الجمعة، 5 سبتمبر 2008

" اللعبة الموجعة .... "

قابلت منذ سنوات بعيدة في منزل احد الاصدقاء ومن ضمن ضيوفه علي العشاء سيدة اجنبية متخصصة في علوم الصوتيات والتخاطب وحاصلة علي اعلي الدرجات العلمية فيهما وصاحبه خبرة عملية وباع طويل في ذلك المجال كانت جالسة وسط المدعوين قليلة الكلام تتابع احاديثنا الصاخبة بالعربية العامية مبتسمة ورغم اننا لم نتبادل معها الا بعض الكلمات القليلة لضيقنا او جهلنا بلغتها الاجنبية لاحظنا طيلة السهرة تفاعلها معنا كأنها تفهم حواراتنا وتعي معانيها !! رأيناها تولي وجهها صوب من يتحدث وتصمت كأنها تصغي له وتبتسم وقت الابتسام وتتجهم حين يتجهم الاخرين وتقوم حين يدعونا مضيفنا بالعربية للقيام لتناول الطعام وتوصل طبق الطعام للسيدة التي تهمس لزوجها برغبتها فيه !! وفي نهايه السهرة شككنا في امرها وتصورناها تجيد العربية وتخفي عنا ذلك منذ اول الليلة لأمر في نفسها بل وسمحت احد السيدات ال"مسحوبة من لسانها " لنفسها وسخرت منها ومن حركاتها فاذا بعينيها تتقدان نارا كأنها فهمت بالضبط وبدقه ما قالته تلك السيدة بانعدام لياقة كامل !!! لكن مضيفنا اكد لنا انه يعرفها منذ زمن بعيد وانها " والله العظيم تلاته " لاتعرف ولا كلمة واحدة عربية ورغم ايماناته المغلظة لم نصدقه وبقينا مرتابين فيها حتي نهاية الامسية فاذا بها ونحن نستعد للمغادرة ونتبادل القبلات والسلامات تفاجئنا المفاجأة الكبري وتطلب من مضيفنا استبقاءنا لحظات قليلة ثم تشرح له – ليترجم هو لنا بدوره– تخميناتها عن وظيفة كل من المدعوين فهذا يبدو طبيب جراح وذاك يبدو مدرس لتلاميذ صغار والثالثة ربة منزل تبدو تجيد الطبيخ والرابع باحث علمي والخامسة صحفية معارضة للحكومة و...و....وجلسنا امامها علي رؤوسها الطير كأنها ساحرة او قارئه طالع او " مكشوف عنها الحجاب " والحقيقة ان السيدة لم تتركنا في حيرتنا وقلقنا طويلا و أجلستنا امامها وكأننا تلاميذ في محاضرتها وشرحت لنا كيف خمنت ما توصلت اليه من نتائج وقالت " نبرة الصوت وطريقة مخارج الالفاظ تشرح كثيرا عن شخصية ووظيفة صاحبها " واضافت "طريقة نطق الحرف وطريقة القاءه نمضغه ، نركز عليه ، نطيله ، نعبر فوقه سريعا ، نرتفع بالصوت نخفضه ، نأكل نصف الكلمات ،نطيل الحروف الاخيرة او الاولي كل هذا يوضح من يتحدث ويتحدث لمن !!!" وابتسمت وهي تري افواهننا مفتوحة امامها دهشة وقالت "المدرس يتكلم بنفس الطريقة باي لغة ، مخارج الفاظه واحده ، طريقة القاءه واحدة ، نظرته لمستمعيه واحدة مش مهم افهم كلامه علشان اعرف انه مدرس !! " واضافت وهي تراقبنا بعينيها الثاقبتين انها أمعنت التأمل ومنذ سنوات طويلة طويلة في البشر حولها وتابعت طريقه حديثهم في اوقات ومناسبات مختلفة بصرف النظر عن لغة تخاطبهم مفهومه لها او غير مفهومة فاذ بها تستنبط وبشكل تكراري وظيفة المتحدث !!! واوضحت انها لعبت تلك اللعبه مع نفسها اولا و حين ازداد يقينها بقدرتها علي الاستنباط والاستنتاج واشركت الاخرين في لعبتها المفضلة!! وبقينا فاغرين افواهنا لانصدقها !!! واضافت تشرح لمضيفنا أنها اكملت لعبتها بمراقبة ومتابعه " لغة الجسد – The body language " واوضحت بطريقة بسيطة أن لغة الجسد تكشف عن طبيعة الانسان وخصاله وشرحت لنا ببساطه مفردات تلك اللغة " حركات الاكف ، التلويح بالاذراع ، انحناه الجذع ، توتر عضلات الرقبة ، هز الساقين ، مد الرقبة ، اغلاق العينين وفتحها ، حك الرأس ، تمزيق الاصابع بعضها في بعض ، تلاحق الانفاس " !!! وافصحت السيدة ان كل حركة يقوم بها الانسان لها دلالة ومعني وتفسير يمكن قراءته وفهمه !! وشرحت لنا ان التناغم او التنافر بين الصوت المسموع ونبراته من ناحية وبين لغة الجسد وتشكيلاتها من ناحية اخري يكشف الكثير !! يكشف صدق الانسان و يعري كذبه!! يكشف حقيقه مقصده من حواره!! يفضح نواياه التي يحاول تخبئتها !! يكشف باختصار خبايا الانسان وكهوف نفسه الدفينة !!! وصعقتنا في نهاية حديثها وهي تؤكد لنا ان اتقانها لفهم دلالات الصوت ونبراته وبراعتها في قراءة لغة الجسد وفهم مفرداتها لعبة جميلة مسلية تساعدها دائما في التفاعل مع الاخرين الذين لاتعرفهم واشارت علينا !!! فاذ بكل المدعويين ينضبطون في مقاعدهم ويرسمون قسمات حيادية علي وجوههم خوفا من قدرات تلك السيدة ال "عفريته " في كشف المستور علي حد قول احد الضيوف فاذ بها تدرك مخاوفنا وتوضح لمضيفنا ان الاوان قد عدي ولم يعد مجديا لاي منهم – أي منا نحن المدعوين – الاختباء خلف حيادية هشة لانها قد عرفتنا فعلا !! واثبتت لنا قدراتها بتجربة عملية واخذت السيدة التي سخرت منها "مثلا" فهي ربة منزل كسولة لان نبرات صوتها بلا نغمات خاصه مميزة وبلا حماس تحرك جسدها عموما ببطء تستعمل يديها كثيرا قليلة الثقة في نفسها تلوح بمصاغها في وجه الاخريات زهوا كأنها لاتقصد تتكلم كثيرا وتراقب وقع كلماتها في عيون الاخرين تنظر رضاهم عنها وتبدأ كلامها دائما بصوت منخفض وتفصل بين كلمات حديثها بانفاس متلاحقة تعطي لنفسها فرصه التراجع عنه او انهاءه حسب نصيبها في نظرات الاستحسان و الاستهجان وانها تجلس دائما علي " طرف " الكرسي لاتسترخي ابدا كأنها تخاف ان ينساها الحضور !!! وحلقت الطيور من فوق رؤوسنا وعادت اليها وبقينا في مكاننا اصناما لانقوي علي الحركة لتكمل السيدة "هي قليلة الثقافة والمعلومات تستقبل معظم الاحاديث بملامح مصطنعة متماثلة بما يكشف عدم فهمها الحقيقي لمضمون اي حديث يقال امامها !!! "وانتفضنا من مقاعدنا انزعاجا كأننا تعرينا امامها وامام انفسنا لانعرف الي اين نذهب من تلك السيدة التي فهمتنا وقرأت نفسياتنا وعرفت وظائفنا واستكشفتنا في لحظة غفلة منا لم نستعد لها !! ابتسمت السيدة لمضيفنا وحملت حقيبتها استعدادا للرحيل واوصته يوصينا " قولهم يلعبوا اللعبة دي ظريفة جدا " ولوحت لنا بيدها مودعة " قولهم يركزوا مع الناس حيفهموهم بجد " وغادرتنا !! و مضت سنوات كثيرة علي تلك الامسية لكن حديث السيدة الاجنبية بقي في ذاكرتي يدوي " قولهم يركزوا مع الناس حيفهموهم بجد " واستهوتني "لعبتها" وبدأتها علي استحياء مع نفسي اختبر قدرتها علي التعلم ومهارتها في اكتساب الخبرات ، بدأت لعبتي اتابع البشر حبا فيهم ورغبه في اكتشاف مكنون انفسهم وحقيقتهم الحقيقية انصت لصوتهم الداخلي نبراتهم احدق في وجوههم المتوارية تحت ركام الانتباه اراقب ارتعاشه شفتيهم المح حركة اصابعهم استرق السمع لدقات قلوبهم المح قطرات العرق الصغيرة علي جبهاتهم وانتبه لحركات اجسادهم العفوية واركز واركز!!! ومرة تلو الاخر كشفت واكتشفت ما يبذل البشر لاخفاءه الجهد الجهيد رأيت الناس عراة علي حقيقتهم كما هم فعلا وليس كما يرغبون ان يكونوا !! غصت في نفسياتهم وميزت بينهم واحببتهم وكرهتهم وصدقتهم ونفرت منهم منساقة للعبتي التي امنت بكل نتائجها واستنتاجاتها ، كرهت بعضهم وفررت منهم بعيدا فلم تخدعني كلماتهم المنمقة الموحية بحبهم احسه مصطنعا يكشفه جمود ملامح وجوههم الشمعية !! واحببت بعض البشر رغم فجاجتهم الظاهرة واستغنائهم الواضح يجذبهم لاحضاني ارتعاش الصوت وارتجاف البدن وقطرات عرق ساخنة ودموع تمسحها اكف ملتاعة مرتبكة !! احسست الم البشر الحقيقين رغم ابتساماتهم المتصلبة الخادعة تفضحهم عضلات وجوههم المرتعشة!! تناسيت عجرفتهم الظاهرة المصحوبة باهتزاز عصبي في الساقين يخفي هشاشة نفسية واضحة !! وكلما توغلت في لعبتي وازداد تعلقي بها ازداد الجب اتساعا وعمقا ورأيت الحقيقة بغير رتوش او زيف او تجميل فج فلم اقبل اعتذارا يلقي في "حجري" بنبرات مرحة لاتتناسب والفاظه القاتمة ، ولم اتأثر بثناء تعثر قائله في ترتيب كلماته كرها !! لم يخدعني معسول الحديث الذي يفيض به بعض المدعين يتناقض والاكف العرقي المتوترة ونظرات القسوة في اعينهم !! ولم يحرق قلبي الدموع الخادعة التي يلقيها البعض في طريقي استدرارا لمشاعر لايستحقوها تنهمر من عيونهم الزجاجية لامعة منافقة مبتهجة !! وركزت اكثر واكثر وتهت في طريق موحش يكشف غابات النفس البشرية ومكامن ضعفها فكشفت الكاذب ولو حلف "مليون يمين " لبرودة نبرات صوته وخواء قلبه البادي علي شفتيه الزرقتين ، وانجذبت للصادق من رائحة مسام جلده وانتظام دقات قلبه ودفء كفيه!! ولم ينجح المدعي المزيف مهما بالغ في ترتيب كلماته و" رقق صوته "وتأنق في نفسه في هز يقيني بصحي حكمي عليه واستسلامي لنفوري منه !!ركزت انصت لنبرات صوتهم وادقق في ملامح وجوههم واتابع حركات اجسادهم العفوية فلا يخدعني معسول حديثهم المتناقض مع اكفهم العرقي المتوترة ونظرات القسوة في عينيهم !! ولا تحرق قلبي دموعهم الخادعة التي يلقوها في طريقي استدرارا لمشاعر لايستحقوها تنهمر من عيونهم الزجاجية لامعة منافقة مبتهجة !! ركزت ففهمت ما يرغب بعض الناس في قوله ولو لم يقولوه سمعت صوتهم الداخلي وطاوعت بعضهم فيما لم يطلبوه صراحة وحققت لبعضهم امنياتهم المسكوت عنها متي استطعت ومددت يدي لبعضهم عونا وحبا مهما ادعوا بكلمات جوفاء عدم احتياجهم و نفرت من بعضهم كرها مهما "تمرمغوا" علي الارض ادعاءا للمسكنة والانكسار وشدة العوز !! هاانا بعد سنوات طويلة من تلك اللعبة الموجعة اعترف لكم بامنيتي في الهروب من تلك اللعبة وكل نتائجها الموحشة التي اكتشفتها !!! هاانا بعد سنوات طويلة من تلك اللعبة الموجعة اعترف لكم بارهاقي وحزني مما رأيته !! هاانا بعد سنوات طويلة الوم السيدة الاجنبية التي لم تشرح لنا بصدق نتائج لعبتها الموجعة ولم توضح لنا بحق قدر الحزن الذي سنجنيه وقدر الالم الذي سنعانيه من جراء تلك اللعبة واثارها علي انفسنا وعلي البشر الاخرين حولنا !! لقد رأيت البشر بحق وياليتني ما رأيتهم !! الفقرة الاخيرة – اهدي هذه المقالة للساسة في وطننا الذين يخطبون فينا يصرخون باعلي اصواتهم الرنانة ويندفعون في الادعاء بحبنا وحب الوطن وحرصهم علينا وعلي مصالحنا ويتشدقون بالالفاظ الكبيرة الجوفاء ويدعون احساسهم بنا وادراكهم لمشاعرنا ويغضبون منا لاننا لانصدقهم !!! السطر الاخيرة – اهدي هذه المقالة لبعض ممثلين وممثلات هذا الزمن الذين فهموا الفن انه ادعاء وتقمص وحرفة وليس احساس وموهبة وجنون جميل فيقضون معظم اوقاتهم امام المرأة يحدقون في وجوههم المطاطية يتدربون علي خداعنا ويقفون امام الكاميرات يرتلون كلمات حوارهم برتابة ويقطبون جبينهم حزنا ويفتحوا شفتيهم علي اتساعها فرحا ويقفزون انفعالا وينهارون انكسارا وفي النهاية لانتأثر بادائهم ولاننفعل بزيفهم ولانصدقهم فيغضبون منا لاننا لانحبهم ولانعرف اسمائهم !!! الجملة الاخيرة – اهدي هذه المقالة لسيدة كاذبة ستعرف نفسها ان قرأت كلماتي رفعت صوتها ب "قلة ادب" وعمد مفضوح ثم ادعت انفعالا عشوائيا وهربت من المواجهة جبنا وانتظرت مراضاة لا تستحقها ثم عادت يأسا ونفاقا وبكت بدموع كاذبة تدعي مسكنة لم يصدقها فيها الا رجل عظيم عذرته علي انسانيته الفياضة !! اهديها لها لاني لااصدقها ولن اصدقها !!! الكلمة الاخيرة – لاتلومني علي حدة ارائي او عدم منطقيتها من وجهة نظركم ، لاتلومني علي حبي الانتقائي لبعض البشر ولاتلومني لنفوري العمدي من البعض الاخر ، فانا اصدق حدسي واحساسي واثق فيهما وكيف لاافعل فقد منحهما لي الخالق العظيم هبة ونعمة !!!

هناك تعليق واحد:

اميرة بهي الدين يقول...

نشرت هذه المقاله علي الفيس بوك وجائتني هذه التعليقات


Maha Adel Hosny wrote
at 9:04am on March 26th, 2008
لغة الجسد – The body language " لغة الجسد تكشف عن طبيعة الانسان وخصاله وشرحت لنا ببساطه مفردات تلك اللغة " حركات الاكف ، التلويح بالاذراع ، انحناه الجذع ، توتر عضلات الرقبة ، هز الساقين ، مد الرقبة ، اغلاق العينين وفتحها ، حك الرأس ، تمزيق الاصابع بعضها في بعض ، تلاحق الانفاس "
دى بقى طريقتى السحريه لفهم الطبيعه البشريه
عرفتى السر اميره
بس على فكره دى دراسه حقيقيه و متعبه لانك بتشوفى حقيقه ما يخفيه الاخرين بصمتهم


Ahmed Magdy Ahmed wrote
at 9:39am on March 26th, 2008
i love it.


Manal Fahmy wrote
at 10:03am on March 26th, 2008
مقالة جميلة ياأميرة بس شئ متعب إن الواحد يعرف دخائل الناس
متعب وممتع فى نفس الوقت


Negad El Borai wrote
at 10:08am on March 26th, 2008
مين الست دي يا اميره ؟
Report - Delete

Nesrin Youssef wrote
at 10:09am on March 26th, 2008
عارفة يا اميرة لما يكون عندك حس عالى بالناس اللى قدامك و تفهميهم من عنيهم و تضيفى على كده انك تفهمى لغة الجسد ده امر صعب جدا على الانسان و خصوصا فى 2008 مش 2006


Maha Adel Hosny wrote
at 10:09am on March 26th, 2008
بجد شئ متعب جدا جدا انك تكون فاهم هى نعمه كبيره بس تتحمل توابعها بقى و اللهم اكفينا شر الغفله


Mona Abolnaga wrote
at 2:47am on March 28th, 2008
المقالة بتفكرنى بفيلم لميل جيبسون كان فى الفيلم قادر على قراءة أفكار الستات بس..أنا نفسى يكون عندى القدرة دى هأحاول اتعلمها


Mazen Muhammed Ahmed wrote
at 12:41pm on April 9th, 2008
فى حكمه بتقول اللى منعرفوش مش هيضرنا ساعات الواحد بيعرف حاجات بيندم على انه عرفها بتشوة صورة واحد يعرفه بيحبه اعتقد ان دى اسمها الفراسه دة علم فى حد ذاته اصلا ساعات الواحد بيكو مش محتاج العلم دة عشان اعرف ان فلان حمار و بيتظاهر بالعكس عشان اعرف مين مبيحبنش شىء وحش لمل البشر بيبانه على حقيقتهم نفسى ابعد عن الكذب و النفاق