الأربعاء، 24 سبتمبر 2008

كفانا ابحاثا ......وكفانا ندوات

استيقظت علي صوت جرس منزلي يدق بقوة فتحت الباب نصف نائمه ، وجدتها امامي سيده ريفيه وفي يدها فتاه صغيره نحيله ، نظرت لي بعتاب " انت مش فاكراني .. انا ..... " وذكرتي بنفسها وقت كانت شابه تعاون جدتي في اعمالها المنزليه في بلدتنا الريفيه " انا زكيه " واشارت علي الفتاه " دي بت بنتي اللي يرحمها " شرحت لي " انا اصلي كنت واعداها نزور اولياء الله لما تقوم بالسلامه " سآلتها " مالها البنت ؟؟ " ضحكت بخبث وهمست " ولا حاجه سلامتك كبرت " لم افهم معني كلماتها " بقولك كبرت يعني خلاص طاهرناها عقبال بناتك " ارتعشت ونظرت لطفلتها الضحيه "واهي قدامك والحمد لله قامت بالسلامه" جلست مكاني غاضبه " الله يخرب بيتك انت ارتكبت جريمه !! " ضربت علي صدرها " يالهوي ، جريمه ايه كفاالله الشر ، ده انا طاهرتها زي كل البنات ، كنت عايزاني اسيبها كده لا تكبر ولا تبلغ ولا تنفع في ايتها حاجه " شرحت لي " جريمه ايه يااستاذه بس ، ده واجب علي اساعدها تكبر ، بكره تشوفي كلها كام اسبوع وتبلغ وعودها يشد ، البت اللي ما تتطاهرش تفضل طول عمرها مسلوله رفيعه ذي فتله الخيط الخايبه لا تنفع في جواز ولا خلفه ده غير الفضايح ... " لم افهم اقتربت من اذني اكثر " جري ايه يااستاذه الفضايح الفضايح اللي بالك فيها البت تجري في الشوارع تجرس اهلها وتجيب الفضيحه لحد باب بيتهم ، الطهاره ستره للبت واهلها " امسكت رآسي لا اعرف ماذا اقول لها سآلتي بعتاب " هو انت بعافيه شويه حاساكي كده مش تمام حتي فاتك تباركي للبت " حاولت اهديء نفسها واشرح لها " حرام عليكي يازكيه اللي عملتيه في البنت ده غلط دي جريمه ممكن تتعاقبي عليها ، دي جريمه احداث عاهه " قاطعتني غاضبه " جريمه ايه ونصيبه ايه ده سلو بلدنا من يوم مالدنيا اتخلقت واحنا ماشين عليه ، الولاد تتطاهر اول ما تتولد قبل السبوع والبنات تتطاهر لما عودها يشد وخراط البنات يناديها " قاطعتها " لا ده غير ده !! " لم اسمع بقيه حديثها .. لمستني في كتفي .. كآنها توقظني " رحت فين يااستاذه .. بقولك كل يوم جمعه بعد الصلاة ينزل الدكتور البلد يمشي في الشارع الكبير ووراه العيال الصغيرين عاملين زفه .. نكون مستنينه ، كل واحده منا فاتحه بابها وواقفه قدامه هي وحبايبها ، كلنا عمالين نزغرط ، يخش الدكتور بالدور ، يطاهر البت وياخد اللي فيه النصيب ،وقبل مايمشي نكون دبحنا الفرخه وسلقناها للبت ، تشرب مرقتها تعوض شويه الدم الي نزلوا منها وانتهي الموضوع " ابتسمت " البنات بتتخانق مين اللي تتطاهر الاول ، ماهي كل واحده منهم نفسها تكبر زي بقيه البنات " سآلتها " طب لو الحكومه منعتكم من طهاره البنات تسمعوا كلامها ؟؟!! " ابتسمت ساخره " وهي الحكومه مالها ومال الحاجات دي " ضحكت " ضحكتيني يااستاذه مال الحكومه ومال البنات وماتخلي الحكومه في حمولها الكبيره ربنا يعينيها عليها " ازداد ضحكها " وتمنعنا ازاي يعني ولامواخذه ؟؟!!" نظرت لي لا تصدقني " الحكومه تبقي عايزه البنات كده تفضل علي حالها لا تكبر ولا ولا تتجوز " قاطعتها " ختان البنات مالوش دعوه ب ..." قاطعتني " بتقولي ايه مش فاهمه " شرحت لها " قصدي يعني ان طهاره البنات مالهاش اي اثر علي بلوغهم كده كده حيبلغوا وكده كده حيخلفوا اللي اتطاهرت واللي مااتطاهرتش " هزت رآسها لا يعجبها كلامي " باماره ايه بقي ، اذا كان الدكتور ذات نفسه بيقول طهاره البنات مهمه وهو اللي بيعمل العمليه بنفسه طب وهي الطهاره تضر البت في ايه ؟؟" فكرت في اجابه سهله " ماتبقاش سعيده في جوازها " سخرت مني " مين قال الكلام الفاضي ده ، مااحنا كلنا اتجوزنا وخلفنا والقاشيه معدن !!"حاولت تبسيط الامر " قصدي يعني " ضحكت " انا فاهمه قصدك ايه ، والنبي ماتشيلي هم الموضوع ده لاانت ولا الحكومه " سآلتها " طب وبنتك رآيها ايه ؟؟" ارتبكت " عيله ولسه مش فاهمه مصلحتها عادي !!" نظرت لابنتها الصغيره التي كبرت " زي " بقيه البنات وجدتها منكسره العينين حزينه حاولت جذبها للحديث " وانت ايه رآيك ؟؟" لم ترد نهرتها جدته " ماتردي علي الاستاذه يابت ردت الميه في زورك " ثم شرحت لي " ماتستنيش منها عقاد نافع ، من يوم مااتطاهرت والعين صابتها ، ماانتي شايفاها فرعه وربعه وتملي العين ، ماسبوهاش في حالها ، نظرولها ، سهمت وقطعت الكلام ، كآننا قصينا لسانها ، قلت مابدهاش اوفي الندر اللي عليا واجيبها تزور في مصر عسي بركه الاولياء تحل والعين تنصرف " قامت من مكانها " اناماهانش عليا انزل مصر وماعديش علي" نادت الفتاه " تعالي سلمي علي الاستاذه " احتضني بقوه وقبلتني الف بوسه " اشوفك دايما علي خير " نـظرت للطفله واحسست الشفقه عليها والغضب مما اصابها والعجز عن الكذب عليها والمشاركه في خديعتها ، احتضنت وجهها وقبلتها وسآلتها " مش حتقولي رآيك قبل ماتمشي ؟؟" جذبتها زكيه من ذراعها افلتت الطفله من قبضه جدتها ونظرت لي كآنها تستغيث بي " انا قلت لهم مش عايزه اكبر ، قلت لهم صحباتي اتكوا بالنار وانا مرعوبه " اشارت لجدتها " ستي كلتني كانت حتموتني تزلت فيا تطليش كتفوني مرابعه وجه الدكتور دبحني وسابني مرميه مكاني اشر دم " انفجرت في البكاء " ستي كانت بتزغرط ... علي ايه والنبي ... " احتضنتها " انا ماكنتش عايزه اكبر لكن ماقدرتش عليهم ستي جابتي من شعري " قاطعتها زكيه " ماهو كله لمصلحتك اسيبك يعني ماحدش يرضا يتجوزك مااهو البت اللي ما تتطاهرش ماحدش يقرب لها يخافوا منها قويه وتجيب الفضايح انا لو ماكنتـش عملت كده كانت الناس كلت وشي " انتفضت غاضبه وهي تقبض علي ذراع حفيدتها تشرح لي " ماتخديش علي كلامها ، مش باقولك العين صابتها ، يالا يابت همي اتآخرنا " وسارت بخطوات بطيئه حزينه صوب الباب خلفها الطفله باكيه وهي تهمس " هو انا عملت ايه يعني غير اللي بيعمله الناس ؟؟؟!!!" ..
غادرت زكيه منزلي ومعها حفيدتها الباكية وتركتني الملم اوراقي واستعد للندوه التي ساتحدث فيها عن " ختان الفتيات " كنت قد اعددت ورقه بحثيه عن الموقف القانوني من تلك الظاهره وانتهيت الي ان ختان البنات شكلا من اشكال جنايه احداث العاهه باعتبار ان استئصال الجزء الذي يتم استئصاله من جسد الفتاه يتم بغير ضروره طبيه وبغير مبرر وليس في حقيقته الا تشويها لها ولجسدها كمثل قطع اذنها او خرق عينها او بتر اصبعها او كسر ذراعها وانه - هكذا كتبت في الورقه البحثيه - يلزم ايقاع عقوبه تلك الجريمه علي كل من يرتكب تلك الجريمه ومن يعاونه ويساعده ويحرضه بالمعني القانوني وكنت اعني الطبيب ومعاونيه واسره الفتاه التي سمحت له بارتكاب ذلك الفعل !!! لكن زكيه صدمتني وهزت افكاري وكشفت لي عن الصعوبات الحقيقيه الواقعيه التي تحول بين محاربه تلك الظاهره ومقاومتها ، كشفت لي زكيه ان افكارها وافكار ملايين النساء والرجال مثلها هي العقبه الصلبه التي تحبط كل مجهوداتنا لمقاومه جريمه تشويه الفتيات وتختينهن .... فاذا كانت الناس تومن - عن حق او باطل - ان الفتيات لن يبلغن الا اذا تم تختينهن !!! واذا كانت الناس تؤمن - عن حق او باطل - ان الفتيات غير المختنات سيجلبن لهن الفضايح وان " الطهاره ستره للبنت واسرتها " !!! واذا كانت الناس تؤمن صوابا او خطئا ان الفتاه غير المختنه ستبقي بلازواج يخاف منها الرجال لانها " قويه و تجيب الفضايح !!" واذا كانت الناس مازالت تؤمن بآن ختان البنات " سلو بلدنا من يوم مالدنيا اتخلقت واحنا ماشين عليه !! " واذا كانت الناس مازالت تؤمن بآن " مال الحكومه ومال البنات وماتخلي الحكومه في حمولها الكبيره ربنا يعينيها عليها " فماهي قيمه كل ما نؤمن به من افكار ومباديء ،ماقيمه كل ما نبذله من جهد اذا كنا عاجزين عن اقناع الناس بتلك الافكار !!! ماهي قيمه كل ما نؤمن به من افكار اذا كنا نتداولها بين انفسنا نحن المقتنعين بها اصلا !!! ماهي قيمه كل ما نؤمن به من حقائق علميه اكيده اذا كنا عاجزين عن توصيلها للاخرين واقناعها بهم !!! بقيت مكاني افكر ،لم اشعر بمرور الوقت ولم انتبه لضياع ميعاد الندوه التي كنت مدعوه للحديث فيها ولم اغضب لانني لم القي كلمتي ولم اعرض ورقتي البحثيه ف " زكية " نبهتني ان صوتنا لا يصل لاصحاب القضيه الحقيقين ولا يوثر في قناعاتهم ولا يمنع نصل الجراح من اغتيال براءة الفتيات ولا تشويه جسدهن !!! اذن لماذا نتكلم ؟؟؟؟!!!! " زكيه " نبهتني لضروره التعامل مع هذه القضيه بطريقه مختلفه ومازلت افكر في تلك الطريقه وافكر ولم اكتشفها بعد !! وحتي اعرف كيف يمكنني التآثير الفعال الحقيقي في عقول النساء اصحاب القضيه الحقيقيات وضحاياها ساكف تماما عن القاء اوراق بحثيه في ندوات او مؤتمرات لا يسمع صوتي فيها الا زميلاتي المثقفات اللاتي يعرفن تماما ان كلامي وكلامهن لا يغير في الواقع اي شيء !!!
الفقره الاخيره - لم ابكي علي "بدور" الفتاه الصغيره التي ماتت وقت تختينها فقد جفت دموعي منذ زمن بعيد وانتظر يوميا الف "بدور" تقف في طابور السلخانه ينتظرن دورهن في التشويه العمدي لاجسادهن واستئصال انوثتهن وحرمانهن من الاحاسيس الجميله التي منحها لهن الخالق العظيم !!!
الجمله الاخيره - كفانا ابحاثا وكفانا حديثا وكفانا ندوات !!! فالفتيات الصغيرات اللاتي يقفن علي مذبح الختان لا يسمعن صوتنا ولا يفهن حديثنا وكنا ومازلنا عاجزين عن انقاذهن من المصير المحتوم !!!
نشرت الاربعاء ٤ يوليو ٢٠٠٧

ليست هناك تعليقات: