الأربعاء، 3 سبتمبر 2008

" منهم لله !!! "


انتهزنا فرصة الاجازات المتلاحقة بسبب اعياد المسيحين وعيد شم النسيم ومعهم عيد تحرير سيناء لنفر – مؤقتا - من القاهرة الحبيبة المكدسة ببشرها الطيبين المرهقين ، انتهزناها فرصة للهروب من عوادم السيارات وسحب التلوث البيئي والتوتر الكامن في عروقنا وانطلقنا الي الافق الرحيب علي شواطيء البحر الاحمرحيث وهبنا الله طبيعة فطرية جميلة تهون علينا المشقة التي ادمنا العيش فيها وقبل ان نفيق من الخدر الذي تملكنا بسبب وفرة الاكسوجين وراحة العين بالمناظر الخلابة وراحة القلب بسبب النوم الهاديء والاحلام السعيدة التي غزت ليالينا مرت ايام الاجازة بسرعة واوشكنا ان نلملم ملابسنا وكتبنا ونعود للهم المحبب ، جلسنا انا ومجموعه الاصدقاء الاعزاء علي شاطيء البحر في لحظات النهار الاخيرة يوم شم النسيم نودع الاجازة علي امل العودة القريبة جلسنا صامتين نمني انفسنا بسهرة خاصه في الليلة الاخيرة للاجازة ، جلسنا صامتين ننصت لصوت موجيات البحر متناغمة متداخله في صوت ريح الجبل متشابكة وهديل البلابل ، جلسنا نحدق في السماء الصافية نمتع نظرنا بالوانها الارجوانية الحمراء الزرقاء البنفسجية لوحة تشكيلية جميله ابدعها الخالق العظيم ، نتابع الشمس تلملم اشعتها الفارة تؤهلنا لغيابها ونتوجس من الظلام يدق اوتاد خيمته الكاسية يعدنا للولوج تحتها ، نتابع طيور البحر والنوارس عائدة في اسرابها الي اعشاشها البعيدة ونفتح صدورنا لهواء البر يخرج من وسط الاشجار والازهار واعواد الريحان محملا بعطرها يداعب وجوهنا وقلوبنا ، كنا نجلس والراحة والاسترخاء والصمت الجميل يخدرونا خدر لطيف محبب للنفوسنا نعد انفسنا للعودة الي عالمنا الواقعي بكل تفاصيله المرهقة وفي وسط هذا كله خرجت ابنتي الصغيرة هرعة من داخل المنزل علي وجهها هلع وهي تصرخ بصوتها المرتعب تنادينا " انفجارات في دهب " لنفيق من العالم الخيالي الذي هربنا اليه الي الواقع القبيح الذي يحاول بعض الناس اسرنا فيه واحتجازنا تحت راياته السوداء " الجزيرة قالت ... " ولم اسمع بقية حديثها " يادي الجزيرة اللي دايما تنكد علينا !!" وقمنا مسرعين متوترين نهرول خلف بعضنا البعض نبحث عن الفضائيات ونشرات الاخبار يلاحقنا الظلام الموحش الذي بدلته انفجارات دهب وبدلت معه حالتنا النفسية من استرخاء جميل لتوتر كئيب بغيض يتناسب والحالة التي نجح الجناة المجهولين في فرضها علينا وجلسنا نحدق بقلوب مقبوضة في شاشة التلفزيون لنعي وبعد قليل من الانتباه ان مجموعه ارهابية مجهولة فجرت انفجارات ثلاث في منتجع دهب السياحي .. نظرت لوجوه اصدقائي ونحن نتابع نشرات الاخبار احسستهم واحسست نفسي معهم لسنا مجموعه البشر السعداء الذين كنا قبل لحظات كأننا غادرنا المكان والزمان واحتجزنا في جب مرعب بشرمنهكين متوترين مشدودي الاعصاب يلاحقهم الاسي والخوف من المستقبل فيقتل في نفوسهم الطمأنينة والامل !!! وبسرعة عرفنا الخبر الاسود ان ماحدث عملية ارهابية ثالثة وبسرعه هرول الاصدقاء الي سياراتهم قبل اغلاق الطرق وانتشار الكمائن الامنية وتركوني وحدي اجلس امام البحر في الظلام الدامس الموحش افكر في هؤلاء الجناة الذين جلسوا – باصرار وترصد وتصميم - يخططوا لعملياتهم الارهابية الواحدة تلو الاخري مستبيحين سيناء قلبنا الشرقي الغالي يتنقلوا بين اماكنها الجميلة ومنتجعاتها يدسون الموت للضحايا الابرياء متفجرات نذلة لاتفرق بين طفل وشيخ ولا امرأة ورجل ولا مصري واجنبي ولا مسلم ومسيحي متفجرات لاتحمل لنا الموت فقط بل تحمل رسالة بغض وكراهية لنا للمصريين جميعا ، رسالة بغض وكراهية تقصد اختلاس فرحتنا باعيادنا الوطنية وتستهدف قتل فرحتنا بها ، رسالة كراهية مدادها متفجرات خسيسة وقودها البغض تهدف تغيير " النتيجة " وتبديل لون ايامنا ومذاقها من عذوبة الفرحة وبهجة الاحتفالات لمرارة الغم والحداد ومرثيات الاحباء ، جلست اتأمل سلسلة الانفجارات الاخيرة التي وقعت في سيناء في العامين الاخيرين تلك التي قصد منها احتجازنا نحن المصريين في دروب الخوف والرعب قدرا دائما ، الانفجار الاول وقع في طابا وقت احتفالات اكتوبر بالنصر الذي دفع المصريين البسطاء من دمائهم الغالية ثمنه الفادح فبقيت ذكري استشهادهم ونصرهم في قلوب المصريين جميعا يتباهون براياتها المخضبة بالدماء الذكية فاذا باعداء الوطن يحاولون سرقة فرحة انتصارنا وتبديلها بمأتم للشهداء الابرياء ضحايا متفجراتهم !!! الانفجار الثاني وقع في شرم الشيخ يوم ذكري ثورة يوليو تلك الثورة التي غيرت حياة المصريين وبدلت احوالهم – بصرف النظر عن اعجابنا ببعض انجازات الثورة وانتقادنا لبعضها الاخر – فتأتي الانفجارات في اللحظة التي يحتفل فيها المصريين بيوم انتصار ارادتهم وتغيير حياتهم ورسم خطاهم علي طريق الاستقلال والسيادة الوطنية رسالة من الجناة الكريهين للمصريين الا تفرحوا والا تحتفلوا فالخوف الذي نجهزه لكم والرعب الذي نخزنه من اجل اطفالكم والاسي الذي ادخرناه لمستقبلكم سيبدد استقلالكم وينال من سيادتكم الوطنية ويمس امانكم وامنكم !! اما الانفجار الثالث الذي وقع في دهب فكان يوم احتفالنا بعودة سينا " رجعت كامله لينا ومصر اليوم في عيد " فاذا بالجناة يسعون بكل نذالتهم لتبديل عيد مصرلمأتم واحتفالها لتأبين واغانيها الوطنيه لمرثيات كئيبة !! بقيت امام البحر الغاضب وحدي افكر في هؤلاء الجناة الذي يسعون بكل جهد واصرار لتحويل اعيادنا الوطنية لمآتم وفرحتنا لحزن وبهجتنا النادرة لكأبة مستمرة ، ان هؤلاء الجناة اعداء للوطن مهما كانت جنسيتهم او ديانتهم او قناعتهم او لون بشرتهم اعداء للوطن لايحبونا نحن الشعب البسيط الذي ينتظر اعياده الوطنيه مناسبه للبهجة التي عزت بسبب كل الظروف القاسية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي نعيشها ، اعداء للوطن لا يعادون نظام الحكم مهما كان تصورهم بل يعادونا نحن المواطنين يعادونا نحن العمال البسطاء الذين نترك اسرنا بحثا عن لقمة العيش الكريمه في الوطن بدلا من الغربة الذليلة ،يعادونا نحن اصحاب المشاريع الذين وضعنا اموالنا وجهد ايامنا في استمثارات تفيد الوطن والمواطن بدلا من الهرب بها لبنوك وبورصات الخارج ، يعادونا نحن السياح المصريين الذين نحب تراب بلدنا ونعشق لون بحرها وننتشي من رائحه هوائها وعطرها فلا نحول جنيهاتنا دولارات ونسافر للسياحة الخارجية بل نبقي في حضن خريطة الوطن نستمتع بخيرات بلادنا وندعم اقتصادها ، ان هؤلاء الجناة يكرهونا كلنا ويتمنون لو انطبقت السماء العالية علي رؤوسنا حسرة وانكسار وهزيمة لذا استهدفوا سيناء تلك البقعه الغاليه التي قدم المصريين الثمين والنفيس والابن الغالي لاستردادها واستهدفوا اعيادنا الوطنية يدفعونا في تلك الايام بالذات لرفع رايات الحداد السوداء بدلا من اعلام الفرحة الملونه واستهدفوا ضرب السياحة والسياح وايقاف حال منشأتنا السياحية وبطالة عمالنا البسطاء ليدفعونا لمزيد من الافقار والافلاس والذل المهين !!! ان الجناة مرتكبي الاعمال الارهابية في سيناء اعداء للوطن ومدفوعين لاعمالهم الارهابية من اعداء الوطن ومدفوع لهم ثمن اعمالهم الارهابية من اعداء الوطن .. وقانا الله شرهم جميعا !!! هكذا همست لنفسي وانا جالسه وحدي في الظلام امام البحر افكر في مستقبل بناتي في هذا البلد الذي لانحب غيره !!! وغادرت مقعدي ادندن " سينا رجعت كامله لينا ومصر اليوم في عيد " ولو كره الكارهون !!!!
الفقرة الاخيرة – غضبت جدا من احد المتحدثين في قناه فضائية حين صرح وقت حادثه دهب ان تلك الحادثه منبته الصلة بالحوادث الارهابية السابقة ، غضبت لآنه افتي دون علم او بصيرة وصادر علي تحريات اجهزة الامن وتحقيقات النيابة وادله المعمل الجنائي وتعامل مع الامر وكأنه صاحب العلم اليقيني رغم ان تحليله للحدث ولغته في الحوار كانت تنم عن جهل فظيع وادعاء فظ ، وازداد غضبي وقت قال للمذيع الذي يحاوره عبر الهاتف " اصل معاليك!!!!" غضبت لانه لايعرف الموضوع الذي يتكلم عنه !! وغضبت لان المذيع قدمه باعتباره العارف ببواطن الامور !!! وتمنيت لو فكر الناس قليلا قبل ان يتحدثوا في القضايا العامة ويرحموا الناس من " الفتي !!! "
الجملة الاخيرة – غضبت جدا حين قال احد المتحدثين في قناة فضائية ان حادث دهب الارهابي رد انتقامي من اهل ٍسيناء علي الانتهاكات الامنية التي اصابتهم بسبب حادثتي طابا وشرم الشيخ ، غضبت لان الامن وهو يدافع عن امن الوطن ينتهك امن المواطن ويذله فتكون النتيجة ضياع امن الوطن والمواطن معا وغضبت لان المتحدث خلط بين الجناه الارهابين اعداء الوطن وبين اهل سيناء وهم اكثر المصريين الذين دفعوا ثمنا باهظا لاحتلالها وثمنا باهظا لعودتها وهو ما يوقفهم في اول صفوف الوطنيين احباء الوطن !!! غضبت من الخلط المتعمد بين الاشياء التي لايجوزمهما كانت الدوافع او الاسباب الخلط بينها !!!
السطر الاخير – سألني احد اصدقائي " مال مقالاتك دايما بايخة وكلها كلام عن الوطن الوطن ؟؟!! هو احنا في حصة تربية قومية ؟؟!! " ابتسمت وقلت " ياريت " فحب الوطن وسط الظروف القاسية التي يعيشها الشعب صار محتاجا لمليون مليون حصة تربية قومية تستجلب الحنين من قلوبهم والذكريات من عقولهم وبمعني ادق تذكر الناس بالوطن !!!!
الكلمه الاخيرة – " منهم لله " دعاء من اعماق القلب مليء بالتضرع سمعته من احد العمال البسطاء في ختام حديثه وقت وصف موت اعز اصدقاءه علي الممشي الخشبي في دهب ... فعلا " منهم لله".
الاربعاء 3 مايو 2006

ليست هناك تعليقات: