الاثنين، 27 سبتمبر 2010

ذات الرداء الاحمر .... والنسر الامريكي !!!



استفزني بشدة، مشروع القانون المقدم للكونجرس الأمريكي بشأن مصر والديمقراطية!!
استفزني لأن اهتمام أمريكا بالديمقراطية في مصر باعتبارها (ماما أمريكا) وقلبها (رهيف) و(حنينة) ومشغولة بحال المصريين وحرياتهم المدنية أمر يتناقض تماما مع (أمريكا) التي اعرفها والتي تمارس السياسة بمنطق مكيافيللي وتكيل بمكيالين فتري القشة في عين مصر ولا تري الشجرة في سجن أبوغريب والمجندات الأمريكيات في العراق، وتري أن مصر لا تحترم حقوق الإنسان بالقدر الأمريكي الكافي في نفس الوقت تفقء عينها عن قدر الاحترام الإسرائيلي الحنون لحقوق الإنسان الفلسطيني في الأراضي المحتلة والمعتقلات الإسرائيلية، وتري أن مصر تطبق قانون الطوارئ المشبوه ولا تري القوانين والتدابير الإجرائية المخالفة لجميع المواثيق الدولية التي اتخذتها أمريكا شخصيا بعد 11 سبتمبر وما اقترفة في حق الأجانب والمسلمين والمهاجرين ونزلاء الفندق الأمريكي الجميل الشهير المسمي بسجن جوانتنامو....

استفزني الأمر لحد نشط ذاكرتي بحثا عن معني أمريكا فيها، فتذكرت القنبلة النووية علي هيروشيما وحرب فيتنام والدعم المطلق لإسرائيل في مواجهة العرب والشعب الفلسطيني بجميع الأشكال ابتداء من الدعم العسكري والأسلحة والصواريخ والنابالم والدعم المالي ومليارات الدولارات مرورا باستخدام حق الفيتو عشرات المرات في مجلس الأمن ضد العرب ولصالح إسرائيل وتذكرت الدبابات الأمريكية التي حررت العراق وفكك اوصالها فحولتها من دولة عربية قوية لكانتونات طائفية وحروب أهلية وعنف مستمر ..

استفزني بشدة أن اثنين من السيناتورز الأمريكيين أحدهما ديمقراطي والآخر جمهوري، توحدا معا بمنتهي الرقة والطيبة دفاعا عن الحريات المدنية والديمقراطية في مصر التي تؤرقهما وتحرمهما النوم المريح الهادئ لحد يتناسي الصديقين اللدودين وحزبيهما المتنافرين كل ما بينهما من خلافات وصراعات أمريكية - أمريكية ويحررا مشروع قانون يتقدما به للكونجرس لإقراره وصولا لنصح مصر باحترام حقوق الإنسان والحريات المدنية وأنها (تبقي كويسة ولطيفة وتسمع الكلام) وإلا ستحرمها أمريكا من الدعم و(تدخلها أوضة الفيران مع الأولاد الوحشين)!!!!

استفزني مشروع القانون الأمريكي (الحنون) فبحثت عن صانعيه وصائغيه فقالت لي الشبكة العنكبوتية الإنترنت إنهما السيناتور فاينجولد الديمقراطي والسيناتور ماكين الجمهوري وأنهما توحدا وتجاوزا خلافاتهما الأمريكية - الأمريكية وانهمرت دموعهما تعاطفا مع المصريين وحرياتهما المدنية فتقدما معا بمشروع ذلك القانون، وقالت لي الإنترنت أيضا إنهما أوضحا في ديباجة مشروع ذلك القانون (أن سبب وضعه هو أهمية مصر بالنسبة لأهداف الأمن القومي الأمريكي ولثقلها الثقافي -والفكري في المنطقة العربية) مؤكدة لي أن مشروع القانون لم يكن لاهتمامهما بحال مصر وشعبه وحرياته المدنية بقدر اهتمامها بالأمن القومي الأمريكي!!! استفزني مشروع القانون، لكن الإنترنت (كتر خيرها) أكدت لي أن (الحداية ما بتحدفش كتاكيت) وبالذات (الحداية الأمريكية) وأن الأمر ليس حناناً ولا مبادئ ولا اهتمام مفاجئ بحال الشعب المصري وإنما هو ولاء للمصالح الأمريكية والأمن القومي الأمريكي وهذا الولاء هو الذي وحد النقيضين (مقدمي مشروع القانون) لصالحه إلي حد توجيه النصح لمصر وإلا (العصا لمن عصي)!!! ولأن الشيء بالشيء يذكر، فقد ذكرني ذلك (الحنان الأمريكي) بحنان السيدة كونداليزا رايس الشهير بـ(الفوضي الخلاقة) الذي أحس أنه قد وضع موضع التنفيذ الواقعي بإيد خفية عابثة فما نعيشه اليوم من تفجرات طائفية وعنف اجتماعي وغضب شعبي وأزمات اقتصادية متلاحقة ليس إلا السلالم التي يدفع الشعب المصري للوقوع من علي حافتها عمدا وصولا لهاوية الفوضي الخلاقة التي ستحرق الأخضر واليابس في الوطن وترسي قواعد الديمقراطية الأمريكية العظيمة علي (انقاض روما المحترقة)!!!

لماذا ذكرني مشروع ذلك القانون بقصة الأطفال (ذات الرداء الأحمر) الذي تخفي فيها الذئب المفترس في ثوب الجدة وأدعي حنانا وطالب الحفيدة بفتح الباب الذي يحميها ويبعدها عن أنيابه، لكن ذات الرداء الأحمر كانت ذكية فلم تطمئن للذئب رغم ترقيقه لنبرة صوته وادعائه الحنان الزائف فأنقذت نفسها من براثن أنيابه، فهل ذات الرداء الأحمر أكثر منا ذكاء وفطنة؟؟؟

يا أمريكا........ رغم أني ضد قانون الطوارئ ومن ضمن المهتمين والمدافعين عن حقوق الإنسان في مصر ورغم أني أحلم بمجتمع مدني عادل يخلو من العنف والغضب تتحقق فيه أحلام البسطاء في حياة كريمة آدمية محترمة واتمني أعيش تغييرات في مصر لصالح شعبها وحسب إرادته ورغبته وصنيعة يده.... إلا أني لم أفقد الذاكرة ومازلت احتفظ بكتب التاريخ ومانشيتات الصحف التي توضح الدور الأمريكي الجميل الحنون في كل مكان في العالم وفي فيتنام وفلسطين وشيلي وكوبا وأفغانستان وغيرها من الدول التي نكبت بالحنان الأمريكي وذاقت ويلاته!! يؤسفني يا أمريكا..... أني لا أقبل مشروع قانونك ولا تدخلك في الشأن المصري بـ(ذهب المعز وسيفه) فلسنا قصر عديمي الأهلية ولست ولية أمرنا ولن تكوني الباب العالي الجديد الذي يحاول أن يفرض سطوته علينا وتجريدنا من استقلالنا وسيادتنا الوطنية بحجة (حقوق الإنسان والحريات المدنية).... يؤسفني يا أمريكا، أني لا أصدق حنانك ولا تخدعني دموع التماسيح التي تسكبيها علي الحريات المدنية في مصر ولم اخدع وقت ارتديت ملابس الجدة الطيبة واصطنعت صوتا رقيقا وطرقت علي بابنا بحجة التعاطف والاهتمام دعما للأمن القومي الأمريكي ومصالحه في منطقتنا...

يؤسفني يا أمريكا أني أعرف جيداً معني المثل المصري الجميل (الحداية مابتحدفش كتاكيت) . ولا أصدق أبداً أن النسر الأمريكي سيمطرنا بالحنان والرقة وحقوق الإنسان ومازلت اتذكر وقت احتل الأسطول الإنجليزي مصر بذريعة الدفاع عن الأجانب وحقوق الأقليات بعد حادثة الحمار المالطي الذي تشاجر مع سكندري فإذا بالاسطول الإنجليزي يدك الإسكندرية ويحتل مصر سبعين عاما!!!

وللبعض اقول، هؤلاء المروجون بحسن نية وسذاجة أو بعمد وقصد لفكرة (الاستقواء بالخارج) حلا للمشاكل المستعصية التي لا يملكوا - لأسباب كثيرة - قدرة علي مواجهتها أو حلها هؤلاء الذين قد يعتبرون قانونا مثل ذلك القانون الأمريكي منحازا لنضالاتهم وداعما لهم ويفرحون به ويروجون له ويدافعون عنه، أقول لهم إن (الخارج) له أجندة ومصالح وحلفاء تخص أمنه القومي بالأساس حتي لو ردد كلاماً يعجبكم أو أدعي مواقف تؤيدكم، وأن ذلك (الخارج) ليس إلا (ذئب) قصة ذات الرداء الأحمر أو ذئب قصة (الثيران الثلاثة) مهما اصطنع صوتا خفيضاً حنونا جميلا وعلينا أن نكون أكثر حنكة وإدراكاً لما يحدث حولنا حتي لانصرخ مثل الثور الأسود وقت عاد له الذئب ليقتله بعدما التهم شقيقيه الأحمر والأبيض (لقد أكلت يوم أكل الثور الأحمر)!!!!

مقال الاثنين 27 سبتمبر 2010
نشرت في جريده روز اليوسف اليومية

ليست هناك تعليقات: