لم اتابع مسلسل " الملك فاروق " لغيابي معظم رمضان خارج الوطن وقد اتاحت لي الفرصه المحضه مشاهده حلقه اواثنين قرب نهايه احداثه بمنزل احد المصريين المقيمين خارج الوطن ولااخفيكم سرا ان قلت لكم ان ماشاهدته لم يترك اثرا كبيرا في نفسي سيما ان الضيافه المصريه المصاحبه لمشاهده المسلسل تحاصرك بالشاي والقهوه والخشاف و"اللذي منه " فضيعت نصف تركيزي وضيعت التعليقات الجانبيه علي الاحداث والديكور و" حلاوه الملك " بقيته !!!لذا كان اندهاشي كبيرا يوم العيد حين مررت علي عائلتي يوم العيد فسمعت من اقاربي اعجابا بالمسلسل وبممثليه وملابس ممثلاته والديكور الفخم الضخم للقصور الملكيه وتعاطفا مع الملك " الغلبان " الذي ظلم اكثر من مره بسبب معامله ابيه القاسيه وبسبب حصار الانجليز له ومحاربتهم لعرشه و اندهشت من الحوارات التي خلط فيها المشاهدين عمدا بين المسلسل واحداثه ووسامه " الملك " وطيبه قلبه الدراميه وبين الحقيقه والواقع والتاريخ والمعلومات المعروفه عن الملك وايام حكمه الرشيده !!! لكني احقاقا للحق لم اقف كثيرا امام ما قيل باعتباره حوارات عائليه لطيفه يوم العيد و"خلاص" !!! لكن " الملك فاروق " المسلسل والعرش فرض نفسه علي عقلي وقت انتبهت لصراع متصاعد علي صفحات الجرائد والصحف بين "المنزعجين " من الترويج للملكيه "المخلوعه " واستدعاء ايامها وافتقادها ، وبين " المدافعين " عن الجمهوريه ونظامها السياسي !!! حيث تطور الامر من مجرد مسلسل رمضاني " شخص " ادوراه ممثلين بارعين في ديكورات فخمه تسيل اللعاب من شده " شياكتها وفخامتها " تكشف عن تمويل سعودي ضخم للمسلسل الي صراع فكري سياسي بين المدافعين عن ثوره يوليو ونظامها الجمهوري الذي نعيش حقبته الثالثه وبين الباكين علي اطلال الملكيه التي ظلم مليكها وشوهت صورته وسمعته علي ايدي الضباط الاحرار " الاشرار " اللذين خلعوا الملك " المحبوب " من فوق عرشه وجلسوا هم عليه ونهبوا القصور الملكيه ومجوهراتها وحكمنا ب " عشرين ملك بدل ملك واحد " !! وقد لاحظت ان الصراع السياسي الفكري بين الملكيه المآسوف علي انهاءها وبين النظام الجمهوري الذي نعيش في ظله بدآ بشكل وكآنه عفوي بمقال هنا او هناك ثم تصاعد بشكل منظم وعمدي مثل السينفونيات الشهيره وصارت دقات طبوله تصم الاذان واحتدمت معركته وكآن طرفين يتصارعان يدا بيد كل منهما يحاول طرح الاخر ارضا وكسب المعركه بالضربه القاضيه !! فاعتبر البعض ان الملك فاروق المظلوم - الذي شوه تاريخه عمدا من مؤرخي ثوره يوليو - قد انصف اخيرا وظهرت حقيقته اخيرا امام رعيته المخدوعه بل وتمادي البعض ونسب للمسلسل كونه قد هز اركان النظام السياسي الحالي وهدده في شرعيه وجوده ذاتها تلك التي يستمدها من حركه الضباط الظالمه التي استولت علي الحكم وقبعت علي انفاسنا خمسين عاما وما يزيد بعد ان خلعت الملك المظلوم - ياحرام - من فوق عرشه افتراءا وعدوانا وهو - حسبما اثبت المسلسل وبطله الوسيم - مولانا المفدي ملك مصر والسودان كان " طيب ومحبوب وعمره ماشرب خمره وديمقراطي جدا وطول عمره ضد الانجليز المحتليين الوحشين !!! " وعلي النقيض الاخر اعتبر البعض ان جمهورنا المصري المنجذب للمسلسل واحداثه والمعجب به والمتابع له هو ضحيه لمؤامره سعوديه نفذتها الشركه المنتجه للمسلسل التلفزيوني التي انفقت ببذخ علي انتاجه بقصد الترويج للملكيه البائده بهدف " بلبله " الرآي العام المصري و"هز" قناعاته السياسيه الراسخه موضحا بجلاء ان مقصد المسلسل وحقيقه هدفه ليس مجرد الهجوم علي ثوره يوليو ١٩٥٢ وضباطها الاحرار بل النيل عموما من النظام الجمهوري فضلا عن الدفاع المستميت عن الملكيه والملوك سواء كان فاروق " المخلوع " او غيره من الملوك التي مازالت قابعه رابضه فوق عروشها وتمادي ذلك الفريق ووجه لوما للاعلام المصري المتقاعس الذي ترك ساحته وعقول مشاهديه خاويه للفضائيات تفعل فيها وبها ما تشاء وصرخ ذلك الفريق باعلي صوته منزعجا " ابدا وكلا " نافيا عن المصريين " حفده الفراعنه وبناة الحضاره العظماء" اي تآثير او تآثر بالثقافه البدويه وافكارها القديمه التي عفا عليها الزمن هي والنظام الملكي !!! وقد شوق ذلك الصراع السياسي المحتدم "جمهور المسلسلات " الذي لم يشاهد المسلسل - وقت عرضه الاول - فجلس الجميع امام الشاشات - وقت عرضه الثاني - يتابع احداث المسلسل ومليكه المظلوم وقصوره الفاخره ومخدعه المخملي ومتحسرا علي ديمقراطيه "الايام الخوالي" فتحول ذلك الصراع الفكري السياسي لنوع من الدعايه الترويجيه للمسلسل منحه لقب " اكثر المسلسلات من حيث نسبه المشاهده !!! " وتصاعد الامراكثر واكثر وتجاوز مسآله الصراع الفكري السياسي بين المثقفين والكتاب لموقف وجداني اعرب عنه الكثيرين - ليس فقط من ابناء العائلات الاقطاعيه القديمه التي حرمتهم الثوره من امتيازاتهم الكثيره و سلبتهم اراضيهم وسلمتها للفلاحين "الاوباش " وساوت بين الروؤس - بل وايضا من ابناء الطبقه المتوسطه كاشفين عن حسرتهم علي اطفاء انوار القصور الملكيه وافول نجومها وحاشيتها وحرمان مصر والمصريين منذ خمسين عاما واكثر من ملكها المحبوب وديمقراطيته العظيمه وافصح الكثيرين ان الزمان الماضي احسن واجمل من الحاضر الحالي وملكه اوسم من رجال الثوره وضباط الجيش ونساءه " اشيك واجمل " مما نراهم هذه الايام وطوال العقود السابقه وان " الله يخرب بيت ثوره يوليو !!!!" هنا استيقظ عقلي وانتبه لما يحدث من حولي مدركا ان الامر لم يعد مسلسلا دراميا " وحش او حلو " بل تجاوز ذلك لما فجره ذلك المسلسل في نفوس وعقول المشاهدين لذلك المسلسل من احاسيس وتناقضات وقضايا !!! استيقظ عقلي مدركا ان المشاهدين قد صبوا جام غضبهم علي الزمن الرديئ الحالي الذي نعيشه مفصحين عن افتقادهم للزمن المخملي الجميل الذي عرضه عليهم المسلسل متصورين - او متمنيين - ان دوام الزمن الملكي الذي مضي كان سيقيهم من الحاضر التعيس و ظروف حياتهم الحاليه الشاقه الصعبه !!! يالها من معادله غريبه استوقفتني بشده امامها وامام مفرداتها المزيفه !!! وانا هنا بالطبع لست في مقام الدفاع عن ثوره يوليو ولا انجازاتها الاجتماعيه الاقتصاديه ولست في مقام الافصاح عن انتقاداتي العنيفه لها في مجال الحريه السياسيه والديمقراطيه ولا انفي عن بعض رجال الثوره وضباطها الاحرار انحرافاتهم الشخصيه ولا ادافع او ابرر لتصرفاتهم المعووجه ولكن هذا كله لا يهز يقيني بان الثوره - بكل انحرافاتها واخطائها - قد انحازت للشعب عموم الشعب - وليس باشواته وبكواته وهوانمه العفيفات المصونات واصحاب الجلاله والسمو - ومنحته حقوقه - او بعضا منها - تلك التي حرم منها عقود وعقود طويله علي عكس حكم الملكيه وسياسه مليكها المحبوب التي كانت منحازه وفقط لاقليه ضئيله من العائلات القابعه علي قمه الهرم الاجتماعي فمنحتها الالقاب والثوره والسطوه والنفود والمال الوفير علي حساب ذلك الشعب !!!! هذه هي القصه وهذا هو الامر !!! لذا اتصور - ورغم كل الضجيج والصراع والمقالات - ان المسلسل "الرمضاني " كان معنيا بالاساس بالقاء الضوء علي الملك فاروق الانسان الذي قد يكون مظلوم او طيب او عصبي او ظالم او " كويس جدا " وعن علاقاته بامه وزوجاته وخادميه وافراد حاشيته دون ان يقصد المقارنه او المواجهه بين الملك والنظام الملكي من ناحيه و الثوره والنظام الجمهوري من ناحيه اخري لكن المشاهدين - المحبطين من الواقع الصعب الذي يعيشونه بفساده وانحيازه للقله الثريه علي حساب اكثريتهم وغياب العداله الاجتماعيه وقله فرصهم في الحياه الكريمه - اسقطوا غضبهم من الواقع علي احداث المسلسل وبدلوا غضبهم حبا للملكيه وافتقادا لايامها مبررين لانفسهم ذلك الحب بآن " علي الاقل التاني كان ملك يعمل ما بداله انما دلوقتي .......!!!! " اذن حسبما اتصور ليس الامر مؤامره كونيه علي النظام الجمهوري وليس ترويجا لفكره الملكيه وعودتها وليس انتقادا لثوره يوليو او غضبا منها وليس اعجابا بالملك وتعاطفا معه وليس غضبا من الضباط الاحرار وحركتهم المباركه وليس رفضا للانجازات الاجتماعيه الاقتصاديه التي حققتها الثوره او انحيازها للشعب ولكن الامر احساس بالنقمه والغضب من الواقع الذي نحيا فيه ذلك الواقع الذي خلق الف الف ملك بلا عرش حقيقي ومنحهم امتيازات وسطوه وجاه وثروات طائله والقاب عليا وانحاز لهم علي حساب الشعب الذي يعاني في العشوائيات والاحياء الفقيره والنجوع ولايجد ابناءه عملا ولا احتراما ولاكرامه فاذا بالمبررات السياسيه التي خلعت الملك "الطيب" وانهت حكمه منذ خمسين عاما واكثر قد تلاشت وتبددت عبر تلك السنوات ووجد الشعب نفسه في " الهوا" ليس محكوما بملكيه بغيضه يعرف اول مشوارها واخره ولكنه محكوما بنظام جمهوري افرز سلبيات كثيره تفوق العصر الملكي البغيض واكثر بلا ملك وبلا عرش وبلا انجليز!!!! هذه رؤيتي للامر و" السلام عليكم ورحمه الله وبركاته " !!!! الفقره الاخيره - عجبا يازمن حين يفصح ابناء الفقراء ابناء الفلاحين ابناء الشرائح الدنيا من الطبقه المتوسطه عن افتقادهم وحنينهم للعصر الملكي وفاروق المفدي متجاهلين ان تعليمهم ووظائفهم والانتقال الاجتماعي الذي لحق اسرهم و" ارفع رآسك يااخي انتهي عهد الاستبداد " هم اهم انجازات النظام الجمهوري والثوره !!! فلو ظل العصر الملكي باصحاب الجلاله والسمو يحكم الوطن لبقيت العائلات الاقطاعيه تحكم وتتحكم في الناس ومن نسي التاريخ عليه الرجوع لكتبه ومدوناته !!! الجمله الاخيره - يامن افتقدتم العصر الملكي وفاروق المفدي غضبا وكراهيه في الواقع الحالي تذكروا اننا جميعا لم نكن - في عصره السعيد - الا عبيد احسانه !!! السطر الاخير - لماذا لايعرض التلفزيون المصري " مسلسل الوسيه " الذي يحكي عن احوال الوطن قبل الثوره عله يذكر الناس بما كانوا عليه وماعاشوا فيه واحوالهم في ظل الملكيه السعيده !!! باعتبار انه لايفل الحديد الا الحديد !!!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق