أعتقد أن القوى غير المقتنعة بالتغيير «الثورى» فى مصر تمثل فئتين، مَن صوَّتوا لأحمد شفيق فى الجولة الأولى، ومَن صوَّتوا لعمرو موسى فى الجولة الأولى. الجزء الذى صوَّت لأحمد شفيق لم يكن يؤمن بأى مهادنة مع التيار الدينى بالذات، والجزء الذى صوَّت لعمرو موسى مَن لا يمانعون فى أنهم قوى موجودة ولا مناص من التعامل معها، حتى قبل أن توفق أوضاعها. على اعتبار أن الزمن كفيل بذلك.
لكن هذا ليس موضوعنا.
موضوعنا هو القوى الأخرى التى انضمّت فى الجولة الثانية إلى أحمد شفيق. وهذه قوى تريد التغيير، ولكن بعيدا عن الدولة الدينية. ولو كان ذلك باستدعاء أحد رجال النظام القديم، على أساس أنه شر أقل.
هذه الشريحة بالذات -أعتقد الآن- الشريحة الأكثر فهما للسياسة فى مصر من غيرها. أكثر منا نحن الذين قاطعنا، وأكثر من مبطلى أصواتهم، وأكثر من عاصرى الليمون. غنىٌّ عن القول أننى أفهم دوافع هذه الفئات. لكن تفهُّمى لدوافعها لا يعنى تبرئتها من الخطأ السياسى الرهيب الذى وقعنا فيه. قلت ذلك مرارا وتكرارا.
وهذا أيضا ليس موضوعنا.
الحكمة المستقاة من التجربة السياسية يجب أن تترجَم إلى إجراءات. هكذا يفعل من يمارس السياسة. وهى - للمرة الألف- تختلف عن العمل الحقوقى وعن الرؤية الثقافية. تأخذ ذلك فى اعتبارها، كما تأخذ المخرجة كل عناصر الفيلم فى اعتبارها، وتصنع خليطها الخاص.
سأتناول الموضوع من الناحية العكسية لكى أشرح فكرتى. يشعر الإخوان أن القوى السياسية التى تمثل لها تهديدا كالتالى:
١- الفريق أحمد شفيق الذى يملك قاعدة ثابتة أظهرت نفسها فى الجولة الأولى، وقاعدة منجذبة أظهرت نفسها فى الجولة الثانية.
٢- الجيش. وهو قوة أمر واقع لا تحتاج منى إلى تفصيل.
٣- البرادعى وحزب الدستور.
٤- حمدين والتيار الشعبى.
٥- حزب المصريين الأحرار.
القدرة التى أظهرها الفريق أحمد شفيق، والبراجماتية السياسية التى أظهرها حزب المصريين الأحرار الذى يقف وراءه رجل الأعمال نجيب ساويرس، جعلت الإخوان يتخذون قرارا بمطاردة الاثنين مهما كانت العواقب. وفى الحقيقة فإن معظم ما أُضيف إلى الفريق شفيق فى الجولة الثانية بالذات ينتمى سياسيا إلى القوى الليبرالية المرتبطة بحزب المصريين الأحرار. فئة الديمقراطيين العمليين، لا المثاليين الثوريين.
أما الجيش فلو استطاع الإخوان القضاء على نفوذه السياسى اليوم لفعلوا. لكنهم لم يستطيعوا حتى الآن. فاكتفوا بالدعاية العسكرية/المدنية، يساعدهم فى ذلك بعض أنصار الثورة، بعضهم بسوء نية، وبعضهم -من فئة الديمقراطيين المثاليين- بحُسن نية مهلكة.
يبقى حمدين صباحى والبرادعى، ويؤسفنى أن أقول إن الإخوان فى تحليلاتهم الواقعية يرون أن هذين السياسيَّين لا يشكلان خطرا حقيقيا عليهم. لا أقول هذا بمنطق التقليل من أهميتهما، أبدا، (البرادعى على علاته هو السياسى المفضل لدىّ بين الجميع)، إنما أقوله بمنطق الأمر الواقع، وبمنطق التحليل السياسى.
بل إن الإخوان يحتاجون إلى رومانسية البرادعى وديماغوجية حمدين التى لا تجيد التخطيط. يحتاجون إليهما تجسيدا للمعارضة. ولذلك فإن الإخوان يضخّمون دوريهما، ويلصقون بهما من المسؤولية عن الأحداث ما يعلمون قبل غيرهم أنه ليس فى استطاعتهما. لو كان البرادعى وحمدين الصباحى قادرَين على تحريك الشارع بهذه الطريقة ماكانش دا بقى حالنا.
هل وصلت فكرتى؟ طبعا لأ.
فكرتى باختصار أن الإخوان يحللون النتائج ويتحركون سياسيا بمقتضاها، بمنتهى البراجماتية. لكن المعارضة لا تفعل هذا. ولو فعلت لعلمت أن من مصلحتها جدا أن تمد يدها الآن فى هذه اللحظة إلى الفريق شفيق. فتظهر المعارضة أمام المصريين فى صورة الكيان الجامع الموثوق به، وأمام العالم فى صورة الكتلة الصلبة ذات الأرضية.
يضحكنى هنا من يقولون: وعايزنّا ندّى الفريق شفيق شرعية؟!
جوابى عليهم: لا، أبدا. أنا عايز الفريق شفيق يديكم شرعية عند الشعب، عموم الشعب، خارج دوائرنا. بمعنى أن الشرعية متبادَلة، ميدانية من أنصار الثورة، وانتخابية من الفريق شفيق. كما أن خطوة كتلك ستشعر الشعب أن أنصار الثورة لا يعيشون فوق السحاب، بل على الأرض.
مش قلت لك إنى نويت أقدم النصيحة المخلصة بلا تجميل ولا تزيين حتى لا أعود بعد أشهر أو سنوات وأقول يا ريت. (راجعى سلسلة مقالاتى عن حريق القاهرة لو حابّة تفصيل أكثر لمخاوفى التاريخية).
http://tahrirnews.com/columns/view.aspx?cdate=26032013&id=a05157a4-bb4d-4247-b7a7-4bbbbe981078#.UVFpZSEQ5WU.facebook
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق