الأربعاء، 10 سبتمبر 2008

" دوخيني يالمونة ...!!!"


" دوخيني يالمونه ..... دوخيني ... دوخيني يالمونه ... دوخيني " اغنية غريبة الكلمات بسيطة النغمات كنا نرددها ونحن اطفالا نلهو ونلعب حين يفرد اكبرنا ذراعيه ويدور حول نفسه بسرعه شديدة ويردد " دوخيني يالمونه " فنقلده ونحاكي خطواته ونفرد اذرعنا مثله ونرفع صوتنا فرحا وندور حول انفسنا وندور و" دوخيني يالمونه " وسرعان ماكانت "الدوخة" تتملك رؤوسنا الصغيرة ونشعر و كأننا سنسقط علي الارض فتهدأ خطواتنا وتخفت اصواتنا وتبطيء حركتنا ونجلس علي اقرب رصيف او حجر او حتي الارض ونحن نهمس بانفاس متقطعه " دوخيني يا .... لا... مو....نه .... داوا .....خي.... ني " وكانت امي تنهرنا دائما حين تعرف بلعبتنا هذه وقت ندخل عليها المنزل " وشنا اصفر زي الكركم " و" نفسنا مقطوع " فتصرخ فينا " لعبة ايه المهببة دي ؟؟ عيال هبلة صحيح ، حد يدوخ نفسه قاصد ؟؟ " ثم تنظر شذرا لاكبرنا تعاتبه بغضب " آل وانا بقول عليك عاقل ، اتاريك خفيف ، كبير اونطة ، واقف وسط العيال زي خيال المأته ، تلف وتلففهم وراكم لما راسهم تبوظ ، اهبل " !!!!
لااعرف لماذا تذكرت الاسبوع الماضي هذا المشهد من ذكريات الطفولة البعيدة وانا اقود سيارتي في احد الشوارع الرئيسية من شوارع منطقة المهندسين ، كان الشارع مزدحما والسيارات فوق بعضها تتحرك ببطء كالثعابين الملتوية بغير التزام باي قواعد مرورية معروفة والغضب يملأ صدور السائقين الذي لايرون لطريقهم نهاية فاذ باحد الغاضبين ينزل من سيارته ويصرخ في الشارع بصوت جهوري " ده حرام ده ، واقف بقالي ساعة وبيتي الناحية التانية مش عارف اوصل له ، حرام والله " فانتبه الجميع لحديثه وهو " يشاور " علي منزله القابع علي الضفة الثانية من الطريق بينه وبين السائق خطوتين لكن الوصول اليه بالسيارة يستلزم ان يقود الرجل سيارته في طريق طويل يبعده عن منزله القريب فراسخ كثيرة ثم " يلف " ويعود ثانيه في ذات الطريق الطويل ليصل لمنزله ، تأملت الرجل الغاضب وهو يشرح للناس في الشارع مأساته " ادي بيتي اهو ... وادي الفتحة اللي طول عمري بحود منها ، قفولها ، حد عبقري قفلها .... وسابنا نسوق طول النهار رايح جاي .. مرة رايح ومرة جاي " ودخل سيارته مسرعا حين تحركت السيارات امامه وهو يصرخ " باي باي يابيتنا " ويشرح للناس من شباك سيارته بغضب " قدامي ساعة علي مااوصل تاني للبيت ... دوخة " نظرت لوجهه الغاضب فاذ به " اصفر زي الكركم " فاحسسته يلعب رغما عن انفه لعبة طفولتنا " دوخيني يالمونه !! "
ان المأساة المرورية التي تعيشها منطقة المهندسين بدأت حين تفتق ذهن احد العباقرة باغلاق الفتحات في الشوارع الرئيسية فبدلا من ان تسير خطوتين ثلاث بسيارتك ثم " تحود " وتذهب حيثما تشاء ، عليك ايها السائق تعيس الحظ مثلنا نحن سكان منطقه المهندسين والمترددين عليها لضرورات اعمالنا ، عليك ان تسير ثلاثين خطوة في الحارة اليمني من الطريق ثم " تلف " وتسير ثلاثين خطوة اخري في الحارة اليسري من الطريق حتي تصل للمكان الذي ترغب الوصول اليه ، المأساة بدأت حين لاحظ احد العباقرة ان عساكر المرور التي تقف عند فتحات الطريق لاتقوي علي اجبار السائقين علي احترام اشارة ايديهم " اقف تقف ، امشي تمشي " وبدلا من تعليم عساكر المروروتعليم السائقين احترام المرور ورجاله قرر العبقري ان ياخدها "من قصيرها " ويغلق الفتحات وعلي السيارات ان تسير في الطريق ذاته مرتين ، مرة رايح ومرة جاي و" دوخيني يالمونة " !!! وحين نجحت تجربة اغلاق الفتحات المرورية من وجهة نظر العبقري مخترع النظرية وخلت الشوارع من عساكر المرور وازدادت الزحمة وتكدس السيارات ، قرر العبقري ذاته تطوير نظريته المرورية وقرر تحويل معظم الشوارع الداخلية في تلك المنطقة للسير فيها في اتجاه واحد ، هذا الشارع تدخل فيه السيارات وذاك الشارع تخرج منه فاذ بقائدي السيارات يسيرون رغما عن انفهم في شوارع داخليه اتجاه واحد – تسير في هذا الشارع وانت لاترغب في السير فيه لكنه الشارع الوحيد المفتوح امامك ، ثم تعود من شارع اخر لاترغب في السير فيه لكنه الشارع الوحيد المفتوح امامك ، وحين ينفذ صبرك ويرتفع الضغط في رأسك و" يسخن " موتور سيارتك وتكاد تنفجر انت وهو تخرج من طرقات بيت جحا علي شوارع رئيسية كبري بلا فتحات فلا تعرف " تلف او تحود" فتقود سيارتك في ذات الطريق " مرة رايح ، ومرة جاي " وقد اقسم لي احد الجيران ان استهلاك بنزين سيارته قد تضاعف بعد تطبيق العبقريات المرورية الجديدة في تلك المنطقة وانه " باقف في الشارع نفسه مرتين احرق بنزين رايح واحرق بنزين جاي ، ده غير حرقة الدم !!! " واكد لي احد الرجال المخضرمين من سكان المنطقه الذي احيل للمعاش منذ زمن بعيد ولايقضي وقته الا في " البلكونه " اكد لي ساخرا " زهقت ، العربيات اللي بتفرج عليها هي هي ، مرة اشوفها رايحه ومرة اشوفها جايه ، معدش الطريق بيمشي ، لا الناس عماله تلف حوالين نفسها " و .... " دوخيني يالمونه " ...
وتذكرت امي رحمها الله وتمنيتها تنهر العبقري الذي اغلق في وجوههنا فتحات الرحمة في الشوارع واجبرنا رغم انوفنا علي "اللف والدوخة " تمنيتها تنهر العبقري الذي حول كل الشوارع الداخليه للسير فيها في اتجاه واحد فادخل السائقين رغم انفوهم في متاهات بيت جحا يدخلوه ولايعرفون كيفيه الخروج منه يقضون وقتهم فيه تائهين لايعرفون ل " دوختهم " سببا مفهوم او مبرر منطقي ، تمنيتها تنهر العبقري الذي اخترع نظرية الازدحام الشديد واختبرها في شوارعنا فنجحت نجاحا منقطع النظير وازداد التكدس المروري وانتشرت عوادم السيارات وازداد استهلاك البنزين وارتفع ضغط السائقين ومليء الغضب صدورهم ونفوسهم و.... " دوخيني يالمونه " !!!!
ايها العباقرة الجهابذة مخترعي النظريات ، فكروا قليلا واحبوا المواطنين الذين شاءت اقدارهم التعسه ان يكونوا تحت تصرفكم وفئران تجارب سياساتكم المرورية الجديدة ، فكروا قليلا واحبوا المواطنين الذي ينزلون من منازلهم صباحا "قصادين وجه كريم " فاذ بشوارعكم وفتحاتها المرورية المغلقة واتجاهاتها القسرية و" الدوخة " الجبرية التي تفرض عليهم تنال من عزيمتهم وتبدد طاقتهم وتغلق في وجوههم ابواب الرحمة !!!
ايها العباقرة الجهابذة مخترعي النظريات لقد كبرنا ونضجنا كثيرا علي ان نقضي اوقاتنا نلعب " دوخيني يالمونة!!!" فارحمونا !!!!
الفقرة الاخيرة – قال احد الخبراء " العيب علي الناس اللي بتسوق هي السبب في كل اللي بيحصل " اجابه احد الحكماء " حتي لوكان العيب علي الناس ، اللي بتعملوه فيهم ده ايه ؟؟ عقاب ؟؟!!!! "
الجملة الاخيرة – همس احد البلهاء في اذني " مايشوف البلاد التانيه بتعمل ايه في موضوع المرور و يقلدوهم ، باختصاره يعني بلاش يفكروا " ضحكت ساخرة من بلاهته " هو حد قالك انهم بيفكروا !!! "
السطر الاخير – همس لي احد الغاضبين " انا سمعت اشاعه ان الزحمه دي مقصوده علشان نروح بيوتنا مفرهدين ما نفكرش في حاجه !!! "

ليست هناك تعليقات: