الي حلمي وبكر وكل الاحباء ......
.. كفانا رحيلا !!!
.. كفانا رحيلا !!!
تبدأ الخطوات الاولي لرحله الحياة بآلام عنيفه تدفع الجنين الصغير دفعا مؤلما للعيش فيها ، فالصغير المسكين وبعد سكون واستقرار في مكمنه الدافيء منذ لحظه خليقته الاولي يطرد للحياة من مستقره الهاديء تحاصره انقبضات الرحم كمثل زلازل عنيفة تقلب كيانه لتغمره سوائل الرحم كفيضانات تسونامي وتقبض علي رأسه الالات الحديدية الباردة الحاده ليخرج للدنيا طريدا من رحم امه مرتعبا مما يواجهه وسيواجهه تدوي صراخاته عالية دليل علي بداية رحلة حياته ، التي ينمو فيها ويكبر ويعيش بقدر ما يعيش ويواجه ما يواجه من افراح واحزان ونجاحات واخفاقات ويقابل من يقابل من اناس اخيار واشرار ويحب ويكره ويتألم ويستمتع ليخط – مثلنا جميعا - علي صفحه حياتنا الخالية الناصعه خطوطنا الذاتية قصص صغيرة وسيرة ذاتية نسيج خيوطها ما فعلته ايدينا في انفسنا وفي الاخرين ، فاذا ماوجبت لحظة الرحيل من هذه الدنيا وآن آوانها وارتاح البدن من شقاء الحياة وانهاكها وفرت الروح الي خالقها ورحابة ملكوته ، لايبقي منا ومنكم وقتها والي الابد الا تلك القصص وتلك السير كذكريات يحتفظ بها الناس في قلوبهم وعقولهم عن الراحلين ويتذكرونهم اما فخرا او خزيا والعياذ بالله .. واذ كانت الفرحه عنوان بداية الرحلة والزغاريد موسيقاها التصويرية ، فأن الحزن هو عنوان نهايتها والنحيب والعويل هما موسيقاها الجنائزية الاخيرة ، وما بين هذا وذاك يعيش الانسان عمرا قصيرا مهما طال يصيغ فيه – بقصد او بغير قصد - قصصه التي ستخلفه وستبقي كأثر وشاهد علي وجوده – الذي انتهي - في الحياة ..
واليوم ونحن في سبتمبر " شهرالاحزان " فلتسمحوا لي ان اقص عليكم قصص شخصين – كانا وسيبقيا – محببين الي قلبي الملتاع لفقدهما ، شخصين جمع بينهما عشق الحياة التي عبراها بسرعة فائقة كالشهب البراق في السماء ورحلا عن دنيانا وتركانا نغرق في احزاننا لتبقي قصصهما في سماء حياتنا نجوما متألقة تشع بريقا ولو بعد مليون سنه ضوئية !!! شخصين من حرم من معرفتهما قد خسر كثيرا ، ومن عرفهما ثم حرم منهما خسر اكثر واكثر !!!!
اولهما كان حلمي المصري صديقي ، انسان جميل منحه الله موهبه التعامل مع الحياة التي احبها ومنحه اغلي ما فيها الحب الصادق للبشر كنزا ثمينا حافظ عليه واعتز به حتي لحظاته الاخيرة .. كان رجل المشاعر المرهفة الصادقة في زمن سادته البلادة والقسوة ، يحب البشر الحقيقيين الصادقين ويمنحهم – دون طلب او رجاء- صداقته وحبه اغلي ما يملك في الحياة ويفيض عليهم من مشاعره الصادقة الرقيقة باخلاص نادر في زمن قاسي اناني صعب ، فهو اليد الحانية اذا ما هاجمك الحزن ، وهو اليد القوية اذا ما هزمك الوهن ، وهو اليد التي تعبر بك طرق الحياة وتسير معك في سبلها اذا مااشتدت عليك التوهة ، هو الناصح الذي تحتاجه وقت المحن تسمع منه الحديث الذي كنت تتمني سماعه يفيض عليك به بانسانية حساسة ويخرج بك من جب الازمة بطريقة ناجعه لاتعرف سرها وقوده في ذلك انه فعلا يحبك ويحبك !! كان انسان جميل لاتبحث عنه بل تجده بقربك وقت الاحتياج ، تجد دموعه تسبق دموعك وقت الالم وقهقات ضحكاته تدوي حولك تحتفل بفرحتك وقت السعادة ، كان انسان جميل اتسعت احضانه لمشاعرنا كلها فبكينا علي صدره حزنا وفرحا حتي بكيناه الما مريرا موجعا وقت اختطفه سبتمبر البارد الرمادي منا وتركنا نعيش وحدة موحشة لافكاك منها .. لماذا ياسبتمبر ضننت علينا بحلمي واختطفته فجأ والقيت بنا في سراديب حزنك العميقة وتركتنا دونه دامعين العين كسيري القلب والنفس ..؟؟
وثانيهما بكر زيتون الانسان الجاد في زمن هزلي ، الحقيقي في زمن الزيف ، الصادق في زمن الكذب والرياء ، القوي في وقت الضعف المتعمد وسيلة للعيش المهين ، هو الانسان العاقل القابض علي بوصلة طريقه الشائك كجمر من نار ، هو الاخ الاكبر لمئات البشر - دورا اختاره لنفسه فاحببناه فيه واحبباه بسببه - يهبهم قلبه يستدفئون بحنينه ويمد لهم ساعده يرتكنون عليه ويعطيهم نصيحته ومشورته العاقلة المخلصة منارة تهديهم للطريق الصحيح ، هو الاخ الاكبر يمنحك اذنه العاقلة وقبلها قلبه وكل اهتمامه وقت يشعر انك – وبغير افصاح منك – تحتاج اليه ، يمد لك يده القوية تنتشلك من عثراتك ويعينك علي استئناف طريقك الصحيح ولو كرها عنك ، هو رجل لايقبل انصاف الحلول ولا يرضي بالوقوف في منتصف الطرق لا لنفسه ولا للاخرين ، رجل حاسم بطريقة حانية ايجابية يعي اهمية دوره في حياة البشر يساعدهم بالنصيحه الحقيقية الفعالة ويقودهم بحزم وثقة في مسار حياتهم الي بر الامان ولو تطلب ذلك منه بعض القسوة موقنا ان الامتنان والتقدير لدوره الفعال – مهما تراخي او تواري - هو مكافأته الثمينة وجائزة جهده الصادق .. كان رجلا محبا للحياة بطريقته الايجابية مؤمنا ان وجوده في الحياة ليس عبثا مجرد اياما يقضيها مهما كثرت ويرحل ، بل قيمة وجوده في منفعة الناس بالتأثير في حياتهم بارشادهم الي صواب الامور ، وكان دورا صعبا مارسه – حتي لحظات حياته الاخيرة - بكل اقتدار وكفاءة فترك بصماته القوية – بعد ان اختطفه سبتمبر الغادر منا - علي حياه الناس من روحه ونفسه وافكاره واخلاص قلبه ورجاحه عقله طريقا واضح المعالم يقودنا في النهايه مهما كانت مصاعبه الي صواب الامور .. لماذا ياسبتمبر حرمتنا من حضن الاخ الاكبر بكر وتركتنا تائهين في مفترق الطرق نعاني يتما لن نتجاوزه نبكيه دمعا فياضا لاينضب..؟؟
اه منك ياسبتمبر ، لماذا تحاصرني بحزنك دوما ، لماذا تلعب معي لعبة الالم الموجع تسرق احبائي وتخبئهم في دفتر ايامك الكئيبة وتدفن معهم حنيني وحبي وجزء من نفسي وقلبي ؟؟ لماذا تختلس دوما فرحتي وتقتلع من نفسي طمأنينتها وتترك عليها بصماتك الموجعه طعنات الم لاينتهي ؟؟ لماذا تستجلب دموعي من مآقيها شلالات حارقة تغرق قلبي في مياهها المالحة ؟؟ لماذا تحاصرني براياتك السوداء ؟؟ لماذا تحرص علي كراهيتي لك وانقباضي من قرب بدايتك وتوجسي من كل ايامك ولياليك حتي تنقضي بمرارتها العلقم تبقي في حلقي دوما تذكرني بقسوتك البغيضة.. لماذا لاترأف بي وتنساني فانساك !! اه منك ياسبتمبر واه من الخريف الذي تجلبه معك ، ليت الامر بيدي فمنحتك جمال الربيع وبهجة الصيف ووقار الشتاء وحميميته فأنقذت نفسي واحبائي من رماديتك وجفاف ايامك !!!
كفاك ياسبتمبر وكفانا !!!
لماذا هذه المقاله - مات صديقي حلمي المصري في ٢٣ سبتمبر ٢٠٠١ ومات صديقي بكر زيتون في ١٩ سبتمبر ٢٠٠٤ فكرهت سبتمبر واحزانه فاكم من بشر يعيشون بلا مكان في قلبي لكن صديقي انتزعا سلخه من قلبي ورحلا .....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق