السبت، 6 سبتمبر 2008

"القانون الشرير .... والضحايا الابرياء"

كنت عائده من "اوربا" للوطن بعد رحله عمل مرهقة جدا ، مررت علي " فرانفكورت " لتبديل الطائرة ووصلت المطار مبكرا عن ميعاد الطائرة بثلاث ساعات بعد ان تعملت من سفراتي السابقة ان اجراءات الامن في أي مطار تستغرق وقتا طويلا طويلا ويلزم الانتهاء منها في وقت مناسب قبل ميعاد الطائرة وان عدم وصولي للطائرة قبل اقلاعها بسبب تأخري في طابور الاجراءات الامنية ليس الا خطئي انا لا يتحمل غيري نتيجته ولو كانت مغادرة الطائرة بدوني !!! كنت مرهقة ارغب في النوم و لا اكف عن التثائب احلم بفنجان قهوة ، ختمت جواز سفر بختم الرحيل وبحثت عن " البوابة " التي ساركب الطائرة منها ، شاهدت طابورا طويلا من البشر الواقفين مكانهم يتحركون ببطء السلحفاة فادركت ان مصيري مثل هؤلاء اسري في طابور الاجراءات الامنية البطيء وانني ساقف صاغرة منصاعة مثل المئات غيري ابتسم ابتسامه مصطنعه في الوجوه الصخرية الزجاجية لرجال الامن الذي يؤدون عملهم بكفاءه وصرامة و"غلاسة " منقطعه النظير باعتبارهم حائط الصد الاخير للحفاظ علي امن الطائرة وحمايه ركابها من ايه اخطار ارهابية محتملة !!! وقفت في الطابور مثلي مثل الاخرين خاضعين لاجراءات تفتيش معقدة استعد كل منا قبل دوره و خلع " الجاكت " او البالطو ، خلعنا الاحذية " البوت او الكوتشي " اخرجنا من جيوبنا التليفونات المحمولة واخرجنا من حقائب ايدينا اجهزة الكومبيوتر النقالة وخلع بعضنا الاحزمة الجلدية التي يرتدوها وامسك بعضنا في ايديه باكياس بلاستيك شفافة وضع بداخلها ادوية ، برفانات ، مزيل عرق ليراها القائمين علي التفتيش ، كان الطابور يتحرك ببطء فكل مسافر يحتاج دقيقتين او ثلاث حتي يضع اشياءه في ماكينه التصوير التي تكشف ما بداخل الحقائب ثم يعبر الحاجز الالكتروني فاذا ماصادفه الحظ التعيس و" زمر " اخرجوه ثانية وطالبوه بالبحث في جيوبه او ملابسه عن المعادن التي كشف عنها الجهاز والا لن يعبر !! فيعيد المسافر الكرة مرة وثانيه ورابعه تحاصره نظرات زجاجية باردة من القائمين علي التفتيش باعتباره ارهابيا محتملا يلزم معاملته بصرامة وعنف ان لزم الامر وقد يقتضي الامر تفتيشه ذاتيا حتي يتأكد رجال الامن ان المعادن التي يحملها في جسده والتي تستنفر اجهزتهم لا تعدو ان تكون " زرار فضي " في البنطلون او "كبسونه " مدفونه في ملابسه الداخلية ، وقتها يعبر ذلك البائس من البوابه ويتنفس بقيه افراد الطابور الصعداء ويستعد كل منهم لخوض ذات الاجراءات !! كنت اقف في الطابور مرهقة غائبة الذهن اتحرك للامام خطوات صغيرة احلم بالنوم واشتهي فنجان القهوة وافكر باللغة العربية فلم اعي ما قالته لي السيدة امام الجهاز فكررت كلماتها بحدة وكراهية تطالبني بخلع حقيبة كتفي ووضعها علي الجهاز ، انتبهت لحديثها وابتسمت اتقي شر "غلاستها " ورميت حقيبتي في بطن الجهاز وعبرت فبقي الحاجز الالكتروني صامتا فاشاروا لي ب"لملة" اشيائي المبعثرة والبعد عن الجهاز بعد ان زالت عني والحمد لله الشبهات اللعينة !!! جلست انتظر الطائرة اتفرج علي بقية الركاب رجال ، نساء ، اطفال تلهو ،شباب محبة ، بنات في عمر الزهور ، كهول طيبة ، بشر من جميع الجنسيات يجمعهم مصير واحد في تلك اللحظة هو ركوب ذات الطائرة ، حدقت في وجوههم احسهم مثلي مرهقين من طول الاجراءات الامنية ،غاضبين – في صمت - من دفع الثمن الباهظ بالمساس باجسادهم وتفتيش مقتنياتهم بسبب افعال اخرين تصورا ان تفجير الطائرات المدنية وتحويل ركابها لوقود بشري من شأنه الدفاع عن قضاياهم التي يتصورها عادلة!!! نظرت لرفاقي في الرحلة وسألت نفسي هل سنصل جميعنا بالسلامة ام ان الاجراءات الامنية – رغم دقتها - لم تنجح في الكشف عن ما سيفجر الطائرة باجسادنا في كبد السماء !!! وهو سؤال استعيذ منه واهرب من اجابته المخيفة ب " فالله خير حافظ واهو ارحم الراحمين " والاستسلام للقدر والمصير الذي لافكاك منهما !!! جلست مكاني شبه مخدره افكر في مخاوفي وفي بناتي التي قد لااصل اليهن بسبب الارهاب والارهابين وقصور الاجراءات الامنية ، فتذكرت وقتها ماكتبه الاستاذ عبد الله كمال في عموده اليومي يعلن عن قراره بعدم السفر لالمانيا اذا صدر القانون الذي يمنح سلاح الجو الالماني – بموافقه السلطات العليا المعنية بالامن القومي - سلطة اسقاط أي طائرة مدنيه تطير فوق الاراضي الالمانية تشير مجرد الشبهات او الدلائل لوجود ارهابيين علي متن تلك الطائرة او وجود نية لاستخدام تلك الطائرة في عمل ارهابي !! وقد اعرب الاستاذ عبد الله كمال عن رفضه لمثل هذا القانون الذي لايعطي لحياة مئات المدنيين راكبي الطائرة المشتبه فيها أي قيمة او اهمية ويجعل التضحيه بهم وبحياتهم امرا مقبولا من قبل السلطات الالمانية منعا لخطر محتمل لم يقع بعد وربما لن يقع ابدا !!! وقد اوضح الاستاذ عبد الله كمال رفضه للمنطق الذي يعتنقه القانون والذي يجعل أي مواطن – أي ماكانت جنسيته او ديانته او عقائده او افكاره – عرضه للموت العمدي من قبل السلطات الالمانية التي تزعم انها – بعملية القتل الجماعي المقصودة العمدية – تحمي اخرين ابرياء من اخطار التعرض لعمليات ارهابية محتمله او متوقعة !!! والحق انني انزعجت جدا – وقت قرأت ذلك المقال - من المعلومات التي اوردها الاستاذ عبد الله كمال في عموده عن مشروع ذلك القانون وانزعجت اكثر من مشاعر الفزع والخوف المسيطرة علي السلطات الالمانية والتي دفعتهم لاخراج مشروع ذلك القانون – المعادي للانسانية - للمناقشة تمهيدا لاصداره !!! انزعجت جدا من مشروع ذلك القانون حين تصورت ان بقيه دول اوربا – ومن بعدهم او قبلهم امريكا - سيحذون حذو المانيا ويصدرون جميعهم قانونا "اوربيا او امريكيا" يمنح للرؤساء والملوك والجنرالات والسلطات العليا الاوربية والامريكية سلطة اسقاط طائرات المدنيين الابرياء دفاعا عن المدنيين الابرياء !!! نظرت حولي لرفاق الرحلة وتصورتهم ضحايا عملية قانونية وقرار شرعي بقتلهم بسبب شبهات ارهابية حامت حول طائرتهم ، وشعرت بالفزع بعد نجاح العمليات الارهابية التي بدأت في 11 سبتمبر ولم تنتهي بعد في دفع العالم الي حافة الهاوية فاذ بدوله التي تدعي التحضر والتمدن والثقافة والدفاع عن حقوق الانسان تدافع عن مواطنيها بقتل بعض مواطنيها ومواطنين الدول الاخري عمدا اذا لزم الامر او دعت الضرورة بيدها هي لابيد الارهاب !!! بقيت مكاني في المطار خدره اتصور انني وبقيه الركاب الجالسين حولي لن نصل سالمين ليس بسبب تفجير الطائرة علي يد الارهاب والارهابين ، بل بسبب قاذفات وصواريخ الامن الالماني الذي سيتقي بموتنا واسقاط طائرتنا ضررا كبيرا لبقية الابرياء !! انتابني فزع واحسست رغبه في الفرار من المصير المجهول المخيف وتمنيت – وانا لست المانية – اخفاق مشروع ذلك القانون لان صدوره ليس شأنا المانيا بل هو شأن جميع المواطنين في العالم ، هؤلاء الذين قد يصادف أي منهم الحظ التعس الاسود فيجلس – هو او احد احباءه - علي مقعد الطائرة التي ستضربها النيران الصديقة !!! تمنيت اخفاق مشروع ذلك القانون لان صدوره – في المانيا - دون مقاومة ورفض وغضب عالمي انما رساله لبقية الدول الاوربية والامريكية ثم الدول الافريقية والاسيوية ان تسير علي ذات الدرب اللعين وتستهين – من اجل محاربة الارهاب وحماية المواطنين من شره - بحياة المواطنين الابرياء وكأنها تعلن للارهاب واصحابه "سنكون اكثر قسوة منكم وستكون دماءنا ابرد من دمائكم وقلوبنا احجر واقسي من قلوبكم وسنتقتل نحن بايدينا وباسلحتنا – الاحباء والابرياء – بدلا منكم !!!" وهو اعلان لن يدفع ثمنه الباهظ الا الضحايا الابرياء الذي سيخافون وقتها من الارهاب بجميع انواعه سواء كان ارهاب فردي او ارهاب جماعة او ارهاب دولة ديمقراطية متحضرة !!! وهاانا بدوري اشارك رئيس التحرير مشاعره و اقرر انني لن اسافر لاي دوله تصدر قانونا – مهما كانت مبرراته او دوافعه - يمنح سلطاتها العليا الحق في اسقاط الطائرة التي قد اكون من ضمن ركابها !!! انتبهت في مكاني علي نداء اخير يناشد ركاب الطائرة المتجهه للقاهرة بالتوجه ل" الجيت " تلفتت حولي ، كان معظم الركاب قد حملوا حقائبهم وبدأوا في الخروج ، حملت حقيبة كتفي وتبعتهم وانا احمد الله ان القانون الالماني بضرب الطائرات المدنية لم يصدر بعد وانني وبقيه الركاب مازلنا في امان نسبي نحمد الله عليه ونتمني دوامه علينا وعلي جميع ركاب الطائرات المدنية الضحايا المحتملين للارهاب بجميع انواعه !!! جلست في مقعدي في الطائرة استعد للعودة لاحبائي وانا اردد هامسة " فالله خير حافظ وهو ارحم الراحمين " اتمني السلامة لي ولكل الركاب و.... سرعان ماافقت علي صوت رخيم يدعونا للاستعداد للهبوط في مطار القاهرة بسلامه الله فغادرت الطائرة وانا اكرر لنفسي " انا باكره السفر ومش حاسافر تاني " ..... الفقرة الاخيرة – ادعوك ياربي ان تخيم برحمتك الواسعة علي ركاب الطائرات المدنية وتحميهم من كل الشرور التي لا ناقة لهم فيها ولا جمل !! الجملة الاخيرة – "وظيفة القانون حمايه البشر وتحقيق مصالحهم" درس تعلمناه في سنه اولي حقوق!! كيف غاب عن ذهن السلطات الالمانية وقت طرحت وناقشت مشروع ذلك القانون الشرير !!!

ليست هناك تعليقات: