تابعت الانتخابات التشريعية في يومها الأول 28 نوفمبر 2011 وما حدث في ذلك اليوم وما قيل عنه.. وحينما قررت اكتب اليوم يوماتي، لم اجد ما اقوله جديدا وقررت أن اعود لكلماتي القديمة في مقالات سابقة اذكر نفسي بها وبمعانيها التي مازالت لها معني!
( 1 )
هل المشكلة التي يعيشها الوطن في أزمة الديمقراطية وتداول مقاعد الحكم، أن الحكومة غير ديمقراطية، أم المشكلة أن المعارضة ضعيفة؟ وهل ضعف المعارضة فقط بسبب عدم ديمقراطية الحكومة أم لأسباب تتعلق بالمعارضة ذاتها! لماذا لا يؤيد الشعب المعارضة؟ هل لأنه يؤيد الحكومة وراض عنها؟ هل لأن المعارضة لا تعجبه؟ هل لأنه خائف من تأييدها خوفا من بطش الحكومة؟ أم أن الشعب لا يفكر في الأمر أساسًا؟ هل المشكلة في الشعب ذلك السلبي الذي لا يشارك في العملية الانتخابية أساسًا ولم يستخرج بطاقات انتخابية رافضا المشاركة في تلك اللعبة، ومن استخرج منه بطاقات انتخابية استخرجها لأسبابه الخاصة البعيدة عن الصراع بين الحكومة والمعارضة، وحين تبدأ الانتخابات يبيع صوته الانتخابي لمن يدفع أكثر أو ينتخب من يمليه عليه ضميره القبلي أو العائلي بصرف النظر عن السياسة ودهاليزها؟ هل المشكلة في القيود الدستورية، أم المشكلة في طريقة الانتخابات وعدم نزاهتها وعدم شفافيتها، أم المشكلة في عزوف الناس عن المشاركة في الانتخابات، أم المشكلة في عقلية الناخب الذي مستعد لبيع صوته لمن يدفع أكثر أو تقديمه علي طبق من فضة لابن العشيرة أو القبيلة أو العائلة أو لصاحب السطوة أو النفوذ أو الجاه! أين المشكلة؟ أليس مهما أن نفهم ما الذي يحدث حولنا؟ اذا فهمنا وشخصنا الداء أمكننا معرفة الدواء! أين المشكلة؟
من مقاله "ما الذي يحدث في مصر الآن - 1" المنشورة في 21 ابريل 2010 .
( 2 )
لماذا لا يشعر المصريون بأي قيمة لأصواتهم الانتخابية عدا قيمتها في مزاد البيع العلني؟
ولماذا لا ينجح المرشحون في جذب اصوات الناخبين لاختيارهم بغير طريق سيف المعز وذهبه؟ وحتي نجد الاجابة، سيبيع الناخبون للأسف الشديد ــ وبعد ان باعوا اجسادهم وكرامتهم واطفالهم وبناتهم العذاري ــ أصواتهم في هذه الانتخابات وكل انتخابات قادمة فهي الباقية لهم مصدر متجدد للدخل في بلد يعيش فيه الناس تحت خط الفقر بدرجات كثيرة.
وإذا كنا لم نفعل شيئا وقت باع بعض المصريين اعضاء جسدهم، ووقت باع بعض المصريين فلذات اكبادهم، ووقت باع بعض المصريين بناتهم العذاري، ووقت باع بعض المصريين كرامتهم وآدميتهم واحترامهم لذاتهم، اذا كنا لم نغضب ولم نثور، لم نتألم ولم نتكلم، إذا كنا تقبلنا وتقبلنا وتقبلنا، وصمتنا وصمتنا وصمتنا، فلماذا اليوم واليوم بالذات انتفضنا؟ وهل الصوت الانتخابي اغلي من كل ما بعناه ومن كل ما سنبيعه؟
من مقال "مين يزود" المنشورة 16 نوفمبر 2005
( 3 )
ولأن النائب "نائب الأمة كلها" فنحن ابناء وبنات هذه الامة ننتظر من نوابنا الجدد ان يمثلونا جميعا ويعبروا عنا جميعا ولايكتفي أي منهم بدور قاصر في التعبير عن ابناء قريته أو محافظته أو دائرته الانتخابية مهما كان دعمهم له أو تأييده له، ننتظر من نوابنا الجدد أن يمثلونا جميعا نحن ابناء الامة وألا يدينوا بالولاء أو الامتنان لحفنة الناخبين الذين باعوا أصواتهم لهم أو خافوا منهم ومن بلطجيتهم أو خدعوا بوعودهم فحملوهم علي أجنحة الريح بمقاعدهم الوثيرة تحت قبة البرلمان.
ولأن النائب "نائب الأمة كلها" فهو ليس منوطا به تقديم الخدمات لأهل دائرته ولا التوسط لصالحهم ولا الانحياز لمشاكلهم الذاتية ولا الاهتمام وفقط بما يشغل بالهم، فنائب الأمة ليس وظيفته حمل طلبات أهل دائرته لتوقيعها من الوزراء ولا تشغيل أبناء ناخبيه في الوظائف التي يمكن بنفوذه الاستحواذ عليها ولا توزيع تأشيرات الحج عليهم ولا الاستئثار لهم بنصيب أكبر في قطن التنجيد ولا في زيت التموين، لذا فنحن ننتظر من نوابنا الجدد ممثلي الأمة كلها ان تتضافر جهودهم لصياغة مستقبل أفضل لنا جميعا فيدعموا وبقوة الإصلاح الديمقراطي المستهدف منع احتكار السلطة وتداولها ومحاسبة المسئولين الحكوميين والرقابة علي أعمالهم ومحاربة الفساد وعقاب القائمين به مهما علا شأنهم.
ننتظر منهم ان يرسموا السياسات الاقتصادية التي تزيح عن كاهلنا هم الحياة اليومية وتخفف عنا ضغوطها وتحافظ علي ثرواتنا القومية ولا تبدد مواردنا لصالح حفنة من الاثرياء أو مجموعة من الأجانب أو طبقة من الشعب علي حساب بقية الطبقات، ننتظر من نوابنا الجدد ان يخصصوا من مواردنا وميزانياتنا ما يدعم شعبنا المرهق في مجالات حياته المختلفة، فيتعلم صغارنا بحق تعليما ينور عقولهم ويطلق ابداعهم وينمي مواهبهم ويقودهم إلي رحابة المستقبل، ويتعالج مرضانا بحق علاجا إنسانيا يشفيهم من أمراضهم ويخفف من آلامهم دون تمييز لصالح المريض الاستثماري علي حساب المريض الفقير المكافح، ويسكن شبابنا في بيوت انسانية تحقق احلامهم المجهضة دوما تحت وطأة "الخلو" و"المقدم الباهظ" و"الزيادات السنوية للاجرة" وقسط التمليك للسكن الشعبي المتجاوز في قيمته لقيمة رواتبهم الأساسية وكل العلاوات. ننتظر من نوابنا الجدد أن يسعوا إلي توظيف الشباب والشابات خريجي المدارس المتوسطة بجميع انواعها وخريجي الجامعة في اعمال ووظائف منتجة خلاقة لاتنعكس عليهم فقط بالرفاهة والطمأنينة للمستقبل والانتماء الحقيقي للوطن، بل تنعكس علي الوطن بالرفاهة وزيادة الدخل القومي وامكانية تحقيق الأحلام القومية الكبري.
ننتظر من نوابنا الجدد أن يدعموا الثقافة الجادة المحترمة وفنانينا العظماء ومبدعينا المتميزين وكتابنا من اصحاب الفكر والرأي علي اختلافهم واختلاف وجهات نظرهم في الحياة الدنيا المبشرين للقيم الإنسانية الجادة التي تحترم العمل والجهد معيارا للتحقق والنجاح وتعترف بالكفاءة الشخصية والتمييز العلمي سبيلا للترقي، ننتظر من نوابنا الجدد ان يبذلوا كل الجهد للقضاء علي روح التعصب الطائفية واشاعة روح التسامح الديني والتقبل الفكري العقلي الحقيقي للآخرين واحترام قيمة المواطنة وتكريسها بشكل واقعي عملي ومحاسبة ومعاقبة أي عابث باستخفاف أو عن عمد بوحدة الأمة أو محرض علي المساس بها أو داعي أو متسبب في استعداء المواطنين علي بعضهم البعض لأسباب دينية أو طائفية.
ننتظر من نوابنا الجدد أن يدافعوا عن استقلال القضاء وتجرد القانون واطلاقية العدالة واحترام القضاة دفاعا عمليا واقعيا بعيدا عن الألفاظ الجوفاء والعبارات الطنانة الفارغة المفرغة من مضمونها، ننتظر من نوابنا الجدد أن ينحازوا للشعب الذي يمثلونه انحيازا مبصرا مدركا حقوق الشعب فيدافعوا عنها وعيا بمصالح الشعب فيلتزموا بها انحيازا واضحا ينعكس علي حياة الملايين الذين غضبوا من الحياة اليومية التي يعيشونها ويئسوا من الحلم الضائع الذي لا يملكونه وملوا من الضجيج السياسي الذي لا يعبر عنهم وزهدوا في المشاركة السياسية لإدراكهم اليقيني انها لن تغير من حياتهم شيئا.
من مقالة "نائب الأمة كلها" المنشورة 14 ديسمبر 2005
( 4 )
المشهد السياسي المصري، صاخب، متشابك، مليء بالضجة، انتقادات وأخبار وفضائح ونبرة عالية محتدة وصراخ أحيانًا، مظاهرات، وقفات احتجاجية هنا وهناك، بعضها مطلبي وبعضها سياسي وبعضها ديني، اتهامات متبادلة مستمرة ودائمة، غضب مستتر وأحيانًا متفجر، إشكاليات طبقية، طائفية، مقالات نارية بعضها تحريضي، بعضها مليء بالسخط والسخرية، بعضها مليء بالانتقاد والغضب، برامج تليفزيونية يومية تعرض كل شيء وتنتقد كل شيء وتهاجم كل شيء.. المشهد السياسي المصري، يراه البعض ديمقراطيا يسمح بالكتابة والقول والاحتجاج والتظاهر «أحيانًا» ويراه البعض مليئا بالقيود وبعيداً عن المعني الحقيقي للديمقراطية ويحول بين تداول السلطة وحرية التعبير وتكوين الأحزاب بلا قيود!
لكن كل هذا الصخب السياسي في الأوقات المهمة لا ولم يثمر شيئًا، لم نر زعامات سياسية جماهيرية حقيقية تصلح لقيادة الأمة والوطن، ربما قدمت الأحزاب والتيارات السياسية عبر تاريخها الحديث بعض الوجوه البراقة التي تصلح لمقعد برلماني أو منصب نقابي، لكنها لم تقدم زعيما للأمة زعيما للوطن، لم تقدم شخصيات مجمعة تصلح لقيادة الوطن - رغم الاختلاف حولها أو عليها - نحن لم نسمع عن أسماء رنانة لها تاريخ وثقل حقيقي وتراث نضالي يعرف عنها القاصي والداني في جميع أرجاء الوطن من أقصي شماله الغربي لأقصي جنوبه الشرقي يتوافق الجميع عليها ويقبلون جميعًا الانصياع تحت رايتها والدفاع عنها وعن شعاراتها ويقدمون حياتهم زودا عن حقها في الوجود، بل أكاد أقول ان الشعب يتابع كل ما يحدث حوله من صخب وضجيج من باب التسلية وكسر الملل، فكل الجهد الذي يبذل في الحياة السياسية المصرية لم يسفر عن تحميس وتحريض ودفع الناس للانتظام في الحياة الحزبية والمشاركة في أعمالها ودفع عجلة الديمقراطية للأمام، لا.. كل ما يحدث ينتقد ويهاجم ويغضب وفقط وقد يثمر أعمالاً احتجاجية عنيفة أو غضباً عشوائياً أو فوضي جارفة، كل هذا الصخب والضجيج لا يثمر حياة أفضل بل يؤدي لكارثة لا يعلم إلا الله حجمها في بلد ضخم له تاريخ وحضارة ودور إقليمي عربي وأفريقي وإسلامي وشعبه يزيد علي الثمانين مليوناً من المسلمين والأقباط!
من مقاله "ما الذي يحدث في مصر الآن - 2" المنشور في 22 أبريل 2010 .
نشرت بجريده روز اليوسف الاثنين 6 ديسمبر 2010
هناك تعليق واحد:
كلمات جميلة ومعبرة ..من انسانة لها كل التقدير والاحترام ..كلمات معبرة عن ما بداخلنا ونشعر بة فى حياتنا .. انك حقا رائعة يا استاذة.
إرسال تعليق