الأربعاء، 10 سبتمبر 2008

"مرثيات الاسي !!!!"



يؤسفني ان هذا المجتمع مازال لايؤمن حتي الان بالمساواة الحقيقية بين الرجل والمرأة ، ويؤسفني اكثر ان النصوص الدستورية رغم قوتها وسطوتها ونفاذها عاجزة منذ سنوات طويلة ومازالت حتي الان عن احداث التغييرات الفعاله في عقول ووجدان البشر الخاضعين لهذا الدستور فاذ بهم يعتبرون ان المساواة الدستورية المشار اليها في المادة 40 ليست الا من زوايه الرجال والنساء مجرد مبدأ نظري لاحاجه للمجتمع " المبسوط بحاله " ان يطبقه واقعيا علي حياته !! ويؤسفني اكثر واكثر ان الملايين الذين خرجوا حسب الاحصائيات الرسمية لصناديق الانتخاب تأييدا للتعديلات الدستورية والملايين الذين لم يخرجوا من منازلهم في ذلك اليوم لا يفهمون ان مبدأ "المواطنة" الدستوري يلزم الجميع – من صوتوا ومن لم يصوتوا – بالمساواة القانونية والواقعية بين الرجال والنساء ويفرضه علي رقاب الجميع سياجا حاكما لكل تصرفاتهم الواقعية وتشريعاتهم المستقبلية !!! ويؤسفني جدا جدا جدا ان معظم المشتغلات في الحركة النسائية والحركة النسوية لايؤمن بمبدأ المساواة الحقيقية بين الرجال والنساء بكل اعباءها الواقعية الآنية علي النساء ولايسعين بحق لدعوة النساء للمطالبة بالمساواة من حيث الواجبات القانونية قبل الحقوق وانهن قتلا لقواعد التمييز الخبيث المنحازة لصالح الرجال والدائرة علي رقابهن منذ عقود طويلة يسعين جاهدات لاداره الدفة للجهة الاخري المقابلة تفعيلا وتحبيذا لقواعد التمييز الحميد لصالح النساء وكأن الامر ليس الا ميزان مائل يسعي كل من الفريقين المتصارعين رجالا ونساء لارجحته لصالحه وفي اتجاهه علي حساب الطرف الاخر !!! ويؤسفني ان اخبركم بان مرثيات الاسي التي تملكني واحتلت نفسي ومازالت قد انفجرت بداخلي براكين غضب في وقت اعتبرته الاخريات وقت فرح واحتفال يلزم معه الابتسام امام الكاميرات واعتبرته انا لحظة تكريس واقعي لوجهه نظر المجتمع في النساء باعتبارها كائن ضعيف هش مثل الاطفال المبتسرة يحتاج دائما وابدا للحضانات واجهزة التنفس الصناعي والمعاملة الخاصه !!! والقصه بدأت منذ سنوات طويله تتجاوز العشرين حين ادركت وانا في بدايه حياتي المهنيه وبمناسبه بحث اجريه عن وضع المرأة في التشريعات المصرية ، ان النساء قد حرمن من اعتلاء منصه القضاء دون سند من دستور او قانون وعلي العكس من احكامهما التي لم تحظر او تمنع في أي من نصوصها النساء للاشتغال بالقضاء شأنهن شأن الرجال !! وادركت منذ ذلك الوقت ان النساء يعانين من حظر واقعي استبعدهن عن منصه القضاء رغم الاباحه الدستورية والتشريعية وان ذلك الحظر يشكل صورة واضحه من التمييز ضد النساء يلزم محاربته والدعوة لالغاءه!!! فقضيت سنوات وسنوات من حياتي اكتب واكتب مقالات وابحاث تحرض النساء للمطالبه بحقهن لاعتلاء منصه القضاء وتناقش النص الدستوري والتشريعات التي تبيح جميعها للنساء دون حاجه لنص خاص ارتداء وشاح القضاء والجلوس فوق منصته ولم اكتفي بهذا وتجاوزته وناقشت في اكثر من مقاله ودراسه ومؤتمر الحجج الواقعية التي يرتكن عليها الرافضون لاشتغال النساء في القضاء وفندت حجة الطبيعة البيولوجيه واثرها علي عمل النساء بالقضاء وعرجت علي عاطفية المرأة ورهافه حسها وحنانها ودموعها المعلقة دائما في مقلتيها وتأثير ذلك علي احكامها القضائية ورجاحتها واكدت دائما ان النساء يصلحن لهذا العمل ولو احتاج سفرهن للاقاليم والنجوع ولو تطلب مبيتهن خارج البيوت ولو فرض عليهن معاينه الجثث والاحتكاك بالمجرمين وناديت دائما برفع الحظر عن النساء في هذا المجال الخطير وامنت دائما بأن النساء سيثبتن انفسهن في هذا العمل الجليل الشاق مهما كانت الصعوبات والمشقة !! لكني كنت اتصور دائما ان انهاء الحظر امام النساء للاشتغال بهذا العمل سيأتي من خلال السماح للفتيات خريجات كليات الحقوق والراغبات في تحمل هذا الجهد وهذا الشرف بالتقدم شأنهن شأن زملائهن حديثي التخرج للالتحاق بالوظيفة من بدايه السلم الوظيفي ليشهد المجتمع في بدايات الالفية الثالثة عشرات الفتيات يحملن بكل فخر واعتزاز لقب "معاون النيابة " ويتحملن في سبيل هذا السفر والسهر والغياب عن المنزل الدافيء والنزول للشارع في منتصف الليل والاحتكاك بالمجرمين وحثاله البشر ومعاينه الجثث !!! لكن ماحدث خيب امالي واحبطني وكشف لي بطريقة عملية ان المجتمع ونخب مثقفيه وقياداته الفكريه رجالا ونساء مازال يؤمن ان النساء ليست الا ورودا جميلة تزين بها ارديه الرجال ومكاتبهم وان ادعاء المجتمع بالغاء بعض اوجه التمييز ضد النساء انما تم ويتم دائما بطريقة شكلية غير حقيقية لا تعبر الا عن القناعات الدفينه لهذا المجتمع من انه لامجال لتطبيق او تنفيذ قواعد المساواة الحقيقية بين النساء والرجال سواء حاليا او مستقبلا !!! واسمحوا لي ايها السيدات والساده افساد "فرحكم" وانتقاد ماحدث مثل "عواجيزه" الغاضبين وكشف اثاره المستقبلية علي وضع النساء عموما في المجتمع واتمني من الله العزيز القدير ان يصلكم صوتي وسط صخب الاحتفالات ودقات الدفوف والزغاريد العالية !!!! وها انا اعيد واكرر بأن المساواة الحقيقية بين النساء والرجال تفترض ان تعين الفتيات في بدايه السلم الوظيفي للهيئه القضائية وان يشغلن وظيفه معاون النيابه ويتدرجن مثل زملائهن للوظائف الاعلي " مساعد نيابه ، وكيل نيابه ... الي اخره " !!! وتفترض ان تعين الفتيات مثل زملائهن في كافه انحاء الجمهورية "الصعيد الجواني ، ريف الدلتا ، الصحراء النائية ، المدن الصغيرة " وتفترض ان تسند اليهن كافه الاعمال التي يقوم بها زملائهن سواء اجراء التحقيقات والمعاينات واصدار القرارات وحضور الجلسات متضمنا ذلك بالطبع التحقيقات الليلية واعمال النيابه المسائية ومعاينه مسرح الجريمة وجثث ضحاياها واسلحه ارتكابها مفترضا بالطبع منح تلك الفتيات ذات السلطه التي لزملائهن الرجال في مواجهه المجرمين والمجني عليهم ورجال الشرطه والجمهور عموما !! ان المساواة الحقيقية بين النساء والرجال تفترض تخيير الفتيات بعد ذلك بين البقاء في النيابه او الجلوس علي منصه القضاء شأنهن شأن زملائهن مع فتح باب الترقي امامهن شأنهن شأن زملائهن الجالسين بجوارهن علي ذات المكتب او ذات المنصه دونما اعتبارا لكونها سيده تحتاج من رؤسائها لنظره خاصه تتفق وطبيعتها الخاصه !!! ان المساواه الحقيقية بين النساء والرجال تفترض اشتغال النساء بكافه انواع القضايا مدني وجنائي تجاري وشرعي وتفترض اشتغال النساء في كافه درجات المحاكم جزئية وابتدائية استئناف ونقض وتفترض جلوسهن علي منصه القضاء العادي والقضاء الاداري وتفترض اما ان تثبت النساء نجاحهن في هذا العمل بكل اعباءه او يثبتن خطأ وجه نظرنا وقناعاتنا وصحه وجهات النظر التي تطالب وتنادي بنقاء المنصات القضائية من عاطفيه وضعف وظروف النساء !!!! فهل حدث هذا ؟؟!! ان ما حدث في الايام الماضية – مع عظيم احترامي لكل السيدات الموقرات ممن صدر قرار بتعينهن كقاضيات للمرة الاولي في تاريخ هذا الوطن – يتنافي تماما مع قواعد المساواه التي نصبو اليها ويكرس قواعد التمييز ضد النساء سواء كانت تمييز حميد او تمييز خبيث ويعطي اعداء المساواة والراغبين في بقاء الحال علي ماهو عليه الاسلحه الفتاكه ضد النساء سواء كانت القاضيات المعينات حديثا او النساء عموما ، فاسقاط عدد من خيره النساء "بالبراشوت " فوق منصة القضاء دونما اجتيازهن للعبء ودون بذلهن الجهد الذي بذله زملائهن الجالسين بجوارهن علي ذات المنصه اقرارا من اصحاب القرار ان النساء لاتصلح ولاتقوي لمثل هذا العبء الذي تحمله زملائهن الرجال !! والاكتفاء بتعيين تلك النساء في محاكم القاهرة والجيزة والاسكندرية دون بقيه محاكم الجمهورية افصاح عن قناعه اصحاب القرار بأن النساء لايصلحن للعمل في الريف او الصعيد او الصحراء النائية مثل زملائهن الرجال بل وافصاح عن قناعه اصحاب القرار بأن الجمهور من المتقاضين والمحامين والمترددين علي المحاكم لن يتقبل وجود النساء فوق المنصة ولن يهابهن ولن يمنحهن الاحترام الواجب للمنصه والوظيفة !! والاكتفاء بتشغيل القاضيات في الدوائر المدنيه دون الدوائر الجنائيه والتجارية والشرعية هو نوع من التمييز ضد النساء بحرمانهن من الاشتغال في ذات الاعمال التي يقوم بها زملائهن ونوع من التمييز ضد الرجال بخصهم بانواع من القضايا الشاقة دون زميلاتهم وعموما تمييز مخالف للقانون والدستور !!! وقد فهم المجتمع رساله اصحاب القرار حين عين النساء في القضاء بشروط خاصه وبغير مساواه حقيقه مع زملائهن ، فهم المجتمع الرساله بأن النساء لايصلحن للاعمال الشاقة ولايصلحن للاماكن النائية ولايصلحن للقضايا المعقده ، فهم المجتمع الرساله بأن النساء ليس مثل الرجال ولايصلحن لتحمل ذات الاعباء التي يتحملها الرجال ولايقوين علي القيام بذات الواجبات التي يقوم بها الرجال وبالتالي لايستحققن ذات الحقوق التي يتمتع بها الرجال !!! فهم المجتمع الرساله التي ارسلها له اصحاب القرار ونظر لي نظره شماته وسخر من حماسي وقناعاتي وهمس في اذني " مااحنا قلنا من الاول .. الراجل راجل ، والست ست " !!!! كنت اتمني ان يؤمن اصحاب القرار بالمساواه الحقيقة بين الرجال والنساء فتأتي قرارتهم متسقه مع ذلك الايمان فيتيحوا الفرصه للنساء لتحمل الاعباء واداء الواجبات والظفر بشرف المشاركة الحقيقيه الفاعله مع الرجال في كافه الاعمال وكافه المجالات ، كنت اتمني ان تجلس النساء فوق منصه القضاء بعد صعودها مع زملاءها الرجال علي ذات السلم وبعد اجتيازها لطريق طويل من الجهد والمشقة واثبات النجاح ، كنت اتمني ان تجلس النساء فوق منصه القضاء والمجتمع يصدق بحق انها تستحق وتستطيع ، لكن ليس كل مايتمناه المرء يدركه!! لذا لم افرح مثلكم ، ولم ازغرد مثلكم ، ومازلت اضع يدي علي قلبي خوفا من ان تنقلب التجربة الخاصه علي رؤوسنا وتعود بنا سنوات وسنوات للوراء !!! الفقرة الاخيرة – ان المعاملة الخاصه التي تقبلها بعض النساء في بعض المجالات والوظائف تؤكد انهن لايؤمن بالمساواة الحقيقية بينهن وبين الرجال ، فالمساواة تفترض اقتسام الاعباء وليس اقتناص المميزات ، المساواة تفترض اداء الواجبات وليس الاستمتاع بالحقوق ،المساواة عبء حقيقي علي النساء لكنه يحررهن من النظرة الدونية التي يخصهن المجتمع بها ، لذا انا اكره المعامله الخاصه والظروف الخاصه !! الجمله الاخيرة – ان اعمال وتفعيل قواعد التمييز الحميد لصالح النساء سلاح يستخدمه المجتمع ضد النساء ، سلاح يحط من قدر النساء التي لا يثبتن انفسهن ولايحققن نجاحاتهن الا بسبب الميزان المائل جبرا لصالحهن ، ان اعمال وتفعيل قواعد التمييز الحميد لصالح النساء رساله سلبية مضمونها ان فشل النساء في اجتياز اختبارات قوانين الانتخاب الطبيعي والاختيار الطبيعي حتمي وضروري والا كيف ستفسر النساء احتياجهن لتلك القواعد المعيبة !!! السطر الاخير – الي الرجال الذين غضبوا من تعيين النساء في القضاء وهاجموا تعيينهم بقول " ده تمييز لصالح النساء غير دستوري " استمحيكم عذرا اين كنتم وقت استبعدت النساء من الاشتغال في ذلك الاعمال تمييزا ضدهن لصالح الرجال ، اين كنتم ؟؟!!! افهم غضبكم واسبابه وافهم رفضكم ودوافعه لكني – عذرا – لااقبل حديثكم عن رفض التمييز القانوني او الواقعي ولا اصدقه والا اين كنتم منذ سنوات طويلة ولماذا صمتم عن اهدار حقوق النساء الدستورية والقانونية كل هذا الزمن ؟؟!!!

ليست هناك تعليقات: