نعم نحن شعب لا يهتم بالسياسة ولا يشارك في لعبتها، لا نؤمن بالتعددية الحزبية ولا ننتمي لأحزاب علي أسس برنامجية وسياسية ووجهات نظر سواء حزب الحكومة أو أحزاب المعارضة! نحن شعب لا يؤمن بمشروع مستقبلي، باختلاف المشاريع، لا أحد، أو الغالبية العظمي، لا تعرف ما هو شكل الغد الذي تريده، ولا أسسه السياسية ولا الاقتصادية رغم اختلاف وتناقض المشاريع والتصورات المختلفة للمستقبل، كل ما يريده المصريون، يعرفوا يعيشوا كويس ويربوا العيال بكرامة وربنا مايحوجهمش لحاجة ولا لحد، وبعد هذا فلتذهب السياسة وعالمها للجحيم، لا أحد يكترث!
القضايا الكبري التي تطرحها الأحزاب السياسية، سواء حزب الحكومة أو أحزاب المعارضة، كالحديث عن الديمقراطية والتعدد الحزبي وتداول السلطة والحديث عن الحرية السياسية وحرية الإبداع وحرية البحث العلمي وحرية المعتقد الديني وإلغاء أشكال التمييز الديني والطبقي والطائفي و.....لا تشغل احداً، لا أحد يقرأ البرامج السياسية ولا يكترث بمضمونها ولا فحواها ولا معناها ولا دلالاتها، كل هذا كلام كبير لايشغل الناس ولايكترثون به ولا يسمعوته ولا يصدقوته! نحن شعب لا يمارس السياسة بمعني الانخراط في العمل الحزبي والانضمام لعضوية الأحزاب، فالأحزاب للأحزاب، هكذا يؤمن غالبية الناس، الأحزاب لرجالها والسياسة لأصحابها وربنا يقويهم!
نحن شعب لا يهتم بالسياسة ولا تقل لي الأحزاب السياسية، عدد أعضائها المنخرطين في نشاطها الحزبي وأنشطتها السياسية! وهذا موضوع آخر يطول شرحة!
لماذا أقول هذا، لأن نتائج الانتخابات البرلمانية أكدت لي بوضوح شديد تلك الحقيقة، مازلنا قبائل وعصبيات وعائلات وطوائف وأصحاب مهن وفرقاً دينية، ننحاز لبعضنا البعض ونؤيد أولادنا - ظالما أو وظلوما - في أي موقع وكل موقع، وحين تأتي الانتخابات وبالذات البرلمانية، تقف العائلة أو القبيلة أو الفريق الديني خلف مرشحهم لانه" ابنهم"، هذه هي الصفة الوحيدة التي "تفرق" مع الناس وتحمسهم وتسير بهم لصناديق الانتخاب، ليس مهماً اللون السياسي الذي يلبسه " ابننا " ولا الشعارات التي يرفعها ولا الحزب الذي ينتمي له، المهم " ابننا " ينجح، ولأن المهم وفقط هو نجاح " ابننا " فليس مهماً الطريقة والوسيلة التي ينجح بها، ربما ينجح بإقناع الناخبين بانتخابه واعطائه أصواتهم في صناديق الانتخاب، وربما يشتري أصواتهم بالفلوس أو بالوعود أو بكليهما معا، وربما يروعهم بالبلطجية والأسلحة غير المرخصة، ربما يفشل في كل هذا فلا يكون أمامنا، نحن القبيلة والعائلة والعصبية، إلا إغلاق اللجان الانتخابية وحشر البطاقات الانتخابية والأصوات رغماً عن أصحابها في الصناديق لصالح " ابننا " العزيز الغالي حتي ينجح! وكل انتخابات واحنا وانتم طيبون !
لا تكلموني في السياسة وعن السياسة، ولا تكلموني في البرامج والشعارات، لاتكلموني عن الأحزاب السياسية معارضة أو حكومة، العائلات والقبائل والتربيطات والفرق المهنية والدينية هي التي تقول كلمتها في الصناديق الانتخابية وهي التي تحمل ابناءها للبرلمان علي اعناق القوة والفلوس والعلاقات العائلية والمجاملات والترويع وشراء الاصوات وترويعها، وكل شيء مباح ومقبول مادام في النهاية سيسفر عن نجاح الابن العزيز الغالي في الانتخابات و " ناسبنا الحكومة وبقينا قرايب"!
شعبنا العزيز، الملايين منه - عدا النخب الثقافية السياسية القليلة العدد الموجودة في العاصمة وعواصم المدن - لا يفهمون النظرية الدستورية، النائب نائب الأمة كلها، فالنائب الذي تسعي العائلات والقبائل والعصبيات لإنجاحه، هو نائب الخدمات الذي سيهتم في المقام الاول بعائلته وقبيلته وأهل بلدته هو الذي سيميز دائرته وابناءها ويختصهم بالخدمات المختلفة ويحاول جاهدا منحهم - بأي طريقة وبكل طريقة - كل المميزات التي يمكنه التحصل عليها من وجوده في البرلمان واقترابه من الوزراء والحكومة، ربما تخصيص قطعة أرض لمشروع، ربما رخصة كشك سجائر، رصف الشوارع، تشغيل العاطلين، توزيع شقق المحافظة، فيز الحج، العلاج علي نفقة الدولة وغيرها من المميزات الحياتية المختلفة التي يتصور الناخبون أنهم أبدا لن يحصلوا عليها إلا إذا كان لهم "ابن بار" في البرلمان !
ولان شعبنا لا يهتم بالسياسة، ولأن القبائل والعصبيات والاسر والطوائف تهتم وبشدة بوجود ابنائها ممثلين لها في البرلمان، ولان احمد عز فهم هذه الحقيقة فهما عميقا و " اللي تغلب به العب به " فبمنتهي المكيافيلية الواضحة والبراعة لم يغلق أبواب حزبه في وجة العائلات والقبائل واحتضنهم جميعا ومنحهم لافتة حزبه وسمح لأكثر من ابن من ابنائهم " الاعزاء " بالتنافس فيما بينهم تحت راية حزبة في نفس الدائرة و" كل واحد وشطارته"!
لو كان تمسك بمرشحين فقط عمال وفئات داخل الدائرة الواحدة لأغضب الكثيرين من العائلات والعصبيات التي لم يأخذ ابناؤهم ضمن قوائمه، ولان العائلات والعصبيات لاتهتم بالسياسة ولا يفرق معاها تخوض الانتخابات تحت راية الوفد أو الوطني أو أي حزب آخر، فالأمر المؤكد كانت ستذهب بأبنائها وقوتها واصواتها لأحزاب اخري غير حزب الحكومة وتخوض الانتخابات بكل قوتها وعنفوانها واموالها وبلطجيتها تحت رايات حزبية اخري ولصالحها وضد الحزب الوطني، ليس من منطق السياسة ولكن من منطق المصالح الخاصة.
لكن احمد عز ومعاونيه لم يتركهم يخرجوا من تحت عباءته سيما انهم يتمنون " الرضا " فوافق بمنهج تكتيكي جديد للغاية علي الساحة الانتخابية المصرية، وافق علي منح الفرصة لجميع " الابناء " تحت رايته، هكذا لا يغضب اي من الكتل التصويتية داخل الدائرة ولا يتركها تخرج من تحت عباءته وتذهب لأحزاب وقوي اخري نكاية في الحزب الوطني وتجاهله لهم وكأنه امسك عصا موسي فالتهمت عصي كل السحرة الآخرين والتهمت اصواتهم الانتخابية، واستحوذ قبل بداية الانتخابات علي الكتل التصويتية القوية وتأييد العائلات والقبائل والعصبيات لحزبة، فتحولت المنافسة في كثير من الدوائر بين مرشحي الوطني بعضهم وبعض، منافسة شرسة تبادل فيها مرشحو الوطني ايضا الاتهامات بتسويد الصناديق وشراء الاصوات وترويع الناخبين بل نشرت الصحف عن كثير من مرشحي الوطني انفعالهم بنجاح منافسيهم من الوطني لدرجة الغضب العنيف واطلاق الرصاص وقطع الطرق!
ونشرت احدي الصحف مؤخرا ان عائلة ما في احدي محافظات الوجه البحري والتي سقط مرشحها علي مقعد الوطني في الانتخابات لصالح مرشح وطني آخر قررت تنضم بأصواتها الستمائة لحزب الوفد! لا مبادئ سياسية في الامر ! و"اللي حبنا حبناه وكان متاعنا متاعه ومن كرهنا كرهناه وحرم علينا اجتماعه!
الانتخابات البرلمانية 2010 اكدت لي اكثر ان الشعب المصري لايهتم بالسياسة ولا بالمبادئ السياسية ولا بالأحزاب ولا برامجها! وهي في الحقيقة انتخابات فريدة تحتاج لقراءة متأنية عميقة لما حدث فيها وفهمه وفهم دلالاته علي مستقبل الوطن! فالاحكام المسبقة الجاهزة لاتصلح لتقييم وفهم هذه الانتخابات وفهم معناها ودلالاتها! وفهم اهم شيء قبل وبعد الانتخابات وهو، لماذا رغم كل ما يحدث لا يهتم المصريون بالسياسة ؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق