الثلاثاء، 2 سبتمبر 2008

" نائب الامة كلها ...... "


اذا كانت الاغلبية الصامته من ابناء هذه الامة قد عزفت عن المشاركة في الانتخابات البرلمانية الحالية كل لاسبابه المعروفة للجميع ، فقد آن الاوان لهذا العزوف ان ينقشع وحان وقت اليقظة والانتباه والرقابه والمحاسبة ، فهاهو برلمان المستقبل قد تشكل فعلا واجتمع اعضاءه من الفرقاء والمتشاحنين نوابنا الجدد المنتخبين – نظريا - باراده الجماهير ، وكان يوم اجتماعهم الاول يوما مشهودا اشرأبت له اعناق الامة اهتماما وهما ، يوما مشهودا اريقت في الطريق اليه دماءا غزيرة وانفقت من اجل الوصول اليه مليارات كثيرة ، يوما مشهودا دب بسببه الخلف العنيف غير الديمقراطي بين ابناء الامة وفرقها السياسية فتشاحنوا وتفارقوا وتقاتلوا وكادوا الدسائس لبعضهم البعض من ذات الحزب ومن ذات البلدة ومن ذات القبيلة وتبادلوا فيما بينهم الاتهامات بين الرشوة المادية السياسية والابتزاز الديني والضحك علي عقول الجماهير واستخدام كافه الطرق المشروعه وغير المشروعه لتعبيد الطريق لهذا اليوم مابين استخدام البلطجية و"سيوفهم " لترويع المواطنين واستنفار النفود العائلي والقبلي واستغلال العاطفه الدينية والتعصب الطائفي وتزوير النتائج وحرق الصناديق ، يوما منشودا مشهودا اصم اذنينا ضجيج الاعداد له وصخب الاستعداد لقدومه فاختلفت وتناقضت وتضادت لغه الخطاب الانتخابي بين الفرقاء و"تمترس" كل منهم خلف خندق افكاره الجاهزة وبرامجه السياسية يبيعها لنا نحن الناخبين التائهين المشتتين فما بين وعود حياتيه بتوصيل المياة للمنازل والغاء غرامات المباني المخالفة واضافه فصلين للمدرسة وزياده قيمة معاش السادات الي حديث عن ضرورة الاصلاح الديمقراطي اللازم وجدل حاد حول اهمية الاستقرار السياسي المنشود وما بين تخويف من المستقبل اذا بقي الحاضر علي حاله او تخويف من المستقبل اذا تغيير الحاضر عن وضعه ، فأن الجلسه الاولي لبرلمان المستقبل لم تعقد الا بعد ان بعد هدأ غبار المعركة الانتخابية الطاحنه وانهكت خيولها وسرحت جيوشها واعيدت نصال جنودها الي اغمدتهم وبعد ان حمل ضحاياها الي المستشفيات وبعد ان دفن شهدائها في مقابرهم وبعد ان زينت اقواس النصر احتفالا بالفائزين ونصبت سرادقات العزاء مواساة للخاسرين وبعد ان تبادل الفائزين الانخاب الاحتفالية وركعوا شكرا لله علي الفوز العظيم وبعد استخراج "كارينهات " العضوية والحصانة..
ولما كان برلمان المستقبل ضيفنا الاجباري لسنوات خمس قادمة فليس امامنا نحن نحن ابناء وبنات هذا الوطن نحن اغلبيته الصامته الا التزين وارتداء اجمل ملابسنا والتجمع حول التلفزيونات ومتابعه الجرائد والمجلات الحكوميه والمعارضه و"الصوت الثالث" طوال هذه السنوات الخمس لنتابع بعقول يقظة وبنفوس يحدوها الامل ، نتابع بترقب وحذر واعي وقلق علي مستقبلنا ومستقبل اولادنا نوابنا الجدد تحت قبه برلمان المستقبل وكيف سيمارسون جميعا دورهم "الوطني" الذين بذلوا من اجله النفيس والغالي!!!
علينا في هذا الوقت بالذات تذكير انفسنا ونوابنا الجدد – شئنا او أبينا انتخابهم ، قبلنا او لم نقبل نجاحهم – بالقاعدة الدستورية الهامة الحاكمه لدورهم المستقبلي تحت تلك القبه ، تذكير انفسنا بها كمقياسا واضحا يمكننا من محاسبتهم علي ادائهم المرتقب في السنوات الخمس المقبلة وتذكيرهم بها لقواعد ليتسني لهم القيام بصحيح دورهم الذي تنتظره منه الامة وهي قاعدة " النائب نائب الامة كلها" تلك القاعده التي صرخ بها شيخ من شيوخ القانون الدستوري بصوت عالي مجلجل ليتردد صداها بين الجدران العتيقة الشامخه باحد مدرجات كليه الحقوق جامعه القاهرة عام 1976 وهو يشرح لتلاميذه الجدد – وانا منهم وقتها – طبيعه العضوية النيابية بالمجلس التشريعي ، وقتها قال استاذنا الجليل ان النائب خادم للشعب ، يسعي لمقعده حرصا علي مصالح الشعب ، هدفه الدفاع عن حقوق الشعب ، مبتغاه وغيرهم من النواب وضع التشريعات التي تصنع – من وجهه نظره – مستقبلا افضل للشعب ، واجبه الاساسي محاسبه الحكومه رئيسا ووزراءا علي اعمالهم لصالح وحساب الشعب ..
ولان قاعده " النائب نائب الامة " قاعده دستورية ملزمة لجميع النواب وتشكل اطارا حاكما لهم جميعا ، يتعين علي كل نائب واي نائب – مهما كان انتماءه السياسي والطبقي – ان يهتم وبحق بهموم كل الامة وينشغل وبجد بحالها ويعني وبصدق بمستقبلها ويكترث بامانه بحاضرها ، يتعين علي كل نائب – أي كانت عقيدته اوثقافته اومنبعه الفكري - ان يعبر في اداءه البرلماني الوطني المستقبلي عن كل افراد الامة ومشاكلهم ويهتم بكل شخوصها واحوالهم معارضيه قبل مؤيديه والمختلفين معه قبل المتوافقين مع فكره ، يتعين علي كل نائب – بصرف النظر عن مسقط رأسه اوموطنه الانتخابي وبصرف النظر عن عدد الاصوات التي حصل عليها وعن نوعيه الناخبين الذين منحوه اصواتهم او حجبوها عنه - ان يضع كامل خريطه الوطن مليء عينيه وقلبه لاينحاز جغرافيا او تاريخيا لاي جزء فيها او يهمل أي جزء منها ..
ولان النائب " نائب الامة كلها " فنحن ابناء وبنات هذه الامة ننتظر من نوابنا الجدد ان يمثلونا جميعا ويعبروا عنا جميعا ولايكتفي أي منهم بدور قاصر في التعبير عن ابناء قريته او محافظته او دائرته الانتخابية مهما كان دعمهما له او تأييده له ، ننتظر من نوابنا الجدد ان يمثلونا جميعا نحن ابناء الامة ولايدينوا بالولاء او الامتنان لحفنه الناخبين الذي باعوا اصواتهم لهم او خافوا منهم ومن بلطجيتهم او خدعوا بوعودهم فحملوهم علي اجنحه الريح لمقعدهم الوثيرة تحت قبه البرلمان ، ولان النائب " نائب الامه كلها " فهو ليس منوطا به تقديم الخدمات لاهل دائرته ولا التوسط لصالحهم ولا الانحياز لمشاكلهم الذاتيه ولا الاهتمام وفقط بما يشغل بالهم ، فنائب الامة ليس وظيفته حمل طلبات اهل دائرته لتوقيعها من الوزراء ولا تشغيل ابناء ناخبيه في الوظائف التي يمكن بنفوذه الاستحواذ عليها و ولاتوزيع تأشيرات الحج عليهم ولا الاستئثار لهم بنصيب اكبر في قطن التنجيد ولا في زيت التموين ، لذا فنحن ننتظر من نوابنا الجدد ممثلي الامة كلها ان تتضافر جهودهم لصياغه مستقبل افضل لنا جميعا فيدعموا وبقوة الاصلاح الديمقراطي المستهدف منع احتكار السلطة وتداولها ومحاسبة المسئولين الحكوميين والرقابه علي اعمالهم ومحاربة الفساد وعقاب القائمين به مهما علي شأنهم ،ننتظر منهم ان يرسموا السياسات الاقتصادية التي تزيح عن كاهلنا هم الحياة اليومية وتخفف عنا ضغوطها وتحافظ علي ثرواتنا القومية ولاتبدد مواردنا لصالح حفنه من الاثرياء او مجموعه من الاجانب اوطبقه من الشعب علي حساب بقية الطبقات ، ننتظر من نوابنا الجدد ان يخصصوا من مواردنا وميزانياتنا ما يدعم شعبنا المرهق في مجالات حياته المختلفه ، فيتعلم صغارنا بحق تعليما ينور عقولهم ويطلق ابداعهم وينمي مواهبهم ويقودهم الي رحابه المستقبل ، ويتعالج مرضانا بحق علاجا انسانيا يشفيهم من امراضهم ويخفف من الامهم دون تمييز لصالح المريض الاستثماري علي حساب المريض الفقير المكافح ، ويسكن شبابنا في بيوتا انسانية تحقق احلامهم المجهضه دوما تحت وطأة " الخلو " و"المقدم الباهظ " و" الزيادات السنوية للاجرة " و قسط التمليك للسكن الشعبي المتجاوز في قيمته لقيمة رواتبهم الاساسيه وكل العلاوات ، ننتظر من نوابنا الجدد يسعوا الي توظيف الشباب والشابات خريجي المدارس المتوسطة بجميع انواعها وخريجي الجامعه في اعمال ووظائف منتجة خلاقة لاتنعكس عليهم فقط بالرفاهه والطمأنينة للمستقبل والانتماء الحقيقي للوطن ، بل تنعكس علي الوطن بالرفاهه وزياده الدخل القومي وامكانيه تحقيق الاحلام القومية الكبري .. ننتظر من نوابنا الجدد ان يدعموا الثقافه الجاده المحترمة وفننانينا العظماء ومبدعينا المتميزيين وكتابنا من اصحاب الفكر والرأي علي اختلافهم واختلاف وجهات نظرهم في الحياة الدنيا المبشرين للقيم الانسانية الجاده التي تحترم العمل والجهد معيارا للتحقق والنجاح وتعترف بالكفاءة الشخصيه والتمييز العلمي سبيلا للترقي ، ننتظر من نوابنا الجدد ان يبذلوا كل الجهد للقضاء علي روح التعصب الطائفية واشاعه روح التسامح الديني والتقبل الفكري العقلي الحقيقي للاخرين واحترام قيمة المواطنه وتكريسها بشكل واقعي عملي ومحاسبه ومعاقبة أي عابث باستخفاف او عن عمد بوحده الامة او محرض علي المساس بها او داعي او متسبب في استعداء المواطنين علي بعضهم البعض لاسباب دينيه او طائفيه ، ننتظر من نوابنا الجدد ان يدافعوا عن استقلال القضاء وتجرد القانون واطلاقية العدالة واحترام القضاة دفاعا عمليا واقعيا بعيدا عن الالفاظ الجوفاء والعبارات الطنانة الفارغه المفرغه من مضمونها ، ننتظر من نوابنا الجدد ان ينحازوا للشعب الذي يمثلونه انحيازا مبصرا مدركا حقوق الشعب فيدافعوا عنها واعيا بمصالح الشعب فيلتزموا بها انحيازا واضحا ينعكس علي حياة الملايين الذين غضبوا من الحياة اليومية التي يعيشونها ويأسوا من الحلم الضائع الذي لايملكونه وملوا من الضجيج السياسي الذي لايعبر عنهم و زهدوا في المشاركة السياسية لادراكهم اليقيني انها لن تغيير من حياتهم شيئا .. ننتظر من نوابنا الجدد – أي ماكان رأينا فيهم وفي افكارهم وارائهم السياسية وطريقة وصولهم لبرلمان المستقبل – مادموا يمثلونا جميعا – ولو رغما عن ارادتنا - ان يفتحوا له طاقة امل في مستقبل لانري صورته جيدا ولانثق فيه بحق ، عل الاغلبية الصامته التي ستراقبهم جيدا خلال السنوات الخمس القادمة وستراقب اداءهم البرلماني ، ان تخرج من صمتها وتخلع ثوب سلبيتها وتستخرج بطاقتها الانتخابيه وتشارك عن وعي في الانتخابات القادمه اما باختيارهم هم ذاتهم لانهم نجحوا في ان يكونوا وبحق نواب الامة وممثليها او باختيارغيرهم ممن تتوسم فيهم ان يبذلوا من الجهد الصالح ما يجعل كل منهم وبحق " نائب كل الامة " ..
ملحوظة اخيرة – ان الحصانة البرلمانية للنواب المدافعين عن مصالح الشعب هي اداة الحماية الشعبية لهم من بطش السلطة التنفيذية قصد منها ان يكون النائب حرا طليقا في الدفاع عن مصالح امته لايخشي في ذلك أي مساس كيدي به ،فاذا ماتحولت الحصانة البرلمانية الي سياج قصد منه حماية المنحرفين وغل يد القانون عن انحرافاتهم ومعاقبتهم عليها وهن العزم علي الدفاع عن الامة وازداد ثمن الصوت الانتخابي ارتفاعا واريقت دماءا كثيرة في سبيل الحصانة والحصول عليها ..
السطر الاخير - - كتبت هذه السطور قبل انعقاد الجلسه الاولي ل" برلمان المستقبل " تحمل رسالتي ورسالتكم لنواب الامة كلها ، وهي رساله لا يغير في مضمونها ميعاد نشرها فهي رساله ممتدة الصلاحية اعتبارا من لحظة كتابتها ولمده سنوات خمس مقبلة ...
الاربعاء 14 ديسمبر 2005


ليست هناك تعليقات: