شاهدت امس الاول بضعه مشاهد من فيلم سينمائي وقرأت امس خبرا منشور في احد الصحف اليومية فانتبهت لعلاقة خفية بين الاثنين وتملكني الحزن والغضب بسببهما معا لان الحياة التي نعيشها صارت قاسيه موجعة ندفع ثمن ايامها بدمع العين الما وحسرة .... والمشاعر الموحشة التي تملكتني تسللت لاعماق نفسي حين سمعت مصادفة جملة "انا زعلانه قوي من الدنيا " تخرج من الشاشة الملونه الكبيرة التي اجلس امامها نصف نائمه لااعيرها التفاتا ارهاقا وزهقا "انا زعلانه قوي من الدنيا " جملة فتاكة كناب الثعبان تنفث السم في جسدك وتوهنه وتوهنك ثم تنال منك بالضربة القاضية الحاسمة شدت انتباهي ودوت في اذني استرجعها في الثانيه الواحده الاف المرات كأني لااصدق انني سمعتها !!! والقصه بدأت وقت حان ميعاد نومي بعد يوم عمل شاق فتحركت من فوق الاريكة الناعمة ودرت علي اركان الشقة اطفيء الانوار واراجع " ترابيس " الباب اتمني القاء رأسي فوق مخدتي الحانية احلم بنوم هاديء وسكون مريح ، كنت اهم باغلاق التلفزيون وانا خدرة مغمضة العينين لا اكترث بما يعرض علي الشاشة الملونه يسيطر علي عقلي نصف النائم لامبالاة نابعة من موقف ذهني ووجداني مسبق من كل افلام هذه الايام باعتبارها ليست السينما التي اعرفها وليست السينما التي احبها لكن الجملة الحوارية الموجعة "انا زعلانه قوي من الدنيا " خرجت من الشاشة لقلبي وخزته وآلمتني كأنها نصل السيف البتار الذي ترك كل المعارك واختصني بوجعه فلممت اصابعي و" تسمرت " امام الشاشة لااصدق ما سمعته تعبير بسيط موجع غاضب متألم يائس " انا زعلانه قوي من الدنيا " !!! انتبهت للشاشة وبطلاتها كانت مني زكي تهمس لشقيقتها غاده عبد الرازق في احد مشاهد فيلم " عن العشق والهوي " وسط عبرات البكاء المخنوق تشرح لها سبب حزنها وبكاءها فهي ليست غاضبه من شخص مهما المها وليست غاضبه من موقف مهما اوجعها وليست غاضبه من موضوع مهما ضايقها لكنها " زعلانه من الدنيا " كلها !!! تعبر لها عن خيبة املها في الدنيا وبشرها هؤلاء الذين اوجعوها وادموا قلبها وافسدوا عليها بهجه ايامها فجلست في الليل وحيدة تبكي ايامها الجميلة التي ولت وتبكي احلامها التي تبددت وضاعت وتبكي حزنا علي الدنيا التي اتعستها ولم تفرحها فلم يبقي امامها الا "زعلانه من الدنيا كلها" وكأن الدنيا شخص قريب لنفسك توقعت منه الكثير لكنه بخيل شحيح فخذلك بغير ان يطرف جفنه !! كأنها صديق كنت تبحث في الايام القاسية عن حضنه فاغلقه في باب المك وتركك وحيدا امام الجدران الصماء تكلم نفسك ولاتجد من يصغي اليك !! كأنها حبيب نفضك بعيدا ولملم مشاعره وعواطفه واحاسيسه التي كنت تظنها تخصك وغادرك دون رجعة وتركك مذهولا لاتصدق ان الحب الذي كان يدعيه افصح في لحظات الهجر عن وجهه القبيح وذبح مشاعرك بنصله البارد !! عبرت بطله الفيلم الحزينه بعبارتها المتألمة عن الآف البشر الذين احبوا الدنيا قبل شروق شمسها وتفاءلوا بايامها فاذ بالدنيا تنهال علي رؤوسهم باحجارها الصماء وتمزق اجسادهم بسياط قسوتها وتحرمهم من كل احاسيسهم بالامان !!! فلا يبقي امامهم الا كؤوس اليأس يتجرعوها حتي الثماله في " صحة " الدنيا التي احزنتهم واحزنتهم !!! انتهي الفيلم نهايه سعيده لم تنال من مشاعري الموحشة ونمت وانا حزينه نوما متقطعا مرهقا احس بعقل خدر نصف نائم نصف مستيقظ انني اشارك مني زكي " زعلها " من الدنيا كلها واحتلت الكوابيس نفسي وعقلي الباطن وكل احلامي وحين استيقظت في نهار اليوم الثاني كان الحزن والشجن مازالا يخيما علي نفسي ، امسكت الجريدة الصباحية اتصفحها بملل لاانتظر فيها خبرا جديدا ولا خبرا سعيدا لكنها العادة اليومية التي لاسبيل للتخلص منها ، قلبت صفحاتها بروتينيه وكدت اغلقها حين اصطدمت عيناي بخبر منشور في صفحه الحوادت عن حادثه مروعة قتل فيها شابين في بدايات العشرينيات لشاب ثالث علي قارعة الطريق في قلب العاصمة وفي منتصف النهار وامام المارة غضبا منه لانه طالبهما برد مائة جنيه اقترضاها منه ولم يرداها !!! راعني تفاصيل الحادث البسيط المنفر الذي ضاعت حياة شاب جامعي بسببه ووقفت طويلا امام ظروفه التي دفعت الشابين القاتلين وقد اقترضا من صديقهما القتيل مائه جنيه ولم يعيداها اليه وراوغاه وحين قابلهما في الشارع طالبهما برد الدين فبادرا وبدلا من المناقشه معه او تقديم الاعتذارات له عن التأخير ،بادرا وقتلاه وكأن قتله واسالة دماءه وبقر بطنه اسهل عليهما من الحديث والاعتذار ورد المائه جنيه لصاحبها الشهم الذي اقرضهما وقت احتاجا النقود وقتلوه وقت طالبهما برد الدين !!! راعني ما قرأت عن ذلك العنف الدفين في نفوس الشباب فاقده الامل في الحياة مستخفة بايامها الي الحد الذي لم يروا في حياة صديقهم القتيل ما يستحق الحفاظ عليه فهي في نظرهم ارخص من المائة جنيه التي اقترضوها ولم يردوها !!! سألت نفسي عن الدوافع الحقيقية للجريمة ، هل هو فقر مدقع يعيشه الشابين القاتلين لا افاق للتخلص منه او الخروج من براثنه فتصبح حياتهما المعسرة القاسية وموتهما البطيء في غياهب السجون سواء بسواء ، هل هو غضب دفين من الحياة البغيضه التي يعيشوها بلا مصدر دخل او رزق كريم او عمل دائم يتيح لهما رفع ذل الدين عن كاهلهما فيصبح القتل ارخص من سداد الدين ويصير ارتكاب الجرائم ايسر من ضبط النفس والمناقشة والاعتذار المهذب عن العجز عن الوفاء بالدين المذل في الوقت المناسب ، هل هو يأس قاتل من حياة لاتعطيهما ولن تعطيهما كرامة وادمية واحترام ومستقبل مشرق فيصبح الاجرام سبيلا للتعبير عن ذلك اليأس!! تدفق الحزن اكثر في نفسي واحسستني انا الاخري" زعلانه قوي من الدنيا " بكيت القتيل الذي لااعرفه وعاش بقدر سنوات شبابه لم يرتكب ذنبا ورغم هذا ضاعت حياته وايامها وحزنت علي الشابين القاتلين الذين عجزا عن سداد مائه جنيه لصديقهما فقتلاه متناسين ان ايام السجن باهظة الثمن والحياة فيه مذلة وان المائه جنيه التي رفضوا سدادها لاتتجاوز قيمتها ثمن " خرطوشة سجائر" من التي سيدخنوها في ظلمه ليالي السجن الموحش !!! احسستني " زعلانه قوي من الدنيا " و غضبت لان هؤلاء الشباب القتلة بداخلهم كل هذا الغل الموجع والعنف المخيف يخرجوه غضبا ألسنه لهب حارقة تحرق وجوههم وايام حياتهم وحياة صديقهم ليس دفاعا عن الوطن او العرض او الشرف بل دفاعا عن مائة جنيه استباحها القتلة لانفسهما ولم يردوها لصاحبها القتيل الذي سلبه القتله المائه جنيه وحياته كلها !!! راعني ما قرأت وافزعني واحزنني " من الدنيا كلها " فسألت نفسي واسألكم هل قرأتم عن ذلك الحادث ؟؟ هل تصورت شكل القتيل ملقي علي الارض ينزف لانه تجرأ وطالب بحقه في استرداد دين ساند به قاتليه في يوم حالك احتاجوا فيه للمسانده والدعم ؟؟ هل قرأتم عن ذلك الحادث واستنبطتم من بين سطوره المستقبل المظلم الذي ينتظرنا !! هل قرأتم عن ذلك الحادث وسألتم انفسكم الي أي مصير اسود تقودنا الحياة القاسية والي أي هاوية سنهوي!!! هل قرأتم عن ذلك الحادث ؟؟ هل نمتم جيدا بعدها ؟؟ لااعرف جوابكم لكني لم انام يتردد في اذني صوت مني زكي " انا زعلانه قوي من الدنيا " .... الفقرة الاخيرة – احب الحياة واطمح طوال الوقت لسكينة تريح نفسي المرهقة لكن الحياة في بلادنا صارت قاسية تلون ايامنا بالوان الحزن الازرق والغضب الاورجواني والشجن البنفسجي !! ايها الاحمر المتوهج والاصفرالشمسي والاخضر الكلوروفيلي والازرق المالح اين ايامكم ومتي سنعيشها في حياتنا !!! الجملة الاخيرة - "انا زعلانه قوي من الدنيا " جمله تقريريه تصف حالنا جميعا وان اختلفت الاسباب !! السطر الاخير – ان العنف الدفين والغضب المكتوم والاندفاع الاحمق والطيش القاتل ليست الا تعبيرات مختلفة لل"زعل من الدنيا " فانا وانت وجميعنا لانملك في مواجهة الدنيا التي تقسو عليا الا ادخار المشاعر الموحشة للاوقات العصيبة .. الكلمة الاخيرة – نفسي الدنيا تصالحنا !!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق