الأربعاء، 24 سبتمبر 2008

" الارض "



لا اعرف كم غبت عنكم !!! ربما عقد .. ربما اكثر .. ربما دهرا . ربما اقل ...... !!! لااعرف !!! كل مااعرفه انني غبت عنكم طويلا حتي نسيت تضاريس وجه الوطن وتملكتني ذكرياته الجميله فيه ومعكم تؤرقني وتضج مضجعي وتبكيني !!! غبت عنكم حتي اوجعني الغياب عن حضن الوطن واوجعني الحنين لاحضانكم !!! كنت وحيده رغم ازدحام المدينه التي لااحبها ،اسير في شوارعها من ال" شمال " لل " يمين " متعثره الخطوات تائهه ، افتش في وجوه بشرها عن وجه احبه او شخص اعرفه او صوت آآنس اليه ، انتابني الحنين الجارف للوطن الجميل بشوارعه المزدحمه ببشره الطيبين بخفه دمهم اللاسعه ، انتابني الحنين لحضن امي وبدآت اعراض مرضي الذي اعاني منه كلما سافرت بعيدا عن الوطن تحتل كل مسامي وحويصلات رئتي وعروق دمائي ، قطرات عرق بارده تغطي وجههي في الاماكن الدافئه رعشه برد تنفض جسدي رغم اشعه شمسهم الحاره توتر عصبي ينرفزني رغم الهدوء والنظام والنظافه والادب الجم و " اكسكيوز مي ... اكسكيوز مي " !!!! عدت لغرفتي مسرعه ابحث عن نسمه هواء احب رائحتها تعيدني لنفسي ، ابحث عن كلمه عربيه تردني لذاتي ، ابحث عن الوطن الذي احبه وافتقده وسط الكتب التي حملتها والافلام التي احضرتها والاغاني التي اعددتها للحظه المرض الموجع !!! جلست امام الشاشه اتابع احداث فيلم " الارض " اسمع موسيقاه العذبه و" نورت ياقطن النيل .. ياحلاوه عليك ياجميل " تتسلل داخل نفسي تسعدني ، اتآمل " الغيطان " وقمر الليل و" البيوت الطينيه " وانين السواقي ورقص الفتيات في الفرح احسني افيق من غربتي اللعينه وينتفض جسدي انتعاشا كآن اوكسجين الوطن قد روي نفسي الظمآي ، احدق في الشاشه في الفيلم احس شخصياته التي اعرفها واحبها وانتمي اليها تناديني تردني من فراغ الوحده لحميميه الاحباء ، قفرت فرحه اجلس وسطهم اتوحد معهم يتملكني خوفهم يسعدني فرحهم يوجعني غضبهم اكاد انادي "ابويا محمد ابو سويلم " اقبل يده ، اكاد انادي " ام وصيفه " انام في حضنها ، اكاد اتسلل لحقل " دياب " اجلس فيه اسمع صوت السواقي الحزينه ،اكاد اصرخ احتجاجا امام نافذه منزل العمده مع "وصيفه " وبقيه النساء الغاضبات علي اعتقال رجالهن ،اكاد اهرول فزعا مع بقيه الاطفال امام اسواط الهجانه ، اكاد امد يدي اجمع زهيرات القطن قبل اقتلاعها ب" حديد الزراعيه " احس الغضب الجارف حين يضرب احد العساكر رآس "ابويا محمد ابو سويلم" فتسيل دماءه "الارض لو عطشانه .. نرويها بدمانا .. عهد وعلينا امانه ... " يتملكني القهر العنيف حين يربطه المآمور الظالم في حصانه الغاضب ويجره علي الارض يسحله فوقها يقتله عمدا فوق الارض التي احبها ودافع عنها ... و ....... انتهي الفيلم ...... وبقيت مكاني لا اتحرك ثابته مثل الدموع المعلقه في مقلتي لا تسقط احس طوفان من المشاعر الهادره يجتاحني كآن الهواء الذي استنشقه في صدري دبابيس موجعه توخزني توجعني كآن الدماء التي تجري في عروقي انهار مريره تتدفق في قلبي تنتابني رغبه في البكآء تتملكني موجات الصراخ الحزين اسمع"نهنات" العويل الموجع داخلي كآن الفيلم قد فجر احزاني او جددها كآن الفيلم قد انبت في قلبي شجيرات الصبر الموجعه تؤلمني بشوكها تذكرني بالوطن الذي لم يعد يعرف اهله كيف يحبونه والذي احبه واتعذب ببعده وغيابه !!! انتهي الفيلم وبقي ابطاله في قلبي محمد ابو سويلم ووصيفه وعبد الهادي وخضره ومحمد افندي والشيخ يوسف ودياب و" صلاح السعدني " بقوا ضيوفا في حجرتي كآنهم اهل قريتي اللذين خرجوا بعد صلاه الفجر من بلدتهم لزياره اولياء الله الصالحين فقرؤا الفاتحه في الحسين و صلوا "الضهر" في السيده زينب و خطفوا "العصر" في مقام نفيسه العلم ثم طرقوا بابي قبل العشا وجلسوا معي يتسامرون ويشربون الشاي ويشكوا لي همومهم واحزانهم من البلد والحياه والدنيا والعيشه كلها !!! انتهي الفيلم .... وبقيت رائحه الارض الطيبه التي قص علينا الفيلم تاريخها في انفي في غرفتي تحتلني احتلالا جميلا محببا لنفسي كآنها رائحه قريتي الصغيره التي لم تعرف الخرائط اسمها ، كآنها رائحه " الخبيز" الذي برعت فيه جدتي ، كآنها رائحه السماء لحظه الغروب من فوق سطح منزلنا الريفي ، كآنها رائحه الاصاله العريقه والبشر الطيبه !!! انتهي الفيلم .... وبقي حفيف اعواد القطن العطشي في حقولها يئن في اذني مجدولا بصوت السواقي الحزينه بصوت الكروان بصوت انين النايات في الليالي القمريه الطويله بصوت انفاس المحبين بصوت قرآن العشا بصوت ديوك الفجر بصوت الخطوات البطيئه في الازقه الترابيه بصوت صراصير الغيط بصوت بكاء الاطفال اليتامي بصوت الصمت المؤثر في القلوب المحبه !! انتهي الفيلم وبدآت احزاني وسال فيضان دموعي شوقا كآنني عدت للوطن الجميل او كآنه زارني في غرفتي في البلاد الغريبه شعرت بدفئه وحبه يشفيني يطهرني من الاغتراب اللعين !!! انتهي الفيلم فتنفست نفسا عميقا كبيرا كآنني اخرج من قلبي اوجاعه وبقيت مكاني يرن في اذني الموسيقي التصويريه الهادره المتحديه الحزينه الموجعه الصامده التي لملم "علي اسماعيل" نغماتها من التراث الفطري لهذا الشعب من بكاء مواويله وانين مداحيه وعويل نداباته وزغرده نساءه وضحكات صباياه الجميله !!! انتهي الفيلم وانفجر عشق الارض في قلبي كآنها طفلتي الصغيره التي تبكيني ضحكاتها كآنها امي المريضه التي تهدهدني في عز اوجاعها كآني جدتي العجوز تآخدني في حضنها طفله صغيره تمنحني حبها ودعاءها وطيبه قلبها !!!! " الارض " الفيلم والروايه والخريطه والتاريخ والجغرافيا والذكريات الحميمه و"برافوا عليك يايوسف ياشاهين .. برافوا عليك " لا اصدق ان تلك المشاهد التي شفتني واوجعتي وحركت مشاعري واثرت في ووشمت قلبي ولمست شغافه ليست الا تمثيلا بارعا صادقا من مجموعه ممثلين بارعين اخرجت منهم اجمل واصدق ما فيهم ومالديهم !!! بقيت مكاني ثابته استحلب عذوبه مشاهد الفيلم الذي اخرجني من يم الغربه غرقي وضخ في عروقي ترياقه الشافي ، استرجع المشهد الانساني الجميل حين هرول " دياب " الفلاح الطيب المعطاء لحضن ارضه بعد اعتقال ظالم وقهر مهين يدفن رآسه في " حجرها " و"يمرمغ" وجهه في ذرات ترابها ويمسك قطع صلبه من بدنها يمسح بها وجهه يشم رائحتها يكاد يلتهمها يبثها حبه واشتياقه تسيل دموعه انهارا فوق ترابها كآنه يشكو لها الظلم الذي وقع عليه بسببها والقهر الذي تعرض له عقابا علي حبها لكنه رغم مالحق به يلقي بنفسه في احضانها تحسه جزءا منها وتحسها جزءا منه فالارض بالنسبه له العائله والحب الاكبر الذي يعطيها حبه واخلاصه فتعطيه خيراتها وثمارها ، استرجع المشهد الانساني المؤثر ل "ابويا محمد ابو سويلم " الفلاح المصري الطيب الصلب الذي قررت القوه الباطشه حرمانه من ارضه فتشبث بها وتمسك بكل ذراتها حتي اخر نفس في حياته واخر قطره دماء في قلبه ومات ووجه في التراب الذي احبه وعشقه وكره الحياه الذليله بدونه ، استرجع شكل كفيه الهرمين بلونهما الاسمر المعجونتين بالتراب الغالي الموشومتين بالصلابه المحترقتين بلهب الشمس المكويتين بملمس الفآس الخشن استرجعهما وهم ينغرزان في قلب الارض يحفران في جسدها اخاديد حب لا تفريط فيه احسهما يقبضا علي الارض السليبه التي يسحل فوق سطحها لا يبالي الا احتضانها والبقاء في حضنها ولو كان للمره الاخيره .. افكر في عبد الرحمن الشرقاوي الذي آلف تلك الروايه ، افكر في حسن فؤاد الذي كتب السيناريو والحوار ، افكر في علي اسماعيل الذي الف موسيقاه ، افكر في محمود المليجي وعزت العلايلي وصلاح السعدني ويحي شاهين ونجوي ابراهيم وعلي الشريف ، افكر في كوكبه المبدعين الذين اهدونا شريطا سينمائيا عظيما ضم بين دفتيه الوطن بكل احزانه وافراحه واصالته وجماله و.... استلقيت علي فراشي سعيده يؤنسني الوطن واغمضت عيني ونمت نوما امنا في احضان الاحباء !!!! الفقره الاخيره - الي الغاضبين علي الوطن والمحبطين من احواله واليائسين من تحسنها والفارين من ظروفه ، الي الشباب الذي لايعرف الوطن الذي نحبه ، الي العجائز اللذين يكرهون هذه الايام ولايفهمونها ، الي المعذبين بحب الوطن يبحثون عنه ولا يجدوه .. اهديكم فيلم " الارض " شاهدوه في ليله من ليالي رمضان الطويله ، ستجدون فيه الوطن الذي تحبوه والبشر الذين تعرفوهم والموسيقي التي تحرك شغاف قلوبكم المتعبه ، وستجدوا فيه انفسكم الضائعه ، وستشعرون بالرضاء والسعاده !!!! فهذا الوطن عظيم حتي لو كنتم لا تعرفون !!! الجمله الاخيره - اطال الله في عمر يوسف شاهين وشفاه ،رحمه الله علي عبد الرحمن الشرقاوي وحسن فؤاد وعلي اسماعيل ومحمود المليجي ويحيي شاهين .. فجميعهم فنانين مخلصين صادقين عظماء يستحقون منا الان وغدا وفي كل وقت كل تقديرنا وثناءنا واحترامنا .... السطر الاخير - يا من تدعون انكم تصنعون هذه الايام " سينما " .. يا من تصدعون روؤسنا بحديثكم الاجوف الفارغ عن " الفن " .... الا تخجلون ؟؟؟؟

ليست هناك تعليقات: