الثلاثاء، 2 سبتمبر 2008

رسالة السماء


وهبنا الله – منذ نشأة الجغرافيا والتاريخ - وطن طيب سمح يعيشه بعبقرية فذة شعب واحد ملايين وملايين الابناء والبنات يسكنون علي ضفتي نهره الخير القادم بقوة ووقار وسكون مهيب من جنوب الوادي لشماله يوزع خيراته ورزقه ماء عذب رقراق ينبت ثمار الارض الطيبة جزاء وثواب عظيم لابناء الوطن عن جهدهم واخلاصهم وتفانيهم في حب الوطن والايمان به .. وقد عشنا نحن المصريين في هذا الوطن قرون وقرون نعمره ونبني حضارته العظيمة بعرقنا وجهدنا بل وندافع عنه ضد كافه صنوف الاحتلال الاجنبي التي طمعت في ارضنا - ايا ماكانت هويتها وملتها - فانتفضنا بغضب وقوة دفاعا عن حرية الوطن واستقلاله ووجوده ، فصنعنا بكل تضحياتنا تاريخا عريقا عظيما عشناه بفخر وسيعيشه من بعدنا اجيال واجيال تستمد كرامتها وقوتها من قصص العطاء والفداء التي سطرها الشعب العظيم بدماءه الذكية التي فاضت غضبا في وجه الحيثيين والهكسوس والرومان واليونان وفي وجه جحافل الاحتلال الانجليزي والفرنسي والاسرائيلي وخطت علي ارض الوطن وترابه قصص النصر والشهادة والتوحد الكامل بين ابناء الشعب تاريخا وحاضرا ومستقبلا ..
فلم يدرك المصريين في رحله الحياة التي عاشوها علي ارض هذا الوطن ومنذ قرون وقرون انهم شعب واحد مكون من عنصرين ممتزجين معا مسلمين واقباط الا وقت الدعاء حيث يدعو الشيوخ من فوق المنابر ويدعو القساوسة اعلي الهياكل - كل من موقعه - للوطن بالخير ولابنائه بالرزق ، ووقت العبادة فيذهب بعضنا للجامع ويتوجه في صلاته للحرم المكي ويذهب بعضنا الاخر للكنيسة ويولي وجه قبل مهد السيد المسيح ، لكنه انقسام مؤقت سرعان ما يتواري ونعود نحن المصريين – بعد الصلاة والعبادة والدعاء والخشوع لله - شعبا واحدا لكل ابناءه مالهم من حقوق وعلي كل ابناءه ماعليهم من واجبات .. فلم نعرف طوال حياتنا ان المصريين انتبهوا يوما لكون بعضهم مسلم والبعض الاخر مسيحي بل ولم يدرك المصريين من هم الاغلبية ومن فيهم الاقلية ، فكنا شعبا واحدا نسيجا واحدا ملايين البشر المنصهرين في بوتقه الوطن المندمجين معا السعداء بافراحه القلقين لازماته والمكلومين لاحزانه ...
وهاهو التاريخ القريب يذكرنا بعام 1919 وقت انتفض المصريين رافضين كل المحاولات الاستعماريه للتفرقه بينهم تنفيذا للشعار الدنيء "فرق تسد" الذي خلقه الاستعمار الانجليزي ووضعه نصب عينه وعمل علي الترويج له وتغذيته بروح التطرف ، ذلك الشعار الذي ادركه المصريين واحسوه واحترقوا بناره وادركوا بفطرتهم ان الاستعمار الانجليزي الا يسعي من هذا الشعار الا الي تمزيق جسد الوطن وبعثره كرامته وسلب موارده ونهب خيراته وطمس حاضره العظيم ومحو تاريخه الاعظم فماكان منهم الا ان حملوا معا رايات الهلال والصليب وساروا جنب الي جنب شيوخا وقساوسة في المظاهرات المطالبه بالاستقلال يهتفون بشعارهم العظيم " الدين لله والوطن للجميع " والذي يعبر عن وعيهم الحقيقي بالمصالح الوطنيه وادراكهم العميق بالمطامع الاستعماريه في هذا الوطن ، شعارهم العظيم الذي يفصح عن ادراكهم العميق لمعني الايمان بالله ومعني الايمان بالوطن..
وهاهو التاريخ الاقرب يذكرنا بحرب 73 التي عبر فيها المصريين مسلمين واقباط معا قناه السويس يرددون " الله واكبر " شعارا وطنيا عظيما ليدمروا خط بارلييف ويهزموا اسرائيل التي لاتهزم ويستردوا تراب سيناء وكرامه الوطن وعزته ويرفعوا اعلام نصره عالية ويسقطوا تحتها غارقين في دمائهم جميعهم مسلمين ومسيحين ابطال مصريين شهداء مخلدين في جنه الفردوس ..
لااعرف لماذا تذكرت هذا كله !! بل لااعرف لماذا قررت ان اردده علي مسامعكم واضعه تحت ابصاركم ، اذكركم واذكر نفسي به ؟؟!!! هل تذكرته بسبب رساله السماء الينا نحن المصريين جميعا وقت جاء عيد ميلاد السيد المسيح عليه السلام متزامنا وعيد الاضحي ووقفة حجيجه علي جبل عرفات - اعاد الله ايام العيدين علي الوطن وابناءه جميعا بالبشر والفرح والخير والتسامح – تلك الرساله السماوية التي جلبت الفرحه لقلوب المصريين العامرة بالايمان في لحظة واحدة ووقت واحد فاذا بالمصريين جميعا مسلمين ومسحيين يعيشون الاحتفاليات الميهجة طوال ايام هذا الاسبوع لتختلط نغمات قرع الاجراس الكنسيه وصوت التراتيل المبتهجة بالعيد واحتفالاته "المجد لله في الاعالي" وتمتزج بصوت تكبيرات الحجاج وابتهالاتهم وادعيتهم الخشعه مع صوت تكبيرات صلاة العيد و" لبيك اللهم اما لبيك " لينتشر في سماء الوطن وفي نفوس ابناءه توحدا ايمانيا بديعا ، تلك الرسالة التي نظمت – وفي هذه اللحظة الحرجة بالذات من حياة الوطن – الشهور العربية القمرية لتتقاطع والشهور الميلادية الشمسية تنظيما بديعا موحيا يثمر توحدا في ميعاد اعيادنا الدينيه فتأتي فرحتنا وبهجتنا نحن المصريين في وقت واحد وكأنه رد السماء علي كل المتطرفين من الجانبين وعلي كل المتشددين من الفريقين ناقصي الوطنية من ابناء الوطن الذين يتمترسون خلف الاديان السمحه ويسعون – بجهل اعمي او عمد بغيض او نية سيئة - ليفككون وحدة الوطن ويقوضون دعائمه ويهدمون سلامه وامنه وسلامة وامن مواطنيه !!!! ..
هل تذكرت هذا كله وقت احتفل الوطن هذا الاسبوع باعياده الدينيه احتفالا قوميا شارك فيه كل ابناءه معا وفي ذات اللحظة فتبادلوا الزيارات وقدموا لبعضهم البعض "ملبس " العيد وكعكه وغني اطفالهم مرتدين ملابسهم الجديدة " اهلا اهلا بالعيد .... مرحب مرحب بالعيد .. هيا هيا هيا " دون ان يقف أي منهم امام الاخر متناحرا – مثل بعض الكبار – يسأله بجبين مقطب " انت مسلم ولا مسيحي ؟؟!!" هل تذكرت هذا كله وقت قرع الاطفال المسلمين والمسيحين معا كل الابواب في الحارة والحي بحثا عن "العيديه" دون ان ينتبهوا بقلوبهم الخضراء البريئة لدين ساكني البيت وملة اصحابه ، دون ان ينتبهوا لافة الانقسام الطائفي والعداء الديني التي " يربيها " بعض الكبار سما زعافا في جسم الوطن ، هل تذكرت هذا كله وقت رأيت " ابونا " خارجا من كنيسته فتقابل مع " مولانا " في طريقة لصلاة العشا فتعانقت اكفهما تحيه وتقدير وتبادلا التهاني القلبية بالاعياد وخلفهم "تبرق" اللمبات الملونه تنور مأذن الجوامع وقباب الكنائس احتفالا بالعيد ؟؟ !!! ..
لااعرف لماذا تذكرت ما تذكرت !! لكني اعرف جيدا ان الوطن يعيش هذه الايام قلقا طائفيا دفينا وانقساما دينيا عميقا يغذيه اعداء الوطن من الجانبين الذين يتصورن انفسهم ملاك الحقيقة المطلقة ويفجرون بعمد وجهاله في وجه كل مواطنيه قنابل التعصب الديني ويستجلبون من جب افكارهم العطن ما يدعم هذا الانقسام الطائفي وما يؤكد ذلك الانفصال والانفصام الكريه ، ولولا ان عقلاء الوطن مازالوا بعقلهم ولولا ان حكماء الوطن مازالوا بحكمتهم ، لضاع الوطن منذ سنوات طويلة تحت اقدام التطرف الديني الذي مازال يأكل ويشرب من ماعون الشعار الاستعماري القديم " فرق تسد !!" ..
لااعرف لماذا تذكرت ما تذكرت !!! لكني اعرف ان السماء قد ارسلت لنا وقت احتفالنا بالاعياد الدينيه رسالة واضحه يدرك معناها ومغزاها بصيري القلوب ، رسالة تقول لنا جميعا ان الله سبحانه وتعالي هو الحامي بكل قدرته لهذا الوطن وهو الخالق لشعبه بعنصريه مسلمين ومسيحين ، هو الذي وضعهما معا علي ارضه ليعيشا معا ويعمرا الارض معا ويسبحا بحمده معا ، رساله تقول ان الله سبحانه وتعالي هو القدير علي دحر دعاوي الطائفية وروح التناحر الديني واشاعه التسامح الديني بين ابناء هذا الوطن ومحبيه والمخلصين له باخلاصهم وتعاونهم في حب الوطن ، رساله تقول ان الله سبحانه وتعالي وهو ملاذنا الاخير ، اليه ندعو نحن المصريين المحبين لوطنهم نستجير من الظالمين اعداء الوطن الذين في قلوبهم سوادا وعلي ابصارهم غشاوة تعميهم عن صالح الوطن وصالح ابناءه وحقيقه الايمان بالله جل جلاله ورسائله الايمانية الصحيحة !!!!
الجملة الاخيرة – مازال للاستعمار في هذا الوطن اطماعا تبرر له احياء شعاره الدنيء " فرق تسد " فانتبهوا ايها الغافلين قبل فوات الاوان !!!!
السطر الاخير – " الدين لله والوطن للجميع " شعارا خالدا تحتاج اليه الامه في هذه الايام اشد ماتحتاج !!!
الكلمة الاخيرة – كل عام وكل المصريين بخير ..
الاربعاء 11 يناير 2006




ليست هناك تعليقات: