السبت، 6 سبتمبر 2008

"الارهاب الفكري ... والهم الكبير .. "

بمناسبة التعديلات الدستورية المرتقبة تأتي قضية استمرار " الاشراف القضائي علي الانتخابات " علي رأس القضايا التي تناقضت بشأنها وجهات النظر، وقد انحصرت المناقشات في هذا الشأن بين خيارين لاثالث لهما ، الاول استمرار الوضع الحالي من الاشراف القضائي الكامل علي الانتخابات وما يتبع ذلك من ضرورة توفير الضمانات الدستورية والقانونية التي تمكن اعضاء الهيئات القضائية من مباشرة الاشراف علي تلك العملية السياسية المعقدة الصعبة بما يتفق وهيبة القضاء والمكانة العليا لاعضاءه وبما يحقق للمرشحين والناخبين العدالة والحماية الكاملة .. والثاني هو اتمام تغيير جذري يتمثل في ابعاد القضاء وجميع هيئاته عن العملية الانتخابية وتشكيل لجنة عليا مستقلة عن الحكومة يتم اختيار اعضاءها وفقا لمعايير محددة ينظمها النص الدستوري المستحدث لتكون مهمتها الوحيدة الاشراف الكامل علي الانتخابات مع منح تلك اللجنة صلاحيات واسعة خاصه تتفق وما تتطلبه العملية الانتخابية الشائكة ..
وفي اطار المعارك الكلامية المجتمعية دفاعا وهجوما علي أي من الخيارين اعتبر البعض ان استمرار الاشراف القضائي علي الانتخابات هو صمام الامان الوحيد للمواطنين والذي يضمن لهم نزاهة العملية الانتخابية بكل تفاصيلها وان التاريخ و" الجغرافيا " اثبتا ان ترك اللجان الانتخابية للموظفين والتابعين للجهات الادارية والحكومه لم يأتي الا بتزوير ارادة الناخبين !!! وروج البعض لفكرة ان تشكيل اللجنة العليا للاشراف علي الانتخابات بديلا عن الهيئات القضائية ليس الا مكيدة من الحكومه الحالية "والقادمة" تحاك ببراعة حول المعارضة والقوي السياسية بقصد حرمانها من التواجد المستقبلي الفاعل علي الخريطة السياسية للوطن عن طريق تكريس عمليات التزوير في الصناديق الانتخابية التي لن يمنعها ويكشفها الا القضاة .. بل وتمادت بعض الاراء وتطرفت واعتبرت ان التعديلات الدستورية المرتقبة بشأن الغاء الاشراف القضائي الكامل علي الانتخابات ليس الا دعوة لتزوير الانتخابات المستقبلية وابتزت بعض الاراء الجميع وسألتهم " انتم مع التزوير والا ضده ؟؟!!!"
وهكذا تم محاصرة جميع الاراء فكريا وضيقت – بالعمد - حلقة المناقشة حول اعناقنا بعد ان تطابقت فكرة التغيير الدستوري المرتقب والرغبة في التزوير العمدي للانتخابات المستقبلية مما لزم معه علي كل من المهتمين بالشأن العام - دفاعا عن انفسهم - ان يحدد موقعه الحقيقي وهل هو مع تزوير الانتخابات بالموافقة علي تشكيل اللجنة العليا للاشراف علي الانتخابات ام هو ضد تزوير الانتخابات بالموافقة علي استمرار الاشراف القضائي الحالي علي الانتخابات !!!
فساد في المجتمع بشأن تلك القضية بالذات ارهابا فكريا قصد منه ترويع الجميع طمسا لجميع الاعتبارات الموضوعية التي قد يعتنقها هذا الفريق او ذاك دفاعا او تأييدا لاي من الخيارين !!! و ازاء كل ما تقدم من ارهاب وحصار فكري ، فكرت كثيرا قبل كتابة هذه المقالة الا اكتبها ووقفت علي شاطيء البحر اعوم بافكاري هربا من المياة العميقة وتياراتها المتناقضة اؤثر السلامة والبعد عن " الشر" حتي ضبطت نفسي غاضبة من خضوعي اللحظي للارهاب الفكري وترددي المؤقت في الافصاح عن رأيي في تلك القضية الهامة فقررت القفز في المياة العميقة و" العمر واحد والرب واحد " فكانت هذه المقالة !! والامر باختصار انني لست طبعا من دعاة تزوير الانتخابات او المدافعين عن تزييف ارادة الناخبين ولست من المنتمين لحزب الحكومة علي العكس انا اقف علي الضفة الاخري من النهر بعيدا عنها انتقد سياساتها ونتائج افعالها التي لا تعبر عن الشارع ولاتحقق امنيات مواطنيه ولاتحقق لهم الحدود الدنيا من الامان والكرامة واتمني عبر الصناديق الانتخابية ان يأتي الناخبين بمن يحب هذا الوطن ويسعي جاهدا مخلصا لبناء مستقبله الافضل والاجمل وقد قضيت سنوات وسنوات من حياتي في اللجان الانتخابية مندوبة لمرشح او وكيله لاخر وشاهدت بعيني كيف يتم رشوة الموظفين الاداريين الذين يتولون رئاسة اللجان ب"الفراخ المشوية وسندوتشات الكفتة " فيتركون الصناديق الانتخابية بعيدة عن ايديهم وابصارهم واذهانهم المنشغلة بالآكل والشرب وشاهدت بعيني كيف تحاصر المقرات الانتخابية ويمنع الناخبين من الوصول اليها حتي "تتقفل " اللجان وتسود البطاقات وتحشر في الصناديق حشرا وشاهدت بعيني كيف يزج بالناخبين قسرا للادلاء بصوتهم لصالح مرشح معين يحاصرهم البلطجية بالعصي و"السنج" والاكف الغليظة ، وشاهدت كيف تنزع من ايديهم البطاقات الانتخابية وتستخدم في التصويت رغما عن ارادتهم حسبما يري العمدة او شيخ القبيلة اوبلطجي الحي ، وشاهدت بعيني كيف يضرب بعض المرشحين من غير رجال الحكومه الاقوياء او من غير رجال العائلة المسيطرة علي المنطقة وكيف تهان كرامتهم بالسب والقذف والشتائم القذرة وكيف يودع بعضهم قسرا في قبو المدرسة او "تحت السلم " مخطوفا محبوسا حتي نهايه ميعاد الانتخاب وخروج الصناديق الانتخابية باصواتها المزيفة تعلن عن نجاح مرشح مزور تزغرد له فرحا طلقات الرصاص وحناجر المؤيدين ، وشاهدت بعيني يوما احد المندوبين يحاصر في لجنة انتخابية ويضرب " بالقفا " مع كل بطاقة انتخابية توضع في الصندوق وهو متشبس بموقعه رافضا ترك الصندوق الانتخابي للعبث به ورئيس اللجنة الموظف الاداري لايري ما يحدث له ولايتدخل فيه ولايورط نفسه ولايعرض نفسه لغضب المرشح القوي صاحب النفوذ والرجال والعتاد والسلاح فلم ينقذ ذلك المندوب وقتها ويخرجه " مفشفش " علي قيد الحياة من اللجنة الا البوليس الذي اختطفه من بين ابناء العشيرة الذين كادوا يفتكوا به دفاعا عن مرشحهم النزيه !!! شاهدت كل هذا واكثر بعيني لكنه لم يضعف ايماني بأن السبيل الوحيد لانقاذ هذا الوطن الا انتخابات نزيه تمنح جميع المواطنين الحق المتساوي في الاختيار وتمنح جميع الاحزاب والقوي السياسية الحق في اعتلاء السلطة وفقا لقواعد الدستور والقانون الذي ارتضيناه جميعا ...
لكن هذا جميعه لم يقنعني ابدا بأن يتولي رجال الهيئات القضائية الاشراف الكامل علي الانتخابات السياسية!!! هذا جميعه لم يقنعني ان يترك القضاة عملهم – ولو لبعض ساعات قصيرة او ايام قليلة – ويتركوا محاكمهم ومحرابهم المقدس وقاعات عدلهم وقضاياهم واحكامهم وحقوق العباد التي بين ايديهم ويخرجوا للشارع السياسي يتعرضوا فيه لما يمسهم او ينال طرف ثوبهم او يلوث سمعه احدهم فليست وظيفة القضاة حسب القانون والدستور حمايه اللجان الانتخابية وفحص بطاقات الناخبين وتلوين اصابعهم بالحبر السري فهذا علي اهميته ومهما كانت نتائجه لايوازي اصدار حكم عادل ينصف مظلوم يحتاج القاضي الجليل لاصداره كل جهده وعقله ووجدانه دون انشغال باي امرا اخر مهما كانت اهميته ، هذا جميعه لم يجعلني اتقبل ابدا ان ينغمس القضاة المحايدين المتجردين فوق منصات احكامهم في بوتقة السياسة وخلافاتها العنيفة فتتعرض هيبتهم للتحرشات الانتخابية من سب وشتم وهجوم ودفاع ويتعرض شخوصهم للاقاويل المشينة والهجوم المنحط واللمز والغمز ، هذا جميعه لم يقلل غضبي حين تجرأ بعض السياسين الحزبيين بقلب ميت وضمير بارد – في الانتخابات الاخيرة – ونسب لبعض القضاة ما يشين الوطن كله ويؤرق مضاجعه فحين يوصم القاضي أي قاضي بانه منحاز او غير متجرد يفقد اهم شروط صلاحيته ويعجز عن العودة ثانية لمنصته وتدفع مثل تلك الاوصاف الظالمة المتقاضين للتجرأ عليه وعلي زملائه والنيل من احكامهم والمساس بهيبة قراراتهم !!! ان اهتمامي بتداول السلطة وحرصي علي حق المواطنين في التعبير عن ارادتهم دون قهر او تزوير ومشاهداتي الواقعية لما يحدث في المعركة الانتخابية لم يقنعني ابدا بصحة اخراج القضاة بعيدا عن منصاتهم وتعريضهم لما تعرضوا له في الانتخابات الاخيرة من من تطاول بعض السياسين المنشغلين بخلافاتهم السياسية والحزبية اللعينه فاذ بهم ينسبوا لبعض القضاة تزويرا وينسبوا للبعض الاخر انحيازا وينسبوا للبعض الثالث صمتا مهينا فاذ بالثوب الابيض للهيئة القضائية التي تحمي المجتمع كله وتدافع عن مواطنيه وتنصف مظلوميه وتعاقب ظالميه وترد الحقوق لاصحابها يكاد يلوثه غبار المعركة الانتخابية !!! انني لست ابدا مع تزوير الانتخابات لكني في الوقت ذاته اتمني ان ننأي بالهيئات القضائية عن الانتخابات ونترك الهيئات القضائية بوقارها وهيبتها ونترك اعضاءها الاجلاء فوق منصات احكامهم يؤدون عملا جليلا من شأنه اصلاح حال المجتمع وحال الوطن ومواطنيه بقدر قد يزيد عن اية انتخابات نزيه وشريفه !!! ان القضاة هم الحصن الحصين لابناء الوطن وملاذه الاخير ومبعث امنه وامانه وكرامته واسترداد حقه ورفع الظلم عنه ، فلايليق بنا ان نعرضهم ابدا لما قد يعطلهم عن وظيفتهم السامية ولما قد يعوقهم عن عملهم الجليل لذا ادعو من كل قلبي لعودة القضاة لمنصاتهم وعدم انشغالهم الا بحقوق العباد وياله من جهد عظيم وهم كبير يكفيهم !!!!
الفقرة الاخيرة – ان انشغال القضاة بالانتخابات يعرض مصالح المواطنين للتراخي والخطر و" يؤجل " القضايا ويزيد الظالمين افتراء ويقهر المظلومين واسألوا المتشغلين في هذا المجال عن حقيقه ارائهم و" اللي ايده في المية مش زي اللي ايده في النار " ..
الجملة الاخيرة – ان احتياج المواطنين للعدالة المنصفة السريعة يفوق احتياجهم لاي شيء اخر ، واذا لم تصدقوني اسألوا المواطنين البسطاء !!!
السطر الاخير – ان قضاة مصر كانوا ومازالوا وسام علي صدرنا جميعا فلا يليق بنا ان نعرضهم لما تعرضوا له في الانتخابات الاخيرة ..

ليست هناك تعليقات: