الأربعاء، 14 يوليو 2010

اللي مش عاجبه يشرب من البحر !!!!

القبح يغزو حياتنا
اللي مش عاجبه يشرب من البحر




أعود لسلسلة يومياتي عن القبح الذي يغزو حياتنا... وأتكلم هذه المرة عن انعدام المساحات الخضراء في مدننا، فمدينتنا بلا رئة تضخ الأوكسجين النقي في بدنها، وبلا مساحات جميلة تريح البصر وتهدئ النفوس!

وهذا أمر مثير للعصبية والتوتر، مدينة كبيرة مترامية الأطراف، إذا ما نظرت عليها من أعلي وجدتها كتلا خرسانية متراصة متلاصقة وسيارات وعوادم وسحب راكدة من الانفاس والأبخرة بلا حدائق بلا أشجار بلا مساحات خضراء بلا زهور بلا ورود!

مدينة كبيرة مكدسة بالمباني والكتل الخرسانية والأبراج والمنازل القديمة المتساندة علي بعضها والطرق المزدحمة والسيارات الكثيرة لا تجد أوكسجين تتنفسه لأن القائمين علي تخطيط المدينة لم يكترثوا بترك أي مساحات فارغة يخصصونها للأشجار والنباتات والورد، ليس فقط باعتبارها مصدرا مهما ورئيسيا للأوكسجين النقي بل أيضا باعتبارها مصدرا للراحة النفسية والإحساس بالجمال وتبديد التوتر والعصبية والإرهاق النفسي المستمر!

هل بيننا وبين المساحات الخضراء ثأر قديم لا ينتهي، فما تنمو شجرة هنا أو هناك إلا وتمتد يد باطشة تقطعها أو تكسر فروعها بحجة تقليمها فتتحول لمسخ قبيح!

وأكم من سكان في بعض الأحياء هنا أو هناك غضبوا لاستيقاظهم يوما من النوم ليجدوا الأشجار في شوارعهم قد ذبحت بلا مبرر، واهتم بعض البشر غليظي الجلد بنظافة سياراتهم علي حساب الأشجار فتمنوا أو سعوا لذبح الأشجار أمام منازلهم باعتبارها تؤوي طيورا تلقي بمخلفاتها علي سياراتهم الفارهة التي تركن تحت تلك الأشجار، بل وفات علي الجهات التنفيذية في كثير من الأحياء والمدن الجديدة ترك بعض مساحات الفراغ بين المباني المزمع إنشاؤها وتخصيصها كمساحات خضراء بين المباني، رغم أن تلك الأحياء والمدن الجديدة اقيمت في الصحراء التي نملك من مساحاتها الشاسعة الكثير، فلو انتبهوا لأهمية الحدائق لصحة البشر الجسدية والنفسية لوجدوا أراضي كثيرة يمكن تشجيرها وتخضيرها لكنهم لا يدركون أهمية المساحات الخضراء ولا الحدائق ولا يشعرون بقيمتها فانعكست أفكارهم وثقافتهم علي التخطيط العمراني لتلك المدن والأحياء الجديدة!

أما في أحيائنا القديمة فحدث ولاحرج، مبان وكتل خراسانية بلا أشجار بلا أوكسجين بلا ظلال بلا جمال بلا ورود! فيزداد البشر عصبية وإرهاقا نفسياً وتزداد صحتهم اعتلالا لقلة الأوكسجين وتلوث الهواء ويتنفسون العوادم ويتلاشي إحساسهم بالجمال وتنعدم رهافة نفوسهم ولا أحد يكترث ولا أحد يهتم!

وتصبح الحدائق والأشجار وجمال الطبيعة أمورا يتحدث عنها المصريون باعتبارها مميزات في بلدان أوروبا، تضاف لمميزاتها الأخري فتسمع من الكثيرين ممن أتاحت لهم الظروف السفر للخارج حديثا كله شجون عن الجمال التي تتصف به تلك البلدان ويستمتع به بشرها و(كأنهم في الجنة وهم أحياء) فإذا بهم يصفون الحدائق والأشجار والمساحات الخضراء وأحواض الزهور التي تزين تلك البلدان ومدنها وتمنحهم أوكسجين نقيا يضخ الحيوية في أجسادهم ويمنحهم نشاطاً وطاقة وقوة ورغبة في الحياة وحباً لها، وتكسو حديثهم نبرات الهم والشجن حين يصفون بلادنا التي تخلو من الجمال وتعاني من التلوث ويختنق بشرها بثاني أكسيد الكربون وتحاصرهم الكتل الأسمنتية تبخ حرارتها في أبدانهم كأننا في (جهنم الحمراء) !

لماذا يا سادة، يا من تخططون لمدننا، يا من تسنون قوانينا، يا من تشرفون بحكم مناصبكم علي إنشاء المدن والأحياء الجديدة، يا من تربحون الثروات المليونية من إقامة الأحياء والمنتجعات السكنية الخاصة، لماذا لا تهتموا بجانب الشوارع والمباني والشرفات والجراجات، لماذا لاتهتمون بإقامة مساحات خضراء وحدائق وسط الكتل الخرسانية؟ فتمنح السكان هواء نقيا وتمنح الأطفال مكاناً يلعبون فيه بدل الشوارع المكدسة بالسيارات وتمنحون المسنين مكانا جميلا ظليلا يجلسون فيه طيلة وقتهم الفارغ وتمنحون الأسر مكانا يسعدهم التنزه فيه بدلا من الجلوس فوق الكباري بحثا عن نسمة هواء «ونتفة» جمال تسعدهم!

لماذا يا سادة لا تهتمون بإنسانية المواطنين الذين أتاحت لكم ظروفكم الجميلة إدارة أمور حياتهم واتخاذ القرارات فيها! لماذا يا سادة لا تسعون مثل جميع البلدان الأخري بإقامة (الجنة) علي أرضنا بتخصيص بعض المساحات الخضراء وزراعتها بالأشجار والنخيل والورد والزهور ووضع بعض المقاعد والدكك الحجرية فيها فنتنفس بطريقة أكثر إنسانية ونمتع عيوننا بالجمال الذي منحه الله سبحانه وتعالي للبشر لكنهم لم يكترثوا به وأهدروه ففقدوا الإنسانية والصحة والرهافة والإحساس بالجمال!

القبح غزا حياتنا... ليست هذه هي المشكلة! المشكلة أن أحدا لا ينتبه لتلك المشكلة فلا يحاول وضع الحلول لها ولا علاج آثارها السلبية ولا تقليصها! القبح غزا حياتنا .... واللي مش عاجبه (يشرب من البحر).

نشرت بجريده روز اليوسف اليوميه 12 يوليو 2010

ليست هناك تعليقات: