الاثنين، 19 يوليو 2010

ابي .... الذي احمل اسمه !!!

ابي .... الذي احمل اسمه


لم ينجب أبي ذكورا، فقط أنجبني وأختي الصغري مثله مثل معظم عائلتنا الكبيرة، منحهم الله اناثا كثيرات فحزنت جدتي لان اسم العائلة سيندثر مع تلك النساء التي ستنجب اولادا باسم ازواجها ... نعم ملأت الاناث منازل الاسرة دفئا واحفادا وحبا لكن واحدة منهم لم تفلح بحكم الشرع والقانون في حمل اسم العائلة وتوريثه للاخرين مثل اولاد عمي الذين حملوا اسم العائلة ومنحوه لاولادهم وسيبقي الاسم الذي نفتخر جميعا بالانتماء اليه حكرا عليهم وعلي احفادهم دوننا جميعا !!!! هل عشت حياتي كلها اشعر نقيصه اني لست ذكرا يحمل اسم أبي ويمنحه من بعده لاطفاله واحفاده؟؟ لا أظن لكني لم انس الامر ابدا !!!

هل شعرت بذنب اني ولدت انثي أغضب ميلادي جدتي التي كانت تنتظر علي شوق الوليد الاول لابنها الاصغر وقرة عينها ليحمل مع اولاد عمومته اسم ولقب العائلة ويرفعوا رايتها عاليا، جدتي تلك السيدة العظيمة التي أحببتها وأحبتني طيلة حياتها وحين نامت علي فراش المرض الاخير واستشعرت ملاك الموت يقترب منها ليحملها لجنة الصالحين طلبتني بالاسم دونا عن كل الاحفاد لتراني وتقبلني وتحضنني بذراعيها الضعيفتين وكنت ابنة العاشرة لكني احسست انها اختصتني برسالة شخصية وهي المرأة القوية الفاعلة ربما منحتني بعض روحها في ذلك الحضن ربما أوصتني أن أكون قوية مثلها لاتكسرني الدنيا لمجرد اني انثي ربما قالت لي اوصيك وانت تحملين اسم أبيك وعائلتنا ان ترفعي رايتنا عاليا !!! ربما وعدتها علي فراش موتها ان اكون مثلها (بميت راجل) !!!! نعم .... هذا إحساسي منذ طفولتني، ليس ذنبي اني انثي لن أورت اسم أبي وعائلتني لاحفادي، لكني املك بإرادة وجهد ان ارفع اسم أبي وعائلتي عاليا وأمنحهم الفخر الذي يستحقونه ويليق بهم !!!!

أبي ............. الرجل الذي احمل اسمه وملامحه والكثير من صفاته ولدت اشبهه وهو اكثر ابنائه شبها بأبيه، انا النسخة الحريمي من وجه وملامح أبي وجدي هؤلاء الرجال المهيبين !!!
التشابه بيننا في الروح والصفات والاخلاق فهو قدوة يحتذي وحين يسعدك الحظ وتولد في حضن ( قدوة) لاتبذل مجهودا لتتعلم منه اميز ما فيه واجمله، كل شيء يحدث بشكل فطري تلقائي !!! أبي هو قاض ابن قاض، نعم فجدي راس العائلة كان قاضيا وعلي دربه سار أبي، هل تعمدت أن اسير علي دربهم، لم افكر بتلك الطريقة وقت التحقت بكلية الحقوق، لكني حين عملت بالمحاماة، ادركت قدر المسئولية الكبيرة التي احملها علي عاتقي فانا امارس المهنة التي احبها واحمل اسما كبيرا فانا ابنة أبي الذي يشار اليه وسط الهيئة القضائية بالبنان لانه القاضي العادل الجاد المحترم، علي أن اصون تلك المكانة واحافظ عليها فلم اغامر باسمي او سمعتي من اجل موكل او اتعاب مرتفعة ولم اذهب المحكمة يوما الا بثوب يليق بقدسيتها واحترامها وبذلت الجهد في كل قضية ساتكلم فيها او تحمل اوراقها اسمي واسم أبي، ربما تلك المسئولية دفعتني للاجتهاد في عملي ودفعت بي للنجاح فيه، لااعرف لكن اسم أبي ومكانته كانت دائما صوب عيني مسئولية كبري يلزم علي الحفاظ عليها فهذا اقل ما يستحقه مني !

نعم تمردت علي أبي وعلي افكاره في مراهقتي وشبابي تمردت علي سطوته الفكرية ونفوذه الواقعي، لكني الان وبعد أن غزا الشعر الأبيض رأسي، أعترف بمنتهي الصراحة اني كنت مخطئة فكثير من المفاهيم والاراء التي كنت اشاكس أبي برفضها والتمرد عليها، اثبتت الايام صحتها، لكنه نزق الشباب الذي لاينضج الناس الا بعدما يمرون به !!! في نفس الوقت تحمل أبي بمنتهي رحابة الصدر وسعة الأفق شططي وتمردي وبوعي كامل لم يغفل عينه عني يرعاني ويتابعني ويؤكد علي طيلة الوقت انه مهما حدث بيننا ومهما اختلفنا ففي النهاية احضانه مفتوحة دائما لي ملاذ اخير يحميني من الدنيا ان قست علي وكان محقا، فطيلة الخمسين عاما التي عشتها لم اجد أدفأ من احضانه ولم اشعر امانا مثلما شعرت مرات عديدة كنت الجأ اليه فينتشلني من همي وينصحي بكلماته القليلة نصائح فاعلة تحل اعقد المشكلات التي كنت اظنها بلا حلول !!

أبي، لم اره ابدا في اي محفل عام او خاص يتباهي بوظيفته ومركزه وحصانته القضائية لم يعتبر نفسه أميز من بقية البشر او في مكانة أرفع لانه قاضي بالعكس كان يراها مسئولية كبيرة علي عاتقه تستوجب منه منتهي الحرص والتأني والعدل فاذا لم يطمئن الناس للقضاء ويشعروا بالامان والطمأنينة في حضرته فلا امان في الحياة، واكم من قصص سردها عن عمله بالمحاكم من سوهاج للمنصورة للمنيا لطنطا للجنايات للنقض، يوضح فيها الجهد الذي بذله لتحقيق العدالة للمتقاضين الذين وقفوا امام منصته حائرين قليلي الحيلة لا امل لديهم الا عدله فاجهتد وصولا لمنحهم حقوقهم السليبة ورفع الظلم عنهم فأ نهي خدمته القضائية راضيا عن نفسه وبقي اسمه عاليا باعتباره مثالا للعدالة والنزاهة والتجرد والحياد والاحترام، لم اسمعه يوما يقول (انت ماتعرفش انا مين) بالعكس كان ينهاني عن ذلك السلوك المعوج الذي يكشف من وجهة نظره عن غي وتعال كريه مكروه، رأيته في كثير من المواقف يعفو ويتسامح ويلتمس للناس الاعذار يشرح لي سلوكه بانه (كبير) والكبير ليس من ينتقم من الاخرين او يستغل منصبه او سلطته او وظيفته للاقتصاص منهم والاعتداء عليهم بل الكبير من يتسامح ويعفو برضا وقناعة، لم يسمح لاحد ابدا طيلة عمله في القضاء وبعدها ان يطلب منه خدمة شخصية او توصية تتجاوز نطاق القانون وسياجه، كان يقول لي دائما لا اطلب من احد شيئا ليس من حقي لاني لا اسمح لاحد أن يطلب مني شيئا ليس من حقه، رأيته وانا طفلة صغيرة يغلق حجرة مكتبه ومعه الكاتب ليصدر الاحكام ساعات طويلة يقضيها بين ملفات القضايا وجميعنا في البيت صامتون لا نتنفس، فهذه لحظة دقيقة تلك التي ينطق فيها بالاحكام في مصائر الناس، ورايته وقت انتدب للعمل بالكويت يقضي في قراءة جناية واوراقها شهرين كاملين، ينام ويستيقظ فوق الاوراق، يدقق في كل كلمة وكل حرف ويراجع نتائجه واستخلاصاته، مهموم بالبحث عن العدالة وإنصاف المتهمين، لم يتأثر بالراي العام وقتها ولم يسلم عقله ولا وجدانه لمانشتتات الجرائد وحين اقتنع ببراءة كل المتهمين اصدر حكمة قويا شجاعا مدويا ونام ليلتها مرتاح الضمير !!!

علمني أبي ان البشر جميعهم سواسية لم يقل لي هذا في صورة خطب وشعارات ممله، بل مارسه سلوكا يوميا فطريا فتعلمت منه حب الناس البسطاء والاقتراب منهم بمنتهي الاخلاص ونبذت مثله التعالي والغرور ولم أشعر يوما ان (علي رأسي ريشة) بالعكس حين وقف سعادة المستشار وهو رئيس نادي قضاة مصر في مقر النادي النهري في اليوم الاخير من رمضان في اواخر الثمانينيات يشرف بنفسه علي افطار عمال النادي وموظفيه ووقف بنفسه (يغرف) لهم الاكل وينهرهم لارتباكهم ويطالبهم بالجلوس علي الموائد لتناول الطعام ويمازحهم بمنتهي البساطة والود والحب ويهنئهم بالعيد ويتمناه سعيدا لهم ولاولادهم، وقتها سطعت عيون العمال والموظفين بحب وامتنان لذلك الرجل الذي يخدمهم بمنتهي الحب والاخلاص في ليلة واحدة ردا علي جهدهم الدائم في خدمته وخدمة كل زملائه من (البشوات والبهوات) كانوا يحبونه ومازالوا ولم يفصحوا له خجلا وارتباكا لكنهم يعرفون انه يعرف مشاعرهم وصدقها، وقتها احسست فخرا لان هذا الرجل العظيم أبي!!!

انه القاضي العادل، المحب للحياة، العطوف، الكبير، الذي اشرف بحمله اسمه وحاولت بكل جهدي واخلاص امنحه وامنح اسمه وعائلته الفخر الذي يستحقونه، حاولت اكون (هذا الشبل من ذاك الاسد) حاولت اكون (ابنة أبي) كما يقول الناس !!! ربما لن اورث بناتي اسمه واسمه العائلة، لكني سأورثهن فخرا بأنهم احفاد ذلك الرجل الكبير فيرددن اسمه ويتباهين بالانتماء اليه ولعائلته طيلة الوقت، ويا أبي .... أحبك وأفتخر بك وباسمك وحاولت قدر ما اقوي أرفعه عاليا بين النجوم في المكانة التي تليق به !!!
نشرت في جريده روز اليوسف اليوميه 19 يوليو 2010

هناك تعليق واحد:

أدهم المصري يقول...

آه و ألف آه .... تحدثت هنا عن جزء مشرف من تاريخك المجيد .... و هو جزء يسير ... و كم تمنيت أن تصل مقالتك إلى كل مسؤول و كل كبير في هذا البلد يظن انه كبير بالمال و السلطة فيبطش بنا و دوما ما يردد " انت ما تعرفش انا مين " او " انت ما تعرفش أنا ابن مين " و يرددون عبارات " أنا في أيدي أنشف دمك قبل ريقك " و " إدفع بالتي هي أحسن او عض الأرض " حقا لقد عرفتيني يا أ/ أميره قبل أن آتي لمصر ( لو تذكريني ) و كم كنت تواقا لأن أعيش على ارض الوطن و أن اعود لأحضانه، و الآن بعد ان قضيت ما يزيد عن الأحد عشر شهرا في وطني أكاد أفقد عقلي فهي أقسى فترة في حياتي و يا للعجب، لقد تغيرت مصر لأن الناس تغيروا لم يعد هناك الكثير مثل والدك أو مثلك، لقد تقوقعوا على انفسهم إثارا للسلامه في زمن إنقلب فيه كل ميزان و أصبح العيب أمرا عاديا و الخطأ صوابا و الدناءة ذكاءاً و الخسه و القسوة هي الأسلوب العملي ، و الظلم أصبح عدلا، نعم قد أبدو سوداويا ولكن ما رأيته في وطني و ما جرى لي لا يعقل سلبوني كل شيء و أكاد أكون متسولا اتسول من أسرتي معاشي، فالإتاوات على ودنه و النظام ولى امرنا بلطجيه أوقفوا كل المراكب السايره في سبيل فرض إتاواتهم علينا، لماذا يحدث كل هذا، كيف كان يفكر والدك و كيف تفكرين ، ولماذا لا يفكر هؤلاء القساة من يظلموننا مثلكما.

و ربنا يستر
كل الود و الاحترام