منذ مايزيد عن خمسه وخمسين عام شَخَص "راي برادبوري" وهو من اهم واشهر الكتاب الامريكين ببصره محاولا تخيل شكل المستقبل البعيد والتغيرات التي ستلحق بالبشرية في اطار الانفجار المعرفي والصناعي الذي كانت تتشكل وقتها بداياته الجنينية فاذا به يري المستقبل قاتما كئيبا ويري بشره مقهورين مكبلين بقيود رهيبة ثقيلة ، يراهم بؤساء ضائعين ، رأي الحيرة في اعينهم واحس القلق في نفوسهم وشم رائحة الخوف تنبعث من مسام جلدهم ولمس الحبال الشفافة غير المرئية التي قيدتهم وافقدتهم حريتهم وكرامتهم وهم مبتسمون كالبلهاء سعداء كالمخدرين ، لقد استقرأ ذلك الكاتب وقتها مالم ينتبه له البشر الاخرين الذي افقدتهم نشوة التطور العلمي السريع وعيهم فرحا بالالعاب التي اخترعتها المؤسسات العسكرية الغربية لغرض الحروب ثم طرحتها في الاسواق للتداول التجاري فتصور هؤلاء البشر ان تلك التكنولوجيا المستحدثة ستخفف من اعبائهم المعيشية وتجعل حياتهم اروع واريح عدا ذلك الكاتب الذي ارتاب في ذلك التطور التكنولوجي الرهيب وتشكك في صانعيه وكفر باهدافهم التي لم يعلنوها ولم يصدق دعاياتهم التجارية لحمل البشرية علي الوقوع في اسر العابهم المخيفة فاذا به يخرج علي مجتمعه الامريكي وعلي العالم بروايته العظيمة " 451 فهرنهيت " يدق باحداثها وخيالها العلمي ورسالتها الواضحة ناقوس الخطر ينبه البشرية لمآلهم المفزع الذي سيقودهم اليه التطور العلمي التكنولوجي الرهيب وينبه بقوة ووضوح لخطورة واثر ذلك التطور علي عقولهم وعلي حرياتهم واذ تنشر الرواية حتي تحدث ضجة عالمية كبري بعد ان لطمت الرواية البشر اجمعين علي وجوههم وصرخت فيهم "افيقوا وانتبهوا" فاذ بالمخرج الفرنسي المتمرد "جاك رينوار" عام 1966 - وكان من اشهر رواد السينما الفرنسية الجديدة وقتها – يتلقي تلك الرواية ويصنع منها فيلمه الجميل " 451 فهرنهايت " محولا الكلمات الموجعة لرواية " راي برادبوري " لمشاهد حية من " لحم ودم " كأنه يضع مرآة لامعه مصقولة امام اعين البشر يناشدهم "حدقوا في الصورة التي ترونها امامكم ، هي صورتكم انتم ابطال هذا الفيلم وابطال الرواية وابطال المستقبل الذي اصفه !!! " جسد " جاك رينوار " وبمنتهي الصدق والبراعة والواقعية الموجعة احداث تلك الرواية التي تتحدث عن مجتمع ما في مكان في زمن المستقبل مجتمع تحكمه سلطة قاهرة اخضعت مواطنيها لاهوائها وسيطرت عليهم وعلي عقولهم وتحكمت فيهم وفي مصائرهم وهم احرارا مطلقي السراح فلم تكبلهم بقيودها الحديدية ولم تعتقلهم في زنازينها الضيقة ولم تضربهم بهروات فرق مكافحة الشغب بل تحكمت فيهم وقولبتهم في الاطر التي اختارتها لهم بالتحكم في عقولهم وتحديد نوع معارفهم واختيار الافكار والمفاهيم التي يضطلعون عليها ويتفاعلون معها !! وصف الفيلم مجتمع المستقبل اناسه بشرا احرارا بلا عقول حرة فاذ بهم يتحولون لقطيع من الحيوانات يعيشون ويأكلون ويشربون ويتكاثرون ويموتون يشبهون البشر لكن عيونهم الزجاجية تفضحهم فهم اشباه بشر بغير عقول ، عيونهم الزجاجية تظهر من خلفها انسجة هلامية بلا وعي ولاهدف لا رجاء منها ولا امل فيها ولا في اصحابها !!!
وقد افتتح " جاك رينوار " فيلمه بمشهد صامت بليغ لبيوت المدينه التي سيتحدث عنها والتي سيصف لنا في احداث فيلمه اهلها ومواطنيها الذين افقدتهم السلطه الغاشمة – في الفيلم - انسانيتهم فاذ بها مدينه يعتلي اسقف منازلها الوف او ملايين من اطباق الاستقبال الفضائي فكأنها مدينه تحت الاحتلال !! ثم يدور "جاك رينوار " في لقطته الثانية بالكاميرا فنري نحن المشاهدين مدينه ساكنه هادئة نظيفة كأن قاطنيها نائمين او موتي لانري منهم من يسير في الشارع ولا نري منهم من يحدث ضجة كأنها مدينه الاشباح وسرعان ما يبدد " جاك رينوار " الهدوء الظاهري ويدوي جرس الحريق بصريره العالي يقودنا وبسرعه وبطريقة الصدمة للمفاجأة الكبري فنكتشف عبر لقطات لاهثة ان رجال الاطفاء في تلك المدينة التابعين للسلطة والمنفذين لاوامرها لايطفئون الحرائق التي تهدد البشر بالدمار بل يشعلون النيران لتدمير وحرق الكتب التي تهدد السلطة الحاكمة بالتمرد !!! فنراهم في اللقطة الثانية والثالثة للفيلم يهرولون اثر انطلاق جرس التحذير العالي يحملون معداتهم تلمع خوذاتهم الحمراء ويسرعون للمكان الذي استدعاهم ونراهم في لقطات سريعة يفتشون المكان تفتيشا مدمرا ثم نري الفرحة علي وجوهم وقت يعثرون علي غنيمتهم المؤثمة كتبا ووثائق ونري الاسي والالم علي وجوه اصحاب المنزل الذي يشعل فيه رجال الاطفاء نيراهم العالية الساخنه بدرجة 451 فهرنهيت فتحترق الكتب والمنزل والافكار التي تهدد السلطه القاهرة بالوعي والمعرفة!!!! في نفس الوقت يستعرض المخرج وبلقطات بطيئة موحية بالملل والرتابة اناس من اهل المدينه وهم مستلقون علي مقاعدهم الوثيرة بلهاء يستقبلون البث التلفزيوني التي تخاطبهم به السلطة القاهرة ويظهرهم المخرج اسري في مقاعدهم اسري للبرامج التي شكلت عقولهم فارغة تافهه يظهرهم المخرج وكأنهم اناس ميكانيكية فاقدين للحس والشعور يستقبلون ما ترسله اليه السلطة في صورة كلام غث وافكار تافهة وحوارات لامعني لها ولا مضمون فيها وفي نهايه الليلة نراهم يغلقون التلفاز وينامون مخدرين هادئين بليدي الحس كأن التلفاز وساعاته الطويلة قد سلبتهم كل امكانياتهم العقلية وتركت لهم فقط الطاعة احساسا واحدا لايعرفون سواه!!! وهكذا افصح الفيلم ومن قبله الرواية عن رسالتهم التحذيرية للبشرية من مستقبل يعيش تطور تكنولوجي رهيب طاغي يصل لكل بيت ولكل شخص تستخدمه سلطه قاهرة غاشمة تري ان سلاحها العظيم في السيطرة علي مواطنيها هو سلب عقولهم عن طريق احتلالها بالفكر التافه الغث عن طريق البث التلفزيوني المستمر المتواصل الذي يسرق وقت المشاهدين ثم يسرق عقولهم وارادتهم فاذ بهم اسري لتلك الاجهزة التي لاتتركهم في حالهم بل تتسلل لمنازلهم رخيصه متاحة تعدهم بالمتعة فاذا بهم توقعهم في العذاب !!! ويوضح الفيلم ومن قبله الرواية ان العدو الرئيسي لمثل تلك السلطة الغاشمة القاهرة هو التراث الانساني الفكري العظيم الذي تركه الكتاب والمفكرين علي مر عصور التاريخ مدونا في كتب ثمينه تدعو للتفكير ولاعمال العقل وتشعل خيال قارئيها وتمني نفوسهم بحياة افضل اكثر انطلاقا واعظم قيمة ويوضح الفيلم ايضا عبر لقطات الفيلم وسياق احداثه ان السلطة الغاشمة في سبيل السيطرة علي مواطنيها وابقائهم اسري في زنازينها غير المرئية لا تملك الا مطاردة الكتب وحائزيها واشعال النيران فيها املا في طمس التراث البشري والافكار العظيمة ويكرر لنا المخرج اكثر من مرة عبر احداث الفيلم لقطة قريبة " كلوز " علي وجوه الاطفائيين فنري عليها علامات الرضا وابتسامات السعادة بعد اشعالهم للنيران وحرقهم للكتب وهم يغادرون مكان الحريق بعد مشاركتهم في المهمة العظيمة الموكلة اليهم في حفظ الامن والاستقرار للدولة والوطن والشعب !!! وهكذا اتضحت رسالة الرواية والفيلم تحذيرا للبشرية من مستقبلها المظلم حين تأتي سلطه ما في مكان ما في وقت ما وتري ان افكار البشر وارائهم وتراثهم الفكري العظيم ليس الا خطرا هداما يتعين الخلاص منه تحقيقا للطمأنينة للسلطة والامن والامان لتابعيها والسيطرة الكاملة علي مواطنيها فتسعي تلك السلطة للسيطرة علي البشر وتضييق الخناق عليهم بحصارهم بساعات البث التلفزيوني تذيع عليهم الغث والتافه وتحولهم عبر البقاء ساعات طويلة محدقين في الشاشات من بشر مبدعين لانعام غبية لاخطر منها ولاامل فيها ولاتكتفي السلطة بحصار بشرها بالتافه والغث من الافكار التلفزيونية بل وتسعي بكل قوتها لحرمانهم من اية امكانية قد تنمي ارادتهم وتصقل عقولهم وتدفعهم للتمرد علي السكون والاستسلام والموت المبكر بحرق الكتب باعتبارها الخطر الاكبر الذي يغذي العقول والنفوس ويحتفظ للبشر بادميتهم الجميلة !!!
لماذا كل هذا الحديث عن " 451 فهرنهيت " ربما لان ابنتي الصغيرة " شاورت " علي البيوت الفقيرة تحت كوبري 6 اكتوبر وسألتني " ايه الحاجات دي ياماما " فاذ بي اراي الوف بل ملايين من اطباق الاستقبال الفضائي التلفزيوني تحتل اسقف منازل مدينتنا فدبت القشعريرة في جسدي فزعا وتذكرت الفيلم والرواية واحسست وهج النيران الحارقة التي احرقت الكتب فيه تلفح وجهي ولم ارد عليها وجلست اكتب مقالتي هذه اسأل نفسي واسألكم هل تحولت مدينتنا لمدينة الفيلم التي وصفها المبدعين منذ خمسين عاما تحتلها الاطباق الفضائية ويتحكم في بشرها عن طريق ساعات البث التي لاتتوقف تنشر بين الناس مالافائده منه ولاقيمة فيه ؟؟ هل تحولت مدينتنا لمدينة الفيلم التي وقع مواطنيها في اسر الجهل المتعمد والفكر التافه والحوارات السخيفة فاذ بهم يتحولون لاشباه بشر متعطلة عقولهم متبلده نفوسهم محبطة احلامهم ضائعين خائفين ؟؟؟ هل تحولنا لاناس الفيلم الذين يجلسون كالبلهاء محدقين في شاشات التلفزيون نستقبل ما يرسلوه لنا ما بين خلاعه فظة وتافه غثه وافلام ليست بافلام خاليه من جمال الصورة وجمال الفكر والابداع الحقيقي للفنانين ، هل تحولنا لاناس الفيلم الذي يهدرون ايام عمرهم امام اجهزة التلفزيون يستقبلون ما يرسل اليهم ويصدقوه ثم يروجوا له مسحورين فاقدي الادراك والوعي ؟؟؟ هل فقدنا حقا عقولنا وفكرنا وتقولبنا في الاطار الذي حددوه لنا ومازالوا يعتقلونا بداخله !!! فاتي ان اقول لكم ، ان المؤلف العظيم "راي برادبوري" والمخرج العظيم "جاك رينوار" لم يتركونا نحن مشاهدين فيلمهم الجميل اسري الكأبة بلا طريق للخلاص ، فبعد ان شرحوا فكرتهم واشعلوا نيرانهم ودقوا ناقوس الخطر وصرخوا باعلي صوتهم " انتبهوا وافيقوا " قادونا كالاطفال لطريق الخلاص فاذا بنا نري اناس من تلك المدينه الميته يخرجون علي قوانينها الباغية ولايستسلمون لحرق الكتب ولايقبلون حرمان البشرية من افكارها العظيمة فيتحول كل منهم لكتاب حي ، يحفظ عباراته وكلماته عن ظهر قلب فاذا ما هرم واقتربت ساعته نقل كتابه لشاب اصغر مازال العمر متسعا امامه وانهي " جاك رينوار " فيلمه بطريق مفتوح واسع يسير فيه حفظة الكتب للمستقبل لاينفكون يرددون عبارات الكتب التي حاولت السلطه الغاشمه وأدها فاذ بها تتحول لعبارات حية تسير علي قدمين تنشر المعرفة بذاتها وبلسانها وكأن "رينوار " يقول لنا " لاتيأسوا وقاموا " وهاانا اسمعه واوافقه واناشدكم " لاتيأسوا وقاوموا " ....
الفقرة الاخيرة – كتب رؤوف توفيق منذ خمسه وعشرين عاما كتاب جميل " السينما عندما تقول لا " انصحكم بالبحث عنه وقرائته فهو كتاب جميل يقوي الانسانية داخل كل منا ويفجر طاقات التمرد والمقاومة التي نحتاجها اليوم اشد احتياج ...
السطر الاخير – اختير فيلم 451 فهرنهيت من افضل عشرة افلام في تاريخ السينما العالمية وهو اختيار له مليون دلالة !!!
الاربعاء 14 يونيو 2006
وقد افتتح " جاك رينوار " فيلمه بمشهد صامت بليغ لبيوت المدينه التي سيتحدث عنها والتي سيصف لنا في احداث فيلمه اهلها ومواطنيها الذين افقدتهم السلطه الغاشمة – في الفيلم - انسانيتهم فاذ بها مدينه يعتلي اسقف منازلها الوف او ملايين من اطباق الاستقبال الفضائي فكأنها مدينه تحت الاحتلال !! ثم يدور "جاك رينوار " في لقطته الثانية بالكاميرا فنري نحن المشاهدين مدينه ساكنه هادئة نظيفة كأن قاطنيها نائمين او موتي لانري منهم من يسير في الشارع ولا نري منهم من يحدث ضجة كأنها مدينه الاشباح وسرعان ما يبدد " جاك رينوار " الهدوء الظاهري ويدوي جرس الحريق بصريره العالي يقودنا وبسرعه وبطريقة الصدمة للمفاجأة الكبري فنكتشف عبر لقطات لاهثة ان رجال الاطفاء في تلك المدينة التابعين للسلطة والمنفذين لاوامرها لايطفئون الحرائق التي تهدد البشر بالدمار بل يشعلون النيران لتدمير وحرق الكتب التي تهدد السلطة الحاكمة بالتمرد !!! فنراهم في اللقطة الثانية والثالثة للفيلم يهرولون اثر انطلاق جرس التحذير العالي يحملون معداتهم تلمع خوذاتهم الحمراء ويسرعون للمكان الذي استدعاهم ونراهم في لقطات سريعة يفتشون المكان تفتيشا مدمرا ثم نري الفرحة علي وجوهم وقت يعثرون علي غنيمتهم المؤثمة كتبا ووثائق ونري الاسي والالم علي وجوه اصحاب المنزل الذي يشعل فيه رجال الاطفاء نيراهم العالية الساخنه بدرجة 451 فهرنهيت فتحترق الكتب والمنزل والافكار التي تهدد السلطه القاهرة بالوعي والمعرفة!!!! في نفس الوقت يستعرض المخرج وبلقطات بطيئة موحية بالملل والرتابة اناس من اهل المدينه وهم مستلقون علي مقاعدهم الوثيرة بلهاء يستقبلون البث التلفزيوني التي تخاطبهم به السلطة القاهرة ويظهرهم المخرج اسري في مقاعدهم اسري للبرامج التي شكلت عقولهم فارغة تافهه يظهرهم المخرج وكأنهم اناس ميكانيكية فاقدين للحس والشعور يستقبلون ما ترسله اليه السلطة في صورة كلام غث وافكار تافهة وحوارات لامعني لها ولا مضمون فيها وفي نهايه الليلة نراهم يغلقون التلفاز وينامون مخدرين هادئين بليدي الحس كأن التلفاز وساعاته الطويلة قد سلبتهم كل امكانياتهم العقلية وتركت لهم فقط الطاعة احساسا واحدا لايعرفون سواه!!! وهكذا افصح الفيلم ومن قبله الرواية عن رسالتهم التحذيرية للبشرية من مستقبل يعيش تطور تكنولوجي رهيب طاغي يصل لكل بيت ولكل شخص تستخدمه سلطه قاهرة غاشمة تري ان سلاحها العظيم في السيطرة علي مواطنيها هو سلب عقولهم عن طريق احتلالها بالفكر التافه الغث عن طريق البث التلفزيوني المستمر المتواصل الذي يسرق وقت المشاهدين ثم يسرق عقولهم وارادتهم فاذ بهم اسري لتلك الاجهزة التي لاتتركهم في حالهم بل تتسلل لمنازلهم رخيصه متاحة تعدهم بالمتعة فاذا بهم توقعهم في العذاب !!! ويوضح الفيلم ومن قبله الرواية ان العدو الرئيسي لمثل تلك السلطة الغاشمة القاهرة هو التراث الانساني الفكري العظيم الذي تركه الكتاب والمفكرين علي مر عصور التاريخ مدونا في كتب ثمينه تدعو للتفكير ولاعمال العقل وتشعل خيال قارئيها وتمني نفوسهم بحياة افضل اكثر انطلاقا واعظم قيمة ويوضح الفيلم ايضا عبر لقطات الفيلم وسياق احداثه ان السلطة الغاشمة في سبيل السيطرة علي مواطنيها وابقائهم اسري في زنازينها غير المرئية لا تملك الا مطاردة الكتب وحائزيها واشعال النيران فيها املا في طمس التراث البشري والافكار العظيمة ويكرر لنا المخرج اكثر من مرة عبر احداث الفيلم لقطة قريبة " كلوز " علي وجوه الاطفائيين فنري عليها علامات الرضا وابتسامات السعادة بعد اشعالهم للنيران وحرقهم للكتب وهم يغادرون مكان الحريق بعد مشاركتهم في المهمة العظيمة الموكلة اليهم في حفظ الامن والاستقرار للدولة والوطن والشعب !!! وهكذا اتضحت رسالة الرواية والفيلم تحذيرا للبشرية من مستقبلها المظلم حين تأتي سلطه ما في مكان ما في وقت ما وتري ان افكار البشر وارائهم وتراثهم الفكري العظيم ليس الا خطرا هداما يتعين الخلاص منه تحقيقا للطمأنينة للسلطة والامن والامان لتابعيها والسيطرة الكاملة علي مواطنيها فتسعي تلك السلطة للسيطرة علي البشر وتضييق الخناق عليهم بحصارهم بساعات البث التلفزيوني تذيع عليهم الغث والتافه وتحولهم عبر البقاء ساعات طويلة محدقين في الشاشات من بشر مبدعين لانعام غبية لاخطر منها ولاامل فيها ولاتكتفي السلطة بحصار بشرها بالتافه والغث من الافكار التلفزيونية بل وتسعي بكل قوتها لحرمانهم من اية امكانية قد تنمي ارادتهم وتصقل عقولهم وتدفعهم للتمرد علي السكون والاستسلام والموت المبكر بحرق الكتب باعتبارها الخطر الاكبر الذي يغذي العقول والنفوس ويحتفظ للبشر بادميتهم الجميلة !!!
لماذا كل هذا الحديث عن " 451 فهرنهيت " ربما لان ابنتي الصغيرة " شاورت " علي البيوت الفقيرة تحت كوبري 6 اكتوبر وسألتني " ايه الحاجات دي ياماما " فاذ بي اراي الوف بل ملايين من اطباق الاستقبال الفضائي التلفزيوني تحتل اسقف منازل مدينتنا فدبت القشعريرة في جسدي فزعا وتذكرت الفيلم والرواية واحسست وهج النيران الحارقة التي احرقت الكتب فيه تلفح وجهي ولم ارد عليها وجلست اكتب مقالتي هذه اسأل نفسي واسألكم هل تحولت مدينتنا لمدينة الفيلم التي وصفها المبدعين منذ خمسين عاما تحتلها الاطباق الفضائية ويتحكم في بشرها عن طريق ساعات البث التي لاتتوقف تنشر بين الناس مالافائده منه ولاقيمة فيه ؟؟ هل تحولت مدينتنا لمدينة الفيلم التي وقع مواطنيها في اسر الجهل المتعمد والفكر التافه والحوارات السخيفة فاذ بهم يتحولون لاشباه بشر متعطلة عقولهم متبلده نفوسهم محبطة احلامهم ضائعين خائفين ؟؟؟ هل تحولنا لاناس الفيلم الذين يجلسون كالبلهاء محدقين في شاشات التلفزيون نستقبل ما يرسلوه لنا ما بين خلاعه فظة وتافه غثه وافلام ليست بافلام خاليه من جمال الصورة وجمال الفكر والابداع الحقيقي للفنانين ، هل تحولنا لاناس الفيلم الذي يهدرون ايام عمرهم امام اجهزة التلفزيون يستقبلون ما يرسل اليهم ويصدقوه ثم يروجوا له مسحورين فاقدي الادراك والوعي ؟؟؟ هل فقدنا حقا عقولنا وفكرنا وتقولبنا في الاطار الذي حددوه لنا ومازالوا يعتقلونا بداخله !!! فاتي ان اقول لكم ، ان المؤلف العظيم "راي برادبوري" والمخرج العظيم "جاك رينوار" لم يتركونا نحن مشاهدين فيلمهم الجميل اسري الكأبة بلا طريق للخلاص ، فبعد ان شرحوا فكرتهم واشعلوا نيرانهم ودقوا ناقوس الخطر وصرخوا باعلي صوتهم " انتبهوا وافيقوا " قادونا كالاطفال لطريق الخلاص فاذا بنا نري اناس من تلك المدينه الميته يخرجون علي قوانينها الباغية ولايستسلمون لحرق الكتب ولايقبلون حرمان البشرية من افكارها العظيمة فيتحول كل منهم لكتاب حي ، يحفظ عباراته وكلماته عن ظهر قلب فاذا ما هرم واقتربت ساعته نقل كتابه لشاب اصغر مازال العمر متسعا امامه وانهي " جاك رينوار " فيلمه بطريق مفتوح واسع يسير فيه حفظة الكتب للمستقبل لاينفكون يرددون عبارات الكتب التي حاولت السلطه الغاشمه وأدها فاذ بها تتحول لعبارات حية تسير علي قدمين تنشر المعرفة بذاتها وبلسانها وكأن "رينوار " يقول لنا " لاتيأسوا وقاموا " وهاانا اسمعه واوافقه واناشدكم " لاتيأسوا وقاوموا " ....
الفقرة الاخيرة – كتب رؤوف توفيق منذ خمسه وعشرين عاما كتاب جميل " السينما عندما تقول لا " انصحكم بالبحث عنه وقرائته فهو كتاب جميل يقوي الانسانية داخل كل منا ويفجر طاقات التمرد والمقاومة التي نحتاجها اليوم اشد احتياج ...
السطر الاخير – اختير فيلم 451 فهرنهيت من افضل عشرة افلام في تاريخ السينما العالمية وهو اختيار له مليون دلالة !!!
الاربعاء 14 يونيو 2006
هناك تعليق واحد:
نشرت هذه المقاله في الفيس بوك فجائتني هذه التعليقات
Negad El Borai wrote
at 6:28pm on March 6th, 2008
والله العظيم يا اميره انتي قاصة عظيمة ، وليكي اسلوب مميز ، ومثقفة جدا ، نصل المعلومات دي انا ما كنتش اعرفها ، ربنا يجازيكي عنا خير.
Rasha Ali wrote
at 6:00pm on March 9th, 2008
رواية ( 451 فهرنهايت ) إحدى الروايات التي أحبها ، عندما أمسك بها لا أتركها حتى اقرأها ثلاث أو أربع مرات إنها تتكلم عن اليوم الذي سيصبح فيه العلم جريمة ، وبمجرد أن يمتلك الإنسان كتاباً فهذا يعني أن الكتاب والمنزل سيُحرقان .
حشيت عقول الناس بالثقافات الفارغة مثل الأطعمة السريعة التي لا فائدة منها ولكنها تشعرك بأنك قد أكلت !
Rasha Ali wrote
at 6:01pm on March 9th, 2008
تتحول فيها وظيفة رجل المطافيء من إخماد النيران إلى إشعالها ، ترد البلاغات في كل وقت عن شكوك الجار في جاره أنه يخبىء كتاباً ، أن يمتلك الإنسان كتاباً من أعظم الجرائم ، عندما تصفح بطل القصة كتاباً – وهو رجل إطفاء قد تسلل الشك إلى نفسه من عمله – شعر بعدها بالخجل وأن جميع من ينظر إليه يعرف سره ، وأن يده ملوثة فظل يغسلها ويغسلها !
Rasha Ali wrote
at 6:01pm on March 9th, 2008
وأكثر ما أحبه في الرواية هي النهاية ، عندما يجتمع الرجال حول النار بعيداً عن المدينة ، وكل واحد منهم عبارة عن كتاب يسير على قدميه ، حتى إذا ما انتهى هذا الحصار فسيعودون ليملون ما حفظوه ، إنهم أوعية حية .
شكرا يا اميرة انك فكرتني بيها
وشكرا ليكي انا فتحتي عيونا علي واقع اسود
إرسال تعليق