الاثنين، 14 يونيو 2010

اليوميات > القبح يغزو مدينتنا!



القبح يغزو حياتنا ( 3 )
صرخه في الفضاء

اعتادت الناس في مدينتنا علي التعايش مع القبح بأشكاله المختلفة بلا غضاضة، ربما من سنوات بعيدة تذمرت الناس واشتكت من مظاهر القبح المختلفة، قطع الأشجار، إلقاء القمامة في الشوارع وتركها تفوح منها الروائح النتنة وتحوم حولها الحشرات وتعيش فيها القوارض، منح تراخيص تجارية لمحلات وسط المباني السكنية، احتلال الأرصفة للمقاهي والمطاعم، كل هذا وأكثر تذمرت منه الناس واشتكت لكن أحداً لم يهتم بشكاواهم ولم «يعبرهم» ومر وقت طويل ساءت الأحوال فيه أكثر وانتشرت مظاهر القبح في أرجاء المدينة كلها لا تفرقة بين ما يسمونها أحياء الأثرياء ومتوسطي الحال وبين الأحياء الفقيرة والعشوائيات، ومن أهم الأشياء التي تنشر القبح في المدينة ليس علي المستوي المعنوي الوجداني الرهيف فقط بل علي المستوي المادي المقزز هو موضوع القمامة!


هل انتشرت القمامة في مدينتنا أكثر وأكثر عما كان الأمر عليه من سنوات قليلة قريبة؟ لا أعرف، فقط أسأل سؤالاً يحيرني، أرصد ما أراه، فأينما مشيت أو عبرت شارع حارة درب ميدان مترجلا علي قدمك أو في سيارتك أو في المواصلات، إلا ووجدت القمامة ملقاة بشكل مخيف علي الأرصفة وتحت العقارات وعلي جوانب الميادين، دائمًا هناك في كل مكان وأي مكان، تل قمامة تعبث فيه القطط وتنبعث منه الروائح الكريهة، الناس اعتادت حتي تلقي بقمامتها في الشوارع بلا غضاضة، وفي بعض الأحياء الراقية «كانت ولم تعد» تجد السيارات الفارهة تركن بجوار تلال القمامة فتدخل سيارتك وتخرج منها وأنت تدهس في القمامة طبعًا بعدما تهش القطط»!! أما في الأحياء الشعبية والمناطق متوسطة الحال فحدث ولا حرج، القمامة في كل مكان، وعلي كل الأرصفة ورأس كل الحارات، وكأن الناس توافقت علي إلقاء القمامة في تلك الأماكن ويوما بعد يوما تتحول رءوس الشوارع ومداخل الحارات لمقالب قمامة دائمة يتخلص فيها الناس من قمامتهم اليومية! هل هذا عادي؟ هل عادي أن نعيش محاطين بالقمامة مخنوقين برائحتها النتنة معذبين بذبابها اللزج وقططها المتوحشة وفئرانها المقززة؟ .

هل تخلت الأحياء عن مسئولية رفع القمامة من الشوارع؟ هل هناك شركات خاصة منوط بها رفع القمامة لكنها لا ترفعها؟ هل صحيح أن الزبالين بعد ذبح الخنازير وصعوبة تخلصهم من القمامة العضوية التي كانت تأكلها الخنازير، هل صحيح أنهم امتنعوا عن رفع الزبالة من الشوارع، أين تقع المشكلة بالضبط؟! القمامة تحيط بنا من كل جانب، والناس اعتادت علي وجودها ولم تعد تشم رائحتها النتنة واكتفت بإغلاق النوافذ والشرفات عليها في منازلها لتتقي شر الذباب المتوحش المتكاثر علي تلال القمامة! هل هناك جهة حكومية أو خاصة ما منوط بها مسألة جمع القمامة وتنظيف الشوارع منها، أليست القمامة في كل بلاد الدنيا يتم تدويرها والاستفادة من مخلفاتها.

لماذا لا نستفيد من تلك القمامة ونرحم الناس من شرها ورائحتها ومنظرها وقبحها؟ هل التخلص من القمامة مسئولية كل مواطن وحده، وإذا كنت لا أجد مكانًا ألقي إليه بقمامتي ولا أحد يمر لرفعها ويخلصني منها، ما هو التصرف المطلوب مني عمله، حرقها؟ وتلويث البيئة أكثر وأكثر وخنق المدينة المختنقة بالعوادم والأتربة أكثر وأكثر! رميها في الشارع باعتبار أن الشارع لا يخصني وفقط بيتي ومكاني هو الذي يخصني وأهتم به؟ نعم نحن نعاني من مشكلة قمامة في الشوارع نعم الشوارع والميادين والحارات التي نعيش فيها ونسير عليها ونمر بها تلوثت بتلال القمامة ورائحتها ومنظرها الكريه المؤذي للعين، نعم اعتاد الناس علي منظر القمامة تحيطهم من كل جانب وعلي رائحتها وعلي وجودها في حياتهم ولكن... ألا يهم الأمر أي شخص أو أي جهة يحب هذا البلد ويري أنه لا يليق بنا ونحن نتحدث عن تاريخنا وحضارتنا ودورنا الإقليمي، لا يليق بنا تقبل وجود القمامة حولنا بتلك الطريقة المنفرة المقززة! ألا يهم الأمر أي شخص أو أي جهة! ألا يكترث وزير الصحة بالآثار السلبية للقمامة علي صحة المواطنين، ألا يكترث وزير البيئة لانتشار الروائح النتنة المنبعثة من تلال القمامة.

ألا يكترث للدخان الأسود الثقيل الذي يخرج من تلال القمامة التي يحرقها المواطنون بأنفسهم بعدما يضجون من وجودها وآثارها المقززة علي حياتهم... ألا يكترث وزير الثقافة بمنظر تلال القمامة في شوارعنا ومياديننا والتي اعتاد علي منظرها ووجودها المواطنون قليلو الحيلة باعتبار الأمر ما يتناقض ورسالة الوزارة في نشر الذوق والفن والثقافة والرهافة! لماذا أكتب هذا الكلام، أكتبه احتجاجًا وغضبًا واشمئزازًا مما يحدث حولنا، صرخة تدوي في الفضاء لا أحد يسمعها، لكنها في النهاية تؤكد أننا جميعًا لم نتبلد بعد!

الكلمة الأخيرة- كنت في الإسكندرية في وسط المدينة أحمل كاميرا لتصوير المدينة العريقة وكورنيش بحرها، لكن القمامة أفسدت الصور، ما إن تنظر من الكورنيش صوب البحر حتي تقابلك القمامة متراكمة أمام عينك، لو نظرت للبحر ستجده يلفظ طيلة الوقت قمامة ألقيت فيه لكنه لا يقبل بوجودها فيراكمها علي الشط، كنت في وادي الريان في الفيوم أصور، لكن القمامة أفسدت الصور، القمامة تتطاير فوق الرمال وعلي طرف البحيرة تفسد شكل الصور التي التقطتها لمكان ذي طبيعة خلابة لكن البشر أفسدوه بسلوكياتهم الصغيرة بلا أي اكتراث من منطق (وهي جت عليا).. يارب يارب يارب نفسي أعيش يوم ما يبقاش فيه زبالة في الشوارع يارب يارب!

نشرت في جريده روز اليوسف اليوميه 14 يونيو 2010

http://www.rosaonline.net/Daily/News.asp?id=68150

ليست هناك تعليقات: