الجمعة، 3 أكتوبر 2008

هل اقطع المقاله وانسي ؟؟؟؟


غبت عن ليل الاسكندريه الشتوي قرابه ثلاثين عاما حرمت فيهم من برودة هواءها وصقيع رياح نواتها ولم انام في حضن نجومها ولا علي ذراع محبتها ولم ادفن بدني المرتعد تحت اغطيتها الدافئه منذ كنت فتاه صغيره اقذف بالعمله الفضيه في بير مسعود وابثه امنياتي واتركه وكلي امل في تحققها وعانيت خلال كل تلك السنوات من الشوق اتمني زيارتها في الشتاء واحلم بالسير تحت امطارها علي كورنيش البحر واشعر بللا جميلا عذبا من امطارها مالحا من رزاز امواجها يكسي بدني ويغسل همي لكن الانشغال اللعين حرمني من ليل المدينه الجميله التي اقف في طابور عشاقها الكثر لذا حين لاحت لي مكنه زيارتها في ليله من ليالي الشتاء التي حلمت بها قبضت علي الفرصه وحزمت حقيبتي ولملمت اوراقي و" جوربي الصوفي " واعلنت ببهجه سفري لمدينه العشق التي افتقد ليالها الشتويه امني نفسي بليلة حميمه طال انتظارها كثيرا في تلك المدينه الساحليه العريقه احسني ساقابل صديقه قديمه فرقت بيننا الايام المزدحمه واردد علي مسامعي كل الحكايات التي احفظها عن ظهر قلب ادخرها لها لاقصها عليها في جلسه الوصل التي حلمت بها وطال حلمي انتظر حنانها يقويني بقيه ايام العمر" اه من العشق ياني والرمل الزعفراني علي الشط الكهرماني والسحر اللي احتويته والبحر اللي احتواني والبحر ابو الف موجه والموجه بالف حاله وانا المغرم صبابه باسكندريه يابا وفكره كوني انسي بحكم الاستحاله " جلست باسترخاء بجوار السائق في طريقي للاسكندريه كان الطريق يضيق ويتسع حسب " التحويلات " التي يتغير بها مساره لزوم "التوسيعات" المرتقبه فاحسست وكآني اسير علي طريق جانبي صغير ضيق يجبرنا وكل السيارات علي السير ببطيء ممل فطال وقت الرحيل والسفر وفرت منا ساعات النهار مللا وتركتنا نتآنس جبرا بوحشه الليل وومضات المصابيح الصغيره المتناثره علي جانبي الطريق باضاءتها الصفراء العليله فتذكرت انفعال ابنتي الصغيره "انت مش عايزاني اشوف احفادي ؟؟!!" وكانت تناشدني اطفاء مصباح صغير بجوار سريري تؤنسني اضاءته الشاحبه في الليل البهيم ولم افهم حديثها فغضبت مني " انتم حرين بتدمروا العالم ومش واخدين بالكم !!" وكدت اخرجها من غرفتي عنوه اتهمها بازعاجي وهي " تزن " و" تزن " تطالبني بالحاح بغيض " اطفي الاباجوره ياماما " .. وصرخ حليم معذبا " جباااااار في رقته جبار "ونسيت ابنتي ومخاوفها وسلمت نفسي لصوته يشدو لي طوال الطريق مهونا علي الملل ولسع الومضات الصفراء في عيني وبطيء التحويلات المروريه يحملني علي نسمات صوته للمدينه الغاليه فكآنني غبت عن الوعي اكاد ابكي لاحزانه الموجعه " في يوم في شهر في سنه تهدي الجراح وتنام و... جرحي انا اطول من الايام " اكاد اواسيه اهون عليه سطوه القدر المتسلط " وانا كل مااقول التوبه يابويا ترميني المقادير " لااقبل هزيمته واستسلامه " موعود معايا بالعذاب موعود ياقلبي " اوافقه " اعز الناس حبايبنا " وآفقت من غفوتي علي وغز الومضات الصفراء تنير جانبي الطريق بمدخل المدينه العريقه التي ترحب بي وبكل زائريها و دخلت الثغر السكندري في " عز الشتا " لاجده ساكنا مستسلما لوحشه الظلام الساكن تتراقص في شوارعه الواسعه خيالات اللمبات الصفراء ليدوي في اذني من كافه ارجاء المدينه - المنتظره علي شوق رحيل الشتاء ودبيب الحياه المتفجره في اوصالها - صوت فيروز الصادح " شط اسكندريه ياشط الهوي رحنا اسكندريه رمانا الهوي " يتداخل معه في ايقاع جميل الصخب البعيد لصدي الحان الموج الهادر يعلننا بالوجود الاسر للبحر الابيض المتوسط يرقد تحت اقدام مدينتنا الساحره يحرسها ويحتضنها ... وصلت الكورنيش قابعه في سيارتي تبحث عيناي بشوق المحب عن البحر اطيل النظر في ازرقه الداكن المح امواجه اللوجينيه تسطع علي سطحه المنسبط كآنها نجوم سقطت من السماء تزين شعره الطويل بوهجها البراق انصت لنغمات عشقه لتلك المدينه ضربات منتظمه حنونه ببدن الشط النائم بين احضانه احلم بالقفز من فوق "الكورنيش" القي ببدني في البحر بين احضانه اغتسل بحبه وصفاءه البارد و " يا اسكندريه عاشق وبدوي ارتاح في حضنك والود ودي " لكني اتجمد مكاني في السياره اعرف نفسي لااقوي علي غرامه الليلي ولااتحمل في شتاء يناير احضانه العفيه البارده و" يا اسكندريه بحرك عجايب ياريت ينوبني م الحب نايب" و...مازال الكورنيش امامي طويلا والفندق بعيدا ، تذكرت صدقي باشا رئيس وزراء مصر في اربيعينات القرن الماضي الذي وصمه معارضيه السياسين بالديكتاتور لشراسته مع القوي المعارضه لحكم الملك المحبوب لكنه - وبصرف النظر عن تقييمنا السياسي له - ترك بصمته الرائعه علي وجه الوطن " كورنيش اسكندريه " ذلك الطريق الملتوي واسواره الحديديه العاليه تفصل الرمال الناعمه والامواج المتعاقبه عن بدن المدينه فصان كورنيش "الديكتاتور" المدينه ومنع بحرها من التهام بدنها والجور علي وجودها ذاته ومنح الشعراء والمحبين وعشاق القمر ومنحني معهم براحا واسعا لاطلاق المشاعر والاحاسيس و" ليالي مشيتك يا شط الغرام و إن أنا نسيتك ينساني المنام " و... ومضت المصابيح الصفراء اكثر واكثر معلقه في فوانيس حديديه جميله غرست في ضفتي الكورنيش بعد الانشاءات المبدعه التي تمت بالكورنيش في عهد المحافظ الاسبق " اللواء المحجوب " و التي منحت كورنيش "صدقي باشا " كوبري " ستانلي " الجميل الذي بني بذات طراز بناء قصور حدائق المنتزه وبالوان مستنسخه من الوانها فضلا عن اتساعا ارحب للطريق وازدواج لضفتيه مع ردم لبعض مناطق البحر واقامه سدود خرسانيه تحمي باطن الكورنيش وغرس نخيل جميل يزين وجهه ووجه المدينه عموما وخفق قلبي بحب المدينه الجميله وكدت اقفز من السياره اصرخ علي شط بحرها بالحب الذي يفيض مني انقل بصري بين نخيلها وامواجها ومبانيها القديمه اتذكر بير مسعود وزائريه ال"عشمانين " في كرم جنياته وشاطيء ابي قير وحدائق المنتزه والقلعه وحلقه السمك و اسمع نغمات سيد درويش في كوم الدكه "اهو ده اللي صار وادي اللي كان مالكش حق مالكش حق تلوم عليا " وانتبه لحب اسامه انور عكاشه للمدينه العريقه يطل من كل اعماله حبا واضحا جارفا في زيزينيا والرايه البيضا ، واسمع ابيات احمد فؤاد نجم تتغزل في المحبوبه الخمريه قصائد واغاني ومقدمات مسلسلات " كأني طوبه من بيت في حاره ، كآني دمعه في عيون سهاري ، كآني نجمه فوق الفناره تهدي الحياري والبدر غايب " واقف احتراما لروايات اديبنا الشيخ نجيب محفوظ " ميرامار ، السمان والخريف " والتقط في الفضاء همس فيروز الحنون " البحر و رياحو و الفلك الغريب ، يحملها جراحو و يرحل في المغيب" ويشد مخرجنا المبدع يوسف شاهين طرف ثوبي يذكرني بعشقه للمدينه الغامضه " اسكندريه ليه ، اسكندريه كمان وكمان " واتذكر اغنيته في الفيلم الاخير " خد عينيا وشوفوا بيها " و.. ياسكندريه يامصروايه على سن باسم على ضحكه هاله البحر شباك ومشربيه وانتي الاميره ع الدنيا طاله و..... سطعت اللمبات الصفراء اكثر واكثر في عيني وتملك رآسي دوار كريها افسد فرحتي باللقاء المنتظر للمدينه العريقه و....سآلتني ابنتي غاضبه " هو انت ما سمعتيش عن الاحتباس الحراري Global_warming " و شرحت لي غاضبه من جهلي ان الاحتباس الحراري لكوكب الارض يعني ارتفاع في المعدلات الحراريه عالميا وبمعني اخر اوضحت لي ان كوكب الارض قد ارتفعت درجات حرارته - وسترتفع اكثر - بسبب زياده نسب ثاني اكسيد الكربون في الغلاف الجوي بما سيؤدي لتغيرات مناخيه وبيئيه تؤدي لتكرار العواصف والزلازل والاعاصير وفترات الجفاف وارتفاع منسوب المياه في البحار والمحيطات نتيجه ذوبان الثلوج والجليد القطبي واعطتني ظهرها غاضبه " انتم جيل اناني مش فارق معاكم احنا حنعيش ازاي والا ان شالا ماعشنا " وسارت في الشقه تطفيء اللمبات الصفراء " كل لمبه من دول مولعه من غير لزمه بتزود الاحتباس الحراري ياماما " و... تدثرت بغطاء صوفي وجلست في شرفه الفندق العالي رغم البروده والهواء المتلاطم احدق بحب في البحر ينتفض بحده تنكسر علي رمال الشط اشخص ببصري بعيدا اتمني رؤيه ضفته البعيده " وإذا لم يتم خفض الانبعاثات الحرارية عالميا فان المعدلات الحرارية العالمية قد تتزايد بعشرة مرات أسرع من متوسط معدلات تزايده وان حصل هذا فان مستوى المياه في البحار والمحيطات سوف يرتفع وتغمر المناطق الساحلية في معظم ارجاء الكوكب " عباره مخيف قرآتها في تقرير علمي قدمته لي ابنتي الهلعه علي مستقبلها البعيد وحقها في العيش امنه ورؤيه احفادها يشرح معني واثار الاحتباس الحراري وشرحت لي باهتمام حقيقي ان البنك الدولي اصدر حديثا دراسه تتحدث عن المستقبل الكارثي لمصر وان " السيناريو الأسوأ يتمثل في انهيار وذوبان الجليد في جرونلاند وغرب القطب الشمالي مما يؤدي إلى ارتفاع مستوى البحر الأبيض المتوسط إلى نحو خمسة أمتار وهو ما سيفضي بدوره إلى تدمير كل المنطقة، وحتى في أكثر السيناريوهات تفاؤلا فإنّ أي ارتفاع ولو طفيف في مستوى البحر في غضون القرن الحالي يمكن أن يؤدي إلى غرق مناطق بالكامل.....واوضحت لي طبقا لما جاء في ذلك التقرير ان " زيادة منسوب مياه البحر المتوسط يعنى غمر المناطق الساحلية فى دلتا نهر النيل يمصر بمياه البحر نتيجة ذوبان الثلوج فى القطبين الشمالي والجنوبي الذي تسببت فيه ظاهرة الاحتباس الحرارى " واضافت "ملايين المصريين سيجبرون على ترك منازلهم بشكل نهائى والهجرة إلى أماكن أخرى بعيدة عن الدلتا بعد ارتفاع المياه بمعدل من 30 سم إلى 100 سم بنهاية هذا القرن " وقالت لي ابنتي انها عملت بحث عن الاحتباس الحراري في مدرستها العام الماضي كشف لها عن ان " أكبر تأثر على مستوى الكرة الأرضية سيحدث فى دلتا النيل بمصر وفى بنجلاديش وإذا كان البشر الذين سيعانون من الكارثة فى مصر من 2.5 إلى 3 مليون فرد فإنه في بنجلاديش سيكون من 40 إلى 60 مليون فرد مهددون بالغرق" ارتعشت مكاني من لسعات البرد وفجآ تملكني الرعب وتسارعت دقات قلبي فزعا وانا اتصور هذا البحر الذي احبه يتحول لوحش كاسر ينتفض من مكانه ويخرج عن سياجه ويفيض ويطغي علي الشوارع والمباني والبشر والتاريخ والجغرافيا ويغير بشراسه وافتراء وجه الحياه في المدينه التي احبها بل وقد يزيلها اساسا من موقعها بالخريطه ويترك مكانها سطرين في كتب تاريخ المستقبل تتحدث عن مدينه كانت جميله وغرقت تحت مياه البحر فاندثر وجودها الواقعي الحقيقي ولم يبقي منها الا اطلال غارقه وعمليات تنقيب تحت الماء عن الاثار الداله علي وجود مدينه قديمه في تلك البقعه من البحر كان اسمها " الاسكندريه " احسست عجزا رهيبا ومن انا لاوقف ذلك الاحتباس الحراري في الكوكب واحول بين درجات الحراره والارتفاع وامنع ذوبان ثلوج القطبين الجنوبي والشمالي حتي لا ترتفع المياه في المحيطات والبحار دفاعا عن مدينتي التي احبها وعن وجودها المستقبلي الدائم ، ومضت في عيني اللمبات الصفراء ودوي في اذني رجاء ابنتي " اطفي اللمبه ياماما " وهي تشرح لي بجديه شديده واجب كل منا لمقاومه زياده الاحتباس الحراري ووضربت لي مثل " ايجابي " بآن مدينه "روتردام" الهولنديه اعلنت عن توزيع مصابيح اضاءة موفرة للطاقة على كل منازلها البالغ عددها 300 الف بهدف خفض انبعاثات غاز ثانى اكسيد الكربون المسبب لظاهرة الاحتباس الحراري وابتسمت " اهي محاوله جايز تنجح ونبقي عملنا اللي علينا وخلاص " وبقيت في الظلام احدق في البحر والمدينه التي احبها اتصورها في المستقبل البعيد غارقه تحت فيضانات البحر العاصف الذي ستفيض مياهه وتخرج عن حدودها وتلتهم المدينه العريقه وتمحي اثرها من علي وجه البشريه و" اطفي اللمبه ياماما " وقمت من مكاني اطفىء كل اللمبات حفاظا علي الشرائط الساحليه للوطن الجميل وكل مدنه التي عرفناها وحفاظا علي حياه ووجود وبقاء مستقبل المدينه التي احبها " يا اسكندريه يامصراويه علي سن باسم علي ضحكه هاله ..... " الفقره الاخيره - ان الكوره الارضيه ملكنا جميعا والمستقبل ملك اطفالنا واحفادنا والبشريه التي لم تولد بعد ومن واجبنا تجاههم وقف تدمير الكوكب ومن واجبنا تجاه انفسنا بذل كل الجهد لترك تاريخنا حيا موجودا يشير لوجودنا في هذه الحياه بدلا من ان تغمره المياه المالحه !!! كلام علمي فلسفي غامض في وقت قاسي لا يهتم فيه الناس الا بارتفاع ثمن البنزين ورغيف الخبز !!! هل اقطع المقاله وانسي ؟؟؟؟ الجمله الاخيره - لم اكن اتصور ان الكوارث التي يتحدث عنها التاريخ في كتبه سطرين وسته كلمات هي في حقيقتها مآسي يعيشها البشر ويعانون منها ويتآثرون بها وتغير حياتهم ووجودهم ذاته لذا اتمني ان يبذل كل فرد في البشريه الان وفي المستقبل كل ماعليه من مجهود لوقف ومحاربه ظاهره الاحتباس الحراري التي من شآن تفاقمها تحويل المدينه التي احبها لمجرد سطرين صغيرين في كتاب اسود اتمني الا يكتبه التاريخ ابدا " وغرقت مدينه الاسكندريه " ...

هناك تعليق واحد:

اميرة بهي الدين يقول...

نشرت المقاله في الفيس بوك فجائتني هذه التعليقات


5 comments

Sammar El-Sawi wrote
at 1:20pm on February 6th, 2008
emmm.... 7elwa.. we kabast 3la nafasi shewaya.. fa yana mokta2eba khel2a.. ya ema makalatek el maratain eli fato mafeehomosh tafa2ol eli ablohom.. el nas na2o 3alaiki???!!!!


Sahar El Gaara wrote
at 3:29pm on February 6th, 2008
جهزى نفسى يا مرمر علشان سكان الدلتا
وأولها طبعا ماما حياة
سيتم توطينهم فى حى الأشجار
إستعدى لإنشاء الوطن البديل


Rasha Ali wrote
at 3:12am on February 7th, 2008
ربنا يستر من اللي جاي


Mona Abolnaga wrote
at 1:07pm on February 8th, 2008
رأيى انك ماتاخديش ملك معاكى اسكندرية تانى و خليها على الله وعموما لينا بيت فى الأشجار


Amira Abdalla wrote
at 2:51pm on February 8th, 2008
ملك ماكانتش في اسكندريه ملك كانت في الاشجار