الجمعة، 3 أكتوبر 2008

"كان ياماكان ...... يحكي ان ..... "


اعتادت جدتي في الليل الموحش لبيتنا الريفي ان تآخدني في حضنها وتحكي لي قصصها التراثيه تؤنسي وتبدد مخاوفي وتطمئني وانا صغيره مرتعده من اشباح الليل وبهيم سواده ولان الليل هذه الايام موحش وطويل فقد دوي صوت جدتي في اذني يذكرني بما كانت تقصه علي و..... كان ياماكان .... يحكي ان ملك مستبد كان يفعل ما يحلو له وقتما يشاء بالطريقه التي يحبها خلع ملابسه وبقي عاريا لا يستر بدنه مجرد خيط واحد وسار بين الحاشيه المنافقه مبتسما يسآلهم عن رايهم في ثوبه الجديد فاشادت الحاشيه خوفا وكذبا بروعه ثوبه وجمال تصميم وتآلق الوانه ويوما بعد الاخر كذب كل منهم عنيه واقنع نفسه ان الملك العاري يرتدي ثوبا جميلا واعزي كل منهم لنفسه عدم رؤيته للثوب الجميل لضعف في بصره او عيب في عقله ولم يتجرآ احد علي التفكير مجرد التفكير ان الملك يعيش عاريا كما يروه وهكذا عاش الملك بين حاشيه وداخل جدران قصره عاريا متباهيا بالثوب الانيق الذي يزين بدنه وسرعان ما صدق الملك كذبته وقرر استعراض جمال واناقه ثوبه علي رعيته البائسه خلف جدران القصر فخرج علي رآس موكبه المهيب يحيط به الحرس المدججون بالاسلحه المشحوذه علي دقات الطبول الاحتفاليه يتجول في الحارات الضيقه والشوارع البعيده وكان منظرا عجيبا ملكا عاريا يمتطي ظهر جواد اصيل يلوح باصابعه للرعيه المذهوله من عريه وجراءته يحيها ولم يكتف الملك بموكبه بل ترجل عن حصانه وسار مختالا بين البشر المرتدين الاسمال يعايرهم بجمال ثوبه وبريق الوانه ويسآلهم رآيهم في اناقته ونظرت الرعيه لملكها العاري وخاف كل منها ان يفصح عن ماتراه اعينه وقرر كل منهم ان يوافق الملك وينصاع لكذبته فاخذ كل منهم يشيد بجمال الثوب الوهمي بل وتباروا في وصفه وابراز محاسنه وجماله ويوما بعد يوما صدقت الرعيه ان مليكها العاري يتدثر بثوب جميل انيق وهكذا فقء الناس اعينهم وخلعوا عقولهم وصدقوا الاكذوبه التي لا يروها وامنوا بها وتعايشوا معها وكاد احدهم قتل الاخر حين اختلفوا في وصف الثوب الجميل الذي يرتديه الملك وادعي كل منهم ان اوصافه هو للثوب الجميل توافق الحقيقه وان اوصاف زميله الاخر الكاذب غير حقيقيه وتصف اي شيء الا الثوب الجميل للملك وهكذا عاشت المملكه في كذبه كبري ولم يتجرء اعقل العقلاء ولا احكم الحكماء ان يفتح فاه معلنا عن الحقيقه التي " تخرم " عينه واثر الجميع العيش في الانكار الجميل والوهم الكاذب وتواطئوا معا علي استمرار ورسوخ الكذبه الكبري و..... مرت الايام والكذبه الكبري تكبر وتكبر وتنتشر وتنتشر ويعيش الناس فيها ومعها فصدقوها وامنوا بها وتوارثوها و......وفجآ انشقت الارض عن طفل صغير لم يتعلم الكذب ولم يتقن النفاق نظر للملك العاري فوق حصانه الاصيل متباهيا بنفسه وصرخ " الملك عريان ، الملك عريان " هنا فتح كل البشر اعينهم وشاهدوا مليكهم عاريا مترهل الجسد قبيح المنظر فاحسوا الخجل من انفسهم لان طفلا صغيرا خرج من بين ارجلهم كشف المستور وبدد في ثانيه الوهم اللذي عاشوا طويلا يقنعوا انفسهم به ويصدقوه !!! وكان ياماكان ..... يحكي ان رجل غبي يملك حقلا كبيرا خصبا ينتج افضل الثمار والخيارات ضاق بذئاب الليل التي تسطو علي حقله وتسرق جزء من محاصيله وتعوي في منتصف الليل توقظه من نومه الهانيء وفكر الرجل الغبي طويلا في وسيله فعاله تحمي ثروته وتبعد الذئاب عن طريقه وتؤمن حياته وماله فجلس في الظلام ي" هوهو " لاخافه الذئاب التي تزعجه متصورا ان نباحه سيخيفها لكن الذئاب سخرت منه واستمرت في اجرامها تسطو علي حقله وتفسد ثماره وتعبث وتلهو وسط مزروعاته كيفا شاءت فغضب الرجل اكثر واكثر فقرر ان يقف وسط حقله طوال الليل يصرخ في الذئاب لتبعد وتخاف يهددها بعصاه كآنه سيتفك بها ووقف ليله واثنين وثلاث لا يفعل شيئا الا الصراخ العصبي في الذئاب وتهديدها بالضرب لكن الاعياء انهكه في الليله الرابعه سيما بعد ان تكاثرت عليه الذئاب تعوي حوله تصم اذنه وتدب الرعب في قلبه ولا تكف عن ايذاءه فغضب الرجل اكثر واكثر وكره الذئاب اكثر واكثر وسرعان ما هداه تفكيره المحدود اشعال النيران في ذيل قطته الحبيبه واطلاقها وسط حقله في الليل لاخافه الذئاب التي تسرق قوته وابعادها عن حقله الخصب وجلس سعيدا بفكرته يتصور الذئاب تتآلم من لسع النيران التي سيشعلها تختنق من دخان حريقه العمدي ، وفي ليله بلا قمر جلس علي طرف الحقل ممسكا بالقطه المسكينه واخذ يهمس في اذنها يشرح لها اهدافه ومآموريتها في تهديد الذئاب واخافتهم ومنعهم من سرقه قوته وثروته و" وترجعي علي طول " والقطه الصغيره تجلس مكانها كآنها تسمعه وكآنها تفهم حديثه وكآنها ستطيعه وحين اشعل النيران في ذيل القطه انتابها الفزع وصرخت بصوت عالي ارعبه وقفزت من بين يديه بسرعه وانطلقت مسرعه داخل حقله تجري وتجري تشعل النيران في المزروعات والاشجار والساقيه الخشبيه وفزعت الذئاب وفرت مسرعه خارج حقله تبحث عن مكان اخر تسرقه بلا مشاكل وسعد الرجل الغبي بانجازه ونادي قطته الحبيبه لتعود لديارها سالمه بعد ان تحقق غرضه وفرت الذئاب المفترسه التي كانت تضايقه لكن القطه لم تعد واستمرت تعدو في حقل الرجل الغبي وتشعل النيران فيه لا تسمع ندائه ولا رجاءه ولا عويله وهو يري حقله وثروته وعمره كل يحترق امامه بفعله يده وخطته الغبيه وقراره الاهوج في التخلص من اعدائه ولو علي حساب نفسه وقد ماتت القطه المسكينه محترقه وسط النيران المستعره التي اشعلها الرجل بغباءه الجم بعد ان عجزت دموع ندمه الفياضه في اطفاءها !!! وقتها تمني الرجل لو بقيت الذئاب تزعجه وعاشت قطته الحبيبه وبقي حقله المثمر وتمني لو عادت عجله الزمن للوراء فلم يفعل ما فعل لكن الامنيات وحدها لا تكفي !!!! وكان ياماكان ......... وكان ياماكان ....... يحكي ان خمسه من كفيفي البصر ساروا في الغابه متشابكي الاذرع يتحسسون طريقهم المظلم للخروج من اسر اشجارها العملاقه للعالم الرحب وفجآ وقف امامهم فيلا ضخما اصطدموا ببدنه الضخم وساقيه الكبيرتين فارتبكوا لا يرون خصمهم الذي سد طريقهم فنصحهم احكمهم ان يدوروا حوله ويتحسس كل منهم ذلك الخصم ويصف للاخرين ما يحس به وما يراه حتي يستطيعوا من جماع احساسهم التعامل مع ذلك الخصم الذي حرمهم القدر من رؤيته فوقف اولهم خلف ذيل الفيل ومد كفيه يتلمسها وتجرآ اكثر واكثر وسار باصابعه فوقها ثم صرخ فيهم خصمنا نسيج لين رفيع ناعم يمكن طويه بين اصابعنا جميعا ان تكاتفنا !! ووقف ثانيهم تحت بطن الفيل ومد ذراعيه لاعلي فلم يطلها فشب علي قدميه فلمست اصابعه الخيمه التي تعلو رآسه وتحركا يمينا ويسارا يلمس السقف العالي الذي يظلل رآسه ثم صرخ في زملائه خصمنا سماء رخوه كبيره واسعه تظلل رآسي اتحرك تحتها بخطوات كثيره يمينا ويسارا ويمكننا ان نسير جميعا تحته آمنين مطمئنين !!! ووقف ثالثهم امام " زلومه " الفيل فاحس هواءا ساخنا يخرج منها مد يديه كي يلمسها فرفعها الفيل للسماء عاليا فاحس الرجل وكآن خصمهم صوتا يعلو في السماء ويكاد يهبط فوق رآسه فابتعد خطوتين ثم مد يديه ثانيه فلمس الخرطوم المتصلب الذي انزله الفيل من السماء بين يديه وسمع صوت الهواء المتدفق منه يفح في اذنه فارتبك وصرخ خصمنا سوطا جامد يعلو ويهبط يتآرجح في الهواء لا تكاد تلمسه حتي ينتفض بعيد عن يدك يفح هواء ساخنا قد يتحول لاعصارا عاتيا ان غضب منا !!! ووقف رابعهم امام ساق الفيل مد ذراعيه حولها يحتضنها فلم يعرف اولها من اخرها غرز اصابعه في جلدها احسه سميكا صلبا تحسسها فكآنها كتله ضخمه من اللحم المتيبس فصرخ فيهم خصمنا عامود ضخم طويل مخيف ان تحرك ثقب الارض تحته ودفننا في قبر واسع تحت ضغطه الكبير !!! ووقف خامسهم امام ناب الفيل وفمه المفتوح تخرج منه اسنانه العملاقه مد اصابعه يتحسس الانياب العاجيه المشحوذه يقبض عليها يحسها صلب فولاذ مد كفه داخل فم الفيل يتحسس اسنانه انيابه احسها نصالا قاطعه قويه تحركت اصابعه قليله فقبض لسان الفيل عليها وعجنها بلعابه اللزج وكاد يعتصرها واخذ يلوكها قرب ضروسه العريضه العميق فصرخ الرجل الخامس خصمنا كهف مفتوح يقف علي بابه مسلحين مدججين بالاسلحه المشحوذه يحميهم ثعبان قوي ان حاولت تقترب من الكهف اعتصرك الثعبان وسلمك فريسه خاضعه للمسلحين يقطعوا جسدك اربا اربا ... تحرك الرجال الخمس بعيدا عن الفيل يلهثون يندبوا حظهم العثر الذي اوقعهم امام خصم مرعب لاتعرف ماهيته او صفته واخذ كل منهم يقص علي الاخر مره وثانيه وثالثه عن ما احسه عن ذلك الخصم والرعب الذي دب في قلبه منه يحكون قصصا متناقضه كآنهم يصفون الف خصم يرفع كل منهم صوته فوق الاخر يقسم باغلظ الايمانات ان اوصافه صحيحه ورؤيته صحيحه وتحليله صحيح وانه الوحيد الذي يعرف الحقيقه الحقيقيه كامله ويملك ناصيتها واكملوا سيرهم يتشاجرون يتقاتلون يتهمون بعضهم البعض بالغباء وانعدام الرؤيه والعمي الحيثي !!! فتفرق جمعهم وانفضت صحبتهم واكمل كل منهم طريقه في الغابه الموحشه وحيدا غاضبا من بقيه اصدقاءه لانهم لم يصدقوه ولم يسمعوا كلامه ولم يسيروا خلفه .. تفرق جمعهم وتاه كل منهم في طريقه يتصور نفسه يملك الحقيقه المطلقه لا يدرك كم غباءه وقصور احساسه وانعدام رؤيته ولا يقبل ان يصدق انه لم يعرف الا جزء ضئيل من الحقيقه ولا يقبل ان يصدق انه لم يري الا جزء صغير من الصوره الحقيقيه ... سار كل منهم في طريق وتفرق جمعهم وتشتتوا وبقي الفيل مكانه يسخر منهم ومن عجزهم وقصور احساسهم وانعدام بصيرتهم !!! و...... رحمه الله عليك ياجدتي لقد تركت لي كنزا مازال بريق احجاره الثمينه يسطع في الليل يبدد ظلمته !!!
الفقره الاخيره - كتبت مقال الاسبوع الماضي اعلن فيه بشكل واضح موقفي من اضراب ٦ ابريل برفضه وبررت رفضي بآن " انا ضد الاضراب وضد كافه الاعمال العشوائيه التي تستخدم غضب الناس واحباطهم لدفع الوطن لحافه الهاويه وضد اثاره واستثمار غضب الناس واحباطاتهم ودفعهم دفعا للانفجارالذي سيقع في الاخير فوق رؤوسهم هم ، انا ضد الاضراب وضد استغلال الازمه الطاحنه التي نعيش فيها ونعاني منها في اشعال الحرائق في البلد وتخويف المواطنين وترويعهم وتهديد امانهم وامنهم " وانا مازلت عن رآيي واتمسك به وبشده !!!
الجمله الاخيره - اقف وحيده علي الضفه الثانيه من النهر احدث نفسي ولا يسمعني احد فالضجيج والصراخ والشعارات الزاعقه والفجاجه والخطب الرنانه والعويل العمدي والهتافات الصاخبه ودوي طبول الحرب التي يدقها الكثيرين تحجب صوتي عن البشر الطيبين اهل هذا الوطن !!!
السطر الاخير - احب هذا الوطن ويعذبني حبه !!!
نشرت في جريده روز اليوسف في ٩ ابريل ٢٠٠٨

هناك تعليق واحد:

اميرة بهي الدين يقول...

نشرت هذه المقاله في الفيس بوك فجائتني هذه التعليقات



Negad El Borai wrote
at 1:37pm on April 9th, 2008
عارفة يا اميره ايه مشكلتي معاكي ايه ، اني باحبك وباصدقك ومصدق ان ده رايك ، ومش قادر ارد عليه رغم اني عارف انه راي غلط مش صحيح ومحبط وسلبي ، لكن ما اقدرش اقول كده ، بس انا مندهش جدا انك زعلانه من الناس الوحشين اللي اسثمروا غضب الناس واحباطهم ، ومش زعلانه من الناس الوحشين اللي سرقوا الناس ونهبوهم وخلوهم ياكلو لحم الحمير الميته ، ويقتلوا بعض علي رغيف عيش .
مش غريبه ان الواحد ما يزعلش من اللي بيضرب ، ويزعل من اللي بينضر علشان بيصرخ ، معلش هاشوفك وهندردش ،وربنا يعمل اللي فيه الخير.


Sahar El Gaara wrote
at 3:53pm on April 9th, 2008
والله يا مرمر الزمن ده محتاج لحكيم يضع نظريات جديدة
زى جدتك يمكن نفهم إيه اللى بيحصل


Mona Abolnaga wrote
at 9:21pm on April 10th, 2008
ماعنديش تعليق لأنى مش فاهمة ايه اللى بيحصل فى البلد وليه بقت خربانة كده و ازاى بس أنا مستغربة من رؤيتك للأمور

Nancy Mohammady (Greensboro, NC) wrote
at 9:35pm on April 18th, 2008
eslobk to7fa 3ala fekra....we nazrtk ll-2omor ra2e3a...