السبت، 13 سبتمبر 2008

النصيحة الصادقة


اسير في شوارع عاصمتنا الحبيبه تلك الشوارع المكتظه ببشرها المكدسه بناسها المزدحمه بالسيارات والماره المخنوقه بسحب التلوث والعوادم والضجيج الصوتي المزعج اتآمل الناس قائدي السيارات ،العابرين لاشارات المرور ،السائرين علي الارصفه ،الواقفين امام المحلات ،الخارجين من محطات المترو، اللاهثين خلف اتوبيسات النقل العام ،الراكضين خلف المبكروباصات ... اتآمل الناس الذين خرجوا من بيوتهم للتفاعل مع الحياة بكل اشكالها ، اتفرج علي وجوههم المتعبه العابسه اشاهد قسماتها الحاده اتآمل ملامحها العصبيه فلا اري علي كل الوجوه في كل اللحظات الا غضبا رهيبا يلون وجوههم بلون السواد الكئيب !!! اكذب بصري وافقع عيني واغلقهما وافتحمها واتمني رؤيه لون الفرح ولون التفاءل ولون حب الحياة علي اي وجه في اي لحظة - ولو كان وجه طفل صغير بريء لم يعي بعد متاعب الحياه ولا صعوباتها او وجه فتاه جميله تحلم بالحياه الورديه وثوب الزفاف الابيض والحضن الدافيء او وجه رجل هرم عرك الدنيا وفهم اسرارها وانجز ماعليه واطمئن علي اولاده وقنع بكل ما قدمه للحياه وما قدمته له - لكني للاسف لا اري الا الغضب الاسود يحتل كل الوجوه ويآسر كل المشاعر ويطغي علي كل الاحاسيس للاسف الشديد لا اري الا الغضب الجارف يكسو وجوه كل البشر في بلادنا في كل مكان ، غضب يطاردنا كآنه لعنه الفراعنه يحاصرنا كآنه قدرنا الوحيد ونصيبنا في الدنيا ، غضب يتملكنا ويملكنا ويصعب علينا حياتنا الصعبه اكثر واكثر، غضب تراه علي وجوه الشباب في الجامعه تحسهم يائسين كآن الدنيا هزمتهم الف مرة ، تراه يلون وجوه الموظفين في المصالح الحكوميه تحسهم ناقمين علي الدنيا التي لم تمنحهم فرصتهم التي تمنوها ، تراه يحرق وجوه السائقين قائدي المركبات علي الطرق السريعه كآنهم يخشون الحوادث والموت البطيء وسحب الرخص وصور الرادار ، تراه يرتسم علي وجوه الخارجين من السينما يشعرون بالخديعه والخواء النفسي وانحطاط الذوق العام ، تراه يلون ملامح الجالسين في النادي يحتسون الليمون تشعر بخوفهم من المستقبل وشر الزمان وتراه علي وجوه الشباب في مقاهي الانترنت و" السيبر" كافيه كآنهم تائهين بلا بوصله في طريق الحياة ، تراه يطغي علي حزن المعزين لحظه فقد الحبيب الغالي ويطغي علي سعادة اهل العروس ليله عرس ابنتهم الوحيدة ، لا اصدق مااراه ولا احبه فشعبنا الذي اعرفه شعب طيب جميل حنون المشاعر متفائل مهما كثرت عليه المحن محب للحياة مهم قست عليه بصعوباتها شعبنا الذي اعرفه شعب ينتظر الفيضان وخيره وينتظر الحصاد واعياده وينتظر شم النسيم ليلون حياته بالوان البهجه وينتظر مولد النبي ليزين شوارعه بالعرائس الجميله والاحصنه المقاتله المصنوعه من السكر بحلاوه ايامه واحلامه ، لا اصدق مااراه ولااحبه ، اتآمل وجوه البشر وملامح الناس ابحث عن وهج السعاده عن تآلق الفرحه عن بريق التفائل علي اي وجه ، انقب في نفوسهم اغوص عميقا تحت ركام الهموم اليومية بحثا عن املا اخضر بلون الخصوبه او حلما وريا بلون وجنات البنات الجميلة او بهجه بيضاء بلون الصباح النادي ، اغوص في اعماقهم اكثر واكثو يعترض طريقي الهموم والمصاعب والمشاكل والاحزان والاحباطات اليوميه والاخفاقات الموجعه والاحلام الضائعه والامال المبدده والامنيات التي لم تتحقق فصارت وجعا مستمرا تعترضني كاحجارا مشحوذه مسنونه ابعدها ولا افقد الامل في العثور داخل مواطنينا وفي نفوسهم علي الكنوز الضائعه التي تواريها المتاعب ، اغوص اكثر واكثر وافقد الرؤيه وتظلم الدنيا في وجههي اكثر واكثر افقد البصيرة ولا افقد الامل واتمني .. اتمني .. اتمني الا تخذلني الحياة فيهم كما خذلتهم .. اتمني العثور داخلهم علي الوهج البرتقالي الحي والبريق الماسي اللامع مشاعر جميله حية تنبض بالامل تؤكد لي ان شعبنا مهما اشتدت عليه الصعاب والمحن مازال حيا ينتفض قلبه بحب الحياة والامل في تغييرها دائما للافضل ... لكني للاسف .. للاسف لم اجد في عميق اعماقهم ودفين نفسياتهم الا الغضب يلون كل الرايات و يحتل كل الاماكن و يسيطر علي كل المشاعر غضب جارف اسود اللون متشنج كآنه وشاح فياض يكسو وجوه البشر واجسادهم ويلف مشاعرهم ويحتل نفوسهم ويقتل احلامهم ويبدد اطمئنانهم .... !!!!!
ملت علي البشر الغاضبين اسآلهم ... لماذا كل هذا الغضب ؟؟ اجابني احدهم بمراره لاذعه " مافيش وظايف بتدي مرتبات تنفع تعيشنا عيشه عاديه يعني ناكل ونشرب ونسكن ونتعالج معقول علشان اعالج ضرس مراتي لازم اعمل جمعيه ؟؟!! " وشرح لي احدهم " المرتب مايعيش العيال ولما اشتغلت شغلتين صحتي اتاكلت وما بقيتش نافع في حاجة خالص ماهو رغيف العيش بربع جنيه والعيال بتاكل عشرين رغيف في الطقة مرتب الوظيفه مايكفيهومنش عيش حاف !! " وقال لي احدهم " الشوارع زحمه طول الوقت مش عارفين نروح ولا نيجي نص حياتي ضايعه في الطريق علي مااوصل مكان ماانا رايح اكون تعبت وعايز انام !! " اشتكت لي سيدة " الواد خلص تعليم ومتلقح علي القهوة والبت خلصت تعليم ومش لاقيه عريس ظروفه مناسبه يبقي تعبي طلع علي فاشوش لا الواد اتوظف ولا البت اتسترت" همس احد السائقين " سفلته الطريق زفت بتكسر العربيه وتصليحها نار عايز فوق ايرادها ايراد تاني وكله كوم والمخالفات كوم تاني باجري طول النهار علي الطريق واخر الليل اروح جيبي فاضي ومراتي تتخانق معايا " مسحت احد التلميدات دموعها " طب اذاكر ليه اذا كان في الاخر كل البنات بتغش و انا الوحيده اللي مبعرفش اغش هما يجيبوا نمر عاليه من الغش وانا نمري علي قد مذاكرتي لازم اتعلم اغش صح !!" صرخ احدهم " قضيتي في المحكمه بقالها خمس سنين حقي واضح بس ايدي مش طايلاه بقالي سنين رايح جاي علي المحامي كل جلسه يطمني وياخد قلوسي ولغايه دلوقتي ماجابليش حقي انا فهمت العيال علي القضيه علشان لو مت قبل ما يتحكم لي يبقوا عارفين فلوسهم فين !!" همس احد الرجال " الناس معتبراني باشا فاهميني زي زمان ايام ماكنت لسه في الوظيفه دلوقتي الدنيا اتغيرت المعاش علي القد كل يوم قيمته بتقل و الدنيا بتغلي والناس مستنيه مني كتير باشا بقي الحل ابعد عن الناس واحفاظ علي منظري وسطيهم " قالت احد المطلقات " كانت جوازه مهببه ولما اتطلقت قلت خلاص ارتحت منه ابدا ماسكني من زماره رقبتي بالعيال ومعيشني في المحكمة مره علشان النفقه ومره علشان مصاريف المدارس وكل مره تحريات واثبتي دخله واثبتي احتياجاتك هما بتوع المحاكم مش عارفين ان العيال لازم تاكل وتشرب والا هما عيالنا غير بقيه العيال ؟؟!!" صرخ احد الرجال " الواد سخن وفررفي ايدي جريت به علي المستشفي الخاص اشتريت الدوا وصبحت علي الممرضات وحطيت الواد علي رجلي واستنيت الدكتور خمس ساعات ولما جه شخط فينا وقال كل واحد يستني دوره استنيت علي ماجه دورنا كان الواد خلاص بقي زي الخرقه صرخت الحقوني الواد حيروح زعقوا فيا وقالوا عامل شغب ليه حنطردك بره !! " انتفض احدهم يصرخ في وجههي " هو انت مش عايشه معانا ، مش تعبانه زينا من الغلا اللي يوم عن يوم بيزيد ، مش مخنوقه زينا من المرور وزحمه الشوارع ، مش شايله هم العيد والمصيف ودخول المدارس ، مش قرفانه من الزباله اللي متكومه علي النواصي ، مش مكويه من فواتير الكهربا ، مش خايفه حد من عيالك يعيا وتحتاسي بيه ومتلاقيش فلوس تعالجيه ، مش محرومه من النوم زينا وراسك بتوش بتفكري في ميت مشكله مالهاش حل ؟؟!!!" اختصر احدهم سبب غضبه وهمس لي " العيشة تقرف والبركه في الحكومه !!!" تركت الغاضبين والتفت للحكومه اسآلها هل تعرف الحكومه ورئيس وزرائها ان مواطنيها غاضبين مخنوقين يقضون لياليهم آرقين يفكرون في حياتهم ومشاكلها وكيفيه حلها والخروج من ازماتها وفي النهايه لايجدون حلا لكل ما يشعرون به الاالغضب اكثر واكثر من الحكومه الحاليه والسابقه والقادمه وكل حكومه سيسمعون عنها او يعيشون في ظل سياستها ؟؟؟ هل تعرف الحكومه ان البشر الذين تحكمهم وتتولي امورهم غير راضين عن سياساتها وغير سعداء بسلوكياتها ويتمنون من اعماق قلوبهم ان ترحل عنهم وتتركهم وشآنهم ويدعون لله القدير ان يآتيهم بحكومه اخري تحبهم اكثر من الحكومه الحاليه وتحس بمشاعرهم اكثر من الحكومه الحاليه وتفهم رغباتهم اعمق من الحكومه الحالية وتحسن ظروف حياتهم اكثر واكثر ، هل تعرف الحكومه ان اياديها الخضراء وسياساتها الاقتصاديه والاجتماعيه اغضبت الشعب .... هل تعرف الحكومه ان غضب الشعب " وحش " ربنا يكفيها شره !!!
الفقره الاخيره - قال احد الغاضبين " معنتش عارف انا غضبان ليه ، اهو غضبان وخلاص واللي حيقرب مني حاموته !!" ارتعشت رعبا من ملامح وجهه المخيفة ومن نبرات صوته الصادقه ومن " استبياعه !!"
الجمله الاخيره - سخر مني احد الاصدقاء وقال لي "ماتكلمتيش يعني عن الناموس في مقالتك دي !!" تجاهلت سخريته ووافقته " طب والله العظيم الناموس اللي بياكل الناس احد اسباب غضبها من الحكومه !" شوح لي بيده لايعجبه كلامي لكني اؤكد له وللحكومة ان استفحال انتشار الناموس في بلادنا احد اسباب الغضب الشعبي الجارف واذا كنتم لاتصدقوني اسآلوا الناس !!!
السطر الاخير - اتمني من الحكومه ان تنظر في عيون الناس وتري الغضب الجارف الذي يحتل نفوسهم علها تحاول ان تعالجه قبل فوات الاوان !!
االاربعاء ٢٠ يونيو ٢٠٠٧ لكلمه الاخيره - نفسي مره اشكر الحكومه او امدحها ... هل سآموت قبل هذا اليوم ؟؟؟!!!

ليست هناك تعليقات: