الخميس، 4 سبتمبر 2008

" العين الحمرا !!!! "



عندما شاهدت " آلاء " التلميذة المصرية الصغيرة ذات الخمسه عشر عاما القادمة من قلب الدلتا الحاني تجلس امام عدسات التلفزيون تقص مشكلتها في ضيافة المذيعة البارعة المتميزة " مني الشاذلي " علي شاشة برنامج "العاشرة مساءا " انتابتني حالة ذهول فلم اصدق مااراه ولم استوعب ما اسمعه فالوقائع التي شاهدتها والحوار الذي دار والمشكلة التي طرحتها علينا " آلاء " تتجاوز في قبحها وعدم معقوليتها وقائع فيلم عبثي هابط صنعه بعض ثقلاء الظل من منعدمي الموهبة والكفاءة ل"ينكدوا" علينا حياتنا اكثر واكثر كأن ما نلاقيه يوميا لايكفينا وكأن ما نعاني منه طول الوقت لايرضيهم فجاءت مشكله " آلاء " الينا نحن المصريين المثقلين بهموم الحياة والمكدرين بعذابها والمحاصرين بمشاكلها تحت شعار " بيكم هم والا ازيده ؟؟؟ "!!! ولا اخفيكم سرا انني بكيت بحرقة وصوت عالي بعد انتهاء اللقاء مع تلك الفتاة ، بكيت عليها وعلي ماتعرضت له من قهر وظلم واستبداد غاشم وبكيت علي حالنا نحن المواطنين الصامتين العاجزين الذين اغمضنا اعييننا علي الكوارث وتقبلنا المهازل وتعايشنا مع الاهانه وفقدنا كرامتنا قطعه قطعة فلم نفتقدها وابتلعنا السنتنا ومضغناها وصمتنا دهورا حتي تجرأ علينا كتاب التقارير ومفبركي البلاغات ومدعين الوطنية فاذ بطفلة صغيرة مثل كل ابناءنا تتعرض لعسف قاهر لانها تجرأت وعبرت عن افكارها فكان جزاءها وجزاءنا التنكيل المهين ، بكيت لان "آلاء" فضحتنا وكشفت ضعفنا وابرزت نواقصنا واوضحت لنا قدر المهانة التي نعيشها ونتعايش معها فلولا اننا صمتنا وصمتنا ماتجرأ كائن ماكان علي عقاب تلميذة صغيرة من بناتنا علي رأيها في موضوع الانشاء بمثل ذلك العقاب المروع !!! بكيت لان "آلاء" رفعت الغطاء من فوق وجوهنا ولكزتنا في قلوبنا ونبهتنا اننا احياء يتعين علينا العيش بكرامة والموت بكرامة والا " ماذا سيحدث لنا اكثر مما يحدث ؟؟!!! "
جلست كالبلهاء احدق في شاشة التلفزيون اتأمل قسمات وجه التلميذة الصغيرة " آلاء " وهي تشكو الينا ما اصابها من المربيين الافاضل رجال التربية والتعليم الذين قرأ مصحح منهم ورقه اجابتها فاصابه الفزع مما قرأ رأيا حرا جريئا لايتصوره من التلميذة الصغيرة التي لايعرف اسمها والتي تطاولت في موضوع التعبير علي "الرئيس بوش " وهي جريمة من وجهة نظر المربي الفاضل لايمكن الصمت عنها او التغاضي عن مرتكبها او تصحيح ورقة الاجابة والسلام !!! فاذا به يخرج ورقتها من بين بقية الاوراق ويقدم في تلميذته الصغيرة بلاغا لرؤوساءه يتهمها فيه بارتكاب الجريمة الشنعاء و" تفضلوا بالنظر والتصرف!!!" فماكان من المربيين الافاضل الا النظر في ورقة الاجابة ثم التحفظ عليها ليقرروا بعد مناقشة ومشاورة والرجوع للقوانين واللوائح وبعد اجراء التحقيق معها والتحريات عن اسرتها واهلها التصرف معها بحزم وقوة واظهار " العين الحمراء " واخذها بجرمها ومعاقبتها العقاب القاسي الصارم و" علي نفسها جنت براقش" تبرئه لانفسهم امام الله والوطن والرئيس بوش !!! ليقوموا بحجب نتيجتها ليس فقط في اللغة العربية بل في جميع المواد واخطار اهلها بـأن " التلميذة حتعيد السنة!!" و " مطرح ما تحطوا راسكم حطوا رجليكم !!!!"
انتابتني حالة ذهول وعدم تصديق وانا اسمع ما تحكيه الفتاة الصغيرة عن تجربتها القاسية التي تعرضت لها وهي لم ترتكب ذنبا او تأتي جرما او تخرق ناموسا مقدسا بل – وفقط - كتبت رأيها بصراحة وحرية في موضوع تعبير في امتحان اللغة العربية اخر السنه فاذ برأيها الصريح وكلامها المباشر وتعبيراتها البريئة مهما كانت حدتها او قسوة الفاظها - وهي التي سمعت وصدقت ضجة الادعاء بالديمقراطية وضجيج التظاهر باحترام حرية الرأي – تجر عليها المصائب والمتاعب التي لم تستوعبها ولم تفهمها ولم تتقبلها " دول هروني !!" هكذا وصفت التحقيق الذي تم معها بمعرفة السادة محققي الشئون القانونية بوزارة التربية والتعليم .... " وكتبت اعتذار واني مش قصدي .... " تشرح لنا ماذا طلب منها المحققين وكيف خضعت لهم !!! ثم فجرت قنبلتها في وجوهنا " سألوني مين وراكي ؟؟" وهو سؤال لم تفهم الصغيرة مغزاه لكنها احسته غريبا مريبا فسألت مني الشاذلي وسألتنا نحن المتفرجين " مين ورايا يعني ايه ، جاسوسه انا يعني !!!" ثم قررت لنا " طب ماهو الناس بتعمل مظاهرات عند البيت الابيض وبوش ما بيعملهومش حاجة !!! " كأنها تستنكر العقاب الذي اوقع عليها وهي لم تتظاهر امام البيت الابيض ولم تلعن بوش فقط عبرت عن رأيها في موضوع التعبير ثم سألتنا ببراءة الاطفال في عينيها وعظيم الغضب والقهر في صدرها " هو انا كتبت ايه ؟؟ " كأنها لاتصدق انها ارتكبت جرما اكثر من هؤلاء الذين يقفون طوال اليوم امام البيت الابيض يلعنون بوش وسياساته الاستعمارية المعادية للعرب والمسلمين ثم يعودون في نهايه اليوم لمنازلهم لا يقتص منهم احد ولايعاقبهم علي رأيهم اما هي فقد كتبت ماكتبت في موضوع التعبير وتصورت بسذاجة الاطفال انها ستحصل علي النمرة النهائية مكافأة لاجتهادها فاذا بها تسقط و" تعيد السنة "!!!! ولاننا لانعرف ماذا كتبت وماذا قالت ولاننا نؤمن بحرية الرأي والتعبير حقا دستوريا لكل مواطن ولو كان تلميذة صغيرة من "شربين " ولاننا نعرف ان جرائم القذف والسب تتطلب علنية وتداول بين ايدي البشر الغرباء وهو امر لايتوافر في ورقة اجابة تلميذة في امتحان اولي ثانوي ولاننا نؤمن بأن أي كلام قيل او يقال " في موضوع الانشا" مهما كانت الفاظه وطبيعته لايمكن اعتباره جريمة تستوجب العقاب الصارم وتستحق الحرمان والتنكيل والاستجواب و" اعادة السنة " فقد انتابني الذهول من قدر العبث الذي نعيشه والبطش التي تعرضت له التلميذة والعسف الذي عوملت به هي واهلها مما قادني لصمت مرير موحش وصدمة موجعة لا اصدق مااراه ولا اريد ان اصدقه !!! " هو انا كتبت ايه ؟؟!! " سؤال استنكاري القته " آلاء " في وجوهنا كـأنها تستنجد بنا من ظالميها اصحاب القوة والسطوة والعين الحمرا و" القلم الاحمر " الذين شطبوا علي سنه دراسية كامله من حياتها بجرة سيفهم البتار عقابا لها لانها اعملت عقلها وكتبت ما تراه صحيحا بالتجاهل لعناصر موضوع التعبير التي حددت سلفا للتلاميذ سياجا لايحق لهم الخروج عنه فالتزموا ونجحوا عدا "آلاء " التي تمردت علي العناصر الجاهزة وتركت لعقلها وقلمها المجال ليبدع فاذ بها تلقي بنفسها للتهلكة و " دي شتمت الرئيس بوش !!!! "
انتهي اللقاء التلفزيوني مع " آلاء " وبقيت مكاني ساكنه امسح دموعي و" افعص " في عيني التي اسودت الدنيا امامها افكر في هذا الوطن فبكيت اكثر واكثر وجلست اكتب لكم هذه المقالة اناشدكم لا تصمتوا علي ماحدث ل "آلاء" لا تتقبلوه ولا تتجاهلوه ، لا ترفعوا اكتافكم بعدم اكتراث باعتبار مشكلتها لاتهمهم ولا تغمضوا اعينكم بعدم مبالاة كأنكم لم تروها ، لاتهربوا من نظرة ظلم في عين تلميذة صغيرة هي ابنتكم جميعا وواجهوا ماحدث لها ، فكروا فيه ، تأملوه ، ثم ارفضوه بقوة وحسم وصوت عالي ، كفاكم وكفانا مايحدث لنا كل يوم !!
الفقرة الاخيرة – عاتبني احد الاصدقاء علي هذه المقالة واوضح لي " لقد امر الرئيس مبارك بعدم عقاب التلميذة وفي هذا مايكفيها " شرحت له " لقد فرحت بهذا القرار لكنه لم يزيل المرارة عن حلقي فقد تعرضت الفتاة لظلم بين يجب عقاب مرتكبيه والاهم يجب فتح ملف التربية والتعليم فما نراه هذه الايام ليس تربية وليس تعليم " فشوح لي بيده لايعجبه كلامي لكنه رأيي ومازلت مقتنعة به !!!...
الجملة الاخيرة – يحكي ان ذئب هجم علي ثلاث ثيران اصدقاء فلم يقوي عليهم فقرر افتراسهم بالخديعة وهمس في اذن الثورين الابيض والاسود " لن اتعرض لكم واتركوا لي الثور الاحمر " فوافقوه ، وسرعان ماعاد للثور الابيض وهمس له " لن اتعرض لك واترك لي الثور الاسود " فوافقه ، وفي النهايه هجم علي الثور الابيض الذي استسلم لمصيره وهمس يعاتب نفسه " لقد قتلت يوم قتل الثور الاحمر!! " قصة شعبية اهديها لكل من يغلق عينيه صمتا متصورا نفسه بعيدا عن التعسف الذي يطال الاخرين !!!
السطر الاخير – افيدوني ... كيف يتحول مربي ومعلم وظيفته تعليم القيم النبيلة لمخبر يبلغ عن تلميذته التي كتبت رأيها بصراحه في موضوع انشا و " شتمت أي حد !!" وفي نهايه اليوم ينام براحة ضمير ولاكأنه عمل حاجة؟؟!!! افيدوني !!!!
الاربعاء 5 يوليو 2006


ليست هناك تعليقات: