الاثنين، 1 سبتمبر 2008

صندوق الذكريات



مازالت الطفلة الصغيرة بداخلي تنتظر العيد – أي عيد وكل عيد - بلهفة حميمة تتوافق وذكريات الطفولة العذبة التي تبقي في النفس والقلب لاتغادرهما علي الرغم من مرور سنوات طويلة طويلة بعيدة عن الطفولة وبرائتها ونقائها ، تلك الذكريات التي تؤنسنا في صقيع ايامنا التي نسجتها التكنولوجيا والتطور والتقدم ولونتها بالوان الوحدة والانانية والمنافسة البغيضة !! مازالت الطفلة بداخلي تستدعي من صندوق ذكرياتها الفرحة عندما تري في الساعات المبكرة لنهار يوم العيد العربة الخشبية الرديئة الصنع بعجلاتها المطاطية متفاوتة الاحجام يدفعها الرجل العجوز الطيب "دائما طيب " يحمل عليها اشكالا مختلفة من اغطية الرأس الاحتفالية " الطراطير " يدوية الصناعة لامعه الورق وب"شراشيب " طويلة طائرة ، وقتها تنتفض الطفلة الصغيرة بداخلي مرحا وتكاد تدفعني لاناديه لاشتري كل ما يحمله واوزعه ومعه البهجة البدائية البرئية علي بناتي واطفال العائلة احتفالا معهم بالعيد !! مازالت الطفلة الصغيرة تستجلب من صندوقها المحبب المرح والبهجة وقت تري حامل البالونات الملونة الكبيرة والطويلة يسير في الشوارع يصرخ علي بضاعته بصوت مبتهج يكاد يرقص وهو يهز البالونات والوانها المرحة الفرحة بداخلها حبات الرز الحبيسة ليصدر عنها نغمات احتفالية ملونة خاصه بيوم العيد ، مازالت الطفلة الصغيرة بداخلي تنتفض فرحا وتكاد تجري خلفه تخرج من جيب فستانها الجديد كل نقودها الفضية اللامعه وتشتري كل بالوناته وتفلت حبالها لتنطلق في السماء زحام من الالوان الحية الحيوية احتفالا بالعيد !!! مازالت الطفلة الصغيرة داخلي تطرب لصوت انفجارات "البومب " الذي كنا نشتريه بقروش صغيرة ونرميه - بادب وفي ساعات مناسبة وبغير ازعاج للاخرين - بكل قوتنا يحدثا صخبا احتفاليا جميلا ، مازالت الطفلة الصغيرة داخلي تتذكر اطفال العائلة باعمارهم المتعاقبة يقفون معا – والكبير يرعي الصغير ويقبض علي يديه خوفا عليه - امام البقال الصغير في قريتنا يشترون " حرب ايطاليا " يدقون عليه بحبات " زلط " ناعمة ليصدر شرارات ملونه حمراء نتفرج عليها من بعد ونحن نعي نصائح الكبار بالحفاظ علي عيوننا وجلودنا من " اللسع " ، مازالت الطفلة الصغيرة داخلي تحس العيد عيدا وهي ترتدي ملابسها الجديدة وحذائها اللامع والشراب " ابو كور ملونه علي جنب " تربط جدائلها الطويلة بشرائط ستان ملونة ترتسم علي وجهها فرحة فطرية جميلة ، مازالت الطفلة الصغيرة لا تحس العيد الا مناسبة اجتماعية عائلية محببه ، تتذكر فيه منزل العائلة القديم العتيق تختلط فيه انفاس العائلة برائحة الكعك المخبوز الطازج عبقا جميلا يحتل نفسي حتي الان وترن في جنباته ضحكات كبار العائلة المجتمعين معا تتداخل اصواتهم وضحكاتهم بصخب محبب يوزعون عيدياتهم علينا فتملا الفضة والاوراق الجديدة جيوبنا التي تفيض منها الشوكولاته " الكور " الفضية اللامعه والملبس " اللوز " وتملآ نفوسنا بهجة وفرح ، مازالت الطفلة تحس العيد عيدا وذاكرتها السينمائية تستدعي وجوه الاحباء الراحلين تراهم مبتسمين سعداء فرحين كأن العيد وشم وجوههم بالسعادة التي بقيت هي ورحلوا هم لتختلط وجوههم وكل لحظات العيد المبهجة لترقد في صندوق الذكريات فيضا من الفرح المعتق مدخرا لساعات اليأس !!! وما اكثرها !!!
لكن ايام الطفولة ولت وباعت الاسرة منزلها القديم وهدمت جدرانه التي شهدت ايامنا وليالينا المرحة ورحل الكثير من الاحباء وتركونا نعاني وحدة لا يربأ صدعها طنين الغرباء ونسينا – او تناسينا - الكثير من التقاليد العائلية التي حافظت عليها الاجيال اعواما واعوام وتفككت الاسر وانشغل كل انسان بهمه الخاص ودفن داخل قبر وحدته ، فجاء العيد في ايامنا باردا بلا بهجة ولا "طراطير لامعة " ولا " بالونات ملونة " ولا اجتماعات عائلية محببة ، جاء العيد معبرا عن ايامنا التي يعيش فيها البشر برودة الوحدة ووحدة النفس فمر يوم العيد مثل بقية الايام التي نعيشها بلا مذاق خاص وبلا معني بهيج !!
كم كنت اتمني ان ابقي طفلة حبيسة في صندوق ذكرياتي الجميلة ولااعيش ناضجة كبيرة في زمن بارد بلا مذاق او معني !!! لكن امنياتي لم تتحقق فكبرت وانتم جميعا ولم ينقذنا من الصقيع والبرودة الذي نعيشهما هذه الايام الا دفء ووهج ذكريات ايامنا الماضية الحلوة !!! كم اشعر اشفاقا علي اطفال هذه الايام الجالسين في وحدة صامتين امام شاشات الكومبيوتر يحتفلون معها بالعيد يتبادلون التهاني مع اصدقائهم بحروف لاتينيه مكتوبة بطريقة عربية غامضة لااحساس ولاجمال فيها ، فقد حرمتهم الايام من ذكريات الطفولة المحببة يستدعونها اذا ما ضاقت امامهم الدنيا وكثرت مشاكلها !! وحكمت عليهم الايام بالعيش في البرودة طفولة ونضجا ، ماضيا وحاضرنا ومستقبلا !!! وبقيت صناديق ذكرياتهم خاليه خاوية مثل نفوسهم وقلوبهم !! مااتعسهم واسعدنا !!
كل سنه ونحن جميعا طيبين !!!
الاحد 6 نوفمبر 2005

ليست هناك تعليقات: