الاثنين، 21 يونيو 2010

اليوميات .. قليل من الانتباه يجعل حياتنا افضل ...

القبح يغزو حياتنا ( 4 )

قليل من الانتباه يجعل حياتنا افضل


تعاني مدينتنا العريقة من تنافر وتناقضات معمارية تؤذي البصر والنفس وترهق الروح، ويتعالي الكثيرون علي تلك التناقضات وذلك التنافر باعتبارنا نعيش مشاكل كثيرة أولي بالاهتمام من تلك المشاكل التافهة، نعم نعيش مشاكل كثيرة في حياتنا، نعاني أزمات اقتصادية وإشكاليات اجتماعية وعنفًا وتوترًا، نشكو من الغلاء والزحام والفساد والتفاوت الطبقي، نعم نعيش كل هذا وأكثر، لكن من قال إن القبح لا يزيد وطأة الإحساس بالمشاكل و«يكتم علي النفس» ويوجع القلب، القبح يزيد وطأة الإحساس بالمشاكل و«يكره الواحد في عيشته» لأنه يتسلل للروح كالسم في البدن يؤذيها ويوهنها، الجمال يساعد علي التحمل ويهون الأوجاع ويخفف من قبضة المشاكل ويقوي القدرة علي التحمل والمقاومة، عندما ننظر للبحر أو لحديقة غناء أو لزهور ملونة، تنشرح قلوبنا بلا سبب معروف وترتسم الابتسامات علي وجوهنا وإحساسنا بقيمة الحياة يزداد ويفيض!

«الله جميل يحب الجمال» قول مأثور تركه لنا الأقدمون يلخص قيمة الجمال في حياتنا، فالجمال هو المكافأة للصالحين والأخيار في الجنة ونعيمها، الجمال هو الذي يرقي الروح ويميز البشر عن الحيوانات والزواحف التي لا تأنف العيش في القبح ووسط مظاهره المقززة!

لكن مدينتنا العريقة للأسف تعاني اجتياحًا وحشيا لجميع مظاهر القبح، وكأن البثور والتقرحات طغت علي وجهها الذي كان جميلا، كأن يد شريرة تمحو بعمد وغلظة جميع أشكال الجمال التي كنا نعيش فيها وتفرض علينا واقعًا قبيحًا مقززًا وتجبرنا علي تحمل قيحه وتشوهاته، فنتأفف ثم نتعايش ثم نتبلد!

وكثير من أشكال القبح التي تفرض علينا كأمر واقع لعين، كان يمكن تجنبها لو فكر أحدهم -ولا أعرف بالضبط من هو- لو فكر في المواطنين وأحبهم وأشفق عليهم من قسوة الحياة التي نعيشها فعلا وقرر بجهد بسيط منحهم بعض أشكال الجمال البسيطة المبهجة سواء في الشوارع أو شكل المباني أو إنشاء بعض الحدائق أو تنسيق شكل كورنيش النيل والحدائق الصغيرة المقامة عليه وجمع القمامة، لكن أحدًا لا يحبنا ولا يشفق علينا ولا يرأف بحالنا، بالعكس، يسمون أبداننا بالقبح والألوان المتنافرة والأشكال القبيحة للمباني وتلال القمامة، كأننا ارتكبنا جرما -لا أعرفه- فحق علينا العقاب المستمر!

وانعدام الجمال في حياتنا يؤدي لفساد الذوق العام وفساد الذوق العام يؤدي للبلادة والبلادة تنزع عن البشر أميز ما فيهم وهي رهافة الروح وجمال الإنسانية وتترك لهم من الحياة مجموعة من العمليات البيولوجية الضرورية لاستمرار النوع سواء بين البشر أو جميع الكائنات والمخلوقات الأخري!

وبمناسبة الذوق العام الذي فسد وانحط، راعني -وسأتحدث هنا عن ما رأيته بعيني شخصيا- راعني ما يحدث في الأحياء والمدن الجديدة من فوضي الألوان وأنماط البناء في جميع المباني الجديدة! وأفرق هنا بين أمرين، المباني في المجمعات والمدن السكنية التي تبنيها شركة واحدة علي نمط وشكل معماري وألوان واحدة متجانسة، وبين المباني التي يتم إنشاؤها علي قطع الأراضي التي بيعت للأفراد للبناء عليها بشكل فردي.

في تلك المناطق التي بيعت للأفراد، اهتمت الأحياء والجهات التنفيذية المسئولة عن البناء وتراخيصه بإلزام المشترين والملاك بقيود في ارتفاع المباني وبقيود اتفاق لصالح الجيران وقت البناء بترك مساحات جانبية بين المباني المقامة، لكن الأحياء والجهات المعنية بالأمر لم تكترث بأنماط البناء ولا ألوان الواجهات لكل المباني الجديدة التي شيدت ومازالت تشيد في تلك الأماكن، فعشنا واقعًا غريبًا سخيفًا، أحياء جديدة ما زالت تحت الإنشاء والبناء لم يفكر أحد في توحيد ألوان مبانيها، لم يقسم تلك المناطق لأحياء يجمع بين مبانيها وحدة اللون ووحدة نمط البناء، فإذا بالمباني تتنافر من حيث نمطها المعماري وألوان مبانيها وشكلها وواجهتها الخارجية، تنافر يؤذي البصر ويرهق العين، لماذا؟

ربما يقول البعض إن ذلك محض حرية شخصية للملاك، كل منهم يحدد ما يريده، النمط المعماري للبناء ولون البناء، وأن تقييد تلك الحرية يشكل اعتداء علي الملاك، وربما يتقي البعض الشائعات التي قد تلاحق الأحياء إذا ما أجبروا الملاك علي توحيد ألوان الواجهات باعتباره نوعا من التسويق التجاري لألوان محددة دون بقية الألوان بما يتبعه ذلك من ركود في بيع الألوان الأخري التي تحظر الأحياء طلاء واجهات العمارات والمباني الجديدة بها، ربما يقول البعض إنه لا توجد مشكلة علي الإطلاق وأني أخترع مشكلة لم تؤذ أحدًا ولم يتضرر منها أحد وأنه لا داعي للتدخل في حياة الناس أكثر مما يلزم بإجبارهم علي طلاء منازلهم بألوان خاصة، لكني لا أوافق علي هذا المنطق المعووج، نعم علي القانون والجهات التنفيذية مراعاة حريات الملاك، لكن علي الملاك مراعاة الطابع الجمالي للمدن التي نعيش فيها جميعا، هم وغيرهم من المواطنين، فالحرية ليست مطلقة وليست عشوائية، الحرية الشخصية دائما مقيدة لصالح المجموع، من حق الناس في تلك الأحياء أن يطالعوا مباني عمارات وفيللات يجمع بينها علي الأقل اللون الواحد منعا للضوضاء والصخب البصري، فالألوان المتنافرة مزعجة ومرهقة للعين والرأس والروح!

والحقيقة ليس معقولاً أن يقوم بعض ملاك الأراضي ببناء عمارات وفيللات غاية في الجمال المعماري والشكلي ثم يحيطهم بشكل قهري مباني وعمارات بألوان منفرة وتصميمات قبيحة تحت حجة (كل واحد حر)! هل ما أتحدث عنه مشكلة؟ أم أن القبح صار شيئًا عاديًا في حياتنا الحديث عن وجوده منتهي الرفاهية التي لا مكان لها في مجتمع يعيش مواطنوه مشاكل كثيرة عظيمة تتجاوز في أهميتها القصوي أهمية تلك المشاكل التافهة!

أنا حزينة لأن القبح يغزو حياتنا، حزينة لأننا اعتدنا علي القبح، حزينة لأننا لا نتذمر منه ولا نشكو من وجوده، حزينة لأن كل مواطن يؤمن أن حياته مثل جحا داخل منزله فقط وما يحدث في الشارع خارج جدرانه لا يخصه، حزينة لأن كل مواطن يقول: «يالا نفسي» فيطلي منزله باللون «الفحلقي» المقزز ويعتبر أي مساس به اعتداء علي حقوقه يدافع عنها بكل قوة وعنف! حزينة لأن أحدًا لا يهتم بما أصفه وأعاني منه! لكني أتصور أن حياتنا صعبة وشاقة بما يكفي وأن حل بعض المشاكل التافهة يهون علينا صعوبة تلك الحياة ويقلل اكتئاباتنا النهارية والليلية! وللحديث بقية!

الفقرة الأخيرة.. شوارع واسعة ونظيفة وحدائق بها أشجار تضخ أوكسجين وتكسر حدة الشمس الحارقة، وزهور ملونة تشيع البهجة وأرصفة للشوارع نستطيع السير فوقها بأمان وراحة ومبان لها ألوان واحدة ونمط معماري واحد وأماكن لركن السيارات! هل أتحدث عن الجنة؟

نشرت في جريده روز اليوسف اليوميه الاثنين 21 يونيو 2010

http://www.rosaonline.net/Daily/News.asp?id=69273

ليست هناك تعليقات: