الأربعاء، 10 سبتمبر 2008

"اللي شبكنا .... يخلصنا !!!!"

كنت اقف بسيارتي وسط طابور طويل من السيارات والميكروباصات والاتوبيسات العالقين فوق احد الكباري لانتحرك ، يهتز الكوبري تحت عجلاتنا اهتزازات زلزالية منتظمة ، فتشعر لو تابعت بندول تلك الحركة الرتيبة وكأن الكوبري سيأخذك وجميع الرابضين فوقه مثلك ويهوي للسحيق !! طردت الافكار المخيفة من رأسي واكدت لنفسي اطمئنها ان مهندسينا من مصممي ذلك الكوبري وغيره قد راعوا جميع الاشتراطات الفنية وقت تصميم الكوبري وتنفيذه باذلين كل جهدهم لحمايه حياتنا نحن اسري الطرق العلوية !!! كنت اقف في وسط طابور طويل من السيارات والمركبات والحافلات مثلي مثل مئات اخرين من البشر غادروا منازلهم صباحا في طريقهم لاعمالهم وقضاء مصالحهم ، كنت مثلهم جميعا اعرف ان الطرق ستكون مكدسه بالبشر والسيارات ويجب علي مثل المئات بل الالوف الاخرين ان اغادر منزلي مبكرا حتي الحق ميعاد عملي متفادية الاثار السلبية التي اتعرض لها بين كل حين واخر حين اصل متأخرة !! كنت قد اعددت نفسيتي للخوض في تلك المعركة النهاريه المستمرة التي فرضت علي مثل الاخرين منذ سنوات طويلة ، معركة الخروج من منزلي والوصول للجهة التي ارغب في الوصول اليها ، كنت دربت نفسي علي الفرار من احباط الانتظار الطويل وكآبة السكون والثبات وعدم الحركة باستغلال الوقت الضائع في دروب العاصمة المكدسه ببشرها في سماع الاغاني المفرحة والاندماج معها والتمايل علي نغماتها متناسية بعمد انني محتجزة داخل سيارتي التي يئن موتورها غضبا من الخطوات البطيئة البطيئة المفروضه علي وعلي السيارة وعلي الموتور المعد بمعرفه خبراء بلاده للسير علي الطرق الواسعة الطويلة بسرعه وامان !!! كان عبد الحليم يشدو " جانا الهوي جانا " وكنت اصفق و" اطبل " علي مقود السيارة واهز كعبي علي ايقاع الطبلة المرحة " ورمانا الهوي ورمانا " اصفق واغني وكأنني في قاعة المسرح اجلس علي مقعده الوثير في ليلة قمرية " واللي شبكنا يخلصنا " اردد بصوت اعلي من صوت عبد الحليم " واللي شبكنا يخلصنا " انتبهت فجأ انني اسير ببطء السلحفاة في طريق ثعباني طويل ازحف بسيارتي خطوات لاتكاد تحسها او تشعر بها ، احسست فجأ ان عبد الحليم يتكلم بلساني ولسان كل البشر المتحجزين مثلي بين السماء والارض " واللي شبكنا يخلصنا " همست لنفسي " عايزين وزير للمرور !!!" انتبهت لكلماتي الممضوغة البطيئة تتسلل من تلافيف عقلي واغوار حلقي وثنيات لساني تعبر عن ضيق يحتل نفسي " طب وليه لا ، عايزين وزير للمرور " افقت علي صوت ألالات التنبية الغاضبه تعوي بجواري تكاد تدفعني وسيارتي للامام الخطوات الثلاث التي خطتها جميع السيارات المحيطة الا انا وجميع السيارات المحتجزة خلفي فقد اخذتني فكرتي البراقة من الطريق وافقدتني انتباهي اليقظ فلم اشعر بالخطوات الثلاث التي تقدمتها جميع السيارات ولم الحق بهم وعطلت الواقفين خلفي عنهم فاذ بهم جميعا يزأرون في ظهري بالات تنبيهم كأنهم يسبوني لانني ساهمت مع الزحام والزمن الكئيب في تعطليهم اكثر واكثر !!! ضغطت علي دواسه البنزين وقفزت الخطوات الثلاث وجميعهم خلفي ثم وقفنا جميعا للمرة الالف ننتظر " فرج ربنا " !!! ... عدت لعبد الحليم " ده حبيبي شاغل بالي .. اه يابا .. يابا .. شاغل بالي " تلفت حولي رأيت وجوه السائقين حولي غاضبه محتقنة تأملت ملامحهم بشر مرهقين يعانون من تقلصات تحتل اجسادهم ولاتتوقف ، تحس جبينهم معقوف وشفاهم ملتوية ، تلمح قطرات العرق اللامعة تحت جفونهم ، هذا يشرب سيجاره بعصبية وذاك يلقي عقبها من الشباك باهمال واخر يخرج رأٍسه من الشباك كأنه يبحث عن نسمات هواء لايجدها داخل الكابينه المغلقه عليه ، ورابع يفتح باب السيارت فجأ ويلقي بجسده في الطريق يفرد ذراعيه المتيبستين ويحرك ساقيه المتخشبتين كأنه يستعيد انسانيته المفقوده ، وخامس يضغط بقوة وغضب علي " الكلاكس " فيعوي في الفضاء يعبر عن الغضب المشتعل في صدره ، فررت من الوجوه البائسة وعدت لعبد الحليم واغنيته الجميله " ياراميني بسحر عينيك الاتنين ، ماتقولي واخدني ورايح فين " كأنني اجلس علي شط البحر الصافي فوق الرمال الناعمة " ولا عالحب موديني؟؟!!" اصفق مع نغمات " الساكسفون " فيحتل صوت عبد الحليم الفضاء المحيط " وانا بأسأل ليه ... واحتار كده ليه .. بكره الايام حتوريني " تتسع ابتسامتي اكثر واكثر واردد " بكرة الايام حتوريني " لكن السيد وزير المرور لايترك رأسي ولاينقشع عن افكاري ولا يغادر خيالي يردني بقسوة للعالم الواقعي ابتسمت للفكره "العبيطة " التي فرضت نفسها علي وسألت نفسي " اشمعني يعني وزير للمرور ؟؟؟" ضحكت بصوت عالي وقهقهت بصوت اعلي تلعثمت في كلمات الاغنية ووقفت في حلقي نغماتها وصار تصفيقي نشازا كأنني فقدت حاسه السمع فجأ هززت رأٍسي غاضبه من الافكار الشريرة التي احتلت رأٍسي فأفقدتني مزاجي الحلو وردتني للعالم الكئيب !! ولان اغاني عبد الحليم اقصر من كل الطرق التي نسير فوقها ، ولان اهتزازات الطريق تقلب معدتي وتفسد مزاجي الجميل ولان السائقين المحتجزين بجواري ينظرون لي طوال الطريق شذرا وكيف لايفعلون وانا السيدة المجنونة التي تصفق وتهز رأسها وتتمايل مع النغمات الراقصه متجاهله " المصيبة اللي احنا فيها !!" فقد قررت باسمهم جميعا وباسم مئات بل الوف بل مئات الالوف من البشر الذين يخرجون من منازلهم صباحا لاي سبب سواء الذهاب للعمل قضاء المصالح الذهاب للمدرسة شراء الخضار مناشدة من يعنيه الامر في هذا البلد بتعيين "وزير للمرور" تكون مهمته الوطنيه الجليلة هي ايجاد الحلول الواقعية الممكنه لتلك المأساة المروعة التي نعيشها نحن ابناء هذا البلد كل يوم وكل ساعة ، وزير للمرور يكون عمله الوحيده فك الاشتباكات المرورية التي تقبض علي انفاسنا وتضيع وقتنا وتهدر طاقتنا وترفع ضغطنا !! وزير للمرور يكون انجازه الوحيد ان نخرج من بيوتنا ونصل لمقاصدنا نسير فوق الطرق المفتوحة نسير فعلا ولا نقف مكاننا بؤساء غاضبين حتي ننسي سبب خروجنا من منازلنا ، وزير يكون انجازه الوحيد ان نكف عن لعن الايام التي نحيا فيها والزمن الذي نعشيه والاسباب التي دعتنا للخروج من منازلنا فنتعرض لما تعرضنا له ضجيج وتلوث سمعي ، دخان وعوادم وتلوث بيئي ، اكروبات السير ومقصات الطريق و" غرز " اليمين واليسار !!! وزير للمرور يحبنا ويعطف علينا ويفكر في معاناتنا فيبذل كل جهده ومعاونيه المخلصين لانهاء المعركة اليومية التي تستفذ طاقه ارواحنا المتعبة !!! وهاانا اهمس لكل المخلصين المحبين لهذا الوطن ان "السيد وزير المرور" ستكون مهمته عظيمة فالمشاكل العويصة التي يعاني منها الشعب كوم ومشكلة المرور كوم ثاني بل ان مشكلة المرور تتسبب في مشاكل وكوارث اكبر واعقد واكم من مصاب مات فوق الطريق لان سيارة الاسعاف لم تصل اليه في الوقت المناسب واكم من حريق ارتفع السنه نيرانه للسماء اكل الاخضر واليابس واجساد البشر وخرسانه البيوت وعجزت سيارات الاطفاء عن الوصول الي مكانه قبل " خراب مالطة " واكم من تلميذ اغلقت في وجهه ابواب لجنه الامتحان لانه وصل بعد الميعاد واكم من قضيه شطبت وضاعت مصالح الناس لان المحامي لم يصل للمحكمة قبل مناداه قضيته واكم من سيدة ولدت في "دواسه" العربية لان انقابضات رحمها لم تتنظر وصولها للمستشفي في الوقت المناسب !!! ان مشكلة المرور تحول بين الطبيب وفتح بطن مريضه المخدر فوق طاوله العمليات ينتظر فرج ربنا ، وتحول بين القاضي والوصول لمحكمته في الميعاد الذي حدده القانون ، وتحول بين المدرس واللحاق بطابور الصباح ، وتحول بين معظم الموظفين ودفتر الحضور ، وتحول بين التلاميذ والحصة الاولي !!! ان مشكلة المرور تستهلك طاقه البشر في ساعات النهار الاولي وتدخل في صدورهم العوادم والسموم وتسارع دقات قلوبهم وترفع ضغطهم وتجعلهم يبدؤن يومهم غاضبين متوترين جاهزين للمشاجرة والقتال ناقمين علي انفسهم وعلي الحياة !!! ان مشكلة المرور تطال الغني والفقير الوزير والخفير فجميعنا لابد ان نخرج من منازلنا وجميعنا لابد ان نصل اعمالنا وجميعنا لابد ان نقضي مصالحنا سواء كنا من ركاب السيارات الفارهة او الميكروباصات " الغلابانه " سواء كنا من ركاب التاكسيات او التوك توك ، سواء كنا من ركاب الاتوبيسات "ام جنيه " او" ام بريزة " !!! مشكلة المرور تؤثر في حياتنا جميعا سكان الاحياء الراقية وسكان العشوائيات سكان العاصمة وسكان الاقاليم ، تؤثر في حياتنا جميعا كبار وصغار اطفال وشباب رجال ونساء ، تؤثر في حياتنا جميعا سواء كنا نخرج للعمل او الترفيه سواء نخرج للتسوق او "السنكحة " وتضييع الوقت سواء نخرج في طريقنا للطبيب او في طريقنا للسينما ، تؤثر في حياتنا جميعا سواء نسير خلف نعش عزيز نحبه او نسير خلف زفه عروسة نحبها ، تؤثر في حياتنا جميعا سواء في بدايه النهار فتنكد علينا لاننا لانصل لمقاصدنا في الوقت المناسب او في اخر النهار فتنكد علينا اكثر لاننا لانصل لمنازلنا نريح اجسادنا المرهقة في الوقت المناسب !!! مشكلة المرور مشكلة عويصة جدا وعلي رأي عبد الحليم " اللي شبكنا يخلصنا !!!"
الفقرة الاخيرة – ان السيد وزير الداخليه مثقل باعباء كثيرة الامن العام وجرائم الارهاب ومكافحة الجرائم و... لاوقت لديه للمرور ومشاكله الذي يأتي في ذيل قائمه اولوياته وان كنتم لاتوافقوني علي رأيي هذا فسروا لي ما يحدث وسببه !!!
الجمله الاخيرة – مازال رأي احد الخبثاء يدوي في اذني " الحكومه قاصده علشان نتلهي عن اللي احنا فيه " وها بدوري انا اسأل الحكومه " صحيح ؟؟!!!"
السطر الاخير – اتمني ان يأتي يوما اخرج فيه من منزلي سعيده واصل لمكان عملي سعيدة لايكدر صفوي الطرق المكدسة والزحام المروع والغضب والتوتر الجماعي ، اتمني هذا اليوم وانتظره و" لو بطلنا نحلم نموت !!"

ليست هناك تعليقات: