الأحد، 21 يوليو 2013

مما قرأت لكم .... الحنين إلى عُمر


الحنين إلى عُمر


كتبت نحو 17 ألف كلمة، قرابة 50 صفحة، في كتابي «الفرعون قبل الأخير» عن عمر سليمان، ودونت هذا الفصل تحت عنوان «شكرا ..ياعمر». تلك العبارة التي قالها المشير طنطاوي لنائب الرئيس الراحل بعد أن تنحى الرئيس الأسبق مبارك يوم 11 فبراير. في الطريق إلى هذه العبارة، وذلك الختام، كان عمر سليمان قد صنع سيرة بطولة. 
في الأسبوع الماضي، ومع حلول ذكرى وفاته، ثار الحنين إلى عمر سليمان في مشاعر قطاعات عريضة من المصريين، وأزجى هذا فيلم وثائقي أذاعته عدة محطات تليفزيونية، وإعلان مدفوع الأجر لإحياء ذكراه من نجيب ساويرس، ومئات من التعليقات المترحمة على صاحب الذكرى في الشبكات الاجتماعية المختلفة. 
لم يكن لهذا أن يحدث، لولا أن الإخوان تركوا الحكم، ونجح الشعب في أن يزيح بجيشه محمد مرسي من منصب الرئيس. واليقين أن تلك المشاعر كانت سوف تبقى حبيسة النفوس لو كان مرسي مازال في «الاتحادية» يلبي مصالح أهله ومنافع عشيرته ويطيع أوامر مرشده. لكن الصدفة القدرية أرادت أن يتزامن موعد ذكرى وفاة عمر سليمان مع توالي مشاهد سقوط الإخوان .. فاستدعى المصريون كل ما قال الراحل عن الإخوان وخطورتهم وما يمثله هذا التيار وحلفاؤه من تهديد للهوية الوطنية ومصالح الأمن القومي. 
في وقت سابق من أبريل 2011 كنت أتناقش مع اللواء رأفت شحاتة، أمين عام المخابرات العامة، ورئيسها فيما بعد ومستشار الشؤون الأمنية الآن للرئيس المؤقت .. حين قال متحسرًا: « حرقوا الرجل حين عيونه نائبًا للرئيس» ..يقصد إبان أحداث يناير من ذلك العام . ولا أعرف لماذا لم أتقبل نفسيًا العبارة ولم أقتنع بها عقليًا، وقلت وقتها إنني أعتقد أنه لم تزل هناك فرصة وأن اللواء عمر سوف يعود إلى الساحة . حدث هذا لسبب غامض دون أن يكون لديَّ أي معلومة عن احتمالية أن يترشح الراحل الذي كان قد دلف إلى مرحلة الصمت.. ربما لأنني لم أتقبل أن تكون تلك هي نهاية رجل بتلك المكانة والسيرة والإنجاز. 
إذا ما راجعت مشاهد الملايين المصرية التي تظاهرت في مختلف المدن ضد مرسي وما يجسده، سوف تكتشف أن عمر سليمان ساهم بصورة أو أخرى في صناعة 30 يونيو، ذلك أن الطبقات الاجتماعية التي خرجت ضمت فئات عريضة ممن أيدوه وآمنوا بما قال.
إن تعليقاته خلال الاستعداد للانتخابات الرئاسية لم تمر مرور الكرام .. وتحذيراته كانت تتمتع بإنصات عام ومصداقية لاحدود لها. كما أن بين المصريين العاديين قناعة عامة بأن هذا العمل العظيم الذي قام به الشعب ورعاه الجيش وقادة القوات المسلحة.. كان في القلب منه جهود مؤسسات الدولة المصرية وفي مقدمتها المخابرات العامة.. أي تلاميذ وزملاء عمر سليمان. 
يشعر الكثير من المصريين أن عمر سليمان واجه عنتًا ثلاثيًا لا يستحقه، فهو لم ينل ما يستحقه من مكانة سياسية.. إذ كانت الأغلبية ترى أنه الأجدر بمنصب الرئيس، ويدركون بحدس لا يستند إلى معلومات معلنة أنه تلقى طعنة في الظهر. وهو لم ينل التكريم الذي يستحقه باعتباره وطنيًا صاحب إنجاز، بل ومات خارج بلده وواجه المرض بعيدًا . كما أنه تعرض لحملة تشويه من الإخوان والذين غرروا بهم .. ولم يرد أحد غيبته بالقدر الكافي . 
لكن سيرة عمر تأبى إلا أن تصمد وتبقى، وتواجه ما تتعرض له من حين لآخر.. حتى وهو في قبره. يقول المصريون: الذي أنجب لم يمت . ومن المؤكد أن عمر كان أحد أبرز ثلاثة صنعوا مجد المخابرات ودورها في حماية الأمن القومي .. الراحل زكريا محيي الدين باعتباره المؤسس والباني ، والأسطورة صاحب العقل الفريد - بغض النظر عن حملات تشويهه المستمرة - صلاح نصر الذي أطلق للجهاز سمعته وتأثيره ، واللواء عمر سليمان الذي صنع التطوير والتحديث والمكانة الدولية والسياسية. 
كنت أعرف السيد اللواء الراحل، كان يعرف كل مصر تقريبًا، ولا يمكن أن تعثر على شخصية عامة في المجتمع لم يكن لديها تواصل ما مع عمر سليمان. ولأنه كان صاحب تأثير شخصي بالغ فإنه ترك في نفوس المئات بشكل مباشر بصمة من نوع ما . ولابد أن هؤلاء جميعًا ، بما في ذلك من يكرهونه ويرونه خصمهم كانوا يجدونه مثالًا للصلادة والخبرة غير المسبوقة والعقلية المنظمة الجبارة.. في أوقات سابقة كنت ألتقي بقيادات من حركة حماس إذا ما تحدثوا عنه فإنهم يبدون قدرًا مهولًا من الوجل واستشعار الهيبة وبما في ذلك خالد مشعل ذاته. 
ولذا ليس من الغريب أن تكون الصورة الأكثر تداولًا بين المصريين على الشبكات الاجتماعية تلك التي يتحدث فيها إلى عدد من المسؤولين الأوروبيين وفي صدارتهم المستشارة ميركل، وهم في حالة إنصات بالغ لإيجاز يعرضه عمر سليمان الذي كان يحظى بصيت دولي ربما لم يبلغه إلا جورج تينت رئيس المخابرات الأمريكية الأسبق وقد كان بينه وبين عمر سليمان الكثير. 
ليست المكانة فقط وإنما أيضا الجسارة، وقد حصل هذا الحنين المتصاعد شعبيًا على دفعة إضافية بين المصريين في الفترة التي تحدث فيها عمر سليمان بعد أن أعلن نيته الترشيح لانتخابات رئاسة الجمهوية .. وتصدى بوضوح بالغ لخصومه الأساسيين .. بارونات التطرف الديني الذين مثلوا الخطر الأكبر على الأمن القومي .. وقتها قال عمر سليمان: «سوف ننزع العمامة عن رأس مصر» ..وتحدث بصراحة ألهمت كثيرًا من المصريين . 
في هذه الأثناء كنت أعمل مستشارًا للحملة الانتخابية للفريق أحمد شفيق، الذي كان قد سبق اللواء عمر سليمان في إبداء نية ترشيحه للانتخابات الرئاسية.. ثم تراجع خطوتين، تقديرًا واحترامًا لمكانة عمر سليمان، حين أعلن الأخير عن نيته .. وما إن تعثرت مسيرة عمر سليمان في اتجاه استكمال ترشيحه لسبب درامي مفاجئ وهو عدم استكمال استمارات التأييد ونقصان 31 استمارة .. كان أن وجه حملته كلها لأن تصب جهدها في اتجاه حملة أحمد شفيق ..مؤكدًا مجددًا إخلاصه للمبادئ، وهي رسالة بلغت الملايين من مؤيدي الاثنين ، ولابد أن لها تأثيرًا في مشاعر الحنين المتفجر الآن. 
مات عمر، واستجاب المصريون إلى ما صنع من أساطير حول هذا الموت، تداولوا الشائعات على نطاق واسع ، وقيل أنه قُتل، وقيل : بل هو على قيد الحياة وسوف يظهر في لحظة ما . ولم يكن ذلك تكذيبًا لموت عمر .. وإنما تكذيب لموت ما يمثل .. الدولة والأمن القومي والبطولة العقلية والشجاعة والأصالة والمؤسسية . فلما استعاد المصريون بعضًا مما فقدوا في 30 يونيو كان أن خفتت تلك الشائعات وهذه القصص، وأصبحت مشاعر الحنين موجهة إلى عمر كشخص وسيرة وقيمة .. كرجل يجب أن تُرد عنه حملات التشويه وأن تبقى ذكراه في سجل يليق بها.

ليست هناك تعليقات: