الأربعاء، 10 سبتمبر 2008

"الجريمة الحقيقية ... والاكبر ....!!!


منذ اياما قليلة ، عاشت " طموه " تلك القرية الصغيرة بضواحي الجيزة واهلها البسطاء ليله رعب مخيفة حين استيقظوا من نومهم علي انفجارات مروعه رهيبة ونيران مشتعله حارقة تحاصرهم السنه لهبها المندفعه من ثلثمائه انبوبه بوتجاز تطايرت مشتعله في السماء فجأ قنابل عبثية مخيفة وسقطت فوق المنازل وفي الشوارع وفوق رؤوس النائمين وفي اسرتهم فاذا بهم يفرون من رعبهم الاكبر بالموت حرقا او خنقا تحت انقاض اسقف منازلهم المهدده بالانهيار فوق رؤوسهم ويلقون بانفسهم وباطفالهم في النيل هربا من الانفجارات المخيفة والحريق المدمر الذي كان يودي بحياة الالوف ويحرق بنيرانه اللاهبة الاخضر واليابس واجسادهم واعمارهم وكاد يمحي بخطوط نيرانه منطقتهم كلها من فوق الخرائط المعروفة !!! وبالطبع .... وكما تعودنا في مثل تلك الاوقات العصيبة خرج علينا شخص مسئول واكثر يفسرون ليله الرعب بانها "حادث قدري سببه اهمال شخص لم نعرفه بعد وسنبحث عنه بكل قوتنا ونحمله المسئولية القانونية والحمد لله قدر ولطف وربنا ستار والف سلامه !!! " لكن سكان " طموه " ونحن معهم لم نقبل تفسيرات الاهمال المريحة وتبريرات الحوداث القدرية ولم نعلق الحادث في رقبة شخص ما سواء كان سائق سيارة الانابيب او مدير للمصنع او خفير جلس يشرب سيجاره والقي " بعقبها" المشتعل بجوار المصنع ولم نقنع بالتفسيرات الرسمية للحادث ولم نطمئن رغم كل الوعود الرسمية بأن " كل حاجه ان شاء الله حتبقي تمام " فقصة "طموه" وليلة الرعب الطويلة التي عاشتها بدأت حين استيقظت تلك القرية من نومها يوما منذ زمن بعيد فوجدت في "عبها " مصنع ضخم لتعبئه انابيب البوتجاز المنزلية ، مصنع يتنفس غازات قابله للاشتعال ويعيش علي تعبئتها في انابيب حديدية ب"منظمات" فاشله رخيصه استوردها من لاذمه ولاضمير غير مكترث بحياة البشر الذين سيتعاملون مع تلك الانابيب قنابل موقوته قابله للانفجار في وجوههم !! فعاشت طموه من وقتها اياما سوداء متلاحقه يخيم علي سماءها رائحه تسرب الغاز تاره ويخنق بشرها ادخنة الحرائق تارة اخري ويعكر صفوها ذلك المصنع الذي يعبأ - وسط مدارسهم ومنازلهم وساحات لعب اطفالهم وباحة الجامع الذي يصلون فيه – الغازات القابلة للاشتعال!!! ولم يكن السبب في ليلة الرعب القريبة التي عاشتها " طموه " وسمع سكان المعادي والمناطق المجاورة صخب انفجاراتها كما صور لنا بعض المسئولين اندلاع شرارة كهربائية من السيارة التي تحمل الانابيب معده للتوزيع ، فتلك الشرارة القدرية المفاجأة ليست الا ذريعه نخفي وراءها الجريمة الاكبر التي خلع الرعب قلوب اهل " طموه " بسببها ، الجريمة الاكبر وقعت حين سمحت السلطات الادارية – أي ما كانت طبيعتها او سلطاتها او صلاحيتها - بانشاء مثل ذلك المصنع الخطير وسط منازل الاهالي وفي قلب زراعاتهم وبجوار طرق مدارس اطفالهم فاذا بحياة الاهالي الآمنين تتحول بين ليلة وضحاها للحظات خطر ورعب متتالية لاينقذهم منها الا الدعاء للحفيظ القدير وعنايته الالهية !!! ليست المشكلة في شرارة الماس الكهربائي وليست المسئولية علي السائق الذي بذل كل طاقته حسبما سمحت الظروف لانقاذ الاهالي من انابيب الموت التي يحملها وليست الجريمة التي تمت في حق هؤلاء البشر جريمة اهمال بل هي جريمة عمدية وقعت – متكامله الاركان القانونية - حين وافقت وسمحت السلطات الادارية بأن يهدد امان هؤلاء البشر البسطاء مصنع ضخم رابض فوق مستودعات كبيرة خطيره للغازات القابله للاشتعال ولايتعامل الا مع الموت الغازي ولاينتج الا القنابل الموقوته ولايعيش هو وعماله وفنيه ومهندسيه وجيرانه الا مهددا بالموت خنقا وحرقا في كل لحظة !! ان الجريمة الحقيقية والاكبر من الاهمال والسهو هي السماح العمدي بانشاء ذلك المصنع والسماح باستمراره بكل اخطاره المروعة في منطقه سكنيه يفترض ان يعيش سكانها في امن وامان !!!! ورغم انني لاافهم جيدا في تخطيط المدن واصولها ،لكني افهم وبشكل بسيط انه من غير المعقول او المقبول لي ولاي عاقل ولاي شخص مسئول ان تهدد المناطق السكنية الاهلة بالمنازل والمدارس ودور العبادة وشوارع " لهو الاطفال " بمصانع وورش تتعامل في المواد الصناعية الخطيره وتحيط بها الاخطار الصناعية من كل جانب لتتحول حياة السكان الامنين لمسلسلات رعب مستمر تسببها الكوارث القدرية والحوادث الفردية و"اصغر الشرر" !!!
الفقرة الاخيرة – نعيش في هذا الوطن ايام حياتنا نقتات الرعب الرهيب ونمضغ الفزع المخيف مهددين بخطر مستمر مبعثه عدم الاكتراث بحياة البشر وعدم الاهتمام بها وعدم اتباع ايه اجراءات سلامه للحفاظ عليها فنستيقظ تاره علي نيران حارقة تذيب جلودنا بسبب انفجارات انابيب غاز نتيجه شراره كهربائية ونستيقظ تاره علي انهيار مبني قديم فوق رؤوس قاطنيه والجيران رغم معرفة الجميع بضرورة تنكيسه او ازالته ونستيقظ تاره ثالثه علي حريق ضخم يلتهم سكان برج فخم فات مهندسين انشاءه سهوا اقامه سلم حريق خلفي ونستيقظ تاره رابعة علي سيارات تطير وتهوي من فوق كوبري معدني لم ينتبه مصمميه العباقرة لحدة انحرافات الطريق وتعرجاته ونستيقظ تاره خامسه علي قطار اكلت نيران الاهمال العبثية بدنه الحديدي واجساد راكبيه ونستيقظ تاره سادسة علي محرقة مسرحية تأكل خيره فنانينا ومثقفينا وفلذات اكبادنا ونستيقظ يوما علي قطارات تصادمت وخرجت من فوق قضبانها وهرست اجساد ركابها واجساد المارة البوساء وبائعي السوق تحت عجلاتها الحديدية المجنونه ونستيقظ يوما علي مياة جوفية مالحة اكلت جدران واساسات مبانينا الاثرية المهملة فهدمتها ونستيقظ يوما اخر علي مأساة طفل صغير سقط في بالوعه مفتوحه وغرق وسط قاذورتها الخانقة ونستيقظ يوما علي صعق طفلة صغيرة بالاسلاك الكهربائية العارية في الشارع فنري جسدها الصغير ملقي علي الرصيف متشنج بقسمات الرعب ونستيقظ كل يوم علي مليون حادث ومصادمة علي الطرق السريعة الخاليه من وسائل الانقاذ والاسعاف والعلامات الارشادية والاناره الضرورية ونستيقظ كل يوم علي حوداث وكوارث ومصائب الاهمال الجسيم الذي يلاحقنا ويهددنا و"ينغص" علينا حياتنا وايامها الكريهه !!! لقد اعتدنا في هذا الوطن ان نستيقظ علي مصائب يومية نتمني معها الا نستيقظ !!!
الجملة الاخيرة – للمرة المليون ادعو المشرع لمراجعة " جرائم الاهمال " وتشديد عقوباتها ، للمرة المليون ادعو المشرع لمراجعة النتائج الموجعة لجرائم الاهمال وتأمل اثارها علي حياة البشر ، للمرة المليون اناشد المشرع الاصغاء لانين ضحايا جرائم الاهمال ، اناشده الاصغاء لمرثيات حزنهم ، اناشده الاصغاء لهدير الغضب المخيف القابع في صدورهم ، اناشده الاصغاء ل"وسوسة" رغبات الانتقام التي تسيطر عليهم ، للمرة المليون ادعو المشرع لتغيير وجه نظره القانونية في الجرائم غير العمدية التي يرتكبها جناه قساة القلوب غلاظ الجلود باردي الدم لايكترثون بما تأتيه ايدهم ولو لحظة ، ولو اكترثوا او انتبهوا او بذلوا الجهد لما سقط ضحاياهم بتلك الطريقة الموجعه جدا !!!
السطر الاخير – قالوا في الامثال الشعبية القديمة " مش كل مرة تسلم الجرة " مثل شعبي تحذيري الرسالة اذكر المسئولين في هذا الوطن به ، فالاهمال الجسيم الذي يحاصرنا لن يثمر الا اياما حداد وليالي غضب وكوابيس موجعه مفزعة لن يعيشها المواطنين البسطاء وحدهم !!

ليست هناك تعليقات: