السبت، 30 أغسطس 2008

ابيض واسود !!!


خرجت من منزلي يوم الاثنين الماضي متوجهه لقسم الشرطه استفسارا عن مكان اللجنه الانتخابيه التي سأدلي فيها بصوتي ، كان الشارع مزدحما بصنوف مختلفه من البشر ، يسيروا في طريقهم ، يقودوا السيارات ، ينتظروا اشارت المرور ، يقفوا علي الرصيف، ، يركضون في طريقهم لاعمالهم ، عاطلون يتسعكون في الشوارع ، سيدات في طريقها للسوق او عائده منه باحمال ثقيلة ، وقفت لحظة اتأملهم ، ادقق في ملامحهم ، فراعني مارأيت ، اناس يسيرون في مدينه مزدحمة قانونها الفوضي تحت سحب داكنة حجبت عنهم جمال قرص الشمس وزادت من حرارته يحرق جلودهم ، يستظلون بسحب موحشة حجبت عنهم زرقة السماء وتركت لهم بلورة رمادية خانقة ترمي اسمالها علي عقولهم تعطلها ، اناس تحاصرهم اعاصير التراب والعوادم تخنق انفاسهم وتثير اعصابهم وتزيد من غضبهم المكبوت !!! اناسا مثقلين بالهم والغم بطيئة الخطوات فاقده للحماس يرتسم علي وجوههم تكشيرة اخدودية عميقة كأنها وشمت بجمرة نار يطل من عيونهم الزجاجية الغضب البليد تحس خلفها خواء ذهني وتري ببصيرتك مكان قلوبهم احجارا بارده مفتتة انهكها اليأس ووفقدان الامل !!!
وقتها تذكرت فيلما سينمائيا امريكيا شاهدته منذ سنوات بعيدة ملفتا للنظر مثيرا للتفكير ، فيلم احتل وجداني وترك اثره في نفسي منذ شاهدته وحتي الان ، فيلم نفذ ببراعة وحرفية عالية وبذل ممثليه جهدا خارقا في التعبير عن موضوعه تحت قيادة مخرج – لااعرف اسمه للاسف - صاحب وجهة نظر متميزة ورؤية خاصه جدا تحدث في فيلمه عن مدينة لاتعرف العواطف ، لاتعرف الحب او الحنان ، ولايعرف قاطنيها المشاعر اوالاحاسيس ، مدينه تعيش حرمانا موجعا لاتدرك وجوده ولاتعرف سببه ، مدينه اناسها عمليين جدا يعيشون حياتهم يتكاثرون ويعملون ويتقابلون تحت سحابه البرود والجمود والجفاف لايعرفون الحب بل يرفضونه ولايقبلوا التعايش معه ويحذروا الناس من شره،وقصد المخرج من فيلمه الدفاع عن الحب والحنان وادانه ذلك الجفاف ورفض ذلك البرود واثرهما علي الناس وحياتهم ففرض علي المتفرجين مناخا قاتما كريها طوال عرض الفيلم ، فمنع الممثلين في الفيلم من الابتسام وحفر علي وجوههم " تكشيرة" غائرة راسخة يظنوها جدية لكنها مريرة موجعه ولم يكتفي المخرج بهذا بل صور فيلمه " ابيض واسود" وحرم مدينته وقاطنيها – عمدا - من الالوان وترك متفرجيه – الحانقين علي ما يرونه - يختنقون من البرود والرمادية والجفاف عدا لقطته الاخيرة التي تمرد فيها شاب وفتا ة علي ذلك الجفاف السائد في مدينتهم واحبا بعضهما وخالفا التقاليد الخانقة والاعراف البالية والقانون الجائر، فاذا بالمخرج ينتصر لهما ويظهرهما علي الشاشة محبين عاشقين ليس فقط لبعضهما بل ولبقية الناس ، فنري وجوههم باسمة متألقة بالوان الحب ليختصهم – دون بقية سكان المدينة - بالوان الطبيعه الجميله كزهرتين موردتين في صحراء قاحلة ، والادهي ان المخرج وعبر حوارا حساس متميز نشر عدوي الحب بين اهل المدينة فسطعت الشاشة بالالوان ومعها نفوسنا وانتهي الفيلم !!!!
لماذا تذكرت هذا الفيلم وقت رأيت الوجوه العابسة التي تسير في شوارع مدينتنا في اللحظات الاولي للصباح لاتشعر بجماله ؟؟ لماذا احسست وقت شاهدتهم بنفس الحصار الذي خنقني وقت شاهدت الفيلم ؟؟ لماذا تسارعت دقات قلبي غضبا وحزنا بنفس الايقاع الحزين المضطرب الذي عايشته في الفيلم؟؟ لماذا ؟؟؟ لماذا ؟؟؟
ها انا اسأل نفسي واسألكم هل تعيش مدينتنا جفافا وبرودة وانعدام مشاعر واحاسيس ؟؟ هل تعيش مدينتنا حرمانا لعينا يخنق قاطنيها ويحرمهم من البهجة والفرح ؟؟ هل يعيش قاطنيها حياة لامعني لها يتكاثرون ويعملون لكنهم لايشعرون لحياتهم باي معني او أي قيمة ؟؟ هل نحن سكان مدينة الفيلم السينمائي ثقيلة الظل الفاقدين للاحساس بالحياة ذاتها ؟؟..
واذا كنا نحن سكان هذه المدينة ، فها انا اسألكم من قادنا لهذا المصير الموحش ومن اعتقلنا فيه ؟؟؟ من حفر اخدود همنا واوقعنا فيه ؟؟ من نصب لنا شراك اليأس وحاصرنا فيها ؟؟ ها انا اسألكم مالذي افقدنا الامل ومكن منا اليأس ؟؟ من الذي سرق من عيوننا بهجة الايام التي نحياها ؟؟ من الذي سرق من قلوبنا نبضاتها الحية واستبدلها بايقاع القنابل الموقوتة الكريهة ؟؟ من الذي زرع نفوسنا بشوك الصبار فاثمرت بلادة مزمنة قتلت براعم الحب والحنان والحنين وكل الاحاسيس الجميلة ؟؟ من الذي قيدنا في ساقية الحياة واغمض عيوننا وقلوبنا فدرنا ودرنا حتي نسينا انفسنا وحياتنا وتهنا ومازلنا تائهين ؟؟!!! من الذي سرق الالوان من مدينتنا وتركنا جمادا ساكنا غارقا في الرمادية لايشعر ولا يحس ؟؟!!!
هل هم الذين لوثوا نهر النيل بمخلفات صناعاتهم الرديئة حتي عافته انفس الاحبة وغضب منه مؤلفي الاغاني ؟؟ هل هم الذين القوا بقاذوراتهم في البحر تأكل الوانه الاردوازية ليفر منه الاسماك والمصطافين وفيروز الشطآن ؟؟ هل هم الذين قطعوا الاشجار وتركونا نتنفس العوادم والغازات السامة ؟؟ هل هم الذين حصارونا بالكتل الاسمنتية القبيحة مباني صماء عارية من الجمال يتكدس علي اسطحها المخلفات القديمة الكئيبة ؟؟ هل هم الذين اهدونا السحابه السوداء عادة سنوية لا تندثر تثير الحساسية في صدورنا فتمرضنا ؟؟ هل هم الذين الذي كدسوا التلاميذ الصغار في الفصول الضيقة ليختنقوا ازدحاما فتغيب عقولهم ويضيع مستقبلنا جميعا ؟؟ هل الذين اطلقوا وحش الغلاء من مكمنه ليلتهم دخولنا الضئيلة ومعها احلامنا في العيش الكريم ؟؟ هل هم الذين علمونا فلم يعلمونا ، وتركونا في بحار البطالة غارقين بلا امل في النجاة ؟؟؟ هل هم الذين اخرجونا من ديارنا للبلاد الغريبة الميتة بحثا عن رزقا مهينا لايسد جوعا ؟؟ هل هم الذين اطلقوا في سماءنا الجراد احتلها واحتل نفوسنا تقززا ؟؟ هل هم الذين حرمونا من فاكهة الصيف بمبيداتهم المسرطنه فقضينا صيفا شتويا خاليا من متعته ؟؟ هل هم الذين اضاعوا كرامتنا قهرا وامتهانا وزرعوا في نفوسنا الرعب من الحكومة والعفاريت و" البعبع" ؟؟!!! هل هم الذين سقونا طعم الذل فتجرعناه ادمانا حتي الثمالة؟؟
لقد عدت ولم اكمل مشواري ولن اعطي صوتي الانتخابي لاحد ؟؟ فلم يقل أي من المرشحين في وعوده الانتخابية انه سيعيد الالوان الي مدينتنا وسيعيد البسمة الي مواطنيها !!!!
الاربعاء 7 سبتمبر 2005
معلومات لها علاقه بالمقاله المنشوره - الانتخابات التي تتحدث عنها المقاله هي الانتخابات الرئاسيه بعد تعديل الماده ٧٩ من الدستور المصري والتي اتاحت ولاول مره تعدد المرشحين الرئاسيين - وكان المجتمع وقتها في حاله صخب سياسي بسبب قيام الناخبين ولاول مره بالاختيار بين اكثر من مرشح لمنصب رئيس الجمهوريه ... وكانت الاحزاب المعارضه والجماعات السياسيه قد اعترضت علي التعديلات التي ادخلت علي تلك الماده باعتبارها وضعت قيودا كثيره علي امكانيه التقدم للترشيح تكاد تفرغ الماده المذكوره من مضمونها ...

هناك تعليق واحد:

اميرة بهي الدين يقول...

نشرت هذه المقاله في الفيس بوك فجائتني هذه التعليقات

3 comments

Amira Abdalla wrote
at 10:48am on January 31st, 2008
انا افتكرت المقاله دي اللي انا كاتباها من زمان بسبب صديقتي داليا طه وجروب ( الدنيا جري فيها ايه ) وسؤال داليا - الناس ضاربه بوووز ليه ؟؟؟ افتكرت المقاله وقلت انشرها واسآل داليا تفتكري اللي انا كاتباه دي احد الاسباب ان الناس ضاربه بوز ؟؟؟ مستنيه رآييك


Rasha Ali wrote
at 10:15pm on January 31st, 2008
عشان كل اللي قلتيه يا اميرة وعشان اكتر منه
احنا زهقنا وشبابنا زهق المشكلة ان مفيش بارقة امل في الطريق تصبرنا ولا حتي تواسينا كلنا دايرين في ساقية تعبت منا واحنا تعبنا منها


Mahmoud El-nagar wrote
at 8:36am on February 2nd, 2008
متستغربيش يا اميره..ومتحمليش حد مسؤولية كل الأوجاع والمصايب اللي بنعاني منها .. عشان بكل بساطه احنا اللي عاملنا كده في نفسنا ..انا مش بنفي المسؤوليه عن حد ولا بحملها لحد معين..الموضوع ان احنا نسينا نفسنا وانجرفنا مع التيار لدرجة ان مبقاش فيه فرق في حياتنا بين الحزن والفرح ولا الأمل واليأس...