الأربعاء، 3 يوليو 2013

مما قرأت لك ...... ثورة الدولة

مصر: ثورة الدولة


بقلم: عبدالله كمال
""يدفع مرسي اليوم بسبب 'أخونة الدولة' فاتورة استعدائه جميع مؤسسات الدولة وتدهور الأمن والخدمات، ليستعدي تبعاً لذلك المواطن البسيط. فكان طبيعياً أن يحل علم مصر محل علم الإخوان على أطلال مقرهم في المقطم""
ما أن أذيع بيان القيادة العامة للقوات المسلحة، الذي منح السياسيين مهلة 48 ساعة قبل أن يتدخل الجيش في الأزمة السياسية المتفجرة في مصر، حتى تضامنت وزارة الداخلية مع البيان، وأصدرت بدورها بياناً آخر رددت فيه مبادئ الجيش نفسها "الحرص على الأمن القومي، حماية مصالح مصر العليا، عدم الانحياز لأي فصيل سياسي، القيام بدورها كشرطة للشعب".
في غضون ذلك، أصدر نادي ضباط الشرطة بياناً قال فيه: "لقد راهن الشعب المصري على قواته المسلحة ورجال الشرطة وما كان لنا إلا أن نلبي النداء"، ثم أضاف: "إن الشعب لا يخوض هذا المعترك وحده، ولكن يسانده قضاؤه العادل وشرطته الوطنية ودرعه الواقي أبناء القوات المسلحة".
بعد ذلك بوقت قصير، أصدر نادي القضاة بياناً مماثلاً، وقال المستشار أحمد الزند رئيس النادي "إن القضاة حماة الشرعية والقانون يثمنون بكل التقدير والإجلال الدور التاريخي للقوات المسلحة"، وأضاف: "لقد جاء بيان الجيش ملبيا لآمال وطموحات الشعب، وبعث الطمأنينة في قلوب المصريين وفتح الأمل في غد مشرق".
ببراعة مدهشة تمكن الدكتور محمد مرسي من اختصام جميع مؤسسات الدولة التي تولى رئاستها قبل عام، وبدلاً من أن يدفعها نحو التحديث والإصلاح فإنه قرر لَيّ عنقها حتى قبل أن يتعرف على حقيقتها الكاملة، ربما يكون قد اعتقد أن مجرد مروره على غرف قصر الاتحادية، برفقة أحد الموظفين، قبل أن يقسم يمين الرئاسة كافٍ لكي يعرف أبعاد الحكم الممنوح له انتخابياً.
تاريخياً، يعود أحد أسباب استمرار حكم الرئيس السابق حسني مبارك لثلاثة عقود، إلى أنه كان يراعي التوازنات المؤسسية والبيروقراطية والعلاقات المختلفة بينها، وصولاً إلى مرحلة لم يكن قادراً فيها لأسباب مختلفة أن يحافظ فيها على هذا التوازن..فنشأ أحد عوامل الاحتجاج ضده.
لا يمكن الوثوق في أنه كانت لدى جماعة الإخوان، التي ينتمي لها مرسي، خطة محددة لتطويع الدولة ومؤسساتها، وحتى عملية "الأخونة" التي بدأت تتصاعد موجاتها منذ بداية العام الجاري اقتصرت على تعيين عدد من المنتمين أو المقربين لتنظيم الإخوان في مواقع وزارية أو مرموقة - حيث كانوا يواجهون مقاومات علنية أو خفية - لم يثبت أنه كانت لدى أغلبهم خطط محددة لتعديل بوصلة المؤسسات ومنهجها، واقتصر دورهم على فرض مزيد من التابعين للتنظيم على مستويات وظيفية مختلفة.
في الأيام الأولى لحكمه، اصطدم مرسي مباشرة بمؤسستين..المحكمة الدستورية التي تحداها بإصدار قرار يخالف حكمها بحل مجلس الشعب، والقوات المسلحة حين أقال وزير الدفاع السابق المشير طنطاوي ورئيس أركانه الفريق أول سامي عنان..وقدم القرارين على أنهما انتصار كبير. وفي غضون ذلك دفعت جماعة الإخوان نحو إقالة أو نقل ما لا يقل عن 500 ضابط شرطة من وزارة الداخلية.
وتلقت السلطة القضائية ما اعتبرته تدخلاً سافراً في شؤونها حين تمت الإطاحة بالنائب العام السابق عبدالمجيد محمود بموجب إعلان دستوري خاص وبدأت بدورها عملية اصطدام واسعه مع الرئيس، تصاعدت في الأشهر الأخير بإعلان جماعة الإخوان عن مشروع قانون هدف إلى إحالة 3500 قاضٍ إلى التقاعد.
عمليّاً، اصطدم الإخوان والرئيس مع المؤسسات من زوايا مختلفة. أولاً مع هويتها وأهدافها التي تتبناها منذ ستين سنة، بصورة دفعت لارتباك لم تعرفه حتى حين حدث الانتقال من العصر الملكي إلى العصر الجمهوري بعد ثورة 1952 في ذلك الوقت أحدث الضباط الأحرار رغم ثوريتهم انتقالاً سلساً لم يهتز بموجبه أوضاع المؤسسات والبيروقراطية.
على أنه في وقت مرسي أدى تخبط الهوية إلى بعثرة مذهلة لملفات الأمن القومي ومحدداتها، بحيث صار المطلوب ـ كمثال ـ من المخابرات المصرية - التي كانت تعتبر حركة حماس خطراً على الأمن القومي المصري ـ أن تعمل من أجل تحقيق مصالح حركة حماس بتوجيه من الرئيس.
* استدعاء الخصم البيروقراطي
من جانب آخر، تضرر النفوذ الوظيفي والاجتماعي للمؤسسات المختلفة، وأصبحت المصالح الخاصة مهددة إلى جانب المصالح العامة. وبخلاف التهديدات بالملاحقات القانونية دون وجود اتهامات والتلويحات المستمرة بالإبعاد من المواقع والخضوع لعمليات التطهير، فإن المؤسسات اكتشفت أن هناك خططاً حقيقية لتعيين مجموعات من المنتمين للجماعة في مئات من المواقع. كمثال كانت هناك خطة لتدريب خريجي الحقوق لكي يحلوا كقضاة بدلاء للذين يحالون للتقاعد، وخطة موازية لتدريب خريجي كليات الشريعة والقانون ليكونوا ضباط شرطة.
انعكس هذا اجتماعياً على عائلات المنتمين لتلك المؤسسات، وهو ما يبرر انضمام عدد كبير للغاية من أسر ضباط الشرطة والقوات المسلحة والقضاة إلى المكون البشري للتظاهرات المليونية التي اجتاحت مصر في الأيام الأخيرة. بالإضافة إلى حشود من عائلات القوى التقليدية التي تمثل جميع الاتجاهات التي كانت تتمتع بوضع أقرب إلى الاستقرار في السنوات السابقة، وحاولت أن تتواءم مع المتغيرات فعانت من تعثر اقتصادي وعرقلات اجتماعية بخلاف تهديدات قانونية لم يقم علىها دليل في الأغلب.
وقبل أيام أضاف الرئيس إلى جملة الخصوم، بعبارتين فقط، ما لا يقل عن خمسة ملايين متضرر جديد، وهم قوام الجهاز الإداري للدولة، ففي خطابه الأخير، أعطى الدكتور محمد مرسي صلاحيات معلنة ومفتوحة للوزراء والمحافظين بأن يقيلوا أي مسؤول يرون أنه يعرقلهم، أو يسبب الأزمات، أيا ما كان موقعه. وعلى الرغم من أن هذا التصريح بـ"الفصل التعسفي" لم يكن يتمتع بأي صفة قانونية، فإن تفعيله بدأ في اليوم التالي فعلاً ..
وارتبط هذا بإعلان الرئيس عن فتح الباب لتعيين عدد من الشباب في مناصب مساعدي الوزراء، وهو ما تبين أنه ليس فتحاً للآفاق أمام الأجيال الجديدة، وإنما نوع من الترضية لعدد من قيادات الصف الثاني في جماعة الإخوان. لقد مثلت الخطوتان "الإقالات والتعيينات" نوعاً من "إعلان حرب رئاسية- إخوانية" على البيروقراطية المصرية التليدة.
بالإضافة إلى المصالح الاجتماعية والبيروقراطية فإن هذا التحالف المتضرر مؤسسيا واجتماعيا، المنتمي للطبقة الوسطى، تلاقى مع فئات اجتماعية موازية، تنتمي في الأغلب للمجتمع المدني أو القطاع الخاص، تلاقى في منطقة ثقافية تتعلق بهوية الدولة عموما..بعد الصدمة التي سببتها الدفعات الأولية للهوية التي ترغب جماعة الإخوان في فرضها على المجتمع، والتي تتناقض مع الدولة المدنية التي ينتمي إليها الفريق الأول والدولة المدنية التي يناضل من أجلها الفريق الثاني.
دون أن يتحسب لذلك دفع مرسي والإخوان القوى التقليدية والبيروقراطية المنتمية للعصر السابق لكي تتقارب مع القوى التي أنتجتها فعاليات 25 و28 يناير، دفاعاً عن نموذج للدولة ضد الدينية، وفي الطريق إلى 30 يونيو كان أن أضاف إلى ذلك بمجموعات من التصرفات المتوالية المؤيدين لمؤسسة الأزهر ودورها في المجتمع، والمدافعين عن مكانة الكنيسة المصرية والمنتمين لها، وأنصار المشروع الثقافي المصري، والقوى المدافعة عن حرية التعبير والمستفيدة من الصناعة الإعلامية والصحافية، بالإضافة إلى قوى الرأسمالية الخاصة.
لا إرادياً، حفزت الجماعة والرئيس كل القوى الاجتماعية التي صادفتها في مسارها التاريخي منذ تأسست سنة 1928 حتى العام 2013، للتوحد كنوع من رد الفعل الدفاعي تجاه احتمالات الانتقام أو تغيير هوية دولة قامت مجريات 25 يناير من أجل تطويرها وليس القضاء عليها.
* ملفات الأمن القومي
بالإضافة إلى الأبعاد المؤسسية والاجتماعية والثقافية، كان أن كشفت إدارة الدولة من قبل الرئيس عن مشكلتين جوهريتين أعطيتا لهذا التحالف أبعادا ذات علاقة بالأمن القومي. ذلك أنه ولأول مرة في تاريخ مصر الحديث كان أن واجه المواطن العادي غير المهتم عادة بقضايا الأمن القومي إلحاحاً متكرراً لمخاطر تواجه مصر وتتعلق بمستقبله الشخصي يومياً.
التحسبات والمخاوف من تبعات العلاقة بين الإخوان وحركة حماس في غزة أدت إلى شعور كبير بالقلق على مصير سيناء، وفور توليه السلطة تعلقت في رقبة الرئيس مرسي مسؤولية الثأر لجنود مصر الذين استشهدوا قبل عام على الحدود مع غزة، وبينما كانت الاتهامات تلاحق حركة حماس لم يسع الرئيس إلى الإجابة عن كل التساؤلات حول الأمر أو الرد على مطالبته بالثأر كما تعهد. ومن ثم كان أن صدر الحكم القضائي الذي أثبت تواطؤ الرئيس وزملائه في جماعة الإخوان مع حركة حماس وحزب الله في عمليات الهروب من السجون، ما نقل العلاقة من مرحلة الريبة وعدم القبول إلى مرحلة الاتهام بالخيانة والرفض الكامل.
وبنفس قدر الأهمية، فإن فشل الرئيس في إدارة ملف المياه، بكل أهميته في مصالح الأمن القومي المصري، وعدم اعتباره من جانب دول حوض النيل، دفع بمستويات أكبر من القلق والشعور بالخطر لدى كل فئات المجتمع ـ باستثناء الإخوان ومن معهم ـ وسرى شعور بأن مرسي غير قادر على التعامل مع الملف وترسخ التهديد بأن مصر قد تواجه مجاعة مائية قريبة، فضلا عن الشعور العام بإهانة الكبرياء المصري في طريقة تعامل الدول الأفريقية مع ممثلي مصر وما تطرحه في هذا السياق.
ولم يدافع الرئيس عن نفسه بجدية في مواجهة تسربات سودانية نسبت إليه أنه تعهد بالتنازل عن حلايب وشلاتين، وارتبط هذا ذهنياً لدى عموم المصريين بأن سقطات الرئيس الشفوية والعامة لا تقتصر على كونه لا يبدو في صورة لائقة بمنصب رئيس جمهورية مصر العربية، وإنما قد تسبب تلك السقطات مشكلات خطيرة على المستوى القومي وتؤدي إلى إلزام مصر بما لا تطيق لأسباب أيديولوجية..أو شخصية.
وليس بعيداً عن ذلك ملف قناة السويس والمشروع المطروح من قبل جماعة الإخوان للاستثمار على جانبيها، وهو لقي اتهامات مكثفة بأنه سيلقى في حِجر مستثمرين قطريين دون غيرهم..في ذات الوقت الذي ارتفعت فيه مستويات خطورة الوضع الأمني في سيناء وخضوعها لتهديدات من جماعات إرهابية رسخ في ذهن الرأي العام أنها على علاقة بالرئيس وجماعة الإخوان.
لقد شاعت نتيجة لكل ذلك قناعة مؤسسية وعامة بأن الرئيس غير مسؤول، ومعني بمصالح أهله وعشيرته، لا مصالح الدولة، ومن ثم حين حانت اللحظة التي احتاج فيها المؤسسات كان أن رفضت حماية مقار الإخوان من الغضب الشعبي، ورأت أنها يجب ألا تنحاز في الصراع السياسي إلا للشعب، وهكذا أعادت الشرطة تسمية نفسها بـ"شرطة الشعب" وأطلقت القوات المسلحة على مجموعتها التي تحيط بالتظاهرات "قوة حماية المواطنين".
* الأضلاع الأربعة
بمضي الوقت أضيف بُعد جديد نتيجة للأوضاع العامة المزرية على مستوى الأمن والخدمات، دفع قطاعات واسعة من المصريين إلى الشعور بالحنين للعصر السابق والرئيس السابق، حيث كان هناك حد أدنى من الاستقرار، ومستوى معقول من الخدمات العامة، بينما بدأت الشكاوى تتزايد بصورة كبيرة بدءاً من انقطاع الكهرباء إلى ارتفاع معدلات جريمة خطف الأبناء.
كل هذه العوامل أدت إلى ارتفاع الطلب العام على الدولة، واستعادة مقوماتها، ومن ثم فإن التحالف الاجتماعي الغاضب في الشوارع منذ 28 يونيو كان يهتف "جيش وشعب وشرطة إيد واحدة"، وأحيانا كان يضيف إلى هذه المقومات "القضاء"..في ذات الوقت الذي لا يمكن فيه تجاهل أن التجمعات الأولى للمشاركين في التظاهرات احتشدت واعتصمت قبل بدايتها عند مقر وزارة الدفاع.
في السنوات الستين السابقة على 25 يناير 2011، كان صراع مصر يتجسد فيما أسميه "مثلث رباعي الأضلاع"، في هذا المثلث كان هناك ضلع للدولة التي نشأت بعد ثورة 1952 والنخبة المرتبطة بها، وضلع للتيارات الدينية صاحبة المشروع الإسلامي، وضلع للتيارات الديموقراطية والليبرالية ذات العمق اليساري في الأغلب.
ومن مرحلة إلى أخرى كان هناك تحالف ما ينشأ بين ضلعين من هذا المثلث في مواجهة الضلع الثالث، وكان الضلع الرابع الوهمي المتمثل في العنصر الخارجي يتدخل لمساندة هذا أو ذاك.
في مرات مختلفة تحالفت الدولة مع التيارات الدينية، وتحالفت في مرات أخرى مع التيارات الديموقراطية، وحين تحالف التيار الديني مع التيار الديموقراطي مع الضلع الرابع متمثلاً في الولايات المتحدة كان أن حدثت مجريات 25 يناير التي أدت إلى وضع جديد..ثم أخطأ التيار الديني بطريقة جسيمة حين اعتقد أنه يمكنه أن يقضي على القاعدة بأن ينفي وجود الضلعين الآخرين واستنادا فقط إلى الضلع الرابع الوهمي..فكان أن حدث تلاقٍ جديد بين ضلع الدولة وضلع التيارات الديموقراطية الذي لم يجد الضلع الرابع بدا إلا أن يتفرج عليه، في ظل متغير شديد الأهمية وهو أن التحالف الاجتماعي السياسي المؤسسي الثقافي الجديد حظي بعمق شعبي غير مسبوق ومساندة جماهيرية تاريخية.
وفق هذا المنطق فإن حدث 30 يونيو في مصر يصك مصطلحاً سياسياً جديداً في دراسة الثورات، هو "ثورة الدولة"، ليس بالمنطق الرسمي، وإنما بالمنطق الواسع للمفهوم، من حيث الأطراف المشاركة والضاغطة متمثلة في مختلف المؤسسات، ومن حيث العمق الاجتماعي الواسع الذي يضم المنتمين وظيفياً ومرتبطين أسرياً بجهاز ومؤسسات الدولة، ومن حيث المتحالفين معهم دفاعاً عن هوية ثقافية محددة، ومن حيث كونهم رفعوا الطلب على "الدولة" بمعناها المستقر والمحدث.
بعد انتهاء عملية اقتحام وحرق المقر الرئيس لجماعة الإخوان في ضاحية المقطم..كان أن رفع المحتجون علم مصر على أطلال البناية..ولا شك أنه كانت لهذا دلالات عميقة تشير إلى عنوان المجتمع والدولة الثائرة.
http://www.middle-east-online.com/?id=158037

ليست هناك تعليقات: