السبت، 30 أغسطس 2008

الدموع وحدها لاتكفي !!



" الي المبدعين ضحايا محرقة بني سويف"
"رثاء وتضامن "

منذ سنوات بعيدة ، في صباح يوم كئيب غائم طالعتني في احد الصحف اليومية صورة فتاه صغيرة في سنوات عمرها الاولي جميلة تلمع عيناها بالحيوية وحب الحياة والبراءة النقية منشورة في صفحة الوفيات ينعيها ابواها ببقايا قلوبهم المحترقة بكلمات مريرة موجعه تنقل لك – ايها القاريء التعيس - وبسرعه الاسي ولوعة الفقد واليأس من الحياة ، لحظتها اعتصر الحزن قلبي وسكن الهم والغم في نفسي واشفقت علي اسرتها المصابة ودعوت لهم بالصبر ترياقا يشفيهم من شقائهم وناديت علي بناتي مذعورة قليلة الحيلة وقلبي ولساني يتسولون من الغفور الرحيم الرأفة بنا وقت القدر والرأفة بتلك الاسرة المصابة وقت القضاء .. ولم يلبث حزني ان انقلب غضبا هادرا وقت عرفت من صفحة الحودات ان تلك الزهرة الجميلة اختطفت من دنيانا القبيحة البشعه بسبب حادث اهمال مروع قتلها وهي تلهو ببراءة في حمام سباحة احد الفنادق الكبري ، حادث اهمال دفعت تلك الفتاة الصغيرة حياتها القصيرة ثمنا باهظا له شاركتها في دفعه اسرتها المكلومة – التي لا اعرفها – خليط من الشقاء واللوعة والالم المستمر الذي لاينتهي .. يومها وقفت طويلا امام ذلك الحادث لاافهم له معني بل و يرفض عقلي فهم تفسيراته، ولم اطمئن الي الشروح القانونية التي بررت الحادث باعتباره مجرد اهمال أي فعل غير عمدي ناشيء فقط بسبب عدم الاحتراز وعدم الانتباة وعدم مراعاة القوانين واللوائح ، وتمنيت وقتها مثل ملايين المواطنين الذين غمدت صورة تلك الملاك الصغير نصل الالم في قلوبهم ان تتغير القوانين وتشدد العقوبة علي المهملين هؤلاء الذي يقتلون من بيننا اكثر مما يقتل العامدين القاصدين معتادي الاجرام ، بل تمنيت ان تغلظ العقوبة اكثر علي المهملين الذي يغتالون البشر نتيجة اهمالهم في لحظة غير متوقعه وبطريقة غادرة وبشكل مؤلم موجع وكان مبرري ان اهمال المهملين ليس فعلا غير عمدي حدث بطريق المصادفة ، بل هو فعل عمدي تم بشكل قصدي مغلف بالامبالاة والبلادة والجمود ، فكل مهمل – ممن تسببوا في الكوراث الكثيرة المتكررة التي عايشناها - يعرف عمله بجميع تفاصيله ويعرف ما يتعين عليه القيام به في هذا العمل ، ويعرف انه قصر في اداءه ولم يؤديه كما ينبغي ان يؤدي ويعرف ان غير مكترث وغير عابيء بنتيجه ذلك التقصير أي ماكانت ويذهب منزله في نهايه يوم عمله هانيء مرتاح الضمير ينام نوما عميقا خالي البال من اعتياده علي الاهمال واصراره عليه .. فاذا ما وقعت الكارثة – أي كارثة – وبعد ان يموت من يموت ويشوه من يشوه ويعذب من يعذب ويبكي من يبكي وبعد ان يفقد الناس احبائهم وفلذات اكبادهم واحساسهم بالامان والطمأنية وبعد ان يستبد بهم وبنا اليأس ، يخرج علينا – مسئول ما - يلوم المهمل علي اهماله والمقصر علي تقصيره متذكرا في ذلك الوقت فقط ان ذلك المهمل لم يؤدي عمله ولم يقم به ، ويتوعده بالعقاب الجسيم الذي يتمخض في النهايه عن عقوبات ادارية اوعقوبات جنائية رحيمة – بالمهمل القاتل الاثم – بعد ان ينجح محاميه البارع في استجلاب عطف المحكمة عليه لتستعمل الرأفة معه باعتباره مجرد مهمل !!!!! وهي عقوبات تزيد لدي الضحايا واقاربهم ومحبيهم ولدينا حرقة الالم ولوعه الفقد واليأس الرهيب ..
واكم من كوارث وحوداث ومصائب ألمت بنا بسبب المهملين بجرائهم غير العمدية مختلفة الاشكال التي تتفق – في الاغلب - في نتيجه واحده فقط هي الموت فقدا بطرق مختلفة ، الموت بسبب حوادث الطرق السريعة التي يتباري السائقون عليها بقيادة سياراتهم برعونه واهمال وعدم اكتراث بحياة البشر ،والموت هنا اما دهسا بسبب السرعة الجنونية المحظورة والمعاقب عليها او نزفا بسبب الاهمال في معالجة مصابين الطريق او تراخي الاسعاف او عدم وجود اطباء في مستشفيات الطريق ، الموت خنقا تحت انقاض العمارات بسبب اهمال موظفين الاحياء وعدم تنفيذهم لاحكام القانون او بسبب جشع ملاك العقارات وثقل الادوار غير المرخص بها التي لا تتحملها اساسات العقار فتسقط فوق رؤوس قاطنيها ، الموت غرقا بسبب تكدس العبارات والسفن الصغيرة والمراكب وبسبب ثقل الحمولة وغياب ادوات الانقاذ ، الموت حرقا بسبب انعدام ادوات الاطفاء وعدم مراعاة قواعد الامن الصناعي ، الموت صعقا بسبب حدوث ماس كهربائي نتيجة ذوبان الاسلاك الرديئة في الحوائط ، الموت اثناء العمليات الجراحيه بسبب الاهمال في دراسة التاريخ الصحي للمريض او بسبب نسيان احد المعدات الجراحية في جسده او بسبب عدم التأهيل الفني الكافي للطبيب المباشر للعملية ..
وللاسف الشديد تحتفظ ذاكرتنا الكئيبة السوداء بكل تفاصيل حوداث الاهمال التي حاصرتنا وقتلت اخيارنا ومكنت اليأس من نفوسنا ، حادثة العبارة التي غرقت في البحر الاحمر بحجاجها ، وحادثة قطار الصعيد الذي احترق بركابه ، حوادث العقارات التي سقطت فوق رؤوس سكانها ، وحوادث المرضي الذين ماتوا قتلا في غرف العمليات ، حادثة الاطفال الذين صعقوا بالكهرباء وهم يلهون في احد النوادي ، حادثة عمال الصرف الصحي الذين اختنقوا بالغازات السامة ، وحادثة المصافين الغرقي بسبب انعدام ادوات الانقاذ وعماله علي الشواطيء ، حادثة اطفال المدارس الذي انقلب بهم الاتوبيس بسبب رعونه سائقه وحادثة سقوط احد المصاعد في احد العقارات بركابه نتيجه تحلل الحبال ، حادثة السيدة التي دهستها سيارة مسرعة في شارع الهرم وتركت اطفالها ثكالي ،وحادثة سكان عمارة المعادي الذين القوا بانفسهم واطفالهم من سطحها بعد ان استفحلت النيران في العقار وعجز السكان عن النزول نتيجه وجود سلم واحد بالعقار وعدم مراعاة الاصول الهندسية في البناء وغيرهم وغيرهم !!!!
واذ صرخ احمد زكي في فيلمه الجاد المحترم الرائع ضد الحكومه من اخراج الراحل عاطف الطيب الذي مات في عز شبابه وقمه تألقه وابداعه الفني ضحيه الاهمال الطبي " جميعنا فاسدون لا استثني احدا ، جميعنا فاسدون بالصمت العاجز المتواطيء قليل الحيلة" مهيبا بنا جميعا التصدي للاهمال ومحاسبة المتسببين فيه سواء بكشفه او مقاومته او معاقبة مرتكبيه وهو اضعف الايمان !!! فأني اهيب بنفسي واهيب بكم – ونحن نضع انفسنا موضع اسر ضحايا كل حوادث الاهمال التي تبدلت حياتهم وانقلبت رأسا علي عقب فضاعت فرحتهم وسرقت بهجتهم ولون الحزن براياته السوداء كل ايامهم - اهيب بكم الانصات لصرخات احمد زكي وعاطف الطيب ومعها صرخات الضحايا وانين اسرهم ونحيب احبائهم بالتصدي للآهمال وجرائمه وكوارثه تصديا ايجابيا منتجا يتجاوز الاحزان والدموع ..
وهاهي صرختي لكم جميعا ايها السادة المواطنين ، القانونين ، المسئولين في كل موقع وكل مكان ، ان حوداث الاهمال انما نتجت بسبب مسئول او مسئولين تعمدوا – واكررها تعمدوا - عدم اداء اعمالهم وعدم احترام القانون وعدم مراعاة اللوائح وهي جميعها جرائم عمدية قصدية اثمرت كوارث ضخمه يجمع بينهم جميعا الاستهانه بحياة البشر وعدم الاكتراث بقيمتها وهي جرائم لاتستحق الرأفة ولا تخفيف العقاب وقد آن الاوان للمشرع ان ينظر الي تلك الجرائم نظرة جديدة يراعي فيها حقوق الضحايا والمهم وفداحه مصابهم وان يغلظ العقوبات علي مثل تلك الجرائم ضربا بيد من فولاذ علي ايدي هؤلاء المهملين وردعا لهم ونيلا منهم ، بل وحماية لنا من الحزن النهاري اليومي الذي يخيم علينا ونحن نطالع في صفحة الوفيات صور الشباب الجميل الواعد المتفائل الذي فقد حياته بسبب حادث اليم !!!!

الاربعاء 14 سبتمبر 2005


ليست هناك تعليقات: