاترة ومكاتب المحامين والمكاتب الهندسية وقاعات المحاكم وجميع المصالح والامكنة الحكومية، تراب تراه مكدسا فوق الدفاتر في مكاتب الصحه والملفات في دولاليب الموظفين وعلب الحفظ في اماكن الارشيف وفوق الكتب وداخل صفحاتها في كل المكتبات واماكن بيع الكتب وعرضها ، تراب تراه فوق علب الجبنه والعصير وزجاجات العطر في المحلات وعلب الادوية في الصيدليات وادوات النظافة في " السوبرماركت " تراه مفترشا مقاعد القطارات التي تصطدم ببعضها والتي لم تصطدم بعد ، تراه ملتصقا بمقاعد اتوبيسات النقل العام المكيفة والعادية ، تراه مكتسحا مقاعد الانتظار في المطارات وقاعات المؤتمرات وفصول المدرسة و" بنشات " الجامعة ومعاملها ، تراب تراه بجوارك في قاعات الافراح المزينة بالورود وفي قاعات المناسبات وصالونات الحلاقة ومحلات الكوافير ، وكأن قدرنا ان التراب يغزونا ولامفر منه ولا قدرة لنا علي مقاومته او ازالته ، كأن قدرنا ان تسود وجوهنا وتتلوث ايدينا وتختنق صدورنا ونحن نتجول ونعيش " لاحول لنا ولا قوة " بين التراب لا نضيق به ولانتضررمنه ولانتذمر من ملمسه او رائحته الخانقة او القذارة التي تلحق بنا وبملابسنا وبجسدنا بسببه ، كأن قدرنا ان نهون اثاره علينا فنتعاطي ادوية الربو وتوسيع الشعب الهوائية وندهن اجسادنا الملتهبة بمراهم وكريمات الحساسية و" الهرش " ، كأن قدرنا ان نتعامل معه كأنه احد حقائق الحياة القبيحة التي نعيشها !! والغريب والمثير والمذهل والذي يستوقفني دائما ان احدا لايغضب من هذا التراب ولايكرهه ولا يشكو من وجوده ، الغريب والمثير والمذهل والذي يستوقفني دائما ان احدا لا يحاول ازالته او تنظيفه او حتي التأفف من وجوده ، كأننا قد تحورنا ونسينا انسانيتنا ونسينا الفارق بيننا وبين الدواب والدواجن وحيوانات الشوارع التي ولدت وعاشت وستموت بين التراب و" منه واليه نعود!! "..
ارجوكم ارجوكم لاتغضبوا مني ولاتكرهوني !!! كنت اتمني ان اصف حياتنا كالحلم الجميل لكن كوابيس الواقع تطاردني تناشدني واناشدكم ، كفانا قبولا ، كفانا خنوعا ، كفانا استسلاما للقبيح والرديء والسائد ، كفانا عدم اكتراث ولامبالاة فحياتنا هي التي تضيع وايامنا هي التي تتبدد ومستقبلنا هو الذي يسود ويسود !!! كوابيس الواقع تناشدني واناشدكم ، استعيدوا انسانيتكم فهي النعمة الكبري التي منحها لنا الله العظيم القدير فلا يحق لنا اهدارها ولايحق لاحد مهما كانت سطوته او قوته او جبروته ان يسحقها او يلغيها او يحولنا لمسوخ اشباه بشر نعيش حياة منحطة تأنف منها وترفضها الحيوانات والدواب !!!!
الفقرة الاخيرة – الي الهاربين الي " الكومبودنز " وقصورها الفخمة ، الي الهاربين للاحياء السكنية المعزولة وملاعب الجولف بعيدا عن القذارة والاهمال والتراب والتلوث والضجيج القاتل ، عذرا لن ينجيكم الهروب ، فكل الظواهر السيئة السلبية التي كتبت عنها والتي لم اذكرها ستغزو قصوركم الفخمة وحدائقكم الغناء وتضج مضاجعكم ، لذا لانقاذ انفسكم يتعين علينا جميعا انقاذ الوطن وجميع مواطنيه !!
الجملة الاخيرة – اذا كنت افتريء علي الواقع صوبوني !! واذا كنت اصف ماهو ليس موجود حاسبوني !! واذا كنتم تغمضون اعينكم هربا مما نعيشه ارجوكم افتحوا اعينكم فالتدهور الذي لحق بحياتنا رهيب وجارف ولم يكتمل بعد ، افتحوا اعينكم وانقذوا انفسكم !!
السطر الاخير – لم تعد الحلول الفردية مجدية !! ولم تعد اللامبالاة ممكنة !! ياعلماء الاجتماع والمهتمين بامور الوطن ومواطنيه اغيثونا !!
الكلمة الاخيرة – ماذا حدث للمصريين ؟؟ وماذا اصابهم ؟؟؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق