الثلاثاء، 2 سبتمبر 2008

" يمهل ........... ولايهمل "


لم اقابل هند الحناوي شخصيا الا من منذ وقت قريب جدا وبعد ان مرت شهور وشهور علي بدايه الازمة التي عاشتها ومازالت تعيشها ، والاغرب انني وحتي التقيت بها وجها لوجه لم اكن اعرف شكلها ولم اهتم بمعرفته ، فهي بالنسبه لي مجرد فتاة مصرية شابة تعاني مشكلة اجتماعية صعبة ذات ابعاد قانونية معقدة ، كنت سمعت عنها مثلما سمع الناس جميعا وقرأت ما نشر عن موضوعها مثلما قرأتم كلكم ، لكني ومنذ اللحظة الاولي تعاطفت معها في محنتها واشفقت علي ابنتها الصغيرة "لينا" ، لم يكن تعاطفي معها في أي لحظة وليد اعجاب بموقفها او سلوكها علي العكس كنت ومازلت احتفظ تجاهها برأي قاسي باعتبارها فتاه ساذجة لم تكتسب من كل القصص المريرة التي عاشها البشر وقصوها علي غيرهم دموعا والما وشوكا داميا أي خبرة مفيدة فاذ بها تخرق النواميس الاجتماعية الراسخة والمقبولة والمتعارف عليها بسهوله ودون ادراك واعي لقدر المشاكل التي ستواجهها وابنتها طيله حياتها ، منذ اللحظة الاولي لسمعي عن تلك المشكلة وضعت نفسي مكان والدتها واحسست الغيظ منها لتفريطها في نفسها وفي مشاعرها وفي حياتها بقصاصة ورق شهدت زواج شرعي عرفي استهان به الطرف الاخر في البداية ثم انكره في النهاية بما يكشف عن استهانته بها وعدم تقديره لها وهو وضع لو وضعت ابنتي نفسها فيه لبكيت وبكيت لانها عرضت نفسها لما لاتستحقه وعرضتني لما لا اقبله !!!
قابلت هند الحناوي مصادفة تجلس في ذات الحجرة التي جلست فيها انتظر دعوتي للحديث في احد فقرات برنامج "البيت بيتك " قابلتها ولم اعرفها ، كانت تجلس وسط مجموعه من الفتيات ،رأيتها مثلهن بنت عادية ، فتاة مصرية خمرية البشرة تشبه ملايين الفتيات في الشارع والجامعه والمحلات التجارية والنوادي الاجتماعية ، لاتختلف عن أي واحده فيهن اختلافا متفردا يشير اليها باعتبارها "النجمة" التي يتابع مشكلتها الملايين ويهتم لامرها الملايين وينتظر افولها وانكسارها ملايين وملايين !!!
جلست وقتها احدق في هند محاولة التسلل داخل عقلها داخل نفسها لاستكشاف
ما تفكر فيه ؟؟!! هل تحس حصار الوحدة ؟؟هل تشعر بألم الهزيمة ؟؟ هل تعاني من مرارة الغدر؟؟ كيف تفكر في نفسها وفي غدها وفي مستقبل وليدتها ؟؟ وهي الفتاة التي سلكت السلوك الاجتماعي غير المقبول وغير المألوف – من وجهة نظر معظم الناس - ثم خرجت بعده علي المجتمع بقوة استفزته تطالب بثبات بحق وليدتها في النسب الاجتماعي والاسم العائلي والكينونة المجتمعية شأنها شأن جميع المواليد ...
كانت هند الحناوي جالسه مكانها صامته لايظهر علي وجهها ما تحسه او تفكر فيه ، كان الحكم القضائي الابتدائي قد صدر ضدها وهزمت في جولتها القضائية الاولي هزيمة اسعدت الكثيرين مما اعتبروها خطرا علي قيمهم الاجتماعية ، كنت اتصور ان تلك الهزي
مة ستوهنها وتلون وجهها الشاب بالوان الهم والحزن واليأس الداكنه الكئيبة ، علي العكس رأيت وجهها مشوب بحمره التحدي الواضحة كأنها تقول لنفسها وللجميع ان هزيمة الجولة الاولي لاتعني النهايه وانها صاحبه حق ستقاتل من اجله وان طال الزمن !!! رأيت علي وجهها ملامح غير مألوفة لفتاه اعتبرها المجتمع بطلة فضيحته العلنية وانتظر انكسارها ،فاذا بها تفاجيء الجميع باصرار عاتي يؤكد استمرارها في القتال دفاعا عن قضيتها العادلة قضية ابنتها " لينا " اصرار قوي لاينبع الا من ثقه بقضيتها وقضائنا وايمان عميق بالله العادل المنتقم الجبار !!!
حدقت فيها اكثر واكثر ، احاول فهم ما تخفيه تحت قسمات التحدي التي تلون بها وجهها درعا واقيا ترتديه امام الكاميرات و تحت الاضواء الكاشفة ، فاذا بي المح ما تخفيه وتواريه وتتواري منه !! المح هما اضاف لسنوات عمرها سنوات
وسرق براءة شبابها وفرحة ايامه ، ألمح هما كشف لي حقيقة مشاعرها الدفينة التي لاتخرجها الي البشر المتربصون بها ينتظرون هزيمتها ويتمنوها ، احسستها تحس نفسها وحيدة في دنيا لاتفهمها وترفَض الاصغاء اليها ، دنيا حكمت عليها وعلي طفلتها حكما قاسيا واعطتها ظهرها ونامت !! احسستها تحس نفسها وحيدة وكأنها وطفلتها الصغيرة يسيران في طريق طويل بارد مظلم تسكنه الاشباح المخيفة لاتجدا يد حانية تربت علي ظهرهما برحمة ومودة وتنتشلهما من الدوامة التي تبتلعهما ، احسستها خائفة من اعماق نفسها من الهزيمة التي يتمناها لها المجتمع ، لكن في نفس الوقت واللحظة احسستها قويه صامدة فالخوف الذي تملك نفسها والهزيمة التي تهددها والفضيحة التي تنتظرها ومجتمعات النميمة التي اكلت وشربت من لحمها ودمها ، هذا كله فجر داخلها قدرة رهيبة علي المواجهة مع نفسها واسرتها والجميع ، مواجهة مع نفسها تعترف فيه بخطئها في قبول زواج عرفي مع شاب لايتحمل المسئولية ولايقوي عليها ، ومواجهة مع اسرتها تعتذر لهم علي التجربة القاسية التي اغرقتهم فيها ، ومواجهه مع الجميع تتحمل سياطهم ولومهم وادانتهم لكنها تسعي لتعاطفهم مع ابنتها الصغيرة " لينا " تلك الفتاة الجميلة البريئة التي لم تشارك ابويها قرارهم وخطأهم وكل ذنوبهم !!! ..
حدقت في هند اكثر احاول فهم دوافعها او مبررات سلوكها ، كيف فعلت ما فعلت ؟؟!! فالطبقة الوسطي التي خرجت هند من بين بناتها - متمرده علي قواعدها الاخلاقية الصارمة - تري ان الزواج سترة البنات وهو مستقبلها المنشود واقصد هنا الزواج القانوني
الرسمي الذي يخلق اسرة اجتماعية وشبكة نسب بين العائلات واطفال وميراث واسم اجتماعي ، زواج قانوني رسمي تهتم فيه العائلات بكل التفاصيل التي تضمن مستقبل اولادهما ويحددا قبل تمامه جميع طلباتهما وشروطهما الماليه ويتناقشا حول الاثاث ويتشاجرا حول الشقة ، هذا الزواج الرسمي الذي تستقبل المحاكم مشاكله يوميا ولاتمتنع عن سماع دعاويه لانها الدعاوي الناشئة عن الورقة الرسمية الوحيدة التي يعترف بها المجتمع ... ورغم كل هذا خرجت هند وغيرها الوف الشباب – واسألوا علماء الاجتماع عن ظاهرة الزواج العرفي وانتشاره - من ذلك الاطار الاجتماعي مستهدفين سعادة سريعة دائمة حسب تصورهم فاذا بها تنقلب عليهم مشاكل ابدية لاحصر لها ولاخلاص منها ، هند ومعها الوف الشباب سمعوا في برامج التلفزيون ومن شيوخ القنوات الفضائية ان الزواج العرفي زواج شرعي حلال وهو زواج لايتطلب مأذونا ولالقاءات اسرية ولا شروط مالية ولا اعباء علي عاتق الطرفين ، زواج لايتطلب اكثر من طرفين محبين يرغبا في التلاقي الكامل السريع فما كان منها الا تزوجت – من رجل هوسها بحبه – زواجا عرفيا شرعيا حلال اشهرته هي وهو بين اصدقائهم ومعارفهم الذين احتفوا بهم وتبادلوا الزيارات الاجتماعية معهم ، تزوجت زواجا عرفيا شرعيا حلال لم تهتم فيه بالاطر الاجتماعيه التي تراضي الناس علي الالتزام بها وقت الزواج فلم تكترث " بالشبكة " ولا " بقائمه المنقولات" ولا بالفستان الابيض والفرح الكبير و" الزفة الدمياطي " لم تكترث بالطقوس الاجتماعية ولااعباءها ، لم تهتم بكل هذا بل وشاركها زوجها – الذي عاد وانكر كل شيء – عدم الاهتمام ، لقد توافقا وقتها علي ان يتزوجا و" بس " وليس هاما بعد ذلك ماذا سيحدث بينهما ولاكيف سيعيشا ؟؟لم يسألا انفسهما وقتها كيف سيكون مستقبلهما ولاكيف سيتشاركا فيه ولا ماهو موقف اسرتيهما ؟؟ لم يفكرا واندفعا اندفاعا جارفا يعيشا بسعاده جارفة المغامرة التي خلقوها لانفسهما !!! لم تفكر هند وقتها وهي تقبل الزواج العرفي من الشاب الذي احبته واحبها –لو انكر بعد ذلك- لم تفكر في وضعها الاجتماعي ولا تقبل الناس لسلوكها ولارفض الناس لتصرفاتها !!! لم تفكر هند ولم يفكر زوجها ايضا في أي شيء فقط قررا ان يعيشا التجربة وعاشاها!!! لكن التجربة السهلة التي عاشاها والحب الذي تبادلاه اثمرت جنينا داخل احشائها ، جنين ايقظهما من نعاس المتعه التي كانا يغطا فيه ، جنين تطلب منهما وبسرعه الاستعداد لمقدمه بكل ما يحتاجه ذلك من مواجهات اجتماعية صارمة قاسية ، وقد تصورت هند ان الجنين تتويجا لحبهما المشتعل وان زوجها الذي لايكف عن بثها حبه سيسعد بجنينهما مثلما سعدت هي رغم صعوبه الموقف كله وعليها بالاساس !!! لكن الواقع بدد تلك التصورات فقد فرق الجنين بينهما وميز بين شخصياتهما واظهر حقيقة كل منهما !! هند تعاملت مع الموقف بجدية ورفضت اجهاض نفسها وقتل صغيرها وقررت ان تتحمل اثار المغامرة التي عاشتها وزوجها الشاب علي صعوبتها ،قررت ان تعلن لاسرتها ثم للدنيا كلها سرها الذي عاشت اياما طويلة تحمله بين جنباتها يؤرقها ويحرمها النوم ، قررت ان تتحمل نتائج المغامرة التي انجرفت اليها ولم تفكر ، لان وقت التفكير قد حان !! اما الزوج ففزع من الجنين الذي اتي للدنيا بغير مشيئته فالمغامرات العابثة – كما ارادها ان تكون - لاتنتج اطفالا والزواج العرفي الذي وقع علي ورقته لا يجبره علي الابوة المبكرة التي لم يختار توقيتها !! فزع الزوج لكنه اخفي فزعه تحت جلده ببراعه - رشحته لجائزة الاوسكار - واظهر لهند فرحة طمأنتها وبددت مخاوفها من مواجهه الدنيا بهذه المشكلة وحيدة !! وقبل ان تصدقه فر منها وبسرعه - بعد نصيحه مستشاريه العباقرة - وانكر العلاقة بينهما من اساسها " هند مين؟؟" ثم انكر الزواج بها وادعي عليها وعلي نفسه – وهو الشاب المؤمن الملتزم دينيا – الخطيئة والاثم هربا من الالتزام الرجولي بنتائج الزواج الذي عاش ايامه سعيدا لانه لم يرتكب الحرام الذي يخيفه من جنهم الحمراء ونيرانها المستعرة !! اذ به يظهر وجها قبيحا لاتعرفه ويختار طائعا الادعاء علي نفسه وعليها بالحرام الآثم – كذبا وعدوانا - هربا من الحلال الذي عاش فيه والذي سيأتيه بطفلة تعوقه مستقبله وتخوف معجباته وتقلل فرصه في الشهرة والانتشار!!!
يومها فقط وبعد ان انكر زوجها الزواج وانكرها وانكر الجنين والايام التي عاشوها معا ، قررت هند الخروج للمجتمع تحمل في احشائها جنينا وفي قلبها جرحا وعلي وجهها منتهي الالم ، لتوقظه من سباته العميق " افيقوا ... انا بنت من بناتكم " يومها افصحت هند امام الكاميرات وفي اقسام الشر
طة انها تحمل جنينا في احشاءها نتج عن علاقة زواج عرفي " شرعي " سرقت منها ورقته ودليله وانها تطالب بحقوق ذلك الجنين واسمه ونسبه وكينونته الاجتماعية .... وقتها افاق المجتمع من سباته العميق واخرج رأسه من الرمال الساخنه التي سكن اليها ، وانتبه ، هاهي بنت من بناته المنتمية لاسرة محترمة من اسره تفجر في وجهه الشظايا الحارقة لمشكلة تجاهلها وتعامل معها باعتبارها غير موجوده ولن توجد ابدا !!!! افاق المجتمع من سباته العميق علي هند الحناوي تؤرقه وتضج مضاجعه وتحرمه من النوم العميق ، تلوح في وجهه بورقه زواجها العرفي وتؤكد عليه " انا بنت مثل الاف البنات المتزوجات باوراق عرفية " افاق بها فتاه جريحه جريئه تعرض عليه مشكلتها وتطلب مساعدته في حلها ، لكن المجتمع المنافق – الذي قبل علي مضض اجهاض الفتيات وتجاهلن قتلهن ان لزم الامر – هذا المجتمع صدم من جراءتها في التعامل مع الازمة وعاقبها بالادانه المسبقة علي سلوكها الذي اخافه وهدد امنه الاجتماعي وانكر هو الاخر مشكلتها ومشكلته وعاد للرمال الساخنه يدفن فيها رأسه "الكلام ده مابحصلش عندنا " صدم المجتمع من التحدي المرتسم علي وجهها وتمني دموعها تستسمحه وتطلب عفوه ، لكن هند حرمت المجتمع من دموعها وتوسلاتها وطالبته بقوة بأن يأخذ هو حقها وحق ابنتها ، طالبت المجتمع ان يلزم الزوج المنكر بالاعتراف بصغيرته فهي ابنته ولو انكر وهي ابنته ولو رفض التحليل وهي ابنته لو خسرت هند هذه القضيه والف قضية !!! طالبته باليقظه والانتباه لمشكلة الزواج العرفي ومايلحقه من مشاكل الاطفال والنسب ، طالبته باليقظة ولو استدعي الامر تغيير القانون او الف قانون ... ومازالت هند ونحن معها ننتظر الايام القادمة وماذا ستحمل لها ؟؟!!!!
طال حديثي عن هند ، لكني لم اقصد الحديث عنها ، اذ انه بصرف النظر عن التداعيات القانونية بين هند وزوجها " الذي ينكرها " وبصرف النظر عن الموقف الاجتماعي من هند والذي يتأرجح ما بين الادانه والرفض ومابين التعاطف والتضامن ومابين الاستنكار والغضب وبصرف النظر عن المكسب القانوني الذي تتمناه هند والهزيمة التي تخشاها وتدعو الله ان يقيها شرها ، بصرف النظر عن هذا كله ، تعالوا نتحدث عن "لينا" تلك الطفله البريئة الجميلة التي جاءت الي دنيانا القاسية لاتعرف سبب قسوتها معها !!! جاءت
الي مجتمعنا المحافظ لاتفهم لماذا لا يوسع لها مكانه بين ابناءه !!! جاءت الي حياتنا الباردة من ام اخطأت يوما لكنها لم تتوقف عن محاولتها المستمرة في اصلاح خطئها ومنح "لينا" ما تستحقه من احترام اجتماعي واسم ونسب ، وجاءت من اب ينكرها ولايفكر ابدا فيها ولا في "تصليح غلطته" جاءت ثمرة زواج عرفي شرعي لكن المجتمع يكرهه ويكره اطرافه !!! ..
تعالوا نتحدث عن "لينا" ، تلك الطفله الوديعه الجميله التي تخطف ببراءتها وابتساماتها القلب والعقل والوجدان ، تعالوا ننظر اليها ونفكر كيف قوي هذا الرجل علي انكار ابوته لها وانكار بنوتها له ، كيف قوي علي الابتعاد عنها وحرم نفسه من انفاسها الدافئة في حضنه ، كيف قوي علي تجاهلها ، كيف منع نفسه من الاستمتاع بحبها ومنعها من الاستمتاع بعطفه ، كيف قوي علي حرمان نفسه من " نعمة ربنا " التي يتمناها ملايين وملايين البشر !! تعالوا نتحدث عن " لينا " فهي ابنتنا وحفيدتنا جميعا ، كيف سننام قريري العين ونتركها تعاني مشكلتها وحيدة؟؟!!!!!
الفقرة الاخيرة – الي علماء الاجتماع حان وقت حديثكم المطول عن مشكلة الزواج العرفي سببها ونتائجها ، فالمجتمع النائم يحتاج الي حديثكم الجاد ليفيق من سباته
العميق قبل فوات الاوان !!!
الجملة الاخيرة – قالت الامثال الشعبية " عملك ياعبد الباقي لبناتك باقي !! " رسالة اذكر الجميع بها فالله جل جلاله " يمهل ولايهمل " ...
الجملة الاخيرة – ان الرجولة من وجهة نظري صفة لا يتمتع بها كل الذكور !!!! وكما قالوا في الامثال الشعبية "الرجوله ادب ........."
السطر الاخير - الي الامهات الغاضبات من هند والناقمات علي سلوكها " ربنا يكفينا شرالتجربة " ...

الاربعاء 15 مارس 2006

ملحوظه وقت نشر المقال في سبتمبر ٢٠٠٨ - حكمت المحكمه الاستئنافيه من الجلسه الاولي لصالح هند
وقضت باثبات نسب لينا لابيها احمد فاروق الفيشاوي ... واغلق هذا الملف !!!!


ليست هناك تعليقات: