الأحد، 17 أكتوبر 2010

الفيس بوك !!!!



مازلت مقتنعة، أن في مصر أناساً وظيفتهم الوحيدة التي يجيدونها بشدة هي استثارة الغضب الشعبي! هؤلاء يبذلون مجهوداً رهيباً في إغضاب المصريين وإثارة حنقهم، يستجلبون من قلوبهم اللعنات ويشعلون في نفوسهم الحنق ويجهزونهم للانفجار لأي سبب وأتفه سبب وكل سبب! هل مجهوداتهم محض أمر عشوائي فطري أم مجهوداتهم جزء من عمل منظم لدفع الغضب في النفوس للانفجار؟!، الله أعلم، كل ما أعلمه أنهم موجودون ولا يكفون عن النفخ في النار ليل نهار بمنتهي الدأب وبمنتهي الإصرار! كل يوم حريق جديد يحيط بنا، خبر كاذب، تصريح مستفز، موقف غامض، وغضب من غضب واستفزاز من استفزاز وتصريحات إعلامية وحوارات وتكذيب ونفي وتمسك وشجب وتحليل للموقف وتحليل للتحليل و.......... جبل غضب يعلو فوق الجبال القديمة وربنا يستر!
فجأة وعلي رأي المثل (ياقاعدين يكفيكم شر الجايين) فجأة واحنا "قاعدين" يخرج أحدهم، قد يكون معارضاً وقد يكون حكومياً، قد يكون من الحزب الحاكم وقد يكون موظفاً كبيراً قد يكون علي المعاش ويدعي العلم ببواطن الأمور قد يكون رجل دين وقد يكون فناناً أو محامياً يبحث عن شهرة أو معداً لا يجلس المتفرجون أمام برنامجه التافه، أحد هؤلاء يخرج علي المجتمع بلا مناسبة بقول ما، في صورة خبر أو سر أو حقيقة مستورة يكشفها من أجل الصالح العام حسب زعمه أو حدث تاريخي مر وانتهي لكنه ينبش فيه ويحيي ذكراه.

وتشتعل النار ويزداد الغضب، ليس مهما بعد ذلك يكون الخبر صحيحاً أو كاذباً، ليس مهماً نتراجع عن التصريح أو ننفيه، ليس مهماً نعدل عن القرار أو نتمسك به، هذا كله ليس مهماً، فالمهم يكون قد حدث فعلا واشتعل الغضب أكثر وأكثر في نفوس المصريين!

هل معني كلماتي أن حياتنا "بمبي بمبي "وأن " الجو ربيع " بالطبع لا، حياتنا مليئة بالمشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية فالمواطن يعاني من الغلاء والمحاكم تمتلئ بقضايا الفساد والانحراف والفتنة الطائفية تظهر رأسها كل آن لتروعنا ثم تعود لمكمنها، المواطن يشكو من حال التعليم والصحة ومن بطء اجراءات التقاضي ومن ارتفاع ثمن الكهرباء وسعر الطماطم ومن الضريبة العقارية، يشكو من الفجوة الطبقية الواسعة في المجتمع الذي يعيش أربعون في المائة من مواطنيه تحت خط الفقر في نفس الوقت الذي يتقاضي أحد مطربيه ثمانين مليون جنيه لأنه قبل تمثيل بطولة مسلسل تليفزيوني في رمضان المقبل ووصل ثمن علبة السجائر أحد عشر جنيهاً ووصل كيلو اللحمة لمائة وعشرة جنيهات.... نعم عندنا مشاكل ضخمة، فقر وبطالة وأمية والانفجار السكاني والتربص الطائفي، عندنا مشكلة ديمقراطية وتداول السلطة والحكم! نعم كل هذا عندنا وأكثر.... لكن هذا كله كوم وما يحدث من استثارة الغضب الشعبي كوم آخر!

هذه المقدمة الطويلة بسبب الشائعة التي انتشرت عن نية الحكومة ووزارة الاتصالات في حجب الشبكة الاجتماعية الأشهر في العالم شبكة الفيس بوك، حجبها بمعني حرمان المصريين من المشاركة فيها وفي أنشطتها! هذه الشبكة تضم حوالي ثلاثة ملايين مصري سواء من داخل مصر أو من خارجها، بالطبع في حالة حجب الشبكة وحرمان المصريين من المشاركة في أنشطتها لن تخرج مصر ومشاكلها وقضاياها بشكل واقعي من الشبكة الاجتماعية.

فالمصريون من خارج مصر في كل دول العالم الذين يحبون هذا الوطن ويهمهم أمره والمشتركون في تلك الشبكة سيظلون يتحدثون عن مصر ومشاكلها من وجهة نظرهم - سواء أعجب كلامهم الحكومة المصرية أو لم يعجبها - ووقتها ستكون "الفضيحة بجلاجل" لأن المشكلة الأكبر التي سيطبل عليها الجميع ويرقصون هي (استبداد الحكومة المصرية وقمعها للحريات لدرجة حجب موقع الفيس بوك)!

هي مجرد شائعة... "الحكومة حتقفل الانترنت" من الذي قال هذه الشائعة، لا أحد يعرف وسرت الشائعة كالنار في الهشيم، المشاركون المصريون في الفيس بوك أحسوا بمؤامرة تدبر ضدهم بلا مبرر، فهي شبكة اجتماعية يتعارف فيها الناس ويتجمعون في مجموعات عمرية ونوعية وجغرافية حسب الاهتمامات والهوايات، شبكة اجتماعية يتعارف فيها الناس من كل بلدان العالم ويتحدثون بحرية ويكتبون ما يرغبون فيها وانت - المشترك - صاحب الحرية تقرأ هذا وذاك وتعجب بهذا وترفض هذا.

إنها شبكة اجتماعية من حقك تنتمي لها أو لا تنتمي ومن حقك تتعارف علي آخرين أو لا تتعارف! طبعا بعض مرتادي تلك الشبكة مهتمون بالسياسة ولهم آراء معلنة فيها، لكن البعض الآخر لا يكترث بالسياسة علي الاطلاق وتلك الشبكة الاجتماعية بالنسبة له ليست إلا وسيلة لكسر عوالم الوحدة والعزلة الاجتماعية التي يعيشها! وهذا وذاك أحرار فيما يهتمون به! البعض يعتبر الشبكة الاجتماعية مجالاً لنشر إبداعاته وكثير من الكتاب - الحكوميين والمعارضين - يعيدون نشر مقالاتهم علي تلك الشبكة وكل واحد يقرأ اللي يعجبه وكل واحد ينام علي الجنب اللي يريحه!

فهل ضاق صدر الحكومة ببعض المقالات و"النوتس" علي الفيس بوك لدرجة حجب الموقع عن مصر! لا أظن هذا! الحقيقة عندما سمعت الشائعة في البداية استهزأت بها وكدت اتجاهلها لكن مواقع أخري علي الإنترنت نشرت الخبر (أو الشائعة) وانقسم الناس بين مصدق ورافض وغاضب وبسرعة تكونت جروبات علي الفيس بوك لا يجمع بين أعضائها فقط إلا رفضهم النية الحكومية لحجب الموقع في مصر!

وبسرعة انهالت الناس فوق رأس الحكومة باللعنات لأنها ستحجب موقع الشبكة الاجتماعية في مصر ولأنها ضاقت بالحرية ولأنها ستكمم الأفواه و.............. وانهمرت التحليلات السياسية الفيسبوكية للشائعة ومبررها وسببها وكيفية التصدي لها و...... مازالت القطة تجري وسط الحقول مشتعلة الذيل!

الحكومة نفت أنها تنوي حجب موقع الشبكة الاجتماعية «الفيس بوك» في مصر! لكن خبراء استشارة الغضب الشعبي لم يصمتوا ولم يصدقوا و" وهو فيه حد برضه يصدق الحكومة " و............. الغضب يزداد ويزداد، بلا قضية حقيقية و بلا أي سلوك عملي يفصح عن اتجاه الحكومة لحجب الموقع ولا إغلاقه في مصر ولا منع المصريين من المشاركة فيه! لا أعرف من الشرير الذي اطلق الشائعة ولم أصدقها! لكني أعرف جيدا أن هناك ملايين المصريين المشتركين في تلك الشبكة سيغضبون غضباً شديداً لو حجب الموقع في مصر وغضبهم لن يبقي صامتاً بل سينتشر في كل أرجاء شبكة الإنترنت والمواقع والمدونات يلوم الحكومة التي ضاق صدرها بالفيس بوك!

هل هذه نتيجة تطمح الحكومة في الوصول إليها وتتمناها؟ بالطبع لا، لكن أحد يراكم الغضب ضد الحكومة لأسباب مختلفة أضاف عليها تلك القضية الصغيرة التي قد يراها البعض تافهة لكني أراها حالة نموذجية لسلوك خبراء استشارة الغضب الشعبي الذي أخصهم - وليس الفيس بوك - بحديثي اليوم! انتبهوا إن أكبر الحرائق من مستصغر الشرر، إن أكبر الحرائق من مستصغر الشرر!

نشرت في جريده روز اليوسف اليوميه 18 اكتوبر 2010

هناك تعليق واحد:

يا مراكبي يقول...

بغض النظر عن الحكومة وعن أفعالها .. إلا أنني أتفق معكِ تماما في كمية الحنق التي تصيبني كلما انتشرت شائعة كتلك أسرع من النار في الهشيم .. وكأننا ينقصنا ما يؤجج ما فينا فنبتكر المزيد من المشاكل ونفتعل أنواعاً أُخرى منها فنسكب مزيدا من البنزين على النار المشتعلة أصلا

وأنا من رأيي أن الحكومة بالفعل قد ارتكبت - والأمثلة كثيرة - ما هو أسوأ بكثير من اغلاق الفيس بوك أو حجب الإنترنت .. وما أكثر ما فعلته الحكومة بالفعل من تكميم للأفواه وحجب للحريات ولا أعتقد أن الفيس بوك والإنترنت سيضر بها أبدا .. فتأثيرهما معا لازال ضعيفا للغاية في شعب تعدادُه أكثر من 80 مليونا