الأحد، 14 يوليه 2013 01:36 م
مصير اعتصام «رابعة العدوية»
طائرة هيلوكوبتر تابعة للجيش المصري، حلقت مساء يوم الجمعة فوق المعتصمين بمنطقة «رابعة العدوية» تسببت في هزة معنوية بين المعتصمين، إذ ألقت منشورًا تعد فيه «المتسفلتين» بأنهم لن يُلاحقوا إذا ما غادروا المكان في هدوء. اضطرت جماعة الإخوان ـ نتيجة لذلك ـ أن تصدر بيانًا وزعته على قائمة بريدية موسعة، ومن ثم طبعته في منشور ونثرته بين المعتصمين لكي تقول: إن الجيش لم يصدق مع محمد مرسي فكيف يمكن أن يصدق مع المعتصمين؟!
ويمثل هذا التبادل المنشوراتي طيفًا من العملية النفسية المتداخلة التي يخضع لها المعتصمون في «رابعة العدوية» منذ أيام طويلة، حيث تأكد - وفق تقرير نشرته وكالة الأنباء الفرنسية يوم السبت - أن جموع البشر الذين سجنوا أنفسهم اختياريًا في التقاطع المروري المهم بشرق القاهرة يعيشون في عزلة.. يتلقون المعلومات والإعلام من منصة الخطابة ولا يشاهدون إلا محطات تليفزيون قال منظمو الاعتصام لهم إنها الوحيدة الموثوق فيها .. في مقابل رسالة تصلهم مرة بالقصد عبر منشور من الجيش أو بالصدفة من خلال جهاز تليفوني أو ما شابه.
وتقول الأسطورة المتداولة : إن أعدادًا كبيرة من المعتصمين في «رابعة العدوية» يريدون أن يغادروا مكانهم إلا أنهم لا يتمكنون من ذلك، بسبب حصار مفروض علىهم من منظمي الاعتصام، ذلك انطباع ليس صحيحًا في المطلق .. مع وجود استثناءات بسيطة.. ويثبت هذا التعرف على طبيعة التركيبة الاجتماعية للمعتصمين .. والموزعين وفق أغلب التقديرات كما يلي :
* قيادات من جماعة الإخوان يحتمون في الجموع لأطول فترة ممكنة لكي تؤجل عملية القبض علىهم، بعد أن صدرت قرارات من النيابة العامة بضبطهم في قضايا مختلفة.
* مجموعات من المنتمين للجماعة نفسها، ينفذون تعلىمات من قياداتهم بترك البيوت في القرى والمدن خارج القاهرة، من أجل المعركة الأخيرة دفاعًا عما تبقى من الجماعة.
* مجموعات من المنتمين للتيار الديني الذين يرون أن مشروع الإسلام السياسي قد تعرض لضربة كبرى ويظنون أن هذا نوع من الجهاد دفاعًا عنه .
* مجموعات من المنتمين لنفس التيار الذين لا يقوون على مواجهة الضغوط الاجتماعية الرافضة لهم في بيئتهم الأصلية، ووجدوا في اعتصام رابعة فرصة للهروب من هذا.
* مجموعات من المرتزقين المصريين الذين يتواجدون في مثل تلك الأجواء وتجدهم في مولد لأحد أولياء الله أو أي مكان للتجمع يوفر وجبة أو بعض المال .
* مجموعات من السوريين وقليل من الفلسطينيين ، الذين يتوزعون بين فئتين.. فئة مؤدلجة ترتبط بجماعة الإخوان سياسيًا وتشارك في الاعتصام تعاضدًا، وفئة بسيطة لا تجد قوت يومها وكانت تبحث عن عمل بعد أن جاءت مصر واضطرت إلى التسول في الشوارع .. وحماها الاعتصام من هذا مؤقتًا.
تركيبة اجتماعية بهذا النوع لن تتفكك طوعيًا، طالما كان منظمو الاعتصام قادرين على أن يوفروا لهم العطاءات المعنوية والمادية، ومن ثم فإن مصير الاعتصام مرتبط بما تريده الفئة الأولى التي نظمته وأصرت علىه..وترى أنه يحقق أهدافًا لها.. بالإضافة إلى حمايتها الذاتية من ملاحقة الأمن .
ولاشك أن الهدف المعلن للاعتصام ليس هو الهدف الحقيقي له، إذ لا يمكن أن يكون منظمو الاعتصام يعتقدون أن هذا سوف يؤدي إلى عودة محمد مرسي لمنصب الرئيس الذي تم عزله منه، في حين بدأت التحقيقات معه في قائمة طويلة من القضايا التي سوف تستغرق وقتًا للفصل فيها. وبخلاف الحماية الذاتية لقيادات الجماعة المطلوبين قانونًا يريد الاعتصام تحقيق ما يلي :
* الاعتقاد بأن إطالة أمد الاعتصام وتسببه في الإرباك الأمني والمروري سوف يؤدي إلى فتح قنوات تفاوض مع السلطة، ما يؤدي إلى الحصول على قدر أدنى من المكاسب القانونية والسياسية. وقد ساعد على هذا التصريح الخبيث الذي أدلى به رئيس الوزراء الانتقالي أنه يمكن أن يضم عددًا من الإخوان لحكومته الجديدة. إن اعتقادي الخاص هو أنه لن يكون هناك أي تفاوض مع جماعة الإخوان.
* توجيه رساله للإعلام الخارجي تهدف إلى التأكيد على وجود نوع من الانقسام في المجتمع المصري ما بين مؤيد ومعارض، ما قد يؤدي إلى تأثير ما في المعادلة.. وهو أمر له جاذبية إعلامية تتلاشى بالتدريج مع ثبوت محدودية الحالمين بعودة مرسي أو كما يقول البعض الاستفتاء علىه أو أي أمور أخرى من هذا النوع.
* ترسيخ معنى «المحنة» و«الشعور بالاضطهاد» في نفوس التابعين، سواء الإخوان أو غيرهم، لبناء «نواة جديدة» تبقي «فكرة الجماعة» قائمة.. في مواجهة انهيارها الكامل .. وهنا أفرق بين «الجماعة» كفكرة..وتنظيمها كبناء انهار عمليًا بعد الضربة الشعبية والأمنية التي تعرض لها في 30 يونيو.
* احتمالية استخدام الجموع المعتصمة في عملية ذات طابع أحمق وانتحاري، تم اختبارها مرات.. أولاً عند مقر نادي الحرس الجمهوري وأسفرت عن 54 قتيلاً ، أو مساء يوم الجمعة الماضي، حين حاولت جموع متظاهرة أن تقطع الطرق وتعتصم في مناطق مختلفة لشل الحركة في القاهرة.. ولم تقو على الصمود أمام الضغوط الشعبية بخلاف ضعفها البنيوي .
اتساقًا مع هذه الأهداف يبدو منظمو الاعتصام قيد حالة «الظهر للحائط» .. أي بلا خيارات أخرى.. وهو ما يجعل مصير الاعتصام مقيدًا بقدرتهم على الاحتمال الجسدي والمعنوي والمالي .. التي مهما طالت فإنها سوف تخور .. خاصة أن العملية السياسية التالية لـ «30» يونيو آخذة في المضي قدمًا ولو كانت بيئة الإيقاع نسبيًا.
إن الرؤى الخرافية التي تروى من فوق منصة رابعة العدوية لتغذية المعنويات الحبيسة للمعتصمين لن تستمر كثيرًا، كما أن التغطية المالية المهولة لتكاليف اعتصام مهول بهذا الحجم لن تصمد كثيرًا، والأهم أن الإجراءات الأمنية التي يتخذها المحتمون داخل الجموع حتى لا يتم إلقاء القبض علىهم لن تقوى على أن تكون ثابتة لفترة أطول، ولابد أنها تتعرض لاختراقات يومية بطرق مختلفة.. تختبرها وتقدر مدى ثباتها. وفوق كل ذلك فإن البيئة المحيطة بالمعتصمين من بقية سكان مدينة نصر ومنطقة رابعة العدوية هي بطبيعتها رافضة وتريد أن تستعيد حياتها العادية .. ولن تظل هكذا في حالة سكون.
في المقابل ترتفع أصوات تطالب بأن يتم فض الاعتصام بطريقة أمنية اقتحامية، وهو ما لا يجب الانجراف إليه لأسباب عديدة .. منها ما يلي :
* قد تكون التكلفة باهظة للغاية على مستوى الأرواح والإصابات، وهو ما لا يريده أحد بما في ذلك أشد الرافضين لجماعة الإخوان.
* يساعد الاقتحام الأمني في ترسيخ أسطورة المحنة التي تريد جماعة الإخوان تنميتها بين أعضائها أو الذين يوظفون اعتصام رابعة العدوية خارجيًا ..لاسيما التنظيم الدولي للإخوان .
* في نهاية الأمر تحتاج الجهود الأمنية إلى إعادة ترتيب ، في ظل عملية إعادة البناء المعلوماتي التي تتم الآن بعد تعطل لمدة عامين نتيجة لسيطرة الإخوان على أدوات الحكم خلالهما. بينما الجهود الأمنية تعطي تركيزًا أكبر للعملية التي تتم في سيناء على نطاق واسع وشبه صامت.
ومن ثم فإن مصير الاعتصام يجب أن يكون أفضل حل له خلال المدى الرمضاني، وإلى أن يقوم المعتصمين بخبز كعك العيد كما توعد الدكتور صفوت حجازي من فوق المنصة، هو «الترك» وصولاً إلى مرحلة «الذبول» الذي لن يكون بعيدًا .. أو أن تمارس التفاعلات الاجتماعية من داخل الاعتصام ضغوطها علىه بنيويًا ، أو أن يجد الاعتصام نفسه في مواجهة البيئة المحيطة الرافضة .
في غضون ذلك سوف تؤدي التفاعلات إلى مزيد من الأخطاء التي يقوم بها منظمو الاعتصام، سواء بارتكاب جريمة تعذيب الذين يتصادف أن يدخلوا إليه دون رغبة ، أو من يريدون أن يغادروه وهم قلة، أو بالمضي قدمًا نحو عملية ذات طابع أحمق مثل تلك التي جرت عند مقر نادي الحرس الجمهوري.. وهذا ليس مستبعدًا كذلك.
إن مضي العملية السياسية الانتقالية في مراحلها بصورة أسرع من الإيقاع الحالي، خصوصًا ما يتعلق ببدء عمل الحكومة، ثم بدء مناقشات المصالحة الوطنية، سوف يساهم في تعزيز تأثير خيار «الترك حتى الذبول» بإيقاع أسرع أيضًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق