منذ سنوات طويلة بعيدة كتب الاديب الفنان المبدع يوسف ادريس في احد روائعه القصيرة عن مواطن نام طويلا لا يستيقظ الا ليسأل " الدنيا اتغيرت ؟؟ " فأن اجابوه نفيا نام ثانية اياما او شهورا او سنوات ليستيقظ ويسأل ذات السؤال فأن تكررت الاجابة بالنفي عاد للنوم الطويل منتظرا ان يغير غيره الدنيا مكتفيا هو بتمني العيش في الحياة الجديدة التي لا يعرفها الا في احلامه !!! واختتم يوسف ادريس قصته الموجعه بموت البطل المنتظر دفنا في مرتبه السرير التي تحورت من كثرة الرقاد والانتظار والسلبية لتصبح قبره وقدره ومآل نومه !!!!
والحق ان يوسف ادريس فيما كتبه في تلك القصة كان صاحب بصيرة نافذة يستشرق المستقبل بل ويصف حالنا اليوم – انا وانتم - نحن الذين غلبنا النوم وسرق حيويتنا وايام عمرنا وشبابنا ، نحن النائمين المنشغلين باهتمام وهمي بالدنيا التي لا تتغير ، المنتظرين تغيرها بجهد الاخرين ، المترقبين التغيير القادم بعقول مغيبة خدرها طول السبات!!
كان يوسف ادريس ينتقدنا – انا وانتم - ويصرخ بصوت عالي افيقوا من سباتكم قبل ان يدرككم الموت وتظل الدنيا علي حالها لا تتغير ، لكننا لم نسمع صرخته فلم نفيق ولم نموت وبقينا نائمين مستمتعين بخدر النوم وغفوة الوعي هاربين من كوابيس الواقع الي حلاوة الاحلام عازفين عن المشاركة وبذل الجهد ودفع الثمن نبررلانفسنا البقاء في الغيبوبة المستمرة بأن الدنيا لم تتغير بل ونؤكد لذواتنا بأننا سوف نستيقظ والي الابد فور تغير الدنيا لنشارك فيها بكل طاقتنا المعطله المهدره.. وخلال نومنا العميق واثناء انتظارنا للتغيير الذي سيهبط علينا من السماء استيقظنا لحظات قصيرة انتقدنا فيها رئيس الجمهورية وسياساته وانتقدنا الحكومه ووزرائها ، وانتقدنا الاحزاب وقيادتها وبرامجها وانتقدنا الفساد والمحسوبية والمجامله المشبوهه والمتسببين فيهم وشكونا من انعدام الكفاءة وسوء الادارة وعشوائية التخطيط ، وضياع الحقوق وموت الضمائر وتراخي العدالة وانهيار الاخلاق ، بل وتجرأنا في بعض اللحظات وهمسنا كفايه مع المتظاهرين علي شاشات التلفزيون وانفعلنا بشعاراتهم الرافضة رغم انهم لم يقولوا ماذا بعد الكفاية؟؟؟ ثم عدنا للنوم مغيبين ساخطين لا تعجبنا الدنيا ننتقد احوالها ونصرخ في جلساتنا الخاصه بعيوبها ونصف مشاكلها ونتشاجر بحدة وقسوة مع انفسنا ومع بعضنا البعض حول عيوبنا وعجزنا وقصورنا وتقصيرنا وفي النهايه بعد الشجار والصراخ والبكاء وجلد الذات ونقد الاخرين والدعاء لله بفك الغمة ورفع الهم لانفعل شيئا ونعود للنوم العميق مرتاحين الضمير ننتظر تغير الدنيا!!!
" وافقنا ليت ان لانفيق " علي التعديلات التي لحقت بالمادة 76 من الدستور وما تضمنته من فتح باب الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية من بين المواطنين ورؤساء الاحزاب ، افقنا من نومنا الطويل استعدادا للدنيا التي سوف تتغير نتصور انفسنا وهما قادرين علي المشاركة في هذا التغيير – علي الرغم من كل القيود والمعوقات الوارده في ذات المادة – نحلم بالمستقبل بين ايدينا ، نتمني صنعه بارادتنا وعن طريق اصواتنا ومن خلال صناديق الانتخاب باختيار المرشح الذي يعبر عنا وعن احلامنا !! افقنا علي المتقدمين للترشيح لرئاسه الجمهورية شخصيات لا نعرفها واحزاب لم نسمع عنها وبرامج لاتعبر عن مصالحنا بعضها طموح جدا وبعضها متواضع للغاية وجميعها غريبة !!!! افقنا غاضبين من المرشحين الذين لا يعبرون عنا وكأن ذنبهم اننا لانرضي عنهم ولاعن غيرهم ولانعرف ماذا يرضينا!!! افقنا ساخرين من المرشحين ومن برامجهم الانتخابية والحزبية وكأن خطيئتهم انهم لم يقولوا ما نتمناه رغم عجزنا عن تحديد مانرغب فيه وما يحقق مصالحنا ، افقنا لانحمل بطاقات انتخاب توصل ارادتنا الي الصناديق ثم الي المستقبل المنتظر !!! افقنا من السبات العميق علي حاله حيرة واغتراب ، لانفهم ما يقوله المرشحين ولانقبله ، لانعرفهم ولانرفضهم ، لانحسهم منا ولانحس انفسنا منهم ، افقنا علي حالة فراغ وخواء واغتراب رغم كل الضجيج والصخب الاعلامي والسياسي الذي يحيط بنا !!! افقنا علي حقيقة حالنا غارقين في الفراغ مهمشين لانفسنا غير مستعدين للمستقبل !!!
ولو ان يوسف ادريس مازال حيا لكتب بنصل قلمه الرشيق وبمناسبة مايجري هذه الايام جزءا ثانيا من قصته القصيرة ، سخر فيه منا نحن النائمون اهل الكهف المتخطبون في عجزنا وقله حيلتنا والمتعثرون في حيرتنا ، لصرخ في اذاننا الصماء من كثرة النوم وعمق الغيبوبة ايها الغاضبون بغير حق اغضبوا من انفسكم ، افيقوا افيقوا وانتفضوا من مراقدكم الرخوة قبل ان يمر باقي العمر ويضيع الحاضر وتنعدم فرصتكم في المستقبل، افيقوا من النوم والخدر والغــــــــفلة وانتبهوا ليومكم حرصا علي غدكم ، تفاعلوا وشاركوا واسعوا لتغيير الدنيا بافعالكم الايجابية ولا تنتظروا وانتم نيام انصاف موتي معجزات التغيير القادم تأتي كما تشتهون ، فلن تأتي !!! بل وختم الجزء الثاني من قصته ببطله المواطن يتحرك ببطء من مرقده يتثائب يتخلل عقله بدايات اليقظة تحريضا منه لنا جميعا علي الاستيقاظ واليقظة !!!
لكن يوسف ادريس رحل عنا قبل هذا الزمن بزمان وبقينا نحن ننام ونصحو نسأل " هل تغيرت الدنيا " ثم ننام ونصحو لننام ثانية .. ألم يحن الحين لنسمع صرخته وننتبه لصوته " افيقوا افيقوا افيقوا وانفضوا عنكم بقايا النوم والكسل واغسلوا وجوهكم بمياة باردة واستعدوا للدورة الانتخابية الرئاسية القادمة بالمشاركة الفعالة وبذل الجهد وتحديد البرامج وتجهيز المرشحين والاحتكاك بالناس وسماع شكواهم وتقديم الحلول لهم ، افيقوا واستعدوا للمستقبل واسعووا الي تغييرالدنيا بيقظتكم وانتباهكم حتي اذا مامرت السنوات السته القادمة وفتح باب الترشيح لانتخابات رئاسه الجمهورية مرة ثانية تكونوا مستعدين لصناعه المستقبل الذي تحلمون به وقادرين علي المشاركة في تغيير الدنيا التي تحلمون بها !!! الم يحن الحين لنسمع صرخته " افيقوا افيقوا !!!! " ...
الاربعاء ٣٠ اغسطس ٢٠٠٥
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق