الثلاثاء، 2 سبتمبر 2008

" دعوة للجنون الجميل "



يبدو انني المجنونة الوحيدة المتفائلة دائما في هذه البلد المليء بالعقلاء المكتئبين ، هؤلاء البشر مرهفوا الحس الذين خيمت الكأبة المرضية علي نفوسهم وتمكنت من مشاعرهم وطغت علي كل احاسيسهم وسيطرت علي رؤيتهم للحياة والدنيا والبشر والحاضر والمستقبل فاذا بنظارات الكأبة السوداء تزيد من حزنهم حزنا ومن همهم هما ومن يأسهم يأسا واذا بالصداع يتملك رؤوسهم والارهاق يحتل جسدهم والعجز وقلة الحيلة والقنوط وفقدان الامل يخيم علي نفسياتهم فيتحولوا جميعهم لاناس عاجزين عن الفعل والتفاعل يعيشون في وحدة صامته لايتحدثوا الا مع انفسهم او مع نظرائهم يتحسرون علي الاحلام الذي فرت من بين ايديهم فلم يحققوها والطموح الذي ضاع فلم يجنوا ثماره وعلي التفوق الذي سلب منهم فرصا ضائعه كانوا يستحقوها بجدارة فلم تأتي ، هؤلاء البشر مرهفوا الحس الذين تحولوا لمرضي بلا علاج و موتي بلا اكفان يعيشون ايامهم بلا مذاق وبلا مزاج وبلا هدف ينتظرون نهاية حياتهم وبسرعة باعتبار تلك النهايه المرجوة هي الحل السحري لمشاكلهم المزمنة التي لايعرفون كيفية حلها ولا كيفيه الخلاص منها ولاكيفيه التعايش معها !!!
هؤلاء البشر العقلاء مرهفوا الحس المكتئبين لايرون في حياتنا الا كل موحش وقبيح رديء وفاشل ومبتذل دون ان يدفعهم ذلك للهجرة منها والفرار بعيدا عنها وبيع النفس والعقل في بلاد الغرباء وفي نفس الوقت لايطيقوا الاستمرار في هذه الحياة التي نعيشها علي حالها ..
هؤلاء البشر مرهفوا الحس المكتئبين لايقرأون من مانشيتات الصحف الا عن الفساد والرشوة وانعدام الضمير وبيع النفس وبيع الصوت الانتخابي وبيع الاطفال وبيع الكلي ولايقرأون في صفحاتها الداخلية الا اخبارا عن السلعوة وغزوالجراد والمبيدات المسرطنه وانفلونزا الطيور ولاينتبهون الا لجرائم القتل المتوحشة واحداث الفتنة الطائفية واخبار العمارات المنهارة وغرق العبارة وموت المصريين اهمالا بكافة الطرق والوسائل برا وبحرا وكمدا ولايشاهدون في نشرة الاخبار المرئية الا جنازات الفلسطينين الشهداء ومشاهد جثث العراقيين ضحايا الاستعمار الامريكي والسيارات المفخخه والفتنه الطائفية الشيعيه السنية واخبار حصار سوريا وتهديد ايران والابتسامة المخيفة لكوندليزا رايس !!!! ..
هؤلاء البشر العقلاء المكتئبين يرون النيل الجميل وقد اسود لونه وتعكرت عذوبته بمخلفات المصانع والقاذورات وريش الفراخ وحاصرته الابنية القبيحه والمراكب العائمة تخص الاغنياء بالمتعه دون الفقراء البائسون المحرومون ، يرون البحر الازرق وقد ضاعت زرقته وتلوثت مياءه ونحرت شطئانه وفرت نوارسه وتسممت اسماكه وبقيت لنا دواماته القاتلة المخيفة ، يرون اغانينا الجميلة ومطربينا المغردين قد انتهي زمانهم وتركوا لنا ذوي الاصوات القبيحة يتأجشون في آذاننا ويتثنون بابتذال وخلاعه تعويضا عن حنجرتهم العليلة وذوقهم المنحط يحاصرون الموهوبين الحقيقين ويعوقوا نجاحهم بادعاءات قله النجاح وقله الايرادات وقله الاعجاب ، يرون السينما الراقية ومبدعيها المتميزين قد رحلوا وتركوا لنا تلاميذهم الفشلة يعيدون صياغة الفن بمفهومهم التجاري السوقي الغث ويصنعون نجوما شمعية الملامح لاتسطع و لاتمس قلوب المتفرجين ولاتؤثر باداءها في نفوسهم او عقولهم و يصورون شرائط فيلمية لامضمون لها ولافكرة فيها ولا اثر يبقي منها الا الايرادات المليونية تعلو بصانعيها الي السماء وتاخذ ذوق الناس معها وتهبط به لاسفل السافلين!! يرون البرامج التلفزيونية والاذاعية قد تحولت في معظمها لبرامج حوارية فارغه بلا قضايا جادة او ترفيه محترم مليئة بالمكالمات التليفونية المملة يتبادل فيها المتفرجين والمذيعين الاعجاب والحب و"الكلام الفارغ" ويرون القنوات الفضائية قد خرجت علينا بشرائط العبارات الهابطة الدوارة يبثوها في كل وقت فوق الاغاني والافلام والبرامج الحوارية تلك الشرائط المحررة بعواطف المراهقين والمزدحمة بالرسائل الغرامية والمشاعر الحارة والمواعيد المتبادلة والمكدسة بعبارات الكلام الغامض الذي لايفهمة الا اصحابه وادوات قياس التناسب العاطفي بين المحبين ، شرائط دوارة تحقق المكاسب المالية الخيالية لشركات التليفونات بجميع انواعها ولمالكي تلك القنوات وحملة اسهمها !!! هكذا يروا العقلاء المكتئبين حياتنا فراغ في فراغ ، حياة تسودها الفوضي والتخبط وغياب الامل والحلم مليئة بالابتذال والعبث واللهو الفارغ ..
هؤلاء العقلاء المكتئبين هم الاغلبية في هذا البلد اذا حاولت المناقشة معهم عن اسباب اكتئابهم افحموك بردودهم الواقعية ، كيف لاترين مانراه ؟؟!!! السماء يحتلها التلوث البيئي مزيج مقرف من الاتربة ودخان المصانع وعوادم السيارات والروائح الكريهة والشوارع تكتظ بسيارتها فوضي مرورية مستمرة وساعات ازدحام واوقات ذروة لا تنتهي ومارة ضالين لايجدون رصيفا للسير عليه ولا اشارة مرور للعبور من عند اشارتها ، والمدن التي نعيش فيها مدن عشوائية يحتلها القبح والتلوث والازعاج ويهرب منها الجمال والسكينة والتسامح ويعشش فيها الغضب والعنف والانفعالات الارتجالية الموحشة المتوحشة ويغيب عنها احترام القانون واحترام ادمية البشر واحترام الذات ، هكذا يصرخ في وجههي العقلاء المكتئبون وهم يصفون حياتنا وحياتهم ويتعجبون من اسارير وجهي المنفرجة امام كل ما يقصوه عليي من مصائب وكوارث لايفهمون سبب عدم تأثري بها ويتعجبون اكثر من سبب عدم اكتئابي مثلهم!!!!!
الم اقل لكم في البداية انني المجنونة الوحيدة المتفائلة في هذا البلد ، المجنونة التي اري ما يرونه واكثر لكني اؤمن وبحق اننا "احسن من غيرنا " افرادا وشعوبا ، اؤمن بحق ان في حياتنا جمالا لاتدركه الا النفوس القوية المقاومة ، اؤمن وبحق ان في حياتنا كنوزا لن يكتشفها الا البشر الحقيقية هؤلاء الذي يستيقظون صباحا نافضين عن قلوبهم هموم الليل شاخصين للصباح بروح مليئة بالامل والتحدي والرغبة الحقة في التغلب علي الصعاب وتحقيق الانجازات الناجحة ...
الم اقل انني المجنونه الوحيدة المتفائلة في هذا البلد التي مازالت تعتز بجميع كنوزنا التاريخيه والجغرافيه والفنية والادبية تلك الكنوز التي اثرت وتثري حياتنا ونفوسنا الان وغدا وطول العمر !!! مازلت اري النيل جميلا قويا فياضا مهما احاطوه بالقبح واري البحر مغامرا عنيدا مفجرا للقوة في نفوسنا مهما حاصروه بالمباني الخرسانية وضجيج المصطافين واري الشمس ساطعه دافئة حنونة ولو حجبتها عن ابصارنا بعض السحب العابرة ، مازلت استمتع بتغريد العصافير وهديل اليمام رغم عن انف انفلونزا الطيور !!!
انا المجنونة الوحيدة التي مازالت تستمتع باغاني ام كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وفايزة احمد ومحمد فوزي ومحمد قنديل كأنهم مازالوا معنا احياءا لم يغيبوا ، مازلت اطرب "حيران من ايه ياحبيبي " مازلت انتفض تمردا " اعطني حريتي اطلق يديا " مازلت اذوب عشقا " اهواك واتمني لو انساك " مازلت اتألم " انا والعذاب وهواك عايشين لبعضينا " مازلت اتذكر " لو حكينا ياحبيبي نبتدي منين الحكاية " مازلت اتحسر " لو اني اعرف خاتمتي ماكنت بدأت " مازلت احن لحضن امي " ست الحبايب ياحبيبة " مازلت اعشق تراب الوطن " حب الوطن فرض عليا افديه بروحي وعينيا " ومازلت اصدق الشاعر العظيم ناظم حكمت الذي كتب في زمن بعيد موحش قاسي قصيدته الخالده يدعونا فيها للتفائل ثم التفائل " اجمل الايام التي لم تأتي بعد واجمل الاطفال التي لم تولد بعد " ..
الم اقل لكم انني المجنونه الوحيدة في هذا البلد فمازلت استمتع بافلام السينما الجادة وتراثها العظيم ومازلت اترحم علي صلاح ابو سيف وعاطف الطيب وادعو بالصحة ليوسف شاهين ومحمد خان وداود عبد السيد ورأفت الميهي ، مازلت اعيش هربا من الواقع الرديء في افلامهم الجميلة فتسعدني وتشد من ازري " الارض ، الزوجه الثانية ، القاهرة 30 ، بداية ونهاية ، الهروب ، البريء ، التخشيبة ، الصعاليك ، ارض الخوف ، احلام هند وكاميليا ، الحريف ، باب الحديد ، سواق الاتوبيس ، السمان والخريف ، سمك لبن تمر هندي ، قنديل ام هاشم" استمتع بهذه الافلام وغيرها مئات اخري ولااسمح للافلام "اياها" ان تعكر مزاجي بنكاتها ثقيلة الظل وابتذالها الفج المؤذي ، الم اقل انني المجنونه الوحيدة في هذا البلد فمازالت موسيقي علي اسماعيل تطربني وتحرك في قلبي اوتاره الاصيلة ، ومازالت نغمات كمال الطويل تبكيني ومازالت اغاني محمد الموجي تستجلب الحنين والحنان في نفسي ، مازالت لوحات جمال كامل تسعد نظري وقلبي ، مازالت نكات صلاح جاهين واشعاره الجميلة تلفح وجهي بنسيمها العليل ، مازالت ابيات فؤاد حداد تنبه عقلي ووجداني ، مازالت ذاكرتي تحتفظ بومضات ملونه ساحرة لاغلفة مجلة صباح الخير ولوحات رساميها جورج والبهجوري ومازالت سخرية بهجت تضحكني ولو في اشد لحظات حزني ومازالت رسومات حجازي تؤجج في صدري الحنين للزمن الجميل !!! مازالت هذه الكنوز جميعا تدفيء قلبي وتبعد عنه اشباح الكأبة وظلام اليأس وتشعل له قنديل التفائل بزيوت الصدق والعطاء الحقيقي عمرا طويلا !!!
انا المجنونة المتفائلة الوحيدة في هذا البلد ، الذي اري كل ماترونه واحسه جيدا واكره وجوده واتمني انقشاعه لكني اشعر بالتفاؤل يملآ نفسي وقودا يعينني علي تحمل مالا تتحملونه واشعر بالرضا والقناعه تحتل وجداني رصيدا اعود اليه يمدني بالطاقة لمواجهة مالاتتمكنون من مواجهته ويمدني بالحيوية لتجاوز ما تقفون امامه عاجزين لاتعرفون منه فكاكا !!!
ولاني متفائلة ومجنونة مازالت السعادة تجد مساحتها الكبري في نفسي تلون مشاعري واحاسيسي بالوان البهجة المنيرة فاري كل شيء جميل !!! ومازال الحب متوهجا في قلبي ووجداني فاحب الشوارع المكتظة ببشرها المتعبين واحب الزهور الملونة متناثرة علي اشجارنا القليلة واحب السماء الزرقاء التي سنراها بعد انقشاع السحب واحب بائع النعناع العجوز وبياعه الخضار الهرمة واحب الياسمين والفل "المجوز" وعيدان الريحان وزهور البانسية ورائحه الورد البلدي واحب اسرتي وابي وزوجي وبناتي واصدقائي الغاليين والمحامين العاملين معي واحب البشر اجمعين !!!
ولاني متفائلة ومجنونة فأنني اؤمن وبحق ان الدنيا ستتغير والحياة ستصبح اجمل والايام القادمة ستأتي الينا بسماء اكثر زرقة وبشر اكثر دفئا ومودة وموسيقي اكثر عذوبة واطفالا اكثر جمالا وبراءة ، اؤمن ان الايام القادمة ستأتي الينا ببشر اكثر انسانية وتسامحا واقل عنفا وغضبا ،اؤمن وبحق ان كل السلبيات التي تحاصرنا ستنتهي وان طال الزمن ، واؤمن وبحق ان الجمال عائد الي مدننا الحبيبة باشجاره الخضراء ووروده الحمراء و"اكشاك الموسيقي " تعزف الحانا صادقة تعالج ألام البشر وترقي مشاعرهم ، ولانني متفائلة ومجنونة اؤمن ان الغد القادم اجمل من اليوم الذي نعيشه لذا انتظر الغد دائما بشوق ولهفة ومنتهي " التفاؤل " ....
الفقرة الاخيرة – احتج احد الاصدقاء علي حديثي المتفائل معه دائما وقال لي " انت مجنونه فعلا " وقد اعجبني وصفه واعتبرته مدحا جميلا ، فاذا كان العقل هو الغرق في بحار اليأس والكأبة والوقوع في اسر الحزن والهم ، فالجنون جميل جدا !!!
الجملة الاخيرة - جربوا جنوني واستخرجوا من صناديق ذكرياتكم كنوزها الغالية وعيشوا يومكم بامل كبير وانتظروا غدكم بحب حقيقي ، جربوا جنوني وشاركوني جماله ، لن تندموا ابدا !!!
السطر الاخير –" لو جابو للمجنون ميت عقل فوق عقله مايعجبوش غير عقله " مثل شعبي اهديه لاصدقائي اعضاء حزب الغربان الذي يدعوني بحماس للانضمام معهم !!
الكلمة الاخيرة – تفاؤلوا فلن تخسروا شيئا !! فالكأبة تنتظركم وتتمني عودتكم الي احضانها مهزومين !!!
الاربعاء 1 مارس 2006

هناك تعليق واحد:

اميرة بهي الدين يقول...

نشرت هذا المقال في الفيس بوك فجائتني هذه التعليقات ..


Amr Assaad wrote
at 1:29am on January 26th, 2008
أميرة أنا طول عمري فاكر أني من المجانبن اللي شايفين النص الفاضي مع النص المليان بس مصممين أن النص الفاضي أكبر من النص التاني.. دلوقتي عرفت أن كلنا مجانين أنا برضة متفائل بمستقبل البلد بس تفاؤل تاريخي يعني بمنطق التاريخ وأن التراكمات في مجملها مع كل اليوب تتجه نحو الأفضل حتى ولو كان كل شى يعطي انطباعا آخراً...
شكرا على اشراكك لينا في كتاباتك ومعلش لو مش دايما باتفاعل معاها.. أنت عارفة الشغل واللي بعده

بعد ما كتبت التعليق اللي فات شفت التريلر (اعلان) ده عن فيلم ابراهيم البطوط الجديد فحسيت أنه خيط من خيوط الناس الي عندكممكن تشوفوا الأعلان هنا

Manal Fahmy wrote
at 10:34am on February 10th, 2008
مش عارفة ليه ياأميرة لما اتكلمتى عن الحاجات الحلوة فى حياتنا حسيت برغبة حقيقية في البكاء...إحساس ماجاليش فى أول المقالة لما ذكرتى السلبيات
احتمال فعلا لو افتكرنا الجميل فى حياتنا ده يبقى دافع للاحتفاظ بيه ويبقى ملهم لينا ودافع إننا نقدر نتحرك ونقوم من مكاننا بدل الاستسلام للاحبط و ما يولده من عجز وعدم قدرة على الحركة...