السبت، 30 أغسطس 2008

خط الفقر ... وخط المحمول !!!!


فور اعلان دار الافتاء بأن يوم الثلاثاء هو غرة شهر رمضان الكريم ، تعطل تليفوني المحمول مثل تليفوناتكم جميعا بعد ان عجزت الشبكتين الشهيرتين بسبب التكدس والازدحام الالكتروني المفاجيء عن ارسال واستقبال مئات الالوف من الرسائل التي ارسلها المشتركين لبعضهم البعض في وقت واحد تهنئة بمقدم الشهر الكريم ما بين عبارات تقية وادعية وامنيات طيبة وصور مرسومة لجوامع واهلة وعبارات معدة سلفا مكتوبة بخط كبير وبشكل فني تتفق وطبيعه المناسبة ..

واذ جلست – بسبب ذلك العطل - ساعات احدق في شاشة جهازي المحمول منتظرة وصول التقارير الدالة علي تسليم رسائلي الي أصدقائي ومعارفي اطمئنانا مني لتأديه واجبي الاجتماعي الرمضاني تجاههم !!! حتي انتبهت الي ما اصابنا بسبب استعمال ذلك الجهاز المحمول والاعتياد علي رسائله ارسالا واستقبالا باعتباره نوعا من الاعاقة التكنولوجية التي غيرتنا دون ان ندري او ننتبهه ، اعاقة تكنولوجية اختزلت مشاعرنا وطرق التعبير عنها واستبدلتها بالعبارات المحفوظه داخل تلك الاجهزة والمعدة سلفا تعبيرا عن التهئنه والتعزية والحب والكرة والاعتذار والشكر ، اعاقة تكنولوجية حرمتنا – دون تذمر وبقبول تام - من متعه التواصل المباشر مع الاحباء والاصدقاء مكتفين كسلا وبلادة بتبادل العبارات الباردة المقولبة بدلا من التفاعل الحي الحقيقي !!! ...
وظاهرة استعمالنا للتليفون المحمول وكيفيه ذلك الاستعمال انما هي ظاهرة تستحق الدراسة الاجتماعية الجادة من المتخصصين في رصد شئون المجتمع والتغييرات التي تلحق بمواطنيه بسبب ذلك الجهاز وتلك الخدمة واثرها علي حياتنا جميعا حاليا ومستقبلا .. وعلي الرغم من انني لست من زمرة هؤلاء الباحثين ولااملك ادواتهم في الرصد والتحليل واستبناط النتائج الا انني سمحت لنفسي في هذه المقالة ان ازج انفي فيما لا اعرفه تماما وارصد لكم ما اراه – وترونه معي - يوميا في هذا المجال مستهدفة الكشف عن دلالات ما يحدث فينا بسبب ذلك " المحمول" واثاره المستقبلية علينا دقا لناقوس الخطر لعل المختصين يمسكوا هذا الخيط و"ينورونا " بما يجب اتباعه او الابتعاد عنه في هذا الشأن !!!
وقد لاحظت – ومعي الكثيرون - ان المصريين قد اسرفوا في استعمال هذا الجهاز اسرافا ملفتا للنظر ، فبعد ان كان استعماله في البداية حكرا – مبررا - علي قطاعات معينه من المجتمع تلك التي تفرض طبيعه اعمالها سرعه الاتصال بالاخرين وسرعه الانجاز سواء كانوا رجال اعمال او مهنيين بطوائفهم المختلفه ، نجحت الشركات المنتجه عبر حملاتها التسويقية المبهرة المشوقة بجعل التليفون المحمول احد المحددات الاجتماعية الهامة التي حاصرت المصريين وضغطت عليهم فمن لا يمتلك جهازا تليفون محمول انما هو شخص غريب شاذ من وجهه النظر الاجتماعية تفصح شخصيته عن عدم تجانس اجتماعي مرفوض او بخل مكروه او فقر مدقع وقانا الله شره وربما تفصح ايضا عن انطوائية مريضة ورغبه في العزلة تستوجب العلاج النفسي !!! مما دفع المواطنين – في المدن والريف والنجوع المهجورة - دفعا لاقتناء اجهزة المحمول بصرف النظر عن طبيعه اعمالهم او قدر دخولهم او انتماءاتهم الطبقية اوجود مبررات مفهومه او غير مفهومه لاقتنائهم لهذا الجهاز الخطير حيث اصبح وجود ذلك الجهاز في حياة أي شخص ضرورة " وخلاص " فحمل ذلك الجهاز وتحمل اعباءه المادية الشهرية الموجعة العاطلين عن العمل والجالسين علي القهاوي وباعة اللب والبطاطا والترمس الجائلين والخادمات في البيوت والفراشين في الشركات والمؤسسات وقبلهم جميعا سيدات الطبقة الراقية الجالسات في حدائق النوادي يستمتعن بالشمس لايفعلن به شيئا به الا التاكد من تجهيز طعام الغذاء و"تحمير البطاطس " !!!! وبررنا جميعا ذلك التكالب علي حمل اجهزة المحمول بمبررات مختلفة تافهه "بيساعدني في الشغل " ، " بيسهل اموري " ، " بيخلي الناس تلاقيني اسهل" وتجرأ البعض فحمل المحمول دون اسباب وفسر الماء بالماء مقررا "هي جت عليا يعني ، ماكل الناس شايلاه!!!" وخضعنا اكثر واكثر لدعاية الشركات المنتجة ووقعنا في اسر شباكها واستسلمنا لابتزاز اطفالنا الصغار فاشترينا لهم اجهزة المحمول يتبادلوا بها النكات القبيحه والكلمات الفجة والرسائل المشفرة بعيدا عن رقابتنا بل وليستخدموها احيانا في الغش في الامتحانات بديلا تكنولوجيا حديثا لل" البرشام " التقليدي ويستخدموه احيانا اخري في الحب المشوه المبكر وعموما في الكلام "الفاضي " مبررين لانفسنا ذلك بخوفنا عليهم ورغبتنا في حمايتهم ومتابعه تحركاتهم مع ادراكنا الدفين بأن هذه المبررات انما هي مبررات مزيقة دخيلة علي حياتنا التي عشناها سنوات طويلة في سلام وامان نحن واطفالنا قبل اختراع جهاز التليفون المحمول !!!!
وحاصرنا بسبب التليفون المحمول ضجيج وصخب النغمات المنتقاة من حاملي تلك الاجهزة كرنات خاصة وشخصية لتليفوناتهم دون سماح لنا برفضها او الاحتجاج عليها او انتقادها فتحملنا ذلك الازعاج المرضي في منازلنا واماكن عملنا وعلي شواطيء البحر وفي سرادقات العزاء واجبرنا علي الانصات لرنات مختلفة الاصوات ونغمات بلفونية مجسمة و عبارات قبيحة و اغاني ساقطة و حتي صوت بكاء و ضحك او نهيق حمار !!!!
وبسبب التليفون المحمول تغير سلوكنا الاجتماعي الجماعي تغيرا مترديا فتعلمنا الكذب الجماعي المفضوح وتعلمنا قبوله والتجاوز عنه فالزوج لايرد علي زوجته التي تطارده لانه " نسي التليفون في العربية " ويغلق جهازه عمدا متعللا " الجهاز فصل شحن " و الزوجة تتجسس علي زوجها وتفتش في تليفونه " مكانش قصدي ، دوست علي الزرار غلط " والموظف يكذب علي رئيسه مفسرا تأخره عن مواعيد الشغل بأنه " مزنوق في الاشارة " و المدين لايرد علي الدائن لانه " نسي التليفون في البيت " والسكرتيرة ترد علي عملاء مديرها تساعده علي التهرب منهم لانه " في اجتماع ونسي الجهاز معايا " واقسم كل شخص مازال في فراشه انه في الطريق اللي " واقف " او انه " بيركن " وغضب منك الاخرين لانك لاترد عليهم وتتجاهلهم " شفت نمرتي وطنشت " رغم تأكيدك الكاذب "ماكنتش لابس النظاره فمشفتش النمرة !!" ..
وتعلمنا بسبب التليفون المحمول الوقاحه الاجتماعية الفجة ونسينا قواعد السلوك المهذب فطارد المواطنين بعضهم البعض في أي مكان في اي وقت نهارا وليلا وفجرا بغير اكتراث بالازعاج الذي يسببوه للاخرين او عائلتهم ، واتصلت السكرتيرات نيابه عن رؤسائهم بالاخرين علي اجهزتهم المحموله اختراقا لقواعد الخصوصيه بل واختراقا لقواعد اللياقة المتعارف عليها ، واعطي كل مواطنه لنفسه الحق ان يعطي رقم تليفونك المحمول لاي شخص ، قد يكون مندوب مبيعات ، او صحفي يرغب جبرا في الحديث معك ، او صاحب مشكله يطلب تعاطفك معه بل وحمل الحجيج ذلك الجهاز في رحلتهم الايمانية ليبشروا احبائهم " انا فوق جبل عرفات عقبالك !! " بدلا من الانصهار والذوبان في الطقوس الايمانية وتسليم انفسهم ووجدانهم لله !!!
وتعايش كل منا منفردا مع تليفونه المحمول بمعزل عن المجتمع مهتمين وفقط بتوصيله ب "الشاحن " بديلا عن التواصل الاجتماعي الحقيقي فنبذنا الراديو والجرائد وزيارة العيادات النفسية و سمعنا فيه الاغنيات وعرفنا منه الطالع والبخت واحدث طرق الطبخ واجدي طرق العلاج النفسي وتفسير الاحلام !!!! بل واستغني الشباب عن الافلام "الثقافيه " والمجلات " اياها " مكتفين بالتليفون المحمول وكنوزه !! وتبادلنا ال " ميسد كولز " دليلا علي الاهتمام المجاني المزيف !!
وبسبب التليفون المحمول تحملت الاسر المصرية بجميع طبقاتها الاجتماعية اعباءا مالية اضافية فوق الاعباء المالية التقليدية التي تعاني منها و" تقطم وسطها " من دخول المدارس و الدروس الخصوصية و "لبس" العيد و ياميش رمضان وتكاليف المصيف وجهاز البنات ليضاف لقيمة فاتورة الكهرباء وفاتورة التليفون "اللي مش محمول" ورسوم النظافة واستهلاك المياة وايجار البيت والعوايد وثمن الدرس وقيمة الاقساط الشهرية وقسط الجمعية ، قيمة استهلاك التليفون المحمول وخدماته الاضافية !!!!
اعزائي القراء هذه هي ملاحظاتي علي التليفون المحمول – وربنا يجعل كلامي خفيف علي الشركات المنتجة وعليكم – فما هو رأي حضراتكم ؟؟!!! وقبل ان تجيبوا اسألوا انفسكم كم تتكلفون انتم وازواجكم واطفالكم وموظفيكم فواتير شهرية مقابل التليفون المحمول ؟؟ وحاولوا ان تبرروا لي لماذا تشكون من الغلاء في كل مجالات الحياة عدا المحمول ؟؟ ولماذا تقتصدون وتقتصدون في مصاريف حياتكم عدا المحمول ؟؟ واسمحوا لي ان اسألكم في النهاية هل هربتم من خط الفقر الذي تعيشون تحته جبرا وجلستم طواعية وبسعادة تحت خط المحمول ؟؟!!!!
عفوا لن اكمل المقالة الان فقد جائتني مكالمة مهمة علي تليفوني المحمول !!
!
الاحد 9 اكتوبر 2005

ليست هناك تعليقات: