الاثنين، 28 يونيو 2010

الغوث .. الغوث


القبح يغزو حياتنا ( 5 )

الغوث الغوث


لو حدق أحدنا في شوارع مدينتنا من السماء، سيري مشكلة كبري نعيش فيها كلنا بخلاف السحب السوداء ومشكلة التلوث الخطيرة التي تطبق علي أنفاس مدينتنا، سيري مشكلة تكدس السيارات والازدحام المروري الكبير، شوارع مدينتنا من السماء ليست بشوارع لكنها ثعابين كبيرة ضخمة ملونة جزئياتها سيارات كثيرة متتابعة بجميع الألوان والأشكال والموديلات والماركات، بعضها قديم عتيق بعضها حديث موديل هذه السنة، بعضها ملاكي بعضها لنقل الأشياء بعضها أجرة وأتوبيسات وميكروباصات ....

وفي شوارعنا المكدسة بسيارتها يواجه السائق والراكب مشاكل كبيرة مستمرة لاتنتهي، ازدحام مروري كبير لأن الشوارع الحالية والشوارع التي يتم إنشاءها لا تتحمل ولا تستوعب هذا العدد الكبير المتنامي من السيارات بجميع انواعها، يواجه مشكلة ركن السيارات سواء أمام البيت أو في الشارع عند العمل أو في المناطق التجارية والمحلات، كل أماكن انتظار السيارات مكدسة بالضرورة لا تملك إلا ترك سيارتك في الأماكن غير المخصصة للانتظار سواء صفًا ثانياً أو ثالثاً وأحيانا رابعًا مع تحملك قيمة المخالفات و" كلبشة العجل " وسحبها بالونش، أو تركها للمنادين.

هؤلاء الشباب الذين يقفون في الشوارع يلوحون لك بما يفهم منه استعدادهم لأخذ سيارتك بمفتاحها والتصرف فيها بمعرفتهم حتي تعود مع التزامك طبعا بسداد مبلغ مالي معقول يتفق وشكل سيارتك وموديلها وهو امر يعرض السيارة للسرقة نظرا لان بعض هؤلاء شباب لاتعرفه وتترك له يأسا وغضبا سيارتك دون اي ضمانات سيما انه ليس بموظف ولايحمل اي ترخيص واكم منهم ترك السيارة للونش وقت يظهر أو سرق بعض محتوياتها بل وسرقت بعض السيارات فعلا عن طريق هؤلاء الشباب التي حتي لاتملك التقدم ضدهم بشكوي لانك لاتعرف اسماءهم ولا هويتهم !!! أو تركها عند منزلك متي وجدت مكانًا لركنها مع تحرك بالمواصلات العامة أو التاكسيات !!!

اذن سائق السيارة يعيش بين رحي الازدحام المروري واستحالة الركن وعقوبات قانون المرور واحتياجه للتنقل بالسيارة !!! بل ان مشكلة تكدس السيارات بالمدينة خلق اجواء متوترة واحيانا مشاجرات عنيفة بين بوابي العقارات الذين يحاول كل منهم احتجاز اكثر عدد من الاماكن لحسابه وبين سائقي السيارات وبين المناديين، هؤلاء جميعا يتصارعون علي الأماكن المحدودة للركن ويتصارعون علي " حسنة " الركن وقيمتها !!!!

الي متي ستسمح الحكومة والمعنيون بالامر بشراء وبيع وترخيص السيارات الخاصة رغم ادراك الحكومة ان الشوارع والطرق لاتتحمل كل هذا العدد المتنامي من السيارات بها !!! هل فكرت الحكومة في حال شوارعنا وماصارت عليه وقت انتشرت توكيلات وشركات بيع السيارات الخاصة من جميع الماركات والموديلات والتي اتاحت بيع السيارات بالتقسيط بما سهل علي المئات بل مئات الألوف من المواطنين شراء السيارات الخاصة بما ترتب علي ذلك من تكدس الشوارع وازدحامها وقت السير ووقت الانتظار ووقت ركن السيارات !!!

الي متي ستسمح الحكومة والمعنيون بالامر بسير جميع السيارات في جميع الطرق جميع الأيام طوال الوقت ولاتفكر مثل بلدان أخري في قضية الأرقام الفردية والزوجية التي تنظم بها الدول الأخري تدفق السيارات بالشوارع حلا للأزمات المرورية المتفاقمة !!! إلي متي ستسمح الحكومة والمعنيون بالامر باستهتار الجميع (مقاولي البناء وملاك العقارات) بقواعد القانون التي تلزم مالك أي عقار ببناء جراج لعقاره يستوعب عدد السيارات التي سيقطن مالكها في ذلك العقار، فإذا بالملاك ومقاولي البناء يشيدون جراجات وهمية لا تتحمل أكثر من خمس ست سيارات في عقار مكون من ثلاثين شقة يملك كل مالك من ملاكها عربية واحدة علي الاقل فيكون معلومًا للجميع أن إنشاء ذلك العقار سيكدس السيارات في الشارع المواجه له وجميع الشوارع المحيطة به أكثر مما هي مكدسة ومزدحمة، بل كثير من تلك الجراجات تحول لمحلات تجارية ومطاعم استهتارا بالقانون واعتمادا علي المحسوبية والواسطة والرشوة وبطء إجراءات التقاضي !!!

كيف فكرت الحكومة وقت أنشأت مدنًا جديدة ومنتجعات سكنية علي أطراف القاهرة القديمة وأقام الناس فيها وعاشوا دون أن توفر لهم الحكومة سبل مواصلات عامة فلم يعد أمام الجميع سواء ملاكًا أو مستأجرين أو مترددين علي تلك الاماكن إلا اقتناء السيارات الخاصة أو ركوب الميكروباصات الخاصة أيضا بما ترتب علي ذلك من ازدحام الطرق والكباري والشوارع ووجود ازمات مرورية دائمة رغم أن تلك المناطق مستحدثة وجديدة وكان يمكن التخطيط وقت انشائها وقبل سكنها من الناس بتوفير سبل مواصلات عامة تسهل التردد عليها بما يحول من التكدس المروري المروع الحاصل حاليا!!!

كيف فكرت الحكومة وقت سمحت ببيع كل هذه الأعداد الضخمة من السيارات دون اعتبار لحال الشوارع، دون اعتبار لضرورة وجود طرق ميسرة مفتوحة طيلة الوقت تسمح بسير سيارات الإسعاف قبل موت المرضي فيها وتسمح بسير سيارات الإطفاء قبل التهام الحرائق للمباني والاشخاص وتسمح بحركة سيارات الشرطة التي يفترض وجودها بالمدينة لحماية المواطنين وحفظ الأمن والنظام!!!

هل سنعيش يوما، نري شوارعنا عبارة عن (جراجات) كبيرة ضخمة تقف فيها السيارات صفوفا طويلة متراصة لاتتحرك!!! وإذا عشنا ذلك اليوم ما الذي تنتظره الحكومة منا!! ونحن أسري السيارات والمركبات بجميع أنواعها لانتحرك ولانصل لاعمالنا ولا نقضي مصالحنا ولا نشتري احتياجاتنا ولا نحافظ علي مواعيدنا، مالذي تنتظره الحكومة منا وقتها، هل سنغني مصر اليوم في عيد ونبتسم سعداء لأننا ملاك سيارات لاتتحرك ولا فائدة منها، أم سننفجر غاضبين في بعضنا البعض ونحن قليلو الحيلة عاجزون عن الحركة مخنوقون من قيمة الأقساط وعوادم السيارات وضياع الوقت ونغني بمنتهي الحماس والصوت العالي والأداء الجماعي " طريقك ياولدي مسدود مسدود مسدود !!! "

إن مانعيشه اليوم في شأن الشوارع وأماكن الانتظار والجراجات والمنادين والأزمات المرورية ليس إلا قبحا رهيبا يخنق أنفاسنا ويحبطنا ويزيد مشاكلنا التهابا !!!!!

في النهاية لا أملك إلا أن أصرخ كما قال عبد المنعم إبراهيم في فيلم السفيرة عزيزة (الغوث، الغوث) وأتمني أجد أحدًا في الحكومة يحب هذا الشعب ويفكر فيه قليلا ويهون عليه حياته وصعوباتها !!!!

نشرت في جريده روز اليوسف اليوميه الاثنين 28 يونيو 2010

http://www.rosaonline.net/Daily/News.asp?id=70379


الاثنين، 21 يونيو 2010

اليوميات .. قليل من الانتباه يجعل حياتنا افضل ...

القبح يغزو حياتنا ( 4 )

قليل من الانتباه يجعل حياتنا افضل


تعاني مدينتنا العريقة من تنافر وتناقضات معمارية تؤذي البصر والنفس وترهق الروح، ويتعالي الكثيرون علي تلك التناقضات وذلك التنافر باعتبارنا نعيش مشاكل كثيرة أولي بالاهتمام من تلك المشاكل التافهة، نعم نعيش مشاكل كثيرة في حياتنا، نعاني أزمات اقتصادية وإشكاليات اجتماعية وعنفًا وتوترًا، نشكو من الغلاء والزحام والفساد والتفاوت الطبقي، نعم نعيش كل هذا وأكثر، لكن من قال إن القبح لا يزيد وطأة الإحساس بالمشاكل و«يكتم علي النفس» ويوجع القلب، القبح يزيد وطأة الإحساس بالمشاكل و«يكره الواحد في عيشته» لأنه يتسلل للروح كالسم في البدن يؤذيها ويوهنها، الجمال يساعد علي التحمل ويهون الأوجاع ويخفف من قبضة المشاكل ويقوي القدرة علي التحمل والمقاومة، عندما ننظر للبحر أو لحديقة غناء أو لزهور ملونة، تنشرح قلوبنا بلا سبب معروف وترتسم الابتسامات علي وجوهنا وإحساسنا بقيمة الحياة يزداد ويفيض!

«الله جميل يحب الجمال» قول مأثور تركه لنا الأقدمون يلخص قيمة الجمال في حياتنا، فالجمال هو المكافأة للصالحين والأخيار في الجنة ونعيمها، الجمال هو الذي يرقي الروح ويميز البشر عن الحيوانات والزواحف التي لا تأنف العيش في القبح ووسط مظاهره المقززة!

لكن مدينتنا العريقة للأسف تعاني اجتياحًا وحشيا لجميع مظاهر القبح، وكأن البثور والتقرحات طغت علي وجهها الذي كان جميلا، كأن يد شريرة تمحو بعمد وغلظة جميع أشكال الجمال التي كنا نعيش فيها وتفرض علينا واقعًا قبيحًا مقززًا وتجبرنا علي تحمل قيحه وتشوهاته، فنتأفف ثم نتعايش ثم نتبلد!

وكثير من أشكال القبح التي تفرض علينا كأمر واقع لعين، كان يمكن تجنبها لو فكر أحدهم -ولا أعرف بالضبط من هو- لو فكر في المواطنين وأحبهم وأشفق عليهم من قسوة الحياة التي نعيشها فعلا وقرر بجهد بسيط منحهم بعض أشكال الجمال البسيطة المبهجة سواء في الشوارع أو شكل المباني أو إنشاء بعض الحدائق أو تنسيق شكل كورنيش النيل والحدائق الصغيرة المقامة عليه وجمع القمامة، لكن أحدًا لا يحبنا ولا يشفق علينا ولا يرأف بحالنا، بالعكس، يسمون أبداننا بالقبح والألوان المتنافرة والأشكال القبيحة للمباني وتلال القمامة، كأننا ارتكبنا جرما -لا أعرفه- فحق علينا العقاب المستمر!

وانعدام الجمال في حياتنا يؤدي لفساد الذوق العام وفساد الذوق العام يؤدي للبلادة والبلادة تنزع عن البشر أميز ما فيهم وهي رهافة الروح وجمال الإنسانية وتترك لهم من الحياة مجموعة من العمليات البيولوجية الضرورية لاستمرار النوع سواء بين البشر أو جميع الكائنات والمخلوقات الأخري!

وبمناسبة الذوق العام الذي فسد وانحط، راعني -وسأتحدث هنا عن ما رأيته بعيني شخصيا- راعني ما يحدث في الأحياء والمدن الجديدة من فوضي الألوان وأنماط البناء في جميع المباني الجديدة! وأفرق هنا بين أمرين، المباني في المجمعات والمدن السكنية التي تبنيها شركة واحدة علي نمط وشكل معماري وألوان واحدة متجانسة، وبين المباني التي يتم إنشاؤها علي قطع الأراضي التي بيعت للأفراد للبناء عليها بشكل فردي.

في تلك المناطق التي بيعت للأفراد، اهتمت الأحياء والجهات التنفيذية المسئولة عن البناء وتراخيصه بإلزام المشترين والملاك بقيود في ارتفاع المباني وبقيود اتفاق لصالح الجيران وقت البناء بترك مساحات جانبية بين المباني المقامة، لكن الأحياء والجهات المعنية بالأمر لم تكترث بأنماط البناء ولا ألوان الواجهات لكل المباني الجديدة التي شيدت ومازالت تشيد في تلك الأماكن، فعشنا واقعًا غريبًا سخيفًا، أحياء جديدة ما زالت تحت الإنشاء والبناء لم يفكر أحد في توحيد ألوان مبانيها، لم يقسم تلك المناطق لأحياء يجمع بين مبانيها وحدة اللون ووحدة نمط البناء، فإذا بالمباني تتنافر من حيث نمطها المعماري وألوان مبانيها وشكلها وواجهتها الخارجية، تنافر يؤذي البصر ويرهق العين، لماذا؟

ربما يقول البعض إن ذلك محض حرية شخصية للملاك، كل منهم يحدد ما يريده، النمط المعماري للبناء ولون البناء، وأن تقييد تلك الحرية يشكل اعتداء علي الملاك، وربما يتقي البعض الشائعات التي قد تلاحق الأحياء إذا ما أجبروا الملاك علي توحيد ألوان الواجهات باعتباره نوعا من التسويق التجاري لألوان محددة دون بقية الألوان بما يتبعه ذلك من ركود في بيع الألوان الأخري التي تحظر الأحياء طلاء واجهات العمارات والمباني الجديدة بها، ربما يقول البعض إنه لا توجد مشكلة علي الإطلاق وأني أخترع مشكلة لم تؤذ أحدًا ولم يتضرر منها أحد وأنه لا داعي للتدخل في حياة الناس أكثر مما يلزم بإجبارهم علي طلاء منازلهم بألوان خاصة، لكني لا أوافق علي هذا المنطق المعووج، نعم علي القانون والجهات التنفيذية مراعاة حريات الملاك، لكن علي الملاك مراعاة الطابع الجمالي للمدن التي نعيش فيها جميعا، هم وغيرهم من المواطنين، فالحرية ليست مطلقة وليست عشوائية، الحرية الشخصية دائما مقيدة لصالح المجموع، من حق الناس في تلك الأحياء أن يطالعوا مباني عمارات وفيللات يجمع بينها علي الأقل اللون الواحد منعا للضوضاء والصخب البصري، فالألوان المتنافرة مزعجة ومرهقة للعين والرأس والروح!

والحقيقة ليس معقولاً أن يقوم بعض ملاك الأراضي ببناء عمارات وفيللات غاية في الجمال المعماري والشكلي ثم يحيطهم بشكل قهري مباني وعمارات بألوان منفرة وتصميمات قبيحة تحت حجة (كل واحد حر)! هل ما أتحدث عنه مشكلة؟ أم أن القبح صار شيئًا عاديًا في حياتنا الحديث عن وجوده منتهي الرفاهية التي لا مكان لها في مجتمع يعيش مواطنوه مشاكل كثيرة عظيمة تتجاوز في أهميتها القصوي أهمية تلك المشاكل التافهة!

أنا حزينة لأن القبح يغزو حياتنا، حزينة لأننا اعتدنا علي القبح، حزينة لأننا لا نتذمر منه ولا نشكو من وجوده، حزينة لأن كل مواطن يؤمن أن حياته مثل جحا داخل منزله فقط وما يحدث في الشارع خارج جدرانه لا يخصه، حزينة لأن كل مواطن يقول: «يالا نفسي» فيطلي منزله باللون «الفحلقي» المقزز ويعتبر أي مساس به اعتداء علي حقوقه يدافع عنها بكل قوة وعنف! حزينة لأن أحدًا لا يهتم بما أصفه وأعاني منه! لكني أتصور أن حياتنا صعبة وشاقة بما يكفي وأن حل بعض المشاكل التافهة يهون علينا صعوبة تلك الحياة ويقلل اكتئاباتنا النهارية والليلية! وللحديث بقية!

الفقرة الأخيرة.. شوارع واسعة ونظيفة وحدائق بها أشجار تضخ أوكسجين وتكسر حدة الشمس الحارقة، وزهور ملونة تشيع البهجة وأرصفة للشوارع نستطيع السير فوقها بأمان وراحة ومبان لها ألوان واحدة ونمط معماري واحد وأماكن لركن السيارات! هل أتحدث عن الجنة؟

نشرت في جريده روز اليوسف اليوميه الاثنين 21 يونيو 2010

http://www.rosaonline.net/Daily/News.asp?id=69273

الاثنين، 14 يونيو 2010

اليوميات > القبح يغزو مدينتنا!



القبح يغزو حياتنا ( 3 )
صرخه في الفضاء

اعتادت الناس في مدينتنا علي التعايش مع القبح بأشكاله المختلفة بلا غضاضة، ربما من سنوات بعيدة تذمرت الناس واشتكت من مظاهر القبح المختلفة، قطع الأشجار، إلقاء القمامة في الشوارع وتركها تفوح منها الروائح النتنة وتحوم حولها الحشرات وتعيش فيها القوارض، منح تراخيص تجارية لمحلات وسط المباني السكنية، احتلال الأرصفة للمقاهي والمطاعم، كل هذا وأكثر تذمرت منه الناس واشتكت لكن أحداً لم يهتم بشكاواهم ولم «يعبرهم» ومر وقت طويل ساءت الأحوال فيه أكثر وانتشرت مظاهر القبح في أرجاء المدينة كلها لا تفرقة بين ما يسمونها أحياء الأثرياء ومتوسطي الحال وبين الأحياء الفقيرة والعشوائيات، ومن أهم الأشياء التي تنشر القبح في المدينة ليس علي المستوي المعنوي الوجداني الرهيف فقط بل علي المستوي المادي المقزز هو موضوع القمامة!


هل انتشرت القمامة في مدينتنا أكثر وأكثر عما كان الأمر عليه من سنوات قليلة قريبة؟ لا أعرف، فقط أسأل سؤالاً يحيرني، أرصد ما أراه، فأينما مشيت أو عبرت شارع حارة درب ميدان مترجلا علي قدمك أو في سيارتك أو في المواصلات، إلا ووجدت القمامة ملقاة بشكل مخيف علي الأرصفة وتحت العقارات وعلي جوانب الميادين، دائمًا هناك في كل مكان وأي مكان، تل قمامة تعبث فيه القطط وتنبعث منه الروائح الكريهة، الناس اعتادت حتي تلقي بقمامتها في الشوارع بلا غضاضة، وفي بعض الأحياء الراقية «كانت ولم تعد» تجد السيارات الفارهة تركن بجوار تلال القمامة فتدخل سيارتك وتخرج منها وأنت تدهس في القمامة طبعًا بعدما تهش القطط»!! أما في الأحياء الشعبية والمناطق متوسطة الحال فحدث ولا حرج، القمامة في كل مكان، وعلي كل الأرصفة ورأس كل الحارات، وكأن الناس توافقت علي إلقاء القمامة في تلك الأماكن ويوما بعد يوما تتحول رءوس الشوارع ومداخل الحارات لمقالب قمامة دائمة يتخلص فيها الناس من قمامتهم اليومية! هل هذا عادي؟ هل عادي أن نعيش محاطين بالقمامة مخنوقين برائحتها النتنة معذبين بذبابها اللزج وقططها المتوحشة وفئرانها المقززة؟ .

هل تخلت الأحياء عن مسئولية رفع القمامة من الشوارع؟ هل هناك شركات خاصة منوط بها رفع القمامة لكنها لا ترفعها؟ هل صحيح أن الزبالين بعد ذبح الخنازير وصعوبة تخلصهم من القمامة العضوية التي كانت تأكلها الخنازير، هل صحيح أنهم امتنعوا عن رفع الزبالة من الشوارع، أين تقع المشكلة بالضبط؟! القمامة تحيط بنا من كل جانب، والناس اعتادت علي وجودها ولم تعد تشم رائحتها النتنة واكتفت بإغلاق النوافذ والشرفات عليها في منازلها لتتقي شر الذباب المتوحش المتكاثر علي تلال القمامة! هل هناك جهة حكومية أو خاصة ما منوط بها مسألة جمع القمامة وتنظيف الشوارع منها، أليست القمامة في كل بلاد الدنيا يتم تدويرها والاستفادة من مخلفاتها.

لماذا لا نستفيد من تلك القمامة ونرحم الناس من شرها ورائحتها ومنظرها وقبحها؟ هل التخلص من القمامة مسئولية كل مواطن وحده، وإذا كنت لا أجد مكانًا ألقي إليه بقمامتي ولا أحد يمر لرفعها ويخلصني منها، ما هو التصرف المطلوب مني عمله، حرقها؟ وتلويث البيئة أكثر وأكثر وخنق المدينة المختنقة بالعوادم والأتربة أكثر وأكثر! رميها في الشارع باعتبار أن الشارع لا يخصني وفقط بيتي ومكاني هو الذي يخصني وأهتم به؟ نعم نحن نعاني من مشكلة قمامة في الشوارع نعم الشوارع والميادين والحارات التي نعيش فيها ونسير عليها ونمر بها تلوثت بتلال القمامة ورائحتها ومنظرها الكريه المؤذي للعين، نعم اعتاد الناس علي منظر القمامة تحيطهم من كل جانب وعلي رائحتها وعلي وجودها في حياتهم ولكن... ألا يهم الأمر أي شخص أو أي جهة يحب هذا البلد ويري أنه لا يليق بنا ونحن نتحدث عن تاريخنا وحضارتنا ودورنا الإقليمي، لا يليق بنا تقبل وجود القمامة حولنا بتلك الطريقة المنفرة المقززة! ألا يهم الأمر أي شخص أو أي جهة! ألا يكترث وزير الصحة بالآثار السلبية للقمامة علي صحة المواطنين، ألا يكترث وزير البيئة لانتشار الروائح النتنة المنبعثة من تلال القمامة.

ألا يكترث للدخان الأسود الثقيل الذي يخرج من تلال القمامة التي يحرقها المواطنون بأنفسهم بعدما يضجون من وجودها وآثارها المقززة علي حياتهم... ألا يكترث وزير الثقافة بمنظر تلال القمامة في شوارعنا ومياديننا والتي اعتاد علي منظرها ووجودها المواطنون قليلو الحيلة باعتبار الأمر ما يتناقض ورسالة الوزارة في نشر الذوق والفن والثقافة والرهافة! لماذا أكتب هذا الكلام، أكتبه احتجاجًا وغضبًا واشمئزازًا مما يحدث حولنا، صرخة تدوي في الفضاء لا أحد يسمعها، لكنها في النهاية تؤكد أننا جميعًا لم نتبلد بعد!

الكلمة الأخيرة- كنت في الإسكندرية في وسط المدينة أحمل كاميرا لتصوير المدينة العريقة وكورنيش بحرها، لكن القمامة أفسدت الصور، ما إن تنظر من الكورنيش صوب البحر حتي تقابلك القمامة متراكمة أمام عينك، لو نظرت للبحر ستجده يلفظ طيلة الوقت قمامة ألقيت فيه لكنه لا يقبل بوجودها فيراكمها علي الشط، كنت في وادي الريان في الفيوم أصور، لكن القمامة أفسدت الصور، القمامة تتطاير فوق الرمال وعلي طرف البحيرة تفسد شكل الصور التي التقطتها لمكان ذي طبيعة خلابة لكن البشر أفسدوه بسلوكياتهم الصغيرة بلا أي اكتراث من منطق (وهي جت عليا).. يارب يارب يارب نفسي أعيش يوم ما يبقاش فيه زبالة في الشوارع يارب يارب!

نشرت في جريده روز اليوسف اليوميه 14 يونيو 2010

http://www.rosaonline.net/Daily/News.asp?id=68150

الأربعاء، 9 يونيو 2010

القبح يغزو حياتنا ( «وسط البلد».. الجمال الضائع )



ما الذي جري في هذه المدينة، القاهرة العاصمة.. كنت أسير في منطقة وسط البلد أتأمل حال العمارات القديمة، تلك العمارات التي بنيت من سنوات طويلة تقترب من المائة عام أو أقل، أتأمل الزخارف والنمانم التي تزينها، تصميم المداخل والنوافذ والشرفات، الأسقف العالية، شكلها المبهج، شرفاتها الحديدية المصنوعة من الحديد المشغول، الأقواس والزهور المنحوتة ببدنها وسور سطوحها، جمال ما بعده جمال، نعم أحزنني كثيرا حال تلك العمارات، بعضها تهالك لم تمتد له يد الصيانة سنوات طويلة، بعضها تساقط بياضه وتهدمت أجزاء منه، بعضها أفسد قاطنوه الذوق المعماري المتميز لتلك العمارات، بتقفيل البلكونات بالألوميتال القبيح وتركيب الأطباق التليفزيونية علي واجهة العمارات، وتغير ألوان الواجهات، بعضها أفسد مستأجري وملاك المحلات، باللافتات الملونة القبيحة المتنافرة الألوان والأشكال، بأشكال وحدات الإضاءة التي يبرزونها علي الواجهة.

وإذا كانت العمارات الكائنة في وسط البلد وأكبر ميادينها عمارات ومباني محظوظة لأنها مازالت تلقي نوعا من الرعاية والصيانة ولو كان قليلاً أو غير مناسب أو لا يكفي، فالأمر المؤكد به أن المناطق المحيطة بوسط البلد من الأحياء القديمة العريقة كالعباسية وشارع الجيش والعتبة والموسكي لا تلقي مبانيها رعاية واهتماماً مثل تلك الكائنة بوسط البلد.

المباني في تلك الأحياء أكل عليها الدهر وشرب، وتهالكت مبانيها وفسد طابعها المعماري وفتح السكان في بدنها شبابيك قبيحة وأغلقوا الشرفات بطريقة قبيحة وتساقط بياض الوجهات بشكل مهين وطليت واجهاتها أو بعض أدوارها بألوان منفرة قبيحة بطريقة رديئة رخيصة وافترست المحال التجارية بدن تلك العمارات باللافتات القبيحة المضيئة اللافتة للنظر والبضاعة المرصوصة في مداخل العمارات وعلي أرصفتها ولم يعد في تلك العمارات إلا بقايا جمال زائل النظر إليه يقهر النفس ويحزن الروح كمثل العجوز الشمطاء التي كانت شابة جميلة لكن السنوات قهرتها وأجبرتها علي ارتداء الشيخوخة والهرم القبيح!!

عمارات الأحياء القديمة العريقة ومبانيها تعاني إهمالاً مخيفًا وتلوثت بالقبح المروع والجميع صامتون قليلو الحيلة أو لا يكترثون فقد اعتادت أعينهم القبح وغلظت قلوبهم فلم يعد إلا المرضي النفسيون الذين يتأثرون بمثل كل ما يحدث وهؤلاء علاجهم عند الأطباء النفسيين بالأدوية المضادة للاكتئاب.. هل كان يفترض من وزارة الثقافة وهي المعنية بنشر الثقافة والفن والجمال والحفاظ علي الذوق العام أن تحافظ علي النمط المعماري الجميل المتميز لتلك المنطقة التي تضاهي كثيراً من مدن أوروبا في جمالها وجمال معمارها، لكن وزارة الثقافة لم تفعل شيئًا، وربما حاولت واصطدمت بإرادة السكان أصحاب المحال والتجارة.

وربما اصطدمت بالمسئولين عن الأحياء، الذين غضوا أبصارهم عن تقفيل البلكونات وتغيير الألوان وتوسيع النوافز، ربما المسئولون بالأحياء حاولوا منع السكان وأصحاب المحال من إفساد تلك العمارات وإفساد طابعها المعماري بتحرير المحاضر التي تحال للمحاكم لوقف الأعمال وإعادة الحال إلي ما كان عليه، ربما نجح بعض المحامين من التلاعب بأحكام القانون وتطويل أمد التقاضي، ربما كثرة القضايا أمام المحاكم والوقت الطويل الذي تأخذه حتي يفصل فيها ابتدائي واستئناف ونقض ساعدت الناس علي التمادي في مخالفتهم للقانون، ربما لم يهتم أحد، لا وزارة الثقافة ولا مسئولو الأحياء ولم تحرر محاضر ضد الناس باعتبارهم أحرارًا في شققهم ومحال تجارتهم، ربما ظلمت المحامين بادعاء تلاعبهم بالقانون.

ربما ظلمت المحاكم وقت تصورت أن تكدس القضايا فيها وبطئ إجراءات التقاضي ساعدت الناس علي مخالفة القانون وعدم احترام نصوصه، ربما القانون ذاته يخلو من أحكام تمنع السكان من إحداث تعديلات في العقارات استئجارهم وملكهم حتي لو كانت عقارات أثرية أو شبه أثرية، ربما ملاك تلك العمارات لم يكترثوا بما يحدثه مستأجروهم ولم يكترثوا بالتغييرات التي يحدثها التجار ومستغلو المحال التجارية في العقارات سواء في الواجهات أو شكل اللافتات التي يعلقونها طالما يدفعون القيمة الإيجارية ومقابل حق الانتفاع والاستغلال، ربما لا أحد يكترس أساسا!!

ربما الأمر أتفه مما أظن في وجهة نظر الجميع، وأن الأمر لا يعدو إلا عمارات سكنية - بصرف النظر عن جمالها - من حق المستأجرين والملاك ومستغلي المحال التجارية أن يتصرفوا فيها مثلما يشاءون حتي لو أفسدوا طابعها المعماري والذوق الجميل الذي بنيت وشيدت به.

لا أعرف بالضبط أين المشكلة، لكني حزينة علي كل ما حدث لأنه حدث وانتهي الأمر، واكتسبت الناس حقوقًا قانونية مع الزمن والوقت أصبح المساس بها صعبًا بل مستحيلاً، فضلا عن أني لا استعدي الأجهزة المعنية - إذا كان هناك أجهزة معنية - علي الناس التي أنفقت علي شققها ومحال تجارتها أموالاً كثيرة غيرت شكل العمارات حتي لو كنت أري تلك التغييرات قبيحة وبلا ذوق، فقط أكتب لأقول إني حزينة جدا لأن القبح يغزو مدينتنا وحياتنا!

آخر كلمة.. أظن أن المهندسين المعماريين ممن يهتمون بجمال التصميمات وتناسق الألوان وشكل المباني وطرازها، أظنهم يعانون حاليا من بطالة فظيعة في هذا البلد، أتمني يمتد بي العمر حتي أري لمساتهم الجمالية علي وجه هذه المدينة العريقة!!

نشرت في جريده روز اليوسف اليوميه الاثنين 8 يونيو 2010

http://www.rosaonline.net/Daily/News.asp?id=66905