الاثنين، 1 سبتمبر 2008

الاغلبيه الصامته

من بين واحد وثلاثين مليون وتسعمائه وخمسه وتسعين الف مصري لهم حق التصويت ومقيدين بجداول الانتخاب لم يخرج مشاركا في الانتخابات التشريعيه الحالية بجولتيها الا قرابة المليونين من الناخبين موزعين علي جميع الدوائر فلم يزد عدد المشاركين في التصويت في أي دائرة انتخابية عن اربعين او خمسين الف ناخب توزعت اصواتهم وتفتت بين عشرات المرشحين علي ذات المقعد الواحد في الدائرة الواحده وقسمت بين الحزب الوطني والحزب الوطني بشرطه (المستقلين) والتيار الديني واحزاب المعارضة ، لينجح معظم المرشحين – مع اختلاف انتمائاتهم السياسية او الحزبية او العائلية ورغم النقود والوعود والرشاوي الانتخابية وقوة وفتونة البلطجية- بخمسه او عشرة الاف صوت حملته علي اعناقها وبهتافاتها وولاءها القبلي والعائلي الي برلمان المستقبل مكتسبا الحصانة مشاركا واخرين - مثله بالضبط - في صياغه مستقبل الامة سنوات خمس مقبلة..
والحق انني لااتكلم اليوم عن من نجحوا ومن فشلوا في هذه الانتخابات ولا اتكلم عن اسباب النجاح او الفشل – فهذه مسألة اخري سنتطرق لها في المستقبل القريب – ولكني اتحدث اليوم عن مارصدته ورصده جميع المهتمين بالوطن من حصول مقاطعه شعبية شاملة لهذه الانتخابات التشريعيه ، فجميع الاحصاءات الخاصه بعدد المصوتين والمشاركين في الانتخابات تشير يقينا الي ان الشعب المصري قد قاطع الانتخابات التشريعية مقاطعه واضحه ، مثلها مثل جميع الانتخابات والاستفتاءات السابقة ، فلم يذهب لصناديق الانتخاب ولم يدلي بصوته فيها ولم ينحاز لاي من المرشحين ولا ضد أي منهم ، لم يشارك في اعمال الدعايه الانتخابية لا تحبيذا ولا تنفيرا ، لم يصدق الوعود الانتخابية ولم يسيل لعابه لاغراءاتها ولم تطرف عينه لبريق ذهبها ، لم يشترك في اعمال العنف ولا جرائم البلطجه ، لم يبع صوته العزيز ولم يشتري الاصوات الرخيصه للاخرين ..
باختصار شديد امتنع الشعب المصري عن التفاعل مع تلك الانتخابات فلم يكترث بها واعطاها ظهره واصم اذنيه عن ضجيجها رغم الصخب المدوي عن الحرية والديمقراطية وضرورة المشاركة و " صوتك امانه " والضمانات الانتخابية ورقابه اللجنه العليا للانتخاب والحياد الحكومي والبوليسي ومراقبة منظمات المجتمع الدولي واشراف القضاء ورغم كل البرامج التلفزيونية والحوارات المباشرة ومحطه " برلمان المستقبل 2005 " رغم كل هذا واكثر منه الف مرة لم يكترث الشعب بتلك الانتخابات ولا نتائجها ولا اثرها علي مستقبله فجاءت كل النتائج التي اسفرت عنها تلك الانتخابات غير معبرة عن اراده الشعب المصري فلم يفرح مع الناجحين ولم يحزن مع الفاشلين فلا الفائزين يعبروا عن ارادتنا ولا الخاسرين يعبروا عن ارادتنا ولا ماحدث كله يعبر عن ارادتنا .. وهاانا واحده من الستين مليون مواطن الذين لم يشاركوا في هذه الانتخابات ، انا واحدة من الستين مليون مواطن الذين لم يختاروا أي مرشح ولم يتكاتفوا مع أي مرشح او ضده ، انا واحده من الستين مليون مواطن مصري الذي لانحمل في اعناقنا ذنب اختيار المرشحين الذين نجحوا ولا ذنب معاداة المرشحين الذين سقطوا ، نحن ابرياء من كل ما حدُث وكل نتائجه ، نحن الذين لم ننتخب الحزب الحاكم او أي من مرشحيه بل رفضناهم اختيارا واعيا بمصالحنا ونحن الذين لم ننتخب جماعه الاخوان المسلمين او أي من مرشحيها خوفا علي مستقبلنا ، ونحن الذين لم ننتخب أي من احزاب المعارضة او أي من مرشحيهم لعدم وضوح رؤيتهم للمستقبل !!!
نحن الاغلبية الصامته التي لاتنتمي الي أي فريق في هذه الانتخابات ولسنا جمهور أي منهم ، ولايحق لاي فريق منهم الحديث نيابة عنا ولاالادعاء بأننا جمهورها الصامت ، فنحن الذين اخترنا الاختيار الصعب ،اخترنا الا نختار وتعمدنا الا نشارك في معاركهم ورفضنا ان نضحك علي انفسنا بدعايتهم ، نحن الذين اخترنا عدم المشاركة موقفا ايجابيا معبرا عن عدم اقتناعنا باي حديث نسمعه منهم وعدم تصديقنا لاي دعاية بيعت لنا منهم وعدم قبولنا لاي وعود روجت لنا بواسطتهم..
نحن الاغلبية الصامته التي تحلم بمستقبل للامة لم يتحدث عنه ولا يعرفه أي من الفرقاء الانتخابيين ، نحن الاغلبية الصامته التي مازالت تنتظر فرسانها المؤمنين بها المنتمين لها المدافعين عنها ، نحن الاغلبية الصامته العطشي لخطاب لم يقل به احد ، الاغلبية الصامته المنتظرة بكل قلوبها وعقولها ووجدانها للقادمين من قلب الشعب المعبرين عن حضارته وتراثه الجاد الملهم ، حملة مشاعل المستقبل الذين يأخذون بايدينا ونتكاتف معهم لصنع المستقبل الحقيقي لوطن مستقل غير تابع قابض علي مقدراته الاقتصادية مؤمن بالتنمية والعدالة الاجتماعيه والانصاف الاجتماعي ، وطن يؤمن ان كثافته السكانية كنزا اقتصاديا يلزم الاعتناء به ورعايته وتوجيه طاقاته وتأهيله للالتحاق بدول المستقبل ، وطن يري التعليم الجاد المتقدم سبيلا وحيدا للنهوض بعقول الامة ، وطن يري الاعلام الجاد المحترم سبيلا وحيدا للحفاظ علي عقول الامة ، وطن يحترم عقوله البحثية ويفتح امامها ابواب البحث العلمي ، وطن يؤمن بالفن الجاد المحترم ويفجر الطاقات الابداعية لابناءه المبدعين ويرعاهم ويمكنهم من ممارسه فنونه المعبرة عن حس الشعب وتراثه وثقافته الجادة ، وطنا يؤمن بالعدالة العمياء سبيلا وحيدا للكرامة والانسجام الاجتماعي و يقوم علي المساواة امام القانون رافضا التمييز الديني و الطائفي و الجنسي ، وطن يحب ابناءه ويحافظ عليهم ويرعاهم ويرعي حقوقهم في الوطن وبكل الدول ، وطنا يحافظ علي كرامة ابناءه ولايطردهم ولا يضطهدهم ولا يغلق ابواب الرزق في وجوههم ، وطن لا يذل ابناءه بلقمة عيشهم ولايذلهم بعصا شرطيه ، وطنا منحاز لفقراءه ملح الارض وصناع الحضارة وبناه الهرم وشهداء حفر قناه السويس وجنود حرب 73 الفلاحين الزراعين للخير والنماء وطنا محترما لقيم الجدية و" العمل عبادة " ، وطن يؤمن من اعماق قلبه وبفطرته السليمة بالرب الرحيم الغفور الرحيم الخالق العظيم ويحترم العقائد الدينيه لابناءه ويكفل لهم حريتهم في ممارستها ، وطن يؤمن بالجمال فينشره ويدافع عنه ، وطن يرفض القبح فيقاومه ويتصدي له ، وطن ينشغل بالقضايا الاستراتيجيه الكبري والدور العربي والاقليمي والعالمي وينشغل بالقضايا اليومية الحياتيه الصغيرة فيرفع القمامه من الشوارع و يزرع الاشجار علي جانبيها ويقلم الورود في حدائقها ، وطن بحق كمثل الاوطان التي تختلج النفوس بحبها وتنتفض القلوب بعشقها ونضحي بالنفوس والارواح والغالي والنفيس من اجلها ...
وحتي ينقشع الليل ويخرج علينا نهارا حانيا جميلا مليئا بحب الوطن وحتي نسمع الخطاب الذي يشد عقولنا وقلوبنا وينفض عن نفوسنا اليأس وعن مرارة هذه الايام ، فنحن الاغلبية الصامته المحبة للوطن التي ستبقي صامته وصامته ..
قال صلاح عبد الصبور في رائعته " ليلي والمجنون " واقوله معه لفرسان المستقبل ..
اكتب لك
باسم الفلاحين وباسم الملاحين
باسم الحدادين وباسم الحلاقين
باسم الحمارة والبحارة
والعمال واصحاب العمال
والاعيان وكتاب الديوان
والبوابين وصبيان البقالين
والاهرام وباب النصر والقناطر الخيرية
وعبد الله النديم وتوفيق الحكيم والمظ
وشجرة الدر وكتاب الموتي ونشيد بلادي بلادي
نرجو ان تأتي باقصي سرعه
فالصبر تبدد واليأس تمدد
اما ان تدركنا الان او لن تدركنا ابدا

الاربعاء 30 نوفمبر 2005


هناك تعليق واحد:

اميرة بهي الدين يقول...

نشرت هذا المقال علي الفيس بوك فجائني هذا التعليق ..


Mahmoud El-nagar wrote
at 9:21am on January 15th, 2008
ويبقي الشعر "

وضعوني في إناء

ثم قالو لي تأقلم ،

وأنا لست بماء ،

أنا من طين السماء ،

أنا من روح السماء ،

وإذا ضاق إنائي بنموي يتحطم ،

خيروني بين موت وبقاء ،

بين أن أرقص فوق الحبل، أو أرقص تحت الحبل ،

فاخترت البقاء : قلت أعدم ،

قلت أعدم ،

فاخنقو بالحبل صوت البـبـغاء ،

.وأمدوني بصمت أبدي يتكلم

أحمد مطر

هو ايه الحكايه بالظبط يا أميره؟!...إن قلنا نتكلم يقولوا مفيش فايده والمسأله محسومه والسيناريو جاهز..وإن قلنا نسكت زي ما بتقولي اتهمونا بالسلبيه والخضوع...
مش متأكد ايه اللي لازم اعمله..لكن متأكد ان لو حصل تغيير في البلد دي هيكون في زمن تاني غير الزمن ده..وربنا يديني ويديكي طولة العمر..

ملحوظه: ليس تشاؤم ولا يأس ولكن رؤيه موضوعيه وتجارب كثيره..