( 1 )
" تحيا جمممم مممممممممم اللللل " عبارة غامضة ممضوغة لم نفهم منها نحن تلاميذ المدارس الابتدائية – منذ زمن بعيد بعيد - الا الكلمه الاولي فقط دون بقيه كلماتها الغريبة تعين علينا ترديدها يوميا ووجوهنا ترتفع صوب علم الوطن المرفرف علي ساريته الخشبية اثناء وقوفنا في طابور الصباح قبل بدايه الحصة الاولي ، ولاننا كنا صغار نخشي من مدرسينا وعصاهم الخشبية الحادة رددنا كالبغباءات وبغير فهم او احساس العبارة التي يريدون منا تردديها " تحيا جمممم مممممممممم اللللل" لم نجروء سؤالهم ماذا نقول !! ولم يبذلوا معا جهدا لشرح ماذا نقول !! وهكذا تواطئنا تلاميذا ومدرسين علي ترديد العبارة الغامضة " " تحيا جمممم مممممممممم اللللل " كمأمورية ثقيلة يؤديها التلاميذ الصغار بلا روح او حماس لينصرفوا بعدها الي ما يحبوا عمله او ما يجب عليهم عمله !!!! فعشنا المرحله الابتدائية لانفهم لماذا نـــردد – كل يوم كل يوم ولمده سنوات ست – تلك العبارة الغامضة بل ولم نفهم ماهي ضرورة رفع ابصارنا صوب العلم وقت ترديديها " تحيا جمممم مممممممممم اللللل " وهكذا عشنا سنوات طفولتنا لا نعرف بقيمة وأهمية العبارة التي نرددها تحت سارية العلم يوميا ، والاسوء اننا لم نشعر قيمة العلم او معناه والاخطر اننا لم نعرف علاقة حب الوطن باحترام علمه ورمزه ورايته الخفاقة .... فاذا مامرت الايام وكبرنا ودخلنا الاعدادي ثم الثانوي ووقفنا طوابير الصباح ورفعنا ابصارنا للعلم فهمنا وقتها ان العبارة الغامضة التي رددنا بغير فهم "تحيا جمممم مممممممممم اللللل " هي في حقيقتها عبارة ذات معني عظيم " تحيا جمهورية مصر العربية " تحية منا للوطن الغالي وعلمه ، تحية منا لرمز الوطن ورايته العالية ، رساله حب من قلوبنا للوطن ، رساله احترام من نفوسنا للوطن ، رساله نعلن فيها ولائنا للوطن واستعدادنا للتضحيه بحياتنا من اجله !! لماذا اقص عليكم هذه القصة من الماضي البعيد ، اقصها بعد رأيت خلال الاسبوعين الماضيين الشعب المصري كله بجميع فئاته ومختلف اعماره السنية يحملون العلم المصري باعتزاز وتقدير واحترام ، عندما رأيت اطفالنا الصغار يحملون في ايديهم علم مصر يرفعونه عاليا فوق قامتهم القصيرة فوق رؤوسهم يلوحون به باعتزاز وفخر يفصح عن حبهم الفطري لهذا العلم رمزا للوطن ، عندما رأيت ابناء وبنات مصر يلونون وجوههم الفتية النضرة بالالوان المبهجة للعلم علي هيئة قلوب محبة للوطن وعلمه يرتسم علي شفاهم ابتسامه امل تفصح عن احساسهم بقيمه هذا العلم وكل ما يمثله من قيم جميلة غالية !!! لكن رغم كل ما رأيناه - وللاسف الشديد - مازال اطفالنا في المدارس حتي يومنا هذا يقفون علي ارجلهم المتعبة في طوابير الصباح يحملون علي ظهورهم حقائب مليئة بالكتب المدرسية الثقيلة يرددون كالطيور المقلدة للاصوات بغير وعي او عقل " " تحيا جمممم مممممممممم اللللل " وهو امر يحزنني كثيرا ، الايستحقوا منا ان نشرح لهم معني ما يرددوه ، الا يستحقوا منا ان نشرح لهم ان معني العبارة الغامضة الممضوغه التي يرددوها بملل هو المعني الحقيقي لحب الوطن الذي يسكن اعماقهم ودفعهم خلال الايام الاخيرة – وليست مباريات الكورة - لرفع اعلام الوطن والتلويح بها !!!! يكفينا ان سرقت منا ايام الطفولة بعيدا عن حضن الوطن فلم نفهم معني حبه ولم نشعر بانتمائنا اليه ، ارجوكم انقذوا اطفال هذه الايام واشرحوا لهم معني حب الوطن وقيمة تحية العلم فهذا معني يحتاجه الوطن الان وغدا وفي المستقبل البعيد !!!
( 2 )
عشت طفولتي مع اسرتي في منزل يقع بقرب احد المباني الحكومية التي تتصف بقبح معماري والوان كئيبة منفرة وسقف مليء بالمهملات والقاذورات والاثاث المكسر ، وقد فوجئت في اليوم التالي لوفاة الرئيس جمال عبد الناصر بعشرات العمال يعتلون ذلك المبني ويقضون ساعات فوق سقفه ينظفونه من القاذورات التي تحتله وهو امرا اثار عجبي واستغرابي – رغم صغر سني - فرئيس الدولة مات والشعب وحكومته في حاله حزن عميق لا تتفق والنشاط المفاجيء الذي ظهر لدي عمال المبني الحكومي وماقاموا به من تنظيف للسقف الذي بقي علي حاله سنوات طويلة لم تمتد له يد النظافة او الاهتمام ، والذي اثار اندهاشي اكثر ان العمال انكبوا علي عمود طويل ينبثق من وسط السقف العالي بالتنظيف والطلاء وهو امر لم افهمه وقتها فذلك العمود لم يستخدم قبلها في أي شيء الا شاهدا علي كثرة المهملات وتكدسها حتي تكاد تغطيه ذاته بل وتتجاوزه احيانا ، فلماذا ينظفه هؤلاء العمال ويهتموا به الان ؟؟!!!! فاتني ان اخبركم انه وعقب وفاة الرئيس جمال عبد الناصر اعلن الحداد الوطني اربعين يوما تنكس فيها الاعلام ، وكنت اتصور حسب فهمي الطفولي ان تنكيس الاعلام ليس الا نزعها من سواريها وعدم رفعها اطلاقا والي حين انتهاء حالة الحداد ، لكن المبني الحكومي القبيح وفي اليوم الاول للحداد الوطني رفع العلم المصري حتي منتصف السارية وهو الذي لم يرفعه ابدا قبل ذاك وكان الامر بالنسبة لي غريبا وغير مفهوم ، كيف نعيش ايام حياتنا العاديه باحتفالاتها وانتصاراتها لا نرفع اعلامنا ولا نحتفي بها ولا نحترمها فاذا ما اعلن الحداد والحزن في الوطن حتي رفعنا الاعلام منكسه حزينه قرين ذلك الحزن وذلك الحداد !!!! بل ان ذاكرة الطفولة لاتستجلب من جبها الا صورة جثمان جمال عبد الناصر في نعشه مغطيا بالعلم المصري ، وهاهو العلم ثانية يقترن في عقلي بالحداد والحزن ومواكب الجنازات !!!! وقد حال ذلك كله بيني وبين حب العلم الذي اعتبرته مجرد قطعه نسيج لا معني لها الا التلويح بها وقت الاحزان !!!! هل هي غطلتي انا ؟؟!!! ارجوكم ارفعوا اعلامنا في الايام السعيدة ولوحوا بها فرحة وبهجة وزينوا بها اماكنا المحببة ، ارفعوا اعلامنا الملونه الجميلة في احتفالاتنا المبهجة واتركوا الرايات السوداء للحداد فيبقي علمنا الغالي رمز السعادة ورمز الوطنية فتخفق القلوب بحبه دائما ..
( 3 )
كان اجمل المشاهد التي بقيت في ذاكرتي عن حرب اكتوبر 1973 واحداثها العظيمة ، مشهد ذلك الجندي المصري الذي يعبر القناه في قاربه المطاطي تحت وابل من الرصاص والقذائف النارية يحمل بكل اعتزاز وقوة علم الوطن عاليا خفاقا رمزا للوطن المحارب ورمزا للوطن المنتصر ورمزا للسيادة الوطنية العائده لجزء عزيز من جسد الوطن ، ذلك الجندي الذي يهرول ماوطئت قدميه ارض الضفة الشرقية للصعود الي اعلي نقطه يمكنه الوصول اليها ليرشق العلم في عين الاعداء وفي قلب ارضنا الغاليه رمزا للتحدي ورمز للكرامة الوطنيه ورمزا للانتصار، ومازالت ذاكرتي تحتفظ بذكري الابطال الذين سقطوا تحت رايات اعلامهم شهداء فلم تسقط الاعلام من ايديهم بل انتزعها منهم ابطالا اخرين حافظوا علي العلم عاليا في السماء بقلوبهم ومنتهي اخلاصهم وحياتهم ذاتها .. لماذا بقيت تلك الذكري في قلبي لاتنمحي ؟؟؟ لانها وحدت في وجداني بين وطني الذي احبه كل الحب وبين علمه ورايته الغالية التي يسقط الشهداء ذودا عنها فاذا بقلبي يخفق كلما لمح العلم المصري يرفرف في سماءنا حبا في الوطن وانتماءا له وهو ذاته احساسي هذه الايام وملايين الاعلام المصرية مرفوعه خفاقة فوق سماء الوطن ولو احتفالا بمسابقة كروية ، لكنها المسابقة التي انتصرنا فيها وحملنا كأسها وعزفنا سلامنا الوطني فيها ولوحنا بملايين ملايين الاعلام اثناءها وهتفنا من اعماق قلوبنا " مصر ..... مصر .... مصر ..... " !!!
( 4 )
كان يوم الجمعه 10 فبراير يوما سعيدا عاش فيه الشعب بمختلف طوائفه احتفالا وطنيا جميلا وعرسا قوميا مبتهجا وليس مجرد انتصارا كرويا فاذا كانت مباريات الكورة والمسابقات الرياضية المختلفه التي تخوضها فرقنا القومية صارت اعيادا وطنيه تفجر في شعبنا – رغم كل ظروفه الصعبه - طاقات حبه للوطن وتدفعه لرفع اعلامه عاليه خفاقة يلوح بها ويعتز بحملها دليل وطنية عميقة لايجد الشعب سبيلا للتعبير عنها – لاسباب مختلفه لامجال لافساد الفرح بمناقشتها - ارجوكم اجعلوا كل ايامنا اعيادا وطنية واهتموا بالرياضة اهتماما حقيقيا في المدارس والشركات ومراكز الشباب والساحات الشعبيه والاندية الرياضية ، وفروا لها الامكانيات الماليه والدعم المعنوي الذي يفجر طاقات اللاعبين وينمي قدراتهم ويؤهلهم للمنافسه الحقيقيه الجادة ، اعيدوا حصة الالعاب لجدول حصص المدرسة باعتبارها حصه هامه يلزم الاهتمام بها وليس مجرد وقت ضائع نترك فيها الاطفال يلهون لهوا عشوائيا لايعلمهم أي شيء ، اهتموا بملاعب المدرسة – في القرية قبل المدينه ، والمدرسه الحكوميه قبل المدرسه الخاصه - سبيلا لاكتشاف الموهوبين الصغار في مختلف اللعبات الرياضية بما يمكننا مبكرا من رعايتهم والاهتمام بهم لنجني نحن والوطن ثمار ذلك الاهتمام فرحة وطنيه عارمة ، اهتموا بلاعبين اللعبات والمسابقات الفردية واعدوهم لحصد الميداليات الذهبية في الدورات المختلفه " افريقية واوليمبية " ، اهتموا بالفرق الرياضية الجماعيه في اللعبات المختلفه فهي قادره بانتصارتها علي بعث روح الحماس في ابناء شعبنا وقادره بانجازاتها علي دق طبول الفرح والبهجة ليرقص علي نغماتها محبي الوطن وابناءه المخلصين !!! اهتموا بالرياضة فهي تعلم المنافسه الشريفة وتخلق روح الانتماء للفريق والوطن وتدعم الروح الجماعيه في التشجيع والعطاء و تطهر النفوس من الانانية البغيضة وتعلمنا تقبل الهزيمة بغير مرارة وغضب واهتموا بالرياضة فهي تخفف من ظروفنا المعيشية الصعبه وتهون من مشاكلنا المستعصية وتوحدنا في حب الوطن واخيرا هي تسعدنا وتفرحنا !! الم اقول لكم اجعلوا كل ايامنا اعيادا وطنية فهذا الشعب الطيب يحتاج للفرحة ، الا تمنحوها له ؟؟!!!
الفقرة الاخيرة – في الاسابيع الثلاث الماضية رفع المصريين جميعا الاعلام دعما للفريق القومي واحتفالا بانتصاراته بدءا من السيدة سوزان مبارك ورئيس الوزراء الدكتور احمد نظيف الذين شاهدناهم يلوحا بالعلم المصري بفرحة وسعادة حقيقية احتفالا بانتصارات فريقنا القومي وانتصاراتنا وحتي بائع البطاطا السريح الذي نصب العلم فوق عربيته "الغلبانه " تعبيرا عن انتماءه للوطن .. الي المهتمين بهذا الوطن تأملوا المشهد واستنبطوا دلالاته الايجابية واسعوا الي تدعيمها فهذا كله الرصيد الغالي للوطن في المستقبل !!!
الجملة الاخيرة – ان الدموع التي سالت علي وجوه الملايين احتفالا وفرحة بفوز فريقنا القومي بمسابقة كأس الامم الافريقية دموع غاليه جدا وتحمل فريقنا القومي وجهازه الفني عبء مستقبلي ثقيل ، ففرحه هذا الشعب بين اقدامهم الماهرة .. ياله من عبء !!!!
السطر الاخير – لاتحصوا قدر المكافأت المالية التي سيحصل عليها فريقنا القومي فالجائزة الكبري التي حصلوا عليها هي حب الجماهير التي آزرتهم ودعمتهم واحبتهم وهتفت باسمائهم تحية وتقدير ووقفت خلفهم وساندتهم ودعت لهم بالنصر والمكسب !! اسـألوا ميدو عن احساسه وقت هتفت الجماهير غاضبه منه " برة ، برة " وتأكدوا ان مامنحه كل فرد منا لفريقنا القومي من حب يتجاوز بكثير قيمة أي مكافأت ماليه سيحصلوا عليها مهما كانت قيمتها .....
الاربعاء 15 فبراير 2006
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق