كل شيء تمام !!!
راعني في أحداث زوجة القسيس الفارة من منزل زوجيتها مثل كثير من النساء التعيسات، أن الأمر انقلب إلي حدث طائفي وحشد الغاضبين من المنيا للقاهرة للتظاهر أمام الكاتدرائية الكبري، راعني أن أحدا لم يبحث في أمر سعادة الزوجة قبل اختفائها من منزل زوجها ومحاولة فهم مبررات اختفائها عن منزل الزوجية، بصرف النظر أن الزوج قس، وافترض الجميع قصة وهمية وساروا خلفها، وجهزت حافلات لنقل الغاضبين للقاهرة أمام أجهزة الإعلام والتليفزيونات و............ وزج بمسلم في القصة لتزداد سخونتها، هو الذي حرضها أو اختطفها.. وطالب الغاضبون بعودة الزوجة المسيحية لمنزل القس وفي وسط الغضب والأحداث الساخنة، سب المسلمون في شخص ذلك الرجل الذي اخترق سياج الزوجية المسيحي واختطف زوجة من منزل زوجها!
وأكم من زوجات يغادرن بارادتهن الحرة منزل الزوجية للتعاسة لأي منزل آخر، ربما يكون منزل الأسرة إذا ما كانت ستبدي تفهما، وربما منزل أحد الأقارب الحكماء القادر علي حماية الزوجة الفارة من بطش زوجها ومنعه من إجبارها علي العودة للمنزل الذي تبغض الحياة فيه وربما لمنزل إحدي الصديقات التي تتفهم بمشاعر الصداقة ومشاعر الأنثي قدر المتاعب التي واجهتها تلك الزوجة من زوجها وفي منزله لحد فرارها منه والاختباء بعيدا عنه! لكن قصة زوج القس لم تقف عند هذا الحد الذي تتصدي له، في أفضل الأحوال، الأسر والعائلات وتعقد مجالس الحكماء لحل المشكلة وتقريب وجهات النظر وإذابة الخلاف، لأن أحداً لم يفكر في الأسباب الحقيقية لاختفائها، بل تجاوزه ليصبح مشكلة طائفية جديدة بجوار كل المشاكل الطائفية الأخري التي يعاني منها وطننا الذي يشعل الصراع الديني النار في ثوبه ليحترق ويحرقنا جميعا مسلمين وأقباطاً! قصة زوجة القس تحولت لصراع طائفي بين الأقباط والمسلمين علي (زوجة فارة) حسبما تصور الغاضبون.
وبالطبع ليست صدفة، أن الغاضبين خرجوا من محافظتهم للتظاهر أمام الكاتدرائية، فهنا تحت الاضواء في العاصمة وأمام أجهزة الإعلام والتليفزيونات يصبح الصوت أعلي والغضب أشد والسباب أكثر أثراً والتهديدات أكثر تطرفا، وبالطبع تنسي القصة الأصلية ويصبح صراعاً دينياً، يتصور فيه الأقباط أن المسلمين (ممثلين في شخص احدهم، الذي ثبتت براءته من كل ما نسب إليه) قد أحرزوا في مرماهم هدفا يلزم رده إليهم الصاع صاعين، وتزداد الفجوة حدة والصوت ارتفاعا والغضب اشتعالا و.......... ليدفع الوطن وجميعنا الثمن الفادح، حين ينقسم أبناء الوطن الواحد لفريقين متصارعين يشعل كل منهما أو يسعي لإشعال النار في ثوب الآخر، محرزا هدفا عزيزا حتي لو احترق الوطن كله ومعه المستقبل في سبيل إحراز ذلك الهدف! وهنا أنا لا أتكلم عن ظاهرة تطرف قبطي، لأن علي الضفة الأخري من النهر، تطرفاً إسلامياً لا يقل وطأة ولا بأس بذلك التطرف القبطي المسيحي بل قد يزيد عليه وقد يكون هو مبعثه ومنشأه، لكن الآن والحريق يشتعل عمداً في ثوب الوطن بمزاعم سخيفة وقصص وهمية وحشد منظم من كل من الجانبين، النفوس تمتلئ بالغضب وتبحث عن أي فرصة للانفجار حتي لو كانت زوجة تركت منزل زوجيتها، ولم تعد مهمة أسباب الغضب ومن أغضب من أولاً، لم يعد مهما الفعل ورد الفعل، لم يعد مهما من الذي حشد أبناء الوطن ليصبحوا فريقين تحت رايات العقيدة الدينية حتي نسوا أنهم أبناء وطن واحد، لم يعد مهماً الماضي بل صارت المشكلة في المستقبل الذي بت أخاف عليه وأرتعد من شكله!
وقد تعمد الجميع سواء قيادات دينية أو مواطنين دفن رؤوسهم في الرمال والادعاء كذبا بأن كل شيء (تمام) وليس في الإمكان أروع مما كان، تعمد الجميع فقء عيونهم وسد أنوفهم فلا يرون أكبر الحرائق التي تعد من مستصغر الشرر ولا يشمون رائحة الدخان والشواء التي تتصاعد وتملأ سماء الوطن وانشغلنا بإفطار الوحدة الوطنية وتبادل التهاني بعيد الميلاد وتصوير الشيوخ والقساوسة تحت لافتات الوحدة الوطنية مبتسمين سعداء فكدنا نصدق ما نراه، في نفس الوقت الذي ينفجر العنف الطائفي هنا أو هناك، مرة لأن زوجة هربت ومرة لأن اشاعات التنصير والأسلمة تنتشر كمثل النار في الهشيم ومرة لأن مجرماً اغتصب فتاة صغيرة وكاد الأمر يصبح جريمة عادية لولا أن الجاني من دين والمجني عليها من دين آخر ونسي الجميع أننا جميعا مصريون....
قلبي علي وطني يرتاع خوفا من أيد عابثة مجرمة عجزت عن هزيمتنا عن طريق الحروب والاحتلال، فحاولت بكل دأب تفتيت وطننا تنفيذا لمخططاتها الطائفية، وفي تلك الحرب القذرة الأخيرة تستخدم أيدينا لتضربنا وتحرقنا وتهزمنا وتضيع وطننا ومستقبلنا، ألا ينتبه أحد بحق بدلاً من (كل شيء تمام)! في مواجهة الصراع الطائفي العنيف الذي يزداد احتداما ويهددنا جميعا بحرق ثوبنا ووطننا ومستقبل أطفالنا، لم يعد مهما من ندين، أقباط المهجر، جماعات الإسلام السياسي، لن يعد مهما البكاء علي اللبن المسكوب، بل صارت القضية الأهم هي حماية الوطن من ذلك الصراع المقيت المخيف الذي لن يستفيد منه إلا أعداء الوطن والمتربصون به، هؤلاء الذين يشعلون الفتنة ويسكبون البنزين فوق النار المشتعلة، هؤلاء الذين يسعون منذ سنوات طويلة لإعادة تقسيم المنطقة وترسيم حدودها علي أساس كانتونات طائفية إسلامية مسيحية، درزية شيعية، قبطية مارونية، يهودية كردية، وفقاً لخرائط محفوظة في خزائنهم منذ سنوات بعيدة، ولا يمكن إعادة رسم المنطقة وتقسيمها لكانتونات ودويلات طائفية دون سعي دؤوب لتقسيم مصر الدولة المركزية الأولي في تاريخ البشرية لدويلات طائفية متناحرة، وها نحن نعيش أيام صراع طائفي إسلامي قبطي عنيف يتأجج كل يوم عن سابقه، وهو صراع لم يقف عند حد الأفكار والخلافات العقائدية بل تجاوزه لصحف وجرائد وقنوات فضائية ومنتديات علي الإنترنت ومنظمات حقوق إنسان ومنظمات دولية وشعارات الاستقواء بالخارج سواء كان بدول تزعم الاهتمام بحقوق الإنسان أو منظمات ترسل أموالاً ودعاة وتنظم مظاهرات طائفية هنا أو هناك لهذا السبب أو ذاك! وكل هذه الأشكال لا تهدف إلا لحريق مروع يحرق الوطن وأبناءه جميعاً، وجميع أنشطتهم لا تؤدي إلا إلي سكب البنزين فوق الحرائق المشتعلة و.................. رحمة الله علينا جميعا!
منشور بجريده روز اليوسف اليوميه الاثنين 26 يوليو 2010
http://www.rosaonline.net/Daily/News.asp?id=74818
هناك تعليق واحد:
شكرا يا أميرة على المقالة الشائكة دى --- بالفعل أصبح الموضوع سخيف جدا --- المشكلة إن الكل عارف إن فى مشكلة بس للاسف مع كل اللى حاصل و بيحصل فى مصر محدش عارف يتصرف و يحل أى حاجة؟ البلد مبقلهاش كبير يحكمها --- آه يا وجع قلبى عليكى يا بلد من اللى ممكن يحصل لك.
إرسال تعليق