الخميس، 19 مارس 2009

انا والوطن والخمسين عاما





لقد اتممت اليوم عامي الخمسين !!!!! والاعوام الخمسين في حياه البشر سنوات كثيره تقترب بهم لمراتب الشيخوخه والعجز اما في حياه الشعوب فهي مجرد نصف سطر في احد كتب التاريخ ان كان قد حدث فيها من وجهه نظر المؤرخين مايستحق الكتابه !!!! واليوم حين اقر واعترف باني اتممت عامي الخمسين لا اقصد حديثا ذاتيا او سرد لذكريات الايام المتعاقبه ولا حساب للذات عما انجزت في اعوامها الخمسين ، لكن ارصد ماشاهدته وعايشته في حياه هذا الوطن من احداث ومواقف ، اكتب عن الشمس التي اشرقت وغابت عن وطن تغير فيه كل شيء خلال تلك الاعوام الخمسين واكم من تغييرات سياسيه اقتصاديه اجتماعيه المت بهذا الوطن خلال تلك الفتره القصيره في حياته وانعكست علينا وعلي حياتنا وهي تغيرات عميقه عنيفه لايدركها الا من عاشها واحسها وتآثر بها ، نحن ابناء جيل غني لثوره يوليو بصوت عبد الحليم حافظ وكلمات صلاح جاهين ، جيل انتظر احتفالات عيد الثوره التي يحضرها بابا جمال عبد الناصر ومعه قيادات الدوله والتنظيم السياسي الاوحد سواء كان الاتحاد القومي او الاتحاد الاشتراكي ، تلك الاحتفالات التي تغني فيها ام كثلوم " تعيش وتسلم ياوطني " ويغني فيها عبد الحليم حافظ " صوره صوره صوره " ورقصنا في حفلات المدارس علي نغمات " علي باب بستان الاشتراكيه " وامنا بمباديء عدم الانحياز والحياد الايجابي وصفقنا لنهرو وتيتو وجمال عبد الناصر واحببنا فيلم الايدي الناعمه الذي يسخر من "البرنس " المتعجرف وتعاطفنا مع حب " علي ياويكا وانجي " وكرهنا احمد مظهر حين ضربه بالرصاص في نهايه الفيلم وهتفنا مع الريس عبد الواحد " تحيا الثوره " !!! نحن وابناء جيلي ممن فتحوا اعينهم صغارا ليجدوا الوطن غارق في نكسه ٦٧ يبكي جيشه اللي " راجع ماشي " من سيناء نحن و بكينا مع نجاح سلام وهي تغني " مصر التي في خاطري وفي دمي " وبكينا مع عبد الحليم وهو يغني "عدي النهار " وسمعنا احاديث الكبار عن خطاب التنحي وانتحار المشير عبد الحكيم عامر او قتله وحرب اليمن الفاشله التي القت فيها الطائرات المصريه علي القبائل المتحاربه بالغطاء الذهبي لعملتنا الوطنيه ، جيل حيي علم المدرسه صارخا " تحيا الجمهوريه العربيه المتحده " اشاره للاتحاد بين الاقليم الجنوبي " مصر " والاقليم الشمالي " سوريا " تلك الوحده التي لم نشهد من ايامها الا اجازه يوم ٢٢ فبراير من كل عام و التي انفصمت عراها قبل ان يدرك وعينا معناها ثم سرعان ماهتفنا "تحيا جمهوريه مصر العربيه " بعد انفصام عري جميع الدول الاتحاديه بين مصر وليبيا والسودان وسوريا !!! نحن الجيل الذي حضر انتخابات الوحدات الاساسيه في الاتحاد الاشتراكي وعايشنا المجلس النيابي باسم مجلس الامه ثم مجلس الشعب وحضرنا الانتخابات النيابيه الفرديه ثم بالقائمه النسبيه وحضر السماح للمستقلين بالترشيح ثم حضر الغاء مقاعدهم وحل مجلس الشعب بسبب عدم دستوريه انتخابه لحرمان المستقلين من الترشيح فيه ونحن الجيل الذي شهد تخصيص مقاعد للنساء في البرلمان ثم شهد الغاءها ويشهد الان المناقشات السياسيه لعودتها ومعها تخصيص قدر من المقاعد الاجماليه للنساء ككوته تعوض التمييز السياسي الحاصل ضدهم !!! نحن الجيل الذي شهد التحول السياسي في الوطن مابين حزب سياسي واحد اختلفت اسماءه من الاتحاد القومي للاتحاد الاشتراكي يرفع شعارات اشتراكيه و" اخواتي تلبس وتاكل " ثم شهدنا تجربه المنابر السياسيه داخل ذات التنظيم " منبر اليمين واليسار والوسط " ثم عشنا التجربه الحزبيه والسماح بالتعدد الحزبي المقيد بضوابط حددها قانون الاحزاب السياسيه فمنع الاحزاب ذات الصبغه الدينيه والعسكريه وايه احزاب اخري ترفض لجنه الاحزاب تآسيسها لاي سبب من وجه نظرها ، نحن الجيل الذي حضر جنازه جمال عبد الناصر تلك الجنازه العسكريه الشعبيه المهيبه ثم شهد مقتل واغتيال الرئيس السادات ومشي في جنازه ام كلثوم وبكي في جنازه عبد الحليم حافظ رغم اغنيته الشهيره " اي دمعه حزن لا لا لا " وحضر جنازه احمد زكي ويوسف شاهين ... نحن الجيل الذي سمع عن معتقلات الستينيات ثم عن اغلاق المعتقلات في السبعينيات ثم شاهد حمله اعتقالات سبتمبر ١٩٨١ وشاهد بعض المعتقلين والمتحفظ عليهم يفرج عنهم ويخرجوا من السجن مباشره لقصر الرياسه في بدايات حكم الرئيس مبارك !! نحن الجيل الذي تربي علي كراهيه امريكا الدوله الاستعماريه الكبري التي زرعت اسرائيل شوكه في قلب الوطن العربي وعشنا اياما واحلاما ننتظر ان تنزع الشوكه من قلبنا وتعود فلسطين عربيه لكنا افقنا علي احتلال سيناء والضفه الغربيه والجولان " التي مازالت محتله " فتابعنا بكل حماس رحلات السيده ام كلثوم في اوربا والدول العربيه لمسانده المجهود الحربي تلك الحفلات التي تبرعت كوكب الشرق بكامل ايراداتها لصالح بناء الجيش المصري للخروج من الهزيمه السوداء التي احتلت روح الوطن ونفوس ابناءه ، نحن جيل تعلم في المدارس الحكوميه التي توفر لتلاميذها كل الامكانيات من ملاعب وفرق موسيقي ووجبات بالمدرسه ومدرسين تربويين عظماء فلم نحتاج دروس خصوصيه وتعالينا علي الفاشلين ممن يتعلمون في المدارس الخاصه التي تقبل ذوي المجاميع الضئيله اللذين لا تقبلهم المدارس الحكوميه !!! نحن الجيل الذي حضر حياه الريف والقري قبل دخول كهرباء السد العالي وشرب من " القلل القناوي " المزينه بعيدان النعناع قبل معرفه التلاجات الكهرباء نحن الجيل الذي عاصر حضر حفلات الغسيل الاسبوعي في المنزل " طشت ووابور وبستله وزهره وصابون مبشور " ثم احتفينا بالغساله اليدويه الكهرباء واعتبرنا وجودها تقدما تكنولوجيا خطيرا ثم اقتنينا الغسالات الاتوماتيكيه ذات ال٢٠ برنامج !!!نحن جيل عشنا ايام حرب الاستنزاف وبناء حائط الصواريخ نغني مع عبد الحليم " احلف بسماها وبترابها " وعاصرنا بقاء زينه شباب الوطن وخيره رجاله المجندين بعد النكسه علي الجبهه سنوات سته حتي قيام حرب اكتوبر وانتصاراتها ، وبكينا حين ضربت مدرسه بحر البقر وبكينا حين ضرب مصنع ابي زعبل وكرهنا اسرائيل اكثر واكثر وتحمسنا مع الرئيس السادات حين قال في احد خطبه " العين بالعين والسن بالسن والنابالم بالنابالم والبادي اظلم " !!! كنا جيل ينتظر الارسال التلفزيوني الذي يبدآ الساعه الخامسه بالسلام الجمهوري والقرآن الكريم وينتهي في الثانيه عشر مساء ونسمع في الراديو برنامج ابله فضيله وغنوه وحدوته والي ربات البيوت ولغتنا الجميله وعلي الناصيه ومايطلبه المستمعون ونتابع اذاعه ام كلثوم كل يوم من الخامسه للعاشره نسمع فيها ام كلثوم وعبد الوهاب وفريد وعبد الحليم وفايزه ونجاه ، جيل ينتظر حفله شم النسيم السنويه التي يقدم فيها عبد الحليم حافظ اغنيته الجديده تاره موعود وتاره مداح القمر وتاره يامالكا قلبي وعاش نصف عمره يتفرج علي القناه الاولي والثانيه في التلفزيون المصري وحين افتتحت القناه الثالثه رقصنا للتنوع وحضرنا دخول الالوان للتلفزيون المصري كتطور حضاري رهيب وعشنا يوم تركيب الاطباق الفضائيه واستقبلنا القنوات التركي والايطالي نتفرج علي افلامها وبرامجها غير المترجمه بحثا عن " المناظر " وليس " القصه " وقبل ان نفيق دخلت علينا " الديكودرات " والقنوات الفضائيه الخاصه مدفوعه الاشتراك ثم امتلآت السماء قنوات بجميع انواعها بلا ضابط وبلا رقيب فدخلت منازلنا المناظر الخليعه والفتيات العاريات ورسائل الحب والوله والعشق والشتائم والكيد المتبادل وحضرنا اياما يحمل فيها كل شخص تلفزيونه الشخصي علي الكومبيوتر او التليفون او في السياره !!! نحن الجيل الذي بهر بالاله الحاسبه الالكترونيه التي كانت بحجم كتاب متوسط ثم شهدنا التليفونات المحموله واجهزه الحاسب الالي المحموله ثم استمعنا للاي بود والام بي ثري ونسينا الراديو الذي شاهدناه في طفولتنا قطعه موبيليا خشبيه كبيره له لمبات " تسخن " واذا صمت فجآ نضربه بقبضه يدينا فيغني ثانيه ثم انبهرنا بالراديو الترانزستور ثم عاد العاملين في الخليج بالكاسيت جهازا مبهرا بشريط صغير واندثر البيك اب واسطواناته في حياتنا وعاصرنا اسطوانات السي دي والدي في دي وماخفي وماينتظرنا اعظم واعظم !!! نحن الجيل الذي شهد حرب اكتوبر العظيمه ونحن في المدارس الثانويه فصرخنا فخرا " الله الله الله اكبر فوق كيد المعتدي " واشترينا الجرائد اليوميه الثلاث كل يوم نبحث عن اخبار الحرب والعبور العظيم وانتصارات جيشنا وقرآنا نفس الاخبار بنفس الصياغه بنفس الطريقه في الجرائد الثلاث بمنتهي الفخر والسعاده وتابعنا منظر الاسري الاسرائليين والعقيد عساف ياجوري يجلسون القرفصاء تنكس الهزيمه رؤوسهم واحببنا عبد العاطي صائد الدبابات وجميع زملاءه ممن حطموا ارتال الدبابات الاسرائيليه فوق ارضنا العزيزه وتحلقنا امام شاشات التلفزيون نسمع خطاب الرئيس السادات بعد العبور وهو يقول لاعضاء مجلس الشعب " ان التاريخ العسكري سوف يتوقف طويلا امام عمليات السادس من اكتوبر " نغني بفخر " عاش اللي قال للرجال عدوا القنال " وشهدنا سنه ٧٥ افتتاح قناه السويس بعد اغلاقها الطويل لمده سته سنوات منذ النكسه وحضرنا اعاده تعمير مدن القناه وفتح بورسعيد كمدينه حره تسافر اليها الرحلات المدرسيه والجامعيه وتعود منها بملابس مشتراه من السوق التجاري وكوبيات وصابون مستورد "بريحه" وكمبوت " اناناس وكريز " ، نحن الجيل الذي هتف بحياه الرئيس السادات حين عبرت قواتنا المسلحه المصريه قناه السويس وخط بارليف ونحن الذين سمعناه يقول " انه مستعد للذهاب لاسرائيل " وقبل ان نفيق شاهدنا بام عيوننا الرئيس السادات يهبط في اسرائيل بصحبه وفد سياسي عسكري وشاهدناه يصافح موشي ديان وجولدا مائير وسمعنا خطابه في الكينسيت الاسرائيلي من فوق منبره المكتوب عليه " من النيل للفرات " وعشنا رفع العلم الاسرائيلي فوق سماء القاهره وشاهدنا المظاهرات الاحتجاجيه علي الصلح مع العدو وقرآنا نصوص وبنود اتفاقيه كامب دايفيد وملاحقها السريه واحتفلنا ب " سينا رجعت كامله لينا ومصر اليوم في عيد " وشهدنا رفع العلم المصري فوق طابا المصريه وحضرنا " اوسلو " و" كوبنهاجن " وشاهدنا السلطه الفلسطينيه تعود للاراضي المحتله بعد توقيع الفلسطينين والاسرائليين الاتفاقيات الدبلوماسيه بينهما !!! نحن الجيل الذي عاش مرحله بناء الاشتراكيه والمصانع الحربيه وبناء السد العالي وصواريخ الظافر والقاهر والسياره " النصر " وشربنا " مصر كولا واللمنوجو والاورانجو" ثم عشنا مرحله الانفتاح الاقتصادي وشارع الشواربي والقطط السمان والمدينه الحره والتهريب " المشروبات الغازيه الكانز " ثم عشنا مرحله الرآسماليه الرشيده وكرابيجها الموجعه ،نحن الجيل الذي اشتري البيضه بتلات تعريفه وحضر المظاهرات الغاضبه تصرخ في الشوارع " كيلو اللحمه بقي بجنيه " واحتجز في الشوارع يوم خرجت مظاهرات ١٨ و١٩ يناير في كل المدن تصرخ غاضبه من الغاء الدعم وزياده الاسعار وعشنا حين كان لتر البنزين بعشره قروش وحضرنا ارتفاع اسعاره ببطيء حتي صار بمائه وخمسه وسبعون قرش واشترينا اللحمه حين كانت ب ٦٠ قرش ونتردد في شراءها حين وصلت ٥٠ جنيه !!! نحن الجيل الذي عاصر الجرائد القوميه الثلاث ثم شهد الجرائد الحزبيه ثم قرآ الجرائد المستقله ثم شهد طوفان الجرائد الخاصه المملوكه لرجال الاعمال تعبر عن ارائهم وتوجهاتهم وخصوماتهم ومحبتهم ووجهات نظرهم الخاصه ، نحن الجيل الذي ربي علي القوميه العربيه و" امه عربيه خالده من المحيط الثائر للخليج الهادر " ثم الغيت القوميه العربيه وتحدثنا عن الحضاره الفرعونيه والغزو العربي لمصر ثم سمعنا عن الامه الاسلاميه الواحده ماليزي مع باكستاني مع مصري ثم قرآنا علي مدخل القاهره ونحن عائدون من المطار " مصر اولا " !!! نحن الجيل الذي "احب لاخيه مايحب لنفسه" ثم رفع شعار اللي معاه قرش يساوي قرش ثم تفاخر باننا " اللي خرمنا التعريفه " ثم عدنا لاخلاق القريه و" اللي مالوش كبير يشتري له كبير " ثم قلنا " يلا نفسي " و " جالك الطوفان حط ولدك تحت رجليك " وابتلعنا في نهايه الليل كل الادويه المهدئه والمنومه وحاصرتنا الكوابيس من كل صوب عميق !!! نحن الجيل الذي عاش كل الاحداث والمتناقضات وشهد كل التطور والتقدم واكتئب من كل الهزائم وفرح بكل الانتصارات .. نحن الجيل الذي رقص علي السلم " لا اللي فوق شافونا ولا اللي تحت سمعونا " !!!!! وكل خمسين سنه وجيلي والوطن بخير .... الفقره الاخيره - اكم من احداث كثيره مرت علي الوطن لم اذكرها لانها تحتاج وحدها لخمسين مقاله !!!!!!

هناك تعليق واحد:

Alfaresa يقول...

عقبال 100 سنه اميرة
مقال اكثر من رائع
دام ابداعك
ودام قلمك ينبض
تحيااتي