الأربعاء، 24 سبتمبر 2008

" وبقينا ازاي كده ؟؟؟؟؟ "


" ياعيني عليكي ياطيبه ... لما بتروحي منا ...... لما نصحي نلاقينا ...... بقينا حد غيرنا " هكذا شدت امال ماهر بصوتها القوي الحنون الحزين في احد الافلام السينمائيه اغنيه تلخص بها احداث الفيلم وتكشف فيها قبح الحياة التي تغيرت فتغير بشرها جميعا !!! كلماتها تستجلب لذاكرتك صوت عويل ونواح الندابات الحزاني ينعون الحياة التي ضاعت لحظه الموت الموجع لحظة الفقد الكئيبة كلماتها سوداء بلون الحداد القاتم مالحه بطعم الدمع السخي مريره كمذاق الحنظل حاده كالانصال المشحوذه تنغرز في قلبك توجعه تشقه تنبهك للواقع الرديء الذي نعيش فيه وتحسرك علي الواقع الجميل الذي ضاع منك فضعت معه !!! اغنيه كالمرثيات القديمة كآنها تخرج لاذنك من بطن الازمنه السحيقه تنعي الابطال " التراجيديين " العظماء الذين غلبتهم الخيانه وكسرت ظهورهم الخسه وحطمت انفسهم الوضاعه فوقعوا في اسر الانذال فلا تملك النساء الشريفات المحميات بنبلهن الا البكاء عليهم وعلي انفسهن !! هكذا رآيت الصوره السوداويه التي انبثقت من كلمات والحان تلك الاغنيه التي شدتها امال ماهر باحساس رقيق متآلم لا تنعي شخصا تحبه ولا عزيز فقدته بل تنعي وبحزن فياض معني جميل ضاع من نفسها ونفوسنا جميعا فبكت عليه وابكتنا معها لانه ضياعه اضاعها واضاع نفسها التي تحبها وتعرفها وذكرنا بضياعنا المستمر وهزيمتنا الفجه !!! وقد بدآت تلك المقاله وافكارها تنبت في عقلي مع لحظات النهار الاولي والسماء مازالت مرتبكه غماميه اللون لم تسطع شمسها بعد ولم يرحل قمرها بعد ، كنت في فراشي مستلقيه علي ظهري اشحذ النوم قلقه انصت لصوت العصافير المحلقه فوق اشجار شارعنا كآن تغريدها سيخدرني فانال النوم العزيز ادفن رآسي تحت المخدات هربا من اليوم الذي سيبدآ اؤجل صراعاتي معه ولو لبعض لحظات افر بها من الحياه الموجعه للاحلام الجميله لكن اليقظه تمكنت من عقلي واحتل وعيها رآسي مع جلبه ذلك الجهاز الصغير الذي نسيته ابنتي يغني طوال الليل يعيد ويكرر اغنياته ونامت وتركته " يزن " فوق رآسي ... نفضت الاغطيه وانتفضت غاضبه ابحث عن ذلك الجهاز اللعين لاخرسه واعود لنومي العزيز اناشده احتلالي واتبعت خطواتي صوت نغمات الجهاز الصغير تعلو وتعلو فاقترب منه واقترب كآنه الفريسه التي كاد الصياد ان يقبض عليها لكن انين امال ماهر استوقفني " وبقينا ازاي كده ؟؟!! " فجلست علي المقعد القريب انصت لحزنها فاذ بنغماتها تحتل نفسي فتستسلم لها واذ بكلماتها تقبض علي وعيي تآسره في شباك معانيها واذ بنبرات الاسي التي تخرج من حنجره امال ماهر تثبتي مكاني ساعه واثنين استمع للاغنيه مره واثنين واعيدها واكررها واشعل سيجاره واطفيئ الثانيه واشرب فنجان قهوه وانسي الثاني حتي يبرد فالقيه في الحوض وانا اصب الفنجان الثالث !!! " اجمل ما فينا قلب .... اصبح حته حجر " كلمات متلاحقه كالطلقات السريعه كآنها رابضة في بندقيه الزمن القديم تنطلق في وجههك تجرحك و" تفتفت " قلبك المتحجر !!! هونت علي نفسي معني الاغنيه باعتبارها ضروره دراميه في الفيلم الذي عبرت عن احداثه لكن عقلي المتمرد رفض تفسيراتي الزائفه واستعاد كلماتها يكررها تاره تلو الاخري و " بقينا ازاي كده ؟؟؟ " بقيت مكاني ساعات افكر في كلمات تلك الاغنيه واجعلها موسيقي تصويريه حزينه لصور واحداث متلاحقه استدعيها من ذاكرتي وذكرياتي الدفينه فاحسست الاغنيه وكآنها ترثينا نحن المصريين الذين تبدل الزمن علينا فتبدلنا وقست الايام علينا فتحجرنا واوجعتنا الدنيا فتبلدنا وانهمكنا في نهار عمرنا ولياليه نحافظ علي وجودنا نقفز بين الحبال المعلقه للحياه الصعبه لايشغلنا الا بقاءنا علي قيد الحياة مهما كانت طبيعه تلك الحياة ومهما كانت ماهيتنا غير مكترثين بما يقع منا وبما نفقده حتي افقنا فاذ بنا فقدنا انفسنا وضعنا !!! احسست الاغنيه ترثينا نحن الذين هززنا اكتافنا بعدم اكتراث حين تحجرت وجوه المواطنين المتعبين في الشوارع حزنا وحين خرجت انفاسهم المكتومه لهيبا وحين دوت صرخات شكاواهم في سماءنا غضبا يعانون الغلاء والظروف الاقتصاديه الخانقه وانعدام العداله الاجتماعيه وقله فرصهم في الحياه فاغلقنا آذاننا عنهم وفقئنا عيوننا لانراهم واعطيناهم ظهورنا كآن حياتهم البائسه لا تعنينا وكآن حياتنا المرفهه لاتعتصرهم فازدادت قلوبنا قسوه ونفوسنا غلاظه وتحولنا لحيوانات متوحشه في غابه موحشه متجردين من انسانيتنا غير آسفين عليها و" بقينا ازاي كده ؟؟؟" ..... احسست الاغنيه ترثينا حين ادمنا قراءه الحوادث البشعه الموجعه علي صفحات الجرائد ونحن نحتسي فنجان الشاي النهاري فلايشغلنا الا برودته لا نقلق من طبيعه الجرائم والحوادث العنيفه التي تحاصرنا ولا نخاف من اشكال الانحراف الدنيئه التي تستجد علي مجتمعنا اغتصاب للاطفال الصغار وتنازع علي الميراث وجرائم نصب وتزوير وتحرش جنسي بالنساء في الشوارع وقتلي غرقا في بالوعات المجاري وصعقا باسلاك الكهرباء العاليه فلانواجه ما يحاصرنا بل نفر منه مرتعدين ويدخل كل منا داخل منزله وداخل نفسه وتحت جلده كآن ما يحدث في هذا المجتمع لا يعنيه ثم يصدق انه لا يعنيه ثم لايعنيه فعلا ونعيش كالجثث المحنطه تنتظر لحظه دفنها غير مكترثين بما سيحدث خارج قبورنا " وبقينا ازاي كده ؟؟!!! " ... احسست الاغنيه ترثينا حين اضطرننا للتعايش مع القبح المنتشر حولنا قمامه في الشوارع وتلوث بصري يحاصرنا في المباني واشكالها ولوحات الشوارع والوانها واوراق الشجر العليله التي يكسو التراب اسطحها فيخنقها ويخنقنا فتناسينا الاحساس بالجمال ونسيناه وجفت مشاعرنا وتيبست احاسيسنا و" بقينا ازاي كده؟؟" ..... احسست الاغنيه ترثينا وقت اجبرنا علي سماع الاصوات القبيحه تحاصرنا فاعتدنا الاهتزاز الرقيع علي نغماتها المزعجه ورددنا كلمات اغانيها الهابطه وكآنها تعجبنا وكذبنا علي انفسنا واظهرنا سعاده زائفه وكآننا مستمتعين بما نسمع فرحين بما يقال فاستيقظنا من نومنا يوما لانميزالنغمات الاصيله من الضجيج المدوي ولا نفرق بين الكلمات الصادقه واللغو الغث ولا نحتج علي الازعاج الذي ادمناه ولا نكره الانحطاط الذي حوصرنا فيه و" بقينا ازاي كده ؟؟؟ " احسست الاغنيه ترثينا نحن الذين قبلنا غش اولادنا في الامتحانات وادعينا نجاحهم وتفوقهم .. نحن الذين اسمينا الرشوه اكراميه ودفعناها متباهيين بانحرافنا وفسادنا .. نحن الذين سعينا بالواسطه والغش والكذب المهين للحصول علي ماليس حقنا وروعنا بصوتنا العالي ونفوذنا الزائف اصحاب الحق فقهرناهم بقلب ميت ودم بارد ... نحن الذين نضرب الاطفال بقسوه وندعي تربيتهم .. نحن الذين نزوج البنات غصبا وتنهال دموع فرحنا وقسوتنا يوم عرسهم .. نحن الذين تركنا بلادنا الجميله وخرجنا بلا كرامه نمسح احذيه الجهلاء ونعمر بلادهم فيحتجزونا اسري غطرستهم الفارغه فنقبل قواعدهم المهينه وندفن رؤسنا في الرمال اكثر واكثر وكآن ما يهينن لا يحدث وكآن ما يوجعنا لم يحصل ......" ومين اضطرنا .... واحنا ازاي رضينا " تصرخ امال ماهر تلومنا علي تهاوننا في حق انفسنا ... تلومنا علي تفريطنا في صفاتنا الجميله ... تلومنا علي التغييرات التي لحقتنا ولحقت بنا فصرنا اناس لا نعرفهم ولا نحبهم .. صرنا اناس نكره صورتهم في المرآة ونخاف من قبح اشكالهم .. تحاول امال ماهر بصوتها الحزين اعادتنا لصوابنا ارجاعنا لصفاتنا الجميله ردنا لانسانيتها المهدره وتحذرنا من تلك اللحظه التي سنفيق فيها علي واقعنا الجديد القبيح " لما نصحي نلاقينا ...... بقينا حد غيرنا " فنكره انفسنا وحياتنا وايامها الكيئبه ولياليها الطويله وندرك عجزنا عن استعاده مافاتنا واسترداد ما ضاع منا وقتها لن يجدي ندما او حزنا و " تصرخ مهما تصرخ ولا حد حيسمعك .... مافيش مركب حتقدر بالعمر ترجعك .... " بقيت مكاني ساعات اسمع عويلها وابكي معها حزنا علي ذلك الزمن القبيح الذي سلبنا اجمل ما فينا وسرق منا روحنا الاصيله ومشاعرنا النبيله واحاسيسنا الفياضه ومنحنا بدلا منها " حته حجر " .. بقيت مكاني ساعات افكر في حالنا وماصرنا عليه اسآل نفسي واسآلكم " ومين اضطرنا ..... واحنا ازاي رضينا " ..... الفقره الاخيره - مازال الفن الجميل قنديلا يضيئ ليالينا المظلمه الطويله .... الجمله الاخيرة - اكره البشر الذين يستخرجون مني اقبح مافي !!! .... واكره الظروف التي تدفعني للتخلي عن نفسي التي احبها !!! السطر الاخير - هل تعسفت مع الاغنيه وحملت معانيها اكثر مما تقصد !!! ربما !!! لكني احببت المعني الذي فهمته فهو علي قسوته معني ايجابي قد يدفعنا للتصارع مع الحياه حفاظا علي انسانيتنا الجميله ...
نشرت في ١٥اغسطس ٢٠٠٧

هناك تعليق واحد:

اميرة بهي الدين يقول...

نشرت هذه المقاله في الفيس بوك فجائني هذا التعليق


Ghada Shahbender wrote
at 12:19pm on January 26th, 2008
مانقدرش نتخلى عن الايجابية يا امورة
ماعندناش اسلحة كثير غيرها
و لكن انا متفائلة بالجيل اللى طالع دلوقتى
و متفائلة بالفن اللى بيحمينا (خط الدفاع الأخير) و مؤمنة بانه كل حال يزول