الاثنين، 26 يوليو 2010

كل شيء تمام !!!

كل شيء تمام !!!




راعني في أحداث زوجة القسيس الفارة من منزل زوجيتها مثل كثير من النساء التعيسات، أن الأمر انقلب إلي حدث طائفي وحشد الغاضبين من المنيا للقاهرة للتظاهر أمام الكاتدرائية الكبري، راعني أن أحدا لم يبحث في أمر سعادة الزوجة قبل اختفائها من منزل زوجها ومحاولة فهم مبررات اختفائها عن منزل الزوجية، بصرف النظر أن الزوج قس، وافترض الجميع قصة وهمية وساروا خلفها، وجهزت حافلات لنقل الغاضبين للقاهرة أمام أجهزة الإعلام والتليفزيونات و............ وزج بمسلم في القصة لتزداد سخونتها، هو الذي حرضها أو اختطفها.. وطالب الغاضبون بعودة الزوجة المسيحية لمنزل القس وفي وسط الغضب والأحداث الساخنة، سب المسلمون في شخص ذلك الرجل الذي اخترق سياج الزوجية المسيحي واختطف زوجة من منزل زوجها!

وأكم من زوجات يغادرن بارادتهن الحرة منزل الزوجية للتعاسة لأي منزل آخر، ربما يكون منزل الأسرة إذا ما كانت ستبدي تفهما، وربما منزل أحد الأقارب الحكماء القادر علي حماية الزوجة الفارة من بطش زوجها ومنعه من إجبارها علي العودة للمنزل الذي تبغض الحياة فيه وربما لمنزل إحدي الصديقات التي تتفهم بمشاعر الصداقة ومشاعر الأنثي قدر المتاعب التي واجهتها تلك الزوجة من زوجها وفي منزله لحد فرارها منه والاختباء بعيدا عنه! لكن قصة زوج القس لم تقف عند هذا الحد الذي تتصدي له، في أفضل الأحوال، الأسر والعائلات وتعقد مجالس الحكماء لحل المشكلة وتقريب وجهات النظر وإذابة الخلاف، لأن أحداً لم يفكر في الأسباب الحقيقية لاختفائها، بل تجاوزه ليصبح مشكلة طائفية جديدة بجوار كل المشاكل الطائفية الأخري التي يعاني منها وطننا الذي يشعل الصراع الديني النار في ثوبه ليحترق ويحرقنا جميعا مسلمين وأقباطاً! قصة زوجة القس تحولت لصراع طائفي بين الأقباط والمسلمين علي (زوجة فارة) حسبما تصور الغاضبون.

وبالطبع ليست صدفة، أن الغاضبين خرجوا من محافظتهم للتظاهر أمام الكاتدرائية، فهنا تحت الاضواء في العاصمة وأمام أجهزة الإعلام والتليفزيونات يصبح الصوت أعلي والغضب أشد والسباب أكثر أثراً والتهديدات أكثر تطرفا، وبالطبع تنسي القصة الأصلية ويصبح صراعاً دينياً، يتصور فيه الأقباط أن المسلمين (ممثلين في شخص احدهم، الذي ثبتت براءته من كل ما نسب إليه) قد أحرزوا في مرماهم هدفا يلزم رده إليهم الصاع صاعين، وتزداد الفجوة حدة والصوت ارتفاعا والغضب اشتعالا و.......... ليدفع الوطن وجميعنا الثمن الفادح، حين ينقسم أبناء الوطن الواحد لفريقين متصارعين يشعل كل منهما أو يسعي لإشعال النار في ثوب الآخر، محرزا هدفا عزيزا حتي لو احترق الوطن كله ومعه المستقبل في سبيل إحراز ذلك الهدف! وهنا أنا لا أتكلم عن ظاهرة تطرف قبطي، لأن علي الضفة الأخري من النهر، تطرفاً إسلامياً لا يقل وطأة ولا بأس بذلك التطرف القبطي المسيحي بل قد يزيد عليه وقد يكون هو مبعثه ومنشأه، لكن الآن والحريق يشتعل عمداً في ثوب الوطن بمزاعم سخيفة وقصص وهمية وحشد منظم من كل من الجانبين، النفوس تمتلئ بالغضب وتبحث عن أي فرصة للانفجار حتي لو كانت زوجة تركت منزل زوجيتها، ولم تعد مهمة أسباب الغضب ومن أغضب من أولاً، لم يعد مهما الفعل ورد الفعل، لم يعد مهما من الذي حشد أبناء الوطن ليصبحوا فريقين تحت رايات العقيدة الدينية حتي نسوا أنهم أبناء وطن واحد، لم يعد مهماً الماضي بل صارت المشكلة في المستقبل الذي بت أخاف عليه وأرتعد من شكله!


وقد تعمد الجميع سواء قيادات دينية أو مواطنين دفن رؤوسهم في الرمال والادعاء كذبا بأن كل شيء (تمام) وليس في الإمكان أروع مما كان، تعمد الجميع فقء عيونهم وسد أنوفهم فلا يرون أكبر الحرائق التي تعد من مستصغر الشرر ولا يشمون رائحة الدخان والشواء التي تتصاعد وتملأ سماء الوطن وانشغلنا بإفطار الوحدة الوطنية وتبادل التهاني بعيد الميلاد وتصوير الشيوخ والقساوسة تحت لافتات الوحدة الوطنية مبتسمين سعداء فكدنا نصدق ما نراه، في نفس الوقت الذي ينفجر العنف الطائفي هنا أو هناك، مرة لأن زوجة هربت ومرة لأن اشاعات التنصير والأسلمة تنتشر كمثل النار في الهشيم ومرة لأن مجرماً اغتصب فتاة صغيرة وكاد الأمر يصبح جريمة عادية لولا أن الجاني من دين والمجني عليها من دين آخر ونسي الجميع أننا جميعا مصريون....


قلبي علي وطني يرتاع خوفا من أيد عابثة مجرمة عجزت عن هزيمتنا عن طريق الحروب والاحتلال، فحاولت بكل دأب تفتيت وطننا تنفيذا لمخططاتها الطائفية، وفي تلك الحرب القذرة الأخيرة تستخدم أيدينا لتضربنا وتحرقنا وتهزمنا وتضيع وطننا ومستقبلنا، ألا ينتبه أحد بحق بدلاً من (كل شيء تمام)! في مواجهة الصراع الطائفي العنيف الذي يزداد احتداما ويهددنا جميعا بحرق ثوبنا ووطننا ومستقبل أطفالنا، لم يعد مهما من ندين، أقباط المهجر، جماعات الإسلام السياسي، لن يعد مهما البكاء علي اللبن المسكوب، بل صارت القضية الأهم هي حماية الوطن من ذلك الصراع المقيت المخيف الذي لن يستفيد منه إلا أعداء الوطن والمتربصون به، هؤلاء الذين يشعلون الفتنة ويسكبون البنزين فوق النار المشتعلة، هؤلاء الذين يسعون منذ سنوات طويلة لإعادة تقسيم المنطقة وترسيم حدودها علي أساس كانتونات طائفية إسلامية مسيحية، درزية شيعية، قبطية مارونية، يهودية كردية، وفقاً لخرائط محفوظة في خزائنهم منذ سنوات بعيدة، ولا يمكن إعادة رسم المنطقة وتقسيمها لكانتونات ودويلات طائفية دون سعي دؤوب لتقسيم مصر الدولة المركزية الأولي في تاريخ البشرية لدويلات طائفية متناحرة، وها نحن نعيش أيام صراع طائفي إسلامي قبطي عنيف يتأجج كل يوم عن سابقه، وهو صراع لم يقف عند حد الأفكار والخلافات العقائدية بل تجاوزه لصحف وجرائد وقنوات فضائية ومنتديات علي الإنترنت ومنظمات حقوق إنسان ومنظمات دولية وشعارات الاستقواء بالخارج سواء كان بدول تزعم الاهتمام بحقوق الإنسان أو منظمات ترسل أموالاً ودعاة وتنظم مظاهرات طائفية هنا أو هناك لهذا السبب أو ذاك! وكل هذه الأشكال لا تهدف إلا لحريق مروع يحرق الوطن وأبناءه جميعاً، وجميع أنشطتهم لا تؤدي إلا إلي سكب البنزين فوق الحرائق المشتعلة و.................. رحمة الله علينا جميعا!

منشور بجريده روز اليوسف اليوميه الاثنين 26 يوليو 2010

http://www.rosaonline.net/Daily/News.asp?id=74818


الاثنين، 19 يوليو 2010

ابي .... الذي احمل اسمه !!!

ابي .... الذي احمل اسمه


لم ينجب أبي ذكورا، فقط أنجبني وأختي الصغري مثله مثل معظم عائلتنا الكبيرة، منحهم الله اناثا كثيرات فحزنت جدتي لان اسم العائلة سيندثر مع تلك النساء التي ستنجب اولادا باسم ازواجها ... نعم ملأت الاناث منازل الاسرة دفئا واحفادا وحبا لكن واحدة منهم لم تفلح بحكم الشرع والقانون في حمل اسم العائلة وتوريثه للاخرين مثل اولاد عمي الذين حملوا اسم العائلة ومنحوه لاولادهم وسيبقي الاسم الذي نفتخر جميعا بالانتماء اليه حكرا عليهم وعلي احفادهم دوننا جميعا !!!! هل عشت حياتي كلها اشعر نقيصه اني لست ذكرا يحمل اسم أبي ويمنحه من بعده لاطفاله واحفاده؟؟ لا أظن لكني لم انس الامر ابدا !!!

هل شعرت بذنب اني ولدت انثي أغضب ميلادي جدتي التي كانت تنتظر علي شوق الوليد الاول لابنها الاصغر وقرة عينها ليحمل مع اولاد عمومته اسم ولقب العائلة ويرفعوا رايتها عاليا، جدتي تلك السيدة العظيمة التي أحببتها وأحبتني طيلة حياتها وحين نامت علي فراش المرض الاخير واستشعرت ملاك الموت يقترب منها ليحملها لجنة الصالحين طلبتني بالاسم دونا عن كل الاحفاد لتراني وتقبلني وتحضنني بذراعيها الضعيفتين وكنت ابنة العاشرة لكني احسست انها اختصتني برسالة شخصية وهي المرأة القوية الفاعلة ربما منحتني بعض روحها في ذلك الحضن ربما أوصتني أن أكون قوية مثلها لاتكسرني الدنيا لمجرد اني انثي ربما قالت لي اوصيك وانت تحملين اسم أبيك وعائلتنا ان ترفعي رايتنا عاليا !!! ربما وعدتها علي فراش موتها ان اكون مثلها (بميت راجل) !!!! نعم .... هذا إحساسي منذ طفولتني، ليس ذنبي اني انثي لن أورت اسم أبي وعائلتني لاحفادي، لكني املك بإرادة وجهد ان ارفع اسم أبي وعائلتي عاليا وأمنحهم الفخر الذي يستحقونه ويليق بهم !!!!

أبي ............. الرجل الذي احمل اسمه وملامحه والكثير من صفاته ولدت اشبهه وهو اكثر ابنائه شبها بأبيه، انا النسخة الحريمي من وجه وملامح أبي وجدي هؤلاء الرجال المهيبين !!!
التشابه بيننا في الروح والصفات والاخلاق فهو قدوة يحتذي وحين يسعدك الحظ وتولد في حضن ( قدوة) لاتبذل مجهودا لتتعلم منه اميز ما فيه واجمله، كل شيء يحدث بشكل فطري تلقائي !!! أبي هو قاض ابن قاض، نعم فجدي راس العائلة كان قاضيا وعلي دربه سار أبي، هل تعمدت أن اسير علي دربهم، لم افكر بتلك الطريقة وقت التحقت بكلية الحقوق، لكني حين عملت بالمحاماة، ادركت قدر المسئولية الكبيرة التي احملها علي عاتقي فانا امارس المهنة التي احبها واحمل اسما كبيرا فانا ابنة أبي الذي يشار اليه وسط الهيئة القضائية بالبنان لانه القاضي العادل الجاد المحترم، علي أن اصون تلك المكانة واحافظ عليها فلم اغامر باسمي او سمعتي من اجل موكل او اتعاب مرتفعة ولم اذهب المحكمة يوما الا بثوب يليق بقدسيتها واحترامها وبذلت الجهد في كل قضية ساتكلم فيها او تحمل اوراقها اسمي واسم أبي، ربما تلك المسئولية دفعتني للاجتهاد في عملي ودفعت بي للنجاح فيه، لااعرف لكن اسم أبي ومكانته كانت دائما صوب عيني مسئولية كبري يلزم علي الحفاظ عليها فهذا اقل ما يستحقه مني !

نعم تمردت علي أبي وعلي افكاره في مراهقتي وشبابي تمردت علي سطوته الفكرية ونفوذه الواقعي، لكني الان وبعد أن غزا الشعر الأبيض رأسي، أعترف بمنتهي الصراحة اني كنت مخطئة فكثير من المفاهيم والاراء التي كنت اشاكس أبي برفضها والتمرد عليها، اثبتت الايام صحتها، لكنه نزق الشباب الذي لاينضج الناس الا بعدما يمرون به !!! في نفس الوقت تحمل أبي بمنتهي رحابة الصدر وسعة الأفق شططي وتمردي وبوعي كامل لم يغفل عينه عني يرعاني ويتابعني ويؤكد علي طيلة الوقت انه مهما حدث بيننا ومهما اختلفنا ففي النهاية احضانه مفتوحة دائما لي ملاذ اخير يحميني من الدنيا ان قست علي وكان محقا، فطيلة الخمسين عاما التي عشتها لم اجد أدفأ من احضانه ولم اشعر امانا مثلما شعرت مرات عديدة كنت الجأ اليه فينتشلني من همي وينصحي بكلماته القليلة نصائح فاعلة تحل اعقد المشكلات التي كنت اظنها بلا حلول !!

أبي، لم اره ابدا في اي محفل عام او خاص يتباهي بوظيفته ومركزه وحصانته القضائية لم يعتبر نفسه أميز من بقية البشر او في مكانة أرفع لانه قاضي بالعكس كان يراها مسئولية كبيرة علي عاتقه تستوجب منه منتهي الحرص والتأني والعدل فاذا لم يطمئن الناس للقضاء ويشعروا بالامان والطمأنينة في حضرته فلا امان في الحياة، واكم من قصص سردها عن عمله بالمحاكم من سوهاج للمنصورة للمنيا لطنطا للجنايات للنقض، يوضح فيها الجهد الذي بذله لتحقيق العدالة للمتقاضين الذين وقفوا امام منصته حائرين قليلي الحيلة لا امل لديهم الا عدله فاجهتد وصولا لمنحهم حقوقهم السليبة ورفع الظلم عنهم فأ نهي خدمته القضائية راضيا عن نفسه وبقي اسمه عاليا باعتباره مثالا للعدالة والنزاهة والتجرد والحياد والاحترام، لم اسمعه يوما يقول (انت ماتعرفش انا مين) بالعكس كان ينهاني عن ذلك السلوك المعوج الذي يكشف من وجهة نظره عن غي وتعال كريه مكروه، رأيته في كثير من المواقف يعفو ويتسامح ويلتمس للناس الاعذار يشرح لي سلوكه بانه (كبير) والكبير ليس من ينتقم من الاخرين او يستغل منصبه او سلطته او وظيفته للاقتصاص منهم والاعتداء عليهم بل الكبير من يتسامح ويعفو برضا وقناعة، لم يسمح لاحد ابدا طيلة عمله في القضاء وبعدها ان يطلب منه خدمة شخصية او توصية تتجاوز نطاق القانون وسياجه، كان يقول لي دائما لا اطلب من احد شيئا ليس من حقي لاني لا اسمح لاحد أن يطلب مني شيئا ليس من حقه، رأيته وانا طفلة صغيرة يغلق حجرة مكتبه ومعه الكاتب ليصدر الاحكام ساعات طويلة يقضيها بين ملفات القضايا وجميعنا في البيت صامتون لا نتنفس، فهذه لحظة دقيقة تلك التي ينطق فيها بالاحكام في مصائر الناس، ورايته وقت انتدب للعمل بالكويت يقضي في قراءة جناية واوراقها شهرين كاملين، ينام ويستيقظ فوق الاوراق، يدقق في كل كلمة وكل حرف ويراجع نتائجه واستخلاصاته، مهموم بالبحث عن العدالة وإنصاف المتهمين، لم يتأثر بالراي العام وقتها ولم يسلم عقله ولا وجدانه لمانشتتات الجرائد وحين اقتنع ببراءة كل المتهمين اصدر حكمة قويا شجاعا مدويا ونام ليلتها مرتاح الضمير !!!

علمني أبي ان البشر جميعهم سواسية لم يقل لي هذا في صورة خطب وشعارات ممله، بل مارسه سلوكا يوميا فطريا فتعلمت منه حب الناس البسطاء والاقتراب منهم بمنتهي الاخلاص ونبذت مثله التعالي والغرور ولم أشعر يوما ان (علي رأسي ريشة) بالعكس حين وقف سعادة المستشار وهو رئيس نادي قضاة مصر في مقر النادي النهري في اليوم الاخير من رمضان في اواخر الثمانينيات يشرف بنفسه علي افطار عمال النادي وموظفيه ووقف بنفسه (يغرف) لهم الاكل وينهرهم لارتباكهم ويطالبهم بالجلوس علي الموائد لتناول الطعام ويمازحهم بمنتهي البساطة والود والحب ويهنئهم بالعيد ويتمناه سعيدا لهم ولاولادهم، وقتها سطعت عيون العمال والموظفين بحب وامتنان لذلك الرجل الذي يخدمهم بمنتهي الحب والاخلاص في ليلة واحدة ردا علي جهدهم الدائم في خدمته وخدمة كل زملائه من (البشوات والبهوات) كانوا يحبونه ومازالوا ولم يفصحوا له خجلا وارتباكا لكنهم يعرفون انه يعرف مشاعرهم وصدقها، وقتها احسست فخرا لان هذا الرجل العظيم أبي!!!

انه القاضي العادل، المحب للحياة، العطوف، الكبير، الذي اشرف بحمله اسمه وحاولت بكل جهدي واخلاص امنحه وامنح اسمه وعائلته الفخر الذي يستحقونه، حاولت اكون (هذا الشبل من ذاك الاسد) حاولت اكون (ابنة أبي) كما يقول الناس !!! ربما لن اورث بناتي اسمه واسمه العائلة، لكني سأورثهن فخرا بأنهم احفاد ذلك الرجل الكبير فيرددن اسمه ويتباهين بالانتماء اليه ولعائلته طيلة الوقت، ويا أبي .... أحبك وأفتخر بك وباسمك وحاولت قدر ما اقوي أرفعه عاليا بين النجوم في المكانة التي تليق به !!!
نشرت في جريده روز اليوسف اليوميه 19 يوليو 2010

الأربعاء، 14 يوليو 2010

اللي مش عاجبه يشرب من البحر !!!!

القبح يغزو حياتنا
اللي مش عاجبه يشرب من البحر




أعود لسلسلة يومياتي عن القبح الذي يغزو حياتنا... وأتكلم هذه المرة عن انعدام المساحات الخضراء في مدننا، فمدينتنا بلا رئة تضخ الأوكسجين النقي في بدنها، وبلا مساحات جميلة تريح البصر وتهدئ النفوس!

وهذا أمر مثير للعصبية والتوتر، مدينة كبيرة مترامية الأطراف، إذا ما نظرت عليها من أعلي وجدتها كتلا خرسانية متراصة متلاصقة وسيارات وعوادم وسحب راكدة من الانفاس والأبخرة بلا حدائق بلا أشجار بلا مساحات خضراء بلا زهور بلا ورود!

مدينة كبيرة مكدسة بالمباني والكتل الخرسانية والأبراج والمنازل القديمة المتساندة علي بعضها والطرق المزدحمة والسيارات الكثيرة لا تجد أوكسجين تتنفسه لأن القائمين علي تخطيط المدينة لم يكترثوا بترك أي مساحات فارغة يخصصونها للأشجار والنباتات والورد، ليس فقط باعتبارها مصدرا مهما ورئيسيا للأوكسجين النقي بل أيضا باعتبارها مصدرا للراحة النفسية والإحساس بالجمال وتبديد التوتر والعصبية والإرهاق النفسي المستمر!

هل بيننا وبين المساحات الخضراء ثأر قديم لا ينتهي، فما تنمو شجرة هنا أو هناك إلا وتمتد يد باطشة تقطعها أو تكسر فروعها بحجة تقليمها فتتحول لمسخ قبيح!

وأكم من سكان في بعض الأحياء هنا أو هناك غضبوا لاستيقاظهم يوما من النوم ليجدوا الأشجار في شوارعهم قد ذبحت بلا مبرر، واهتم بعض البشر غليظي الجلد بنظافة سياراتهم علي حساب الأشجار فتمنوا أو سعوا لذبح الأشجار أمام منازلهم باعتبارها تؤوي طيورا تلقي بمخلفاتها علي سياراتهم الفارهة التي تركن تحت تلك الأشجار، بل وفات علي الجهات التنفيذية في كثير من الأحياء والمدن الجديدة ترك بعض مساحات الفراغ بين المباني المزمع إنشاؤها وتخصيصها كمساحات خضراء بين المباني، رغم أن تلك الأحياء والمدن الجديدة اقيمت في الصحراء التي نملك من مساحاتها الشاسعة الكثير، فلو انتبهوا لأهمية الحدائق لصحة البشر الجسدية والنفسية لوجدوا أراضي كثيرة يمكن تشجيرها وتخضيرها لكنهم لا يدركون أهمية المساحات الخضراء ولا الحدائق ولا يشعرون بقيمتها فانعكست أفكارهم وثقافتهم علي التخطيط العمراني لتلك المدن والأحياء الجديدة!

أما في أحيائنا القديمة فحدث ولاحرج، مبان وكتل خراسانية بلا أشجار بلا أوكسجين بلا ظلال بلا جمال بلا ورود! فيزداد البشر عصبية وإرهاقا نفسياً وتزداد صحتهم اعتلالا لقلة الأوكسجين وتلوث الهواء ويتنفسون العوادم ويتلاشي إحساسهم بالجمال وتنعدم رهافة نفوسهم ولا أحد يكترث ولا أحد يهتم!

وتصبح الحدائق والأشجار وجمال الطبيعة أمورا يتحدث عنها المصريون باعتبارها مميزات في بلدان أوروبا، تضاف لمميزاتها الأخري فتسمع من الكثيرين ممن أتاحت لهم الظروف السفر للخارج حديثا كله شجون عن الجمال التي تتصف به تلك البلدان ويستمتع به بشرها و(كأنهم في الجنة وهم أحياء) فإذا بهم يصفون الحدائق والأشجار والمساحات الخضراء وأحواض الزهور التي تزين تلك البلدان ومدنها وتمنحهم أوكسجين نقيا يضخ الحيوية في أجسادهم ويمنحهم نشاطاً وطاقة وقوة ورغبة في الحياة وحباً لها، وتكسو حديثهم نبرات الهم والشجن حين يصفون بلادنا التي تخلو من الجمال وتعاني من التلوث ويختنق بشرها بثاني أكسيد الكربون وتحاصرهم الكتل الأسمنتية تبخ حرارتها في أبدانهم كأننا في (جهنم الحمراء) !

لماذا يا سادة، يا من تخططون لمدننا، يا من تسنون قوانينا، يا من تشرفون بحكم مناصبكم علي إنشاء المدن والأحياء الجديدة، يا من تربحون الثروات المليونية من إقامة الأحياء والمنتجعات السكنية الخاصة، لماذا لا تهتموا بجانب الشوارع والمباني والشرفات والجراجات، لماذا لاتهتمون بإقامة مساحات خضراء وحدائق وسط الكتل الخرسانية؟ فتمنح السكان هواء نقيا وتمنح الأطفال مكاناً يلعبون فيه بدل الشوارع المكدسة بالسيارات وتمنحون المسنين مكانا جميلا ظليلا يجلسون فيه طيلة وقتهم الفارغ وتمنحون الأسر مكانا يسعدهم التنزه فيه بدلا من الجلوس فوق الكباري بحثا عن نسمة هواء «ونتفة» جمال تسعدهم!

لماذا يا سادة لا تهتمون بإنسانية المواطنين الذين أتاحت لكم ظروفكم الجميلة إدارة أمور حياتهم واتخاذ القرارات فيها! لماذا يا سادة لا تسعون مثل جميع البلدان الأخري بإقامة (الجنة) علي أرضنا بتخصيص بعض المساحات الخضراء وزراعتها بالأشجار والنخيل والورد والزهور ووضع بعض المقاعد والدكك الحجرية فيها فنتنفس بطريقة أكثر إنسانية ونمتع عيوننا بالجمال الذي منحه الله سبحانه وتعالي للبشر لكنهم لم يكترثوا به وأهدروه ففقدوا الإنسانية والصحة والرهافة والإحساس بالجمال!

القبح غزا حياتنا... ليست هذه هي المشكلة! المشكلة أن أحدا لا ينتبه لتلك المشكلة فلا يحاول وضع الحلول لها ولا علاج آثارها السلبية ولا تقليصها! القبح غزا حياتنا .... واللي مش عاجبه (يشرب من البحر).

نشرت بجريده روز اليوسف اليوميه 12 يوليو 2010

الاثنين، 5 يوليو 2010

ابنتي الصغيرة كبرت !!!

ابنتي الصغيرة .. كبرت !!!!

يوم الأربعاء بعد غد بمشيئة الله هو يوم فرح ابنتي الكبيرة، ولأن ابنتي الجميلة سوف تتزوج بعد يومين سأكتب اليوم عن الفرح الذي يتسلل لحياتي ونفسي وأنا أعد نفسي لقطع الحبل السري بيني وبين صغيرتي التي كانت صغيرة ولم تعد وصارت «عروس قمر» ستستقل بحياتها وتنشئ أسرتها وتحرث حديقتها لتملأها بالزهور والورود والأحفاد والحفيدات .. سأكتب عن الشريط السينمائي الذي يعود بي لسنوات بعيدة ويمر أمامي عيني في ثوان، فأري عمري وحياتي يتبلوران في عروسة جميلة اتخيلها وهي ترفل في ثوبها الأبيض الجميل ليلة زفافها وتطل علي أحبائها كالبدر ليلة التمام فتسيل دموعي فرحة وارتباكا، ها هي ابنتي، أجمل ما في سنوات العمر ملاك جميل رقيق أجمل وأعذب مما كنت أتصور وأحلم .... وأشكرك يارب علي أجمل نعمك، فهي واختها زهرتان جميلتان في حياتي حولا الصحاري الجرداء لبساتين فرحة وسرور !!!

ابنتي الجميلة العروس وزفافها المرتقب والابتسامة الأجمل التي اراها علي وجه حبيبة القلب وضنا العمر وأجمل ما في الأيام في ليلة فرحها، تعود بي لسنوات بعيدة، تذكرني بالوليدة القمرة التي حين طالعت وجهها الجميل وهي ابنة عشر دقائق فبكيت فرحة وامتنانا وشكرا، لأن الله سبحانه وتعالي استجاب لدعواتي ورزقني باابنة قمر، وكنت أتمني ابنة أحنو عليها في طفولتها فتحنو علي في كبري، ولدت ابنتي الجميلة بشعر أسود وعيون ذكية وأصابع ماهرة تقبض علي أصبعي ولا تتركه، تلك الصغيرة، كبرت ونضجت و"احلوت" وبعد الغد سأقف خلفها وهي تتأبط ذراع عريسها الرجل الذي اختارها واختارته ليتشاركا حياتهما السعيدة باذن الله !!!

هل أحكي لكم عن حفلة تخرجها من أولي حضانة، تلك الحفلة التي دعيت إليها مع كل الامهات وجلست وسطهن لنستمع لغناء زهراتنا الجميلات ، كانت ابنتي ابنة الاربعة أعوام تغني بحماس شديد وتلف كفيها في الهواء تناغما مع الأغنية وكلماتها ولحنها المبهج، هل أقول لكم أني يومها بكيت فرحة بصغيرتي التي كبرت وصارت تغني مع زملائها في فصل الأولي حضانة!!!

هل احكي لكم عن اليوم الذي دعيت لكلية الهندسة جامعة القاهرة قسم كيميا لاحضر حفلة تخرجها وكيف نادوا علي اسمها باعتبارها الثانية علي الدفعة وتخرجت بمرتبة الشرف، هل أقول لكم كيف أخذت اصرخ باسمها فرحة وهي تسير كالبدر ترتدي الثوب الاسود للجامعة وسط زملائها وزميلاتها اناديها واصرخ أبكي وتنهمر دموعي كالفيضان، فرحة بفلذة كبدي التي شرفتني واسعدت قلبي ومنحت أيام حياتي وجهدي وتعبي قيمة كبيرة، فليس أجمل من أن تثمر شجرة حياتك تلك الزهرة الجميلة تتباهي بها وتدعو القدير يقيها شر العين والحسد وولاد الحرام. هل أحكي لكم عن اليوم الأول الذي عادت فيه من موقع التنقيب عن البترول الذي اشتغلت فيه، ترتدي الأفرول الأزرق والخوذة الحمراء وحذاء الأمان وكفيها موشومتين باثار "الجاز والزفت" والصلابة وقوة الشكيمة، ها هي المهندسة الكيمائية تعود من الموقع لتثبت لي بمنتهي الوضوح والدقة أن " البنت زي الولد ماهيش كمالة عدد " وإن أفكاري صحيحة وآرائي واقعية وأني لم أحرث في البحر ولم أضيع عمري هباء !!!

هل أحكي لكم عن اليوم الذي حضرت حفلة المدرسة وهي في الإعدادية، حفلة يكرم فيها المتفوقون فنودي اسمها وصفق الجميع لها وأنا اتمتم بكل آيات القرآن التي احفظها وأبكي فرحة واصفق منتشية واكاد اصرخ في الجميع هذه ابنتي هذه ابنتي ، هل احكي لكم عن حفلة الطلائع في نادي الصيد وكانت ابنة التاسعة وهي ترقص رقصات شعبية وسط قريناتها الجميلات تارة بالزي الاسباني والمروحة وتارة بالزي البدوي وتارة بتوب فلاحي احمر بديع، هل احكي لكم وقتما كانت ابنة عامين وسقطت يوم شم النسيم علي الأرض وصرخت ثم صمتت وأكملت لعبها ثم فوجئت بخيط أحمر يلوث فستانها الجميل وفوجئت بقطع في أذنها يلزم خياطته.

هل ستتحملون معي صرخاتها وهي تقبض علي ذراعي وفي حضني والطبيب البارد قاسي القلب يخيط لها أذنها بلا بنج باعتبارها صغيرة لن تشعر بالألم، هل ستتحملون دموعها وهي تنتفض من الألم أم ستبكون مثلما بكيت فتختلط دموعها بدموعي واحتضنها بقوة واكاد التهمها اعيدها لرحمي الأكثر حنانا عليها من الدنيا القاسية ممثلة في ذلك الطبيب البارد القاسي عديم الإنسانية، هل احكي لكم عندما كانت ابنة تسعة شهور واخذتها للبحر وألبستها قبعة مزركشة واجلستها في مركب صغيرة علي الشط تأرجحه الأمواج الصغيرة وفجأة انقلبت المركب وسقطت ابنتي تحت الماء.

هل ستصدقوني اني بقيت ثواني أحدق في المركب أتاكد أنها سقطت وأن عيني لاتخدعني وتركتها تلك الثواني تحت الماء وحين انتبهت مددت ذراعي وانتشلتها لتخرج من الماء مذهولة مفتوحة العينين لاتفهم ما الذي جري لها ولا أصدق أنا أيضا، هل احكي لكم عن يوم غائم ، اغلق باب السيارة علي أصابعها فصرخت وأنا معها، تصرخ لأفتح الباب اخرج أصابعها وأنا اصرخ لأنها تتألم وتحرقني بالمها، هل اصف لكم منظر اصبعها الصغير حين خرج أزرق متورما من بين ضلفتي باب السيارة وإني أخذتها في حضني تبكي وأنا أبكي حتي نمنا في حضن بعضنا البعض والألم في اصبعها يعصف بجهازي العصبي ويحرق بدني وأعصابي ويوجعني ومازال !!!

هل احكي لكم عن اللحظة التي اختارت فيها ثوب زفافها ودخلت "تقيسه" فإذا بالقمر يترك علياءه ويمنحها بهاءه وسطوعه وحنانه ودفئه فتتألق وتزداد فوق بهائها بهاء وجمالا كانها حورية خرجت من قصص الأطفال التي كنت اقصها عليها وهي صغيرة، أجمل من سندريلا ليلة عرسها ومن الجميلة النائمة ومن عروس البحر ومن كل الجميلات، هي ابنتي العروسة دمي ولحمي عمري وأيامي فرحتي وبهجتي .............. وها هي دقات الدفوف تقترب تدوي في أذني والأغاني الجميلة تصدح اسمعها في خيالي وأري ابنتي وفرحة أيامي تسير في زفتها محاطة بالحب والفرحة والبهجة وقلوب الأحباء، دقوا المزاهر يالا يا أهل البيت تعالوا جمع ووفق صدق اللي قالوا، واسمعني اهمس، فالله خير حافظ وهو أرحم الراحمين ......... وعقبال كل حبايبكم يارب العالمين!!!

نشرت في جريده روز اليوسف الاثنين 5 يوليو 2010

http://www.rosaonline.net/Daily/News.asp?id=71446